Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

امتعاض إيراني من الضغط الدولي يحبط تسريع حكومة لبنان

عون يهاجم الحريري ويقحم السفراء بوقائع خلافه معه ويرفض ملاحظاتهم

استغربت السفيرة الفرنسية نفي عون أنه يطالب بالثلث المعطل في الحكومة (دالاتي ونهرا)

يتنقل المشهد السياسي اللبناني المأزوم بين الارتهان للتوترات التي تعيشها المنطقة، وبين الصراعات الداخلية على السلطة، بحيث ينام اللبنانيون على قناعة بأن مشكلة الفراغ الحكومي سببها خارجي يتعلق بتعقيدات التفاوض بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، ثم يستيقظون على مساعٍ تبذلها هذه الجهة أو تلك من أجل معالجة التخفيف من حدة الصراع المحلي على السلطة بين الأفرقاء، لا سيما فريق رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري.

وإذا كان طبيعياً أن يُغرق هذا التأرجح بين أسباب الانسداد في أفق الحلول للأزمة التي تعصف بلبنان، عامة الناس في حيرة، فإن المؤكد أن بقاء الوضع معلقاً مهما كانت خلفياته، يزيد من تفاقم الأزمة المعيشية ومن نسبة الفقر بين اللبنانيين، ويهدد بانزلاق الأوضاع إلى حال من الفوضى. ومع كثرة الدلائل إلى قرب ذهاب لبنان نحو وضع اجتماعي كارثي، تكفي الإشارة إلى ما صدر عن منظمة الأغذية الدولية "فاو" في 25 مارس (آذار) الحالي، حين حذرت من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى ارتفاع مستوى الاضطرابات وأعمال العنف. وعدت المنظمة التي تتولى تقديم مساعدات في لبنان خصوصاً للنازحين السوريين، لبنان مع اليمن وسوريا والصومال "من الدول المهددة بانعدام الأمن الغذائي لجزء من سكانها".

وصدرت في نهاية الأسبوع الماضي، مواقف تنبئ بإمكان قيام مساعٍ جديدة لإحداث خرق في جدار التصلب في المواقف، لكن الوسط السياسي استفاق يوم الإثنين 29 مارس (آذار) على تشاؤم تجلى من خلال وقائع عدة:

أولاً، أكد الرئيس عون في حديث صحافي " أنا لا أريد الثلث المعطّل، واتهام الحريري لي بأنني أسعى إليه ‏باطل". وعن اتهامه بأنه يسعى الى إحراج الرئيس المكلّف ‏لإخراجه، نفى عون صحة هذا الانطباع، معتبراً أن "العكس صحيح، والحريري ‏هو مَن يحاول ان يُحرجني ليُخرجني عن قواعد التشكيل السليمة، إلا ‏أنني لن أرضخ لذلك". كما رفض عون تمسك الحريري بأن يكون حجم الحكومة 18 وزيراً، واعتبر أن الحريري "أصبح أخيراً غريب الأطوار، وكأنني لا أعرفه".
ثانياً، رد الحريري على ما قاله عون بتغريدة جاء فيها "وصلت الرسالة... لا داعي للرد. نسأل الله الرأفة باللبنانيين". وعن المقصود بهذا الكلام أوضحت مصادر الرئيس المكلف لـ "اندبندت عربية" أن رئيس الجمهورية "تناول الحريري بالشخصي، ونسف المساعي لإيجاد حلول وسط مع أن الرئيس المكلّف أبدى استعداداً لقبول وساطات من رئيس البرلمان نبيه بري وغيره لمعالجة الخلاف على تأليف الحكومة تحت سقف الالتزام بحكومة اختصاصيين غير حزبيين ومن دون حصول أي فريق على الثلث المعطل.
ثالثاً، أن بري الذي كان يتهيأ منذ الجمعة 26 مارس لطرح أفكار لتدوير الزوايا، وجد في بيان صدر عن "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل، يوم السبت 27 مارس يهاجم الحريري ويتهمه بأنه يسعى إلى الحصول على النصف زائداً واحداً في الحكومة وبأنه يصادر صلاحيات عون في التأليف، على أنه يقطع الطريق على وساطته. وقال أحد النواب الذين التقوا بري في اليوم نفسه أن هذا البيان قضى على إمكان بذله جهوداً جديدة. وعبّر بري عن تشاؤمه بالقول أثناء افتتاحه الجلسة النيابية التشريعية الإثنين 29 مارس، بالقول إن "البلد كله بخطر اذا لم تتألف حكومة، وسنغرق كسفينة التايتانيك من دون استثاء". تبع ذلك بيان مطوّل صدر عن "حركة "أمل" التي يرأسها بري، دعا إلى "إخراج الموضوع الحكومي بكل تشابكاته، تأليفاً وتشكيلاً وتعطيلاً، من خانة المصالح الضيّقة ومربّع التوظيف الطائفي والمذهبي الذي أوصل لبنان إلى منزلقات قاتمة وخطيرة". وطالبت الحركة بـ "تلافي انعكاسات ذلك على المساعي المبذولة لتحريك مياه التشكيل الحكومي الراكدة عند حدود المطالب الضيقة والمصالح الشخصية ورفع وتيرة الخطاب السياسي بسجالات لا تؤلف حكومة ولا تنقذ وطناً يتهدده الانهيار الذي لن يستثني احداً، بل سيشمل الجميع بمخاطره في حين يتعامى البعض عن هذا الأمر ويتصرف كأن جرس الإنذار غائب عن اسماعه".

