Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في الذكرى الـ 42 للثورة الإيرانية... تبددت الوعود واتسع السخط

يرى مراقبون أنه على الرغم من بعض الأمور التي استطاعت تحقيقها إلا أن الصورة العامة تبدو قاتمة لا سيما عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية والحريات

عززه الخميني قبضته على السلطة وأسّس ثيوقراطية دينية (رويترز)

قبل 42 عاماً، اضطر الشاه محمد رضا بهلوي لترك الحكم مسنداً مهماته إلى مجلس الوصاية، ومرغماً على الانتقال للعيش مع أسرته في مصر، إثر احتجاجات شعبية امتلأت بالسخط من حاكم وُصف بأنه انفصل عن حياة الناس، لينهار الحكم الملكي تماماً في 11 فبراير (شباط) 1979، وسط تطلعات وآمال بحياة جديدة، ومستقبل من العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية.

غير أن تلك الثورة التي شاركت فيها حركة اجتماعية واسعة تتشكل من مجموعة منوعة من الفئات السياسة والاجتماعية، من اليسار إلى الإسلاميين ومن الحزب الشيوعي إلى ليبراليي الجبهة الوطنية ورجال الدين، دافعهم جميعاً التغيير وتأسيس دولة ديمقراطية، تحوّلت إلى مسار عكسي بعدما عزز آية الله الخميني، الذي عاد من منفاه في باريس في الأول من فبراير من العام نفسه، قبضته على السلطة وأسّس ثيوقراطية دينية.

سخط شعبي

تسير الثورة في عقدها الخامس وسط مشهد من السخط الشعبي المتزايد في إيران، تجلّى في احتجاجات متجددة منذ العام 2017.

ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، عمّت أنحاء البلاد احتجاجات واسعة بسبب زيادة أسعار الوقود إلى 200 في المئة، وبحسب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فإن 7 آلاف شخص على الأقل اعتقلوا خلال الاحتجاجات، وقالت إن لديها معلومات تشير إلى مقتل 208 أشخاص على الأقل خلال تلك الاضطرابات.

 

 

وامتدت الاحتجاجات إلى يناير (كانون الثاني) 2020، بعد إسقاط "الحرس الثوري الإيراني" طائرة ركاب أوكرانية كانت تقل 176 شخصاً عقب إقلاعها من مطار الإمام الخميني، وكانت تلك المرة الأولى التي يهتف فيها المتظاهرون ضد المرشد الإيراني علي خامنئي مطالبين برحيله، كما ردد المحتجون شعارات مناوئة لكبار المسؤولين، ومزقوا صوراً لقائد فيلق القدس السابق في "الحرس الثوري" قاسم سليماني، الذي قُتل بضربة أميركية في بغداد في الشهر نفسه، بحسب وكالة "فارس" الإيرانية.

وضرب فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إيران بقوة خلال العام الماضي، وبحسب وسائل إعلام إيرانية، فقد صرّح نائب وزير الداخلية للشؤون الأمنية الإيراني حسين ذو الفقاري في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن عدد الدعوات العامة للاحتجاجات في إيران "تضاعف ثلاث مرات في 2020 مقارنة بعام 2019"، وتزامن ذلك التصريح مع غضب واسع بعد إعدام المصارع الشاب نويد أفكاري لإدانته بقتل حارس أمن خلال موجة احتجاجات مناهضة للحكومة عام 2018، فيما أفادت وسائل إعلام أميركية أن هناك موجة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب إعدامات بحق رياضيين معارضين، كان آخرهم بطل الملاكمة السابق، علي المطيري، بزعم قتله عنصرين من ميليشيا "الباسيج".

وأواخر يناير الماضي، دان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إعدام إيران 28 مداناً، بينهم عدد من الرياضيين والأقليات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعود زائفة

وبحسب تعليقات أدلى بها أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، صادق زيباكلام، خلال الاحتجاجات التي حدثت أواخر العام 2017 وأوائل 2018، فإنه إذا كانت