Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واشنطن تدعم جيش لبنان وموسكو تدعو "حزب الله" لتسريع الحكومة

ذكرى "14 آذار" تتلاشى وتحرك الراعي الدولي ينتظر المرحلة الانتقالية الأميركية

مرت ذكرى "14 آذار" في لبنان في ظل انشغال الوسطين السياسي والشعبي ورموز هذه الحركة السياسية التاريخية، بأزمات كبرى حالت دون الاحتفال ولو الرمزي بها، بدءاً بالتدهور الدراماتيكي للوضع المعيشي للبنانيين جراء الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الأميركي، مروراً بتحكم الخلافات السياسية بالفراغ الحكومي منذ أكثر من 7 أشهر وبحلول الأزمة الاقتصادية المالية.

في ذلك اليوم من العام 2005 نزل زهاء مليون متظاهر من الطوائف كافة، بعد شهر من الاحتقان الشعبي والسياسي أعقب اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، فشكلوا دفعاً لمطلب انسحاب الجيش السوري من لبنان وسرّعوا ضغوط المجتمع الدولي على النظام السوري كي تغادر قواته فخرجت في 26 أبريل (نيسان) من العام نفسه.

كسر ميزان القوى بالقوة

في حينها سبق المواطنون العاديون الأحزاب إلى الشارع في رد فعل على التظاهرة الشهيرة الحاشدة التي نظمها "حزب الله" وحلفاء دمشق تحت عنوان "شكراً سوريا" في 8 مارس (آذار). وساهم الزخم الشعبي الذي استمر زهاء سنتين، في تحقيق مطلب قيام المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين باغتيال الحريري. لكن التفاف الناس حول قادة "14 آذار" تلاشى مع الوقت بداية نتيجة التسويات التي عقدوها بسب خليط من الظروف الإقليمية والداخلية، ثم بسبب استخدام وريث الوصاية السورية "حزب الله" القوة والعنف، في كسر ميزان القوى الذي رجح لصالح معارضي الوصاية السورية في انتخابات 2005. وكانت أبرز المحطات في هذا الاتجاه غزوة 7 أيار (مايو) الشهيرة عام 2008 التي نفذتها ميليشيا الحزب مع حلفائه، وأدت لاحتلال بيروت على الرغم من المقاومة التي واجهته في مناطق في الجبل، وإلى تنازلات سياسية منذ حينها، مع أن انتخابات 2009 النيابية أعطت قوى "14 آذار" الأكثرية. 

ومرت أكثر من 7 سنوات من دون الاحتفال بالذكرى في مهرجان جماهيري كالعادة، في موازاة تقدم نفوذ الحزب وإيران في السلطة السياسية، وإخضاع البلد لمقتضيات مشروع التمدد الإيراني في المنطقة. وساعد على ذلك نجاح الحزب في ضمان وصول حليفه "الرئيس القوي" العماد ميشال عون إلى الرئاسة، بعد خضوع فريقين رئيسيين من قوى "14 آذار" هما زعيم تيار "المستقبل" الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع لهذا الخيار. لكن الخيبة كانت حصادهما جراء الانهيار الاقتصادي، وانطلاق انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) العارمة في خريف 2019، على تردي الأحوال الاجتماعية. وساوت شعارات الثوار جميع رموز الطبقة السياسية بالمسؤولية عن تدهور الوضع المالي الاقتصادي، الذي ازداد تراجعاً بإجراءات جائحة كورونا، على الرغم من القناعة العامة بأن هيمنة "حزب الله" على القرار السياسي لأهداف إقليمية، كانت العامل الرئيس الذي تسبب بعزلة لبنان الاقتصادية، ومنعت الحد من الفساد والهدر... واستبق الحزب محاولات طرح المطالب السياسية المتعلقة بهيمنته عبر السلاح على السلطة، بممارسة مناصريه في أكثر من مناسبة العنف ضد المتظاهرين الثوار. 

فرقاء "14 آذار" صاروا قوى سيادية

مع سقوط التسوية التي توّجت ميشال عون رئيساً ودخول لبنان نفقاً مظلماً سياسياً واقتصادياً، انحصر استذكار الحدث المفصلي، هذا العام، ببضعة تصريحات لأقطاب "14 آذار" المتفرقين، فاعتبر الحريري أن "شهادة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه صنعت انتفاضة استثنائية في تاريخ لبنان عمدّها قادة رأي وسياسة بدمائهم وتضحياتهم، لن تتمكن من محوها ارتدادات المتغيرات الإقليمية ولا السياسات العبثية التي تعمل على العودة بلبنان إلى زمن الاستنفارات الطائفية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى جعجع أن "14 آذار مستمرّة، حتّى تحقيق الغاية"، فيما قال رئيس "الحزب التقدمي اشتراكي" وليد جنبلاط أن "شعلة 14 آذار شعلة الثورة اللبنانية والعربية، لن تنطفئ". واعتبر رئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل: "إكراماً لبيار (شقيقه) و(النائب) أنطوان (غانم)، اللذين اغتيلا من ضمن تصفيات قيادات 14 آذار لا تنازل عن سيادة أو محاسبة".