استدعاء عون السفراء ينقلب ضده؟

وشهد المسرح السياسي اللبناني خلال الأسبوع الماضي، تحركاً خارجياً لافتاً على إثر انفجار الخلاف مجدداً بين عون والحريري بعد الاجتماع الثامن عشر بينهما في 22 مارس، على تشكيل الحكومة، وطريقة تسمية الوزراء والحصص فيها وفي شأن صلاحيات كل منهما.
وكان الرئيس عون طلب الثلاثاء 23 مارس، لقاء السفير السعودي وليد بخاري، غداة اجتماعه الفاشل مع الحريري، ثم سفيرة فرنسا آن غريو، وبعدها السفيرة الأميركية دوروثي شيا، لإطلاعهم على وجهة نظره من الخلاف مع الحريري. وأراد "الفريق الرئاسي" استباق أي لوم دولي له بأنه يعرقل تأليف الحكومة التي يلح عليها المجتمع الدولي بمواصفات توحي بالثقة، لتقديم المساعدة للبنان، بإلقاء اللوم على الحريري على أنه وراء تأخير هذه الحكومة. وحضر أحد أعضاء "الفريق الرئاسي" اللقاء مع السفير بخاري الذي شدد لاحقاً في بيان مكتوب على احترام اتفاق الطائف وضرورة قيام حكومة تحقق الإصلاحات المطلوبة ليتلقى لبنان المساعدة. واللافت أنه خلال المداولات، وفي وقت كان عون يشتكي من أن الحريري يفتئت على صلاحياته، أثار بخاري ملاحظة حول الخلاف على صيغة الحكومة والثلث المعطل الذي يطرحه عون فرد الأخير قائلاً إن تأليف الحكومة "شأن داخلي"، موحياً بأنه يرفض التدخل من قبل السفير في الشأن الحكومي، على الرغم من إعلان الأخير مراراً أن تأليف الحكومة أمر يعود إلى اللبنانيين لا تتدخل الرياض فيه مع أن كثيرين طلبوا منها التدخل. ورأت مصادر سياسية بارزة علمت بهذه الواقعة، أن "فريق الرئاسة" متناقض في سلوكه حين يستدعي السفراء لإطلاعهم على تفاصيل داخلية، ثم يرفض منهم ملاحظة على تلك التفاصيل.
أما في اللقاء مع السفيرة الفرنسية غريو، تولى مستشار عون، الوزير السابق سليم جريصاتي، شرح وجهة النظر باتهام الحريري بخرق الدستور، واستأثر بالكلام معظم الوقت، ما اضطرها إلى مطالبته بفسح المجال للرئيس عون كي يتحدث، لرغبتها بسماع وجهة نظره. وهو أمر يشكو منه سفراء كثر من الذين يتبرمون من أن مستشاري عون يتحدثون باسمه ويغرقونهم بتفاصيل ومناورات لا طائل منها، بل إن السفيرة غريو استغربت حين سمعت نفياً من عون بأنه يطالب بالثلث المعطل في الحكومة، ولما واجهته بالأوراق التي كشف الحريري أنه أرسلها إليه، وتضم الثلث المعطل لمصلحته، تنصل من أن يكون هو مَن بعث بها إلى الحريري، ما زاد من استياءها الذي عبرت عنه في الاجتماع نفسه.

الثلث المعطل

وخلال الاجتماع مع السفيرة الأميركية شيا دعت الأخيرة، مثل بخاري وغريو، عون إلى التخلي عن مطلبه بالثلث المعطل لأنه شرط يعرقل تأليف الحكومة، وطالبته بالتخلي عن مطالب وشروط تحول دون إنجاز الحكومة، وحثته على الإقدام على تسوية مع الحريري لإخراج البلد من الجمود في السلطة التنفيذية، لأنه يؤذي المعالجات المطلوبة للأزمة المالية الاقتصادية.

وتقصدت السفيرة الفرنسية الاجتماع إلى رئيس البرلمان نبيه بري فور انتهاء لقائها بعون، لمقارنة الوقائع، فيما التقت زميلتها الأميركية الحريري لإطلاعه على فحوى اجتماعها مع عون، والاستماع إلى روايته للخلاف.

لكن ما أجمعت عليه مصادر الذين اطلعوا من السفراء الثلاثة على وقائع اجتماعهم مع عون، أكد مجدداً أن الأخير وفريقه لا يريدان بقاء الحريري في رئاسة الحكومة.

امتعاض إيراني وتحرك لبري والراعي

وتوقعت الأوساط السياسية التي اطلعت على حركة السفراء، تنسيقاً بين عواصم الدول التي يمثلونها، كما تحدثت عن تحرك دولي جدي وضاغط على الرئاسة اللبنانية في الأيام المقبلة، من أجل تسهيل قيام الحكومة. ويستند هذا التحرك إلى تأييد هذه الدول للسقف الذي التزمه الحريري، أي عدم حصول أي فريق على الثلث المعطل في الحكومة، وأن تكون من اختصاصيين غير حزبيين، بعدما استمعوا منه إلى ليونةً في الموقف حيال إمكان تعديل بعض أسماء الوزراء الذين اقترحهم في لائحته إذا كان لدى عون ملاحظات عليهم.
وواكبت التحرك الفرنسي - الأميركي الضاغط، أنباءً عن إعادة تحريك وساطتين محليتين، قام بهما بري والبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، الذي تقصّد دعوة الحريري إلى العشاء واستمع إلى روايته لوقائع اجتماعه الأخير مع عون. والمعروف أن بري والراعي يساندان الحريري في إصراره على حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين، وعلى رفض حصول أي فريق على الثلث المعطل. ويسعى بري إلى إيجاد مخرج لا يكسر أياً من عون والحريري، ويقضي بزيادة عدد الوزراء إلى 20 بدلاً من الصيغة التي اقترحها الحريري، أي 18 وزيراً، وإلى اتفاقهما على اسم لوزير الداخلية بدلاً من أن يسميه الحريري، الأمرالذي كان رفضه عون.
في موازاة ذلك، انتقل المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم إلى باريس في الساعات الماضية لاستطلاع موقفها، خصوصاً أنه كان شارك في كثير من اتصالات الوساطة بين عون والحريري. إلا أن بري عدل عن مبادرته بعد صدور بيان "التيار الوطني الحر" السبت مهاجماً الحريري، فيما أوضح أحد مستشاري الراعي لـ "اندبندت عربية أن البطريرك "لن يقدم على أي خطوة إلا إذا تأكد بأن هناك ضوءاً ما في الأفق".

وقوبل التحرك الدولي الضاغط بموقف سلبي من قِبل إيران في شكل يعيد تظهير الخلفية الإقليمية لتعطيل الحكومة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وصدر الموقف الإيراني ليل الخميس 25 مارس (بعد لقاءات السفراء مع المعنيين في بيروت) عن المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني حسين أمیر عبد اللهیان، الذي اتهم في تغريدة على "تويتر" الولايات المتحدة وفرنسا ‏والسعودية باتباع سياسة "عدم وجود حكومة قوية" في لبنان. وكتب عبد اللهیان "تنتهج الـ ‏US‏ (يقصد الولايات المتحدة) وفرنسا والسعودية ‏سياسة عدم وجود حكومة قوية والانقسام وإضعاف المقاومة، وهي الوجه الثاني من تطبيع ‏العلاقات مع الكيان الصهيوني وإضعاف لبنان".‏ وأضاف، "لا شك في أن مثلث المقاومة والجيش والحكومة اللبنانية هو الرابح الرئيس، تدعم ‏إيران بقوة أمن لبنان واستقراره واقتصاده الديناميكي". ‏
ولم يكن عبثاً أن يهاجم عبد اللهيان الدول الثلاث التي اجتمع سفراؤها على مدى ثلاثة أيام مع عون والحريري وبري، واعتبر أكثر من مصدر سياسي أن طهران اضطرت إلى دخول حلبة الضغوط لتأليف الحكومة في شكل مباشر بعد دخول سفراء الدول الثلاث على الخط إثر دعوة من عون.
ورأى أكثر من سياسي أن عبد اللهيان نطق بالموقف الأساس الذي كانت طهران أخذته حيال المبادرة الفرنسية في أغسطس (آب) الماضي، حين زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت على إثر كارثة انفجار المرفأ (4 أغسطس 2020)، إذ سأل: لماذا تتدخل فرنسا في لبنان؟

رد أميركي بتبني المبادرة الفرنسية

ويتقاطع الامتعاض الإيراني حيال موجة الضغوط الدولية الجديدة لتأليف الحكومة، مع الاستنتاج الشائع في بيروت بأن "حزب الله" يترك لحليفه عون وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل أن يكونا في واجهة الاعتراض على قيام حكومة من المستقلين تحول دون تمثيله بشكل مباشر فيها، بدلاً من أن يعترض عليها في شكل مباشر، تفادياً لظهوره أمام اللبنانيين على أنه حال دون إنقاذ الوضع الاقتصادي.
كما أن ما عزز البعد الخارجي للأزمة الحكومية، اضطرار السفيرة الأميركية شيا إلى القول في اليوم التالي، في تصريح لموقع "أساس" الإلكتروني، "أنا أفهم جيداً كيف تسير أمور التفاوض عبر رفع سقف المطالب"، مشيرةً إلى أن ذلك يعرقل قيام الحكومة، وأضافت باللغة العربية "خَلَص"، داعيةً الأفرقاء اللبنانيين إلى التخلي عن شروطهم ومطالبهم، ومعتبرةً أن لبنان "يفوّت فرصاً مهمة بمليارات الدولارات كمساعدات من المجتمع الدولي الذي ينتظر حكومة مسؤولة تلتزم تنفيذ الإصلاحات". وكانت بارزة إشارتها مرتين إلى المبادرة الفرنسية ناصحةً السياسيين اللبنانيين بالتزامها.

الموقف السعودي و"القوى الظلامية"

وصنّف الوسط السياسي اللبناني تصريحات السفير السعودي بخاري، إثر لقائه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، يوم السبت 27 مارس، في دارته في المختارة، على أنها رد آخر غير مباشر من أحد السفراء الثلاثة على عبد اللهيان، فالبحث مع جنبلاط تناول مشروع الحل السعودي للحرب في اليمن، الذي أيده الأخير. واعتبر بخاري في تصريح تلفزيوني أن "لوثة القوى الظلامية تقتات على إلقاء مسؤولية خياراتها السياسية على جهات خارجية هروباً من الفشل". وقال السفير السعودي رداً على سؤال حول استهداف الحوثيين المملكة بالصواريخ والطائرات المسيّرة، إن "اعتداءات الميليشيا الحوثية الإرهابية لا تستهدف أمن المملكة العربية السعودية ومقدراتها الاقتصادية فحسب، وإنما تستهدف الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي".

المزيد من تقارير