Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دينا حشمت تحرر الأدب الذي أنتجته ثورة 1919 من "التاريخ المهيمن"

سرديات مختلفة خضعت لتأويل موجه بغية بناء متخيل قومي جماعي

سعد زغلول (غيتي)

تستعيد الباحثة المصرية دينا حشمت عبر كتابها "ثورة 1919 في الأدب والسينما" أشكال التفاعل الإبداعي التي أنتجها المصريون خلال أحداث الثورة الأهم في تاريخهم طوال القرن العشرين، وتضع هذا الإنتاج في مجاورة ذكية، مع إنتاج مماثل تم تقديمه خلال الإحتجاجات الجماهيرية التي انطلقت في 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وانتهت بتنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك.

وترى حشمت أن ما يجمع بين 1919 ويناير 2011 يأتي من تجسيدهما معاً لحظات ثورية كانت تشير إلى تمرد واضح على السلطة أو الحاكم، وخلال تلك اللحظات تضطرب علاقات القوة بين الطبقات، وهذا لا يعني بالضرورة أن تنجح في إقامة نظام جديد يختلف جذرياً عن النظام السابق.

يضع الكتاب الصادر عن دار الشروق من ترجمة الكاتبة شهرت العالم، الأعمال المدروسة في سياق إنتاجها من خلال تحليل الديناميات الاجتماعية والسياسية المعاصرة، استناداً إلى مفاهيم الطبقة والنوع (الجندر)، وتحرر تلك الأعمال مما تسميه "التاريخ المهيمن". والمؤلفة تعمل مدرّسة للأدب في قسم الحضارات العربية والإسلامية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وعملت لسنوات محررة أدبية في الأهرام الفرنسي (أهرام إيبدو).

 

ترى الكاتبة أن سرديات مختلفة تشكلت حول ثورة 1919، التي تم تأويلها بطريقة معينة، كي تدمج في تاريخ مهيمن بغرض الرغبة في بناء متخيل قومي بالمعنى الذي يقارب ما تحدث عنه بندكت أندرسون في كتابه "الجماعات المتخيلة". وتجادل في أن تلك السرديات ظلت تتشكل وتتطور على الدوام، وتعاد صياغتها طوال قرن كامل، بفضل استمرار أشكال النضال السياسي والثقافي والاجتماعي. وتضرب مثلاً في سرديتين، تم إنجازهما في عام 2014، وهما رواية "1919" للكاتب أحمد مراد، ومسرحية "هوى الحرية" للمخرجة ليلى سليمان، وهما محاولتان في إنتاج سرديات بديلة عن الثورة في إطار الاستفادة من الديناميات التي رافقت احتجاجات يناير 2011.

سياسة المحو

وتبرز المؤلفة وجهة نظرها في تأكيد أن الأدب والسينما كانا في آنٍ، انعكاساً وتوجهاً لما تسميه "سياسة المحو"، لذلك عملت على دراسة مختلف صور الاستقبال سعياً لتفكيك "المخيلة المهيمنة"، فضلاً عن التعرف على دوافع استبعاد بعض الأصوات الإبداعية، أو تهميشها، وهي الأصوات التي يطالع القارئ إنتاجها والكثير من سيرها داخل الكتاب. 

وتفترض الكاتبة أن رؤية الماضي المطمور في أي سرد هو إعادة بناء، وليس استعادة سلسلة من الأحداث كما وقعت بالفعل، بل على العكس، وتستند على جملة ترد في كتابات المنظر فالتر بنيامين، حيث الإيمان بأن "كل حاضر يخترع ماضيه".

 

ووفقاً للكتاب المؤسس على الخطاب النقدي اليساري، فإن الحديث عن "فشل الثورة" يسهل من مهمة التشكيك في ما يسميه بول ريكور "ذاكرة مفروضة"، وتفكيكه. ويأتي صدور الكتاب عقب عامين من احتفالات رسمية وشعبية بالذكرى المئوية لثورة 1919، شملت ندوات وعمليات نشر وإعادة نشر مؤلفات تاريخية عن أحداثها وزعيمها سعد زغلول.

وتراجع حشمت صورة ثورة 1919 كما تقدمها الكتب المدرسية، لافتة إلى أنها صورة مختزلة تربط تلك الأحداث بتعبير مجازي هو "الوحدة الوطنية"، وتقدم زعيمها سعد زغلول في صورة مثالية كابن لعائلة فلاحة محلية بغية تأكيد مصريته، كرجل وقف عند مفترق طرق، بين تعليم تقليدي وتنشئة حديثة، فعاش كشيخ وأفندي في آنٍ واحد.