ثورة 17 أكتوبر وانتفاضة البطريرك

تراوحت مراهنات القوى التي أُطلقت عليها صفة "السيادية" بعد انفراط تحالفها، بين تمني تحقيق ثورة 17 أكتوبر ما قصرت عنه قوى "14 آذار"، عبر التظاهر والاحتجاجات في الشارع، وبين أن تؤدي انتفاضة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي ضد الحكم و "مصادرة القرار اللبناني"، إلى حركة سياسية داخلية وخارجية تخرج لبنان من لعبة الصدامات والحروب الإقليمية. وهناك من راهن على الإثنين معاً لا سيما أن الراعي دعا الثوار إلى أن "لاتسكتوا عن"... في وصاياه الـ 17 التي أطلقها في 27 فبراير (شباط) الماضي. 

تصدّر الراعي تدريجاً الموقف ضد تعطيل قيام الحكومة الجديدة ولم يتردد في معارضة الحجج التي استخدمها عون وصهره النائب جبران باسيل لتبرير هذا التعطيل باسم الحفاظ على "حقوق المسيحيين" التي يرفع الأخير لواءها. كما أن الراعي دأب منذ مطلع الصيف الماضي على التلميح ثم التصريح ضد إخضاع الحزب البلد لحروب لا علاقة للبنان بها فدعا إلى حياد لبنان النشط، وإلى مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان. 

الراعي والموقف من "حزب الله"

وعلى الرغم من الحوار الذي عقد بين لجنة من الحزب وأخرى من البطريركية قبل أسبوع، بعد حملة تخوين للراعي من قبل مناصري "حزب الله" وبعض حلفائه، عاد البطريرك في عظته يوم الأحد الماضي إلى إثارة العناوين التي كان طرحها قبل هذا الحوار، بما يدل أن اللجنة المشتركة بين الجانبين لم تصل إلى نتائج إيجابية في ما يخص دعوة الراعي إلى مؤتمر دولي. وفي معرض دفاعه عن الجيش والصرخة التي أطلقها قائده العماد جوزيف عون في 8 مارس، بسؤاله السلطة السياسية "إلى أين نحن ذاهبون"... محذراً من آثار الأزمة المالية في الجيش، قال الراعي: "الجيش هو القوة الشرعية المناط بها مسؤولية الدفاع عن لبنان، فلا يجوز تشريع أو تغطية وجود أي سلاح غير شرعيٍ إلى جانب سلاحه". وإذا كان هذا الكلام يعني "حزب الله" وسلاحه، فإن البطريرك وجه رسالة واضحة إلى الفريق الحاكم بقوله إن "الجيش هو جيش الوطن كله، ولا يحق أن يجعله البعض جيش السلطة. والجيش هو جيش الديمقراطية ولا يحق لأحد أن يحوله جيش التدابير القمعية". وهي المرة الثانية التي ينبه فيها الراعي من قمع الانتفاضة الشعبية.

تحرك البطريرك دولياً ينتظر المرحلة الانتقالية 

في ظل الانسداد السياسي الذي يواجه تأليف الحكومة والمعالجات للأزمة نتيجة تشابك عوامل الخلافات الداخلية والخارجية، يتطلع بعض المراقبين إلى احتمال تحرك الراعي نحو عواصم القرار من أجل الدفع نحو المؤتمر الدولي لإنقاذ لبنان. وفيما يتكهن بعض الأوساط بأن تبلور صيغة تدويل الأزمة اللبنانية لن يتم إلا بعد جولة يقوم بها إلى الفاتيكان وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، يقول مصدر وثيق الصلة بالبطريرك لـ"اندبندنت عربية" أن هذه الاقتراحات تتردد في أروقة البطريركية، لكن الراعي لم يتخذ قرارات لأسباب عدة أولها أن جائحة كورونا لا تتيح السفر فضلاً عن أن الاتصالات الدولية منشغلة بمرحلة انتقالية في ظل تولي الرئيس الأميركي جو بايدن الإدارة الجديدة، تركز على الملف النووي الإيراني. وفي هذا الوقت يفضل الراعي انتظار نتائج الاتصالات البعيدة عن الأضواء التي يجريها البابا فرنسيس. ويضيف المصدر: "يعقد البطريرك اجتماعات مع العديد من سفراء الدول المعنية بفكرة المؤتمر من دون الإعلان عنها. فضلاً عن أن فكرة المؤتمر الدولي يجب أن تنضج عندنا في الداخل، مع ما يعنيه ذلك من وجوب الإسراع في تأليف الحكومة. وهو أمر لا يبدو متاحاً الآن في ظل غياب أي توافق بين الرئيسين عون والمكلف سعد الحريري".

ما سمعه "حزب الله" في موسكو

بات واضحاً أن الأزمة اللبنانية تخضع لرعاية دولية، من المواقف التي تصدر تباعاً، بعد المبادرة الفرنسية التي انطلقت في سبتمبر (أيلول) الماضي خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الثانية للبنان. 

وبالإضافة إلى ما أعلنه البابا فرنسيس عن نيته زيارة لبنان، فإن الحضور الدولي في البلد الصغير، يتكثف منذ مدة، وسط مخاوف من انفجار اجتماعي شعبي جراء التدهور المريع لإزمته الاقتصادية، وإطالة الفراغ الحكومي، واستخدامه ساحة من ساحات الصراع الأميركي الإيراني قد يستدرجه إلى حرب بين إسرائيل و"حزب الله".

في خلال 24 ساعة عبّر حدثان عن القلق الدولي على مجريات الأمور، الأول زيارة وفد "حزب الله" برئاسة رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد إلى موسكو واجتماعه مع وزير الخارجية سيرغي لافروف بدعوة منه، ثم اجتماعه مع نائب الوزير وموفد الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف. وأفاد بيان صدر عن الخارجية الروسية بأن لافروف "شدّد على ضرورة حل القضايا المستعصية من خلال حوار واسع بمشاركة ممثلين عن الطوائف الرئيسية في المجتمع اللبناني، حصراً في الفضاء القانوني ومن دون تدخل أجنبي". 

وأضاف البيان: "وتم التركيز على تشكيل حكومة جديدة بأسرع ما يمكن برئاسة سعد الحريري قادرة على ضمان خروج لبنان من الأزمة".

وتنظر موسكو إلى أزمة لبنان من زاوية تأثيرها في الوضع الإقليمي لا سيما في سوريا حيث لديها آلاف الجنود، وتسعى إلى تسهيل الحلول السياسية. 

وللحزب وجود عسكري فاعل على الأرض. لذلك أشار البيان إلى أنه "خلال تبادل الآراء حول التسوية الشاملة في سوريا، أكد الجانب الروسي مجدداً تمسكه بحق السوريين في تقرير مستقبلهم بشكل مستقل، على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم 2254".

وفي وقت أشارت معطيات إعلامية إلى أن موسكو طالبت رعد بجهود تسهيل تأليف الحكومة، قالت مصادر تلقت معلومات من العاصمة الروسية إن وفد الحزب أشار إلى مساعيه مع حليفه رئيس "التيار الوطني الحر" من أجل إيجاد حل للعقد التي تعطل قيام الحكومة. وفي وقت اعتبر النائب رعد أن الزيارة نقلة نوعية في العلاقة بين الحزب والجانب الروسي، ذكرت معلومات صحافية إن موسكو تداولت مع وفد الحزب في مخاطر حصول مواجهة مع إسرائيل انطلاقاً من دوره في سوريا، ومن حصوله على صواريخ دقيقة.

ماكنزي يدعم الجيش

أما الحدث الثاني البارز في الرعاية الدولية للبنان، فكان في اليوم نفسه، زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي واللقاء مع قائد الجيش العماد جوزيف عون. وجدّد ماكنزي التأكيد على "أهمية الحفاظ على أمن لبنان واستقراره وسيادته، وأهمية الشراكة القوية بين الولايات المتحدة والجيش اللبناني، خصوصاً أن لبنان يواجه تحديات اقتصادية كبيرة ". كما أوضح الجنرال الأميركي أن العلاقة مع الجيش اللبناني مبنية على الرغبة المتبادلة في الأمن والاستقرار في المنطقة وفي قدرتنا على التدرّب معاً لتحقيق المنفعة الجماعية". واللافت أن ماكنزي زار فوج الحدود البرية "وعدداً من المنشآت العسكرية".

وبينما رأت أوساط سياسية أن للزيارة مغزى سياسياً بعد الصرخة التي أطلقها العماد عون إزاء تأثير الوضع الاقتصادي في الجيش، وشكواه من التدخل السياسي في شؤون المؤسسة العسكرية، أبدت الخارجية الأميركية قلقها "من التطورات في لبنان ومن عدم اتخاذ أي إجراء من قبل قادة البلاد" لمعالجة الفراغ الحكومي والأزمة الاقتصادية. وأشار ماكنزي في تصريح تلفزيوني إلى أن بلاده "ستواصل دعم الجيش بطرق متنوعة، فلبنان شريك مهم في المنطقة والجيش اللبناني تعبير عن دفاع الأمة والقوات المسلحة اللبنانية ستكون مستعدة للمساعدة بأي طريقة" (لمعالجة الأزمة). وكانت واشنطن قدمت قبل شهر 3 طوافات للجيش تمكنه من مراقبة الحدود الشرقية من الجو في عملية مكافحة التهريب على أنواعه عبرها، ومكافحة الإرهاب.

المزيد من تقارير