سعد زغلول

وتوضح أن بلاغة سعد زغلول وقدرته على التصدي للاستعمار كانت سبباً في شعبيته الهائلة. وتقول إنه "كان مبجلاً في الموت كما في الحياة". وبالإضافة إلى ذلك لعبت زوجته السيدة صفية زغلول دوراً سياسياً واضحاً في دعمه كزعيم وفي تنمية الحشد الجماهيري حوله، واهتمت بصورتها السياسية، وقدمت نفسها في صيغة أمومية تنسجم مع الميراث التقليدي الذي يكرس لمفهوم العائلة، فهي "أم المصريين".

ويشير الكتاب إلى أن المواد البصرية، سواء الشرائط السينمائية المصورة أو الفوتوغرافية، لعبت دوراً حاسماً في تضمين تظاهرات النساء خلال ثورة 1919 في الذاكرة الجماعية، وأصبحت تلك الصور حافزاً على تذكر الثورة والتعامل مع مشاركة النساء فيها كـ"لحظة أيقونية"، على الرغم من أن الكثير من الصور الفوتوغرافية تعرضت لشتى أنواع التلاعب أو التعديلات التي أخرجتها من سياقها التاريخي، بغية التركيز على "مشاركة النساء المحجبات"، وربطها بشكل منهجي برموز الأمة الجديدة، مثل العلم المصري، فضلاً عن الحديث عن تمثيلات جديدة صاغتها الثورة التي دمجت الوعي بالقضية الوطنية بالوعي الطبقي في نظرة مركبة حول العالم.

وتلاحظ الكاتبة أن هناك خطاباً تبسيطياً عاماً تمت إشاعته حول مفهوم الوحدة الوطنية داخل مكونات الثورة، أحيط دائماً بصورة مثالية منقطعة عن السياق المحلي والدولي، كما جرى إسقاط العناصر التي تشوه تلك الصورة المثالية للوحدة الوطنية. وهكذا، تم التغافل عن وجود أعضاء الطائفة اليهودية في النضال القومي ودعمهم له.

أدب وطني

وترى حشمت أن ثورة 1919 تبرز في الكتابات حول تاريخ الأدب بوصفها خلقت أدباً وطنياً يعبر عن الطابع الوطني، لكن هذا الأدب من وجهة نظر الباحثة "ليس قومياً تماماً لأنه كان يعبر عن إحساس البورجوازية الوطنية بهويتها ودورها الطليعي". وعلى هذا النحو كان طبيعياً أن يمحو باستمرار كل من لم ينتمِ إلى الطبقة الوسطى العليا القاهرية ومشاركتها في النضال. وتضرب مثلاً بنصي "عودة الروح" لتوفيق الحكيم، و"بين القصرين" لنجيب محفوظ، وترى أنهما خصا الأفندية بالتبجيل باعتبارهم الفاعلين الأساسيين في الثورة. وأكثر من ذلك ترى أن الروايتين قدمتا وجهة نظر متسلطة ومهيمنة بسبب ما شاع فيهما من تحيز طبقي وجندري.

 

 

أما السينما فكرست تلك الصورة وجعلتها "مهيمنة"، كما ساهمت الميلودراما خلال عهد جمال عبد الناصر في تجريد ذاكرة الثورة من قواها النقدية الاجتماعية أو الديمقراطية، وقامت معالجة حسن الإمام لـ"ثلاثية" نجيب محفوظ الروائية بتثبيت شعارات الوحدة الوطنية في أذهان المشاهدين بطريقة احتفالية، وأدخلت الثورة في إعادة تأطير أيديولوجية الضباط الأحرار للحركة القومية. وترى المؤلفة أن الإمام حول تمثيلات نجيب محفوظ الليبرالية الوفدية إلى خطاب ناصري فاقم من عملية التشويه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقدم الكتاب قراءة متأنية لما يقرب من خمس عشر رواية وقصة قصيرة ومذكرات سياسية ومسرحيات وأفلام ومسلسلات تعبر عن رؤية واضحة لثورة 1919. وتكشف المؤلفة عما تسميه "الأعمال غير المقررة" التي تظهر من وجهة نظرها ما تم استبعاده من سرديات ودوافع هذا الاستبعاد وأبرزها قصة "مذكرات حكمت هانم" للكاتب عيسى عبيد.

وتركز تلك القراءة على تحليل مسرحيتين للمسرحي الرائد أمين صدقي (1890-1944)، هما "الانتخابات"، و"جمهورية زفتى"، وهي مخطوطة غير منشورة. وتكشف الأولى عن حدود النظام البرلماني الليبرالي الذي يقدم عادة كأحد مكاسب الثورة، وتؤكد الثانية الطموح بتغيير اجتماعي جذري.

ويتوقف الكتاب عند تحليل مبتكر لرواية "الضاحك الباكي" للكاتب المعروف فكري أباظة (1896-1979)، وهي روايته الوحيدة عن الانشقاق والفوضى، ولا تتسق مع أي تعبيرات مهيمنة حول الوحدة القومية، لأن صاحبها يتشكك كذلك في "التاريخ المهيمن"، عبر تجريد نخبة من ملاك الأراضي، من دورها القيادي خلال الثورة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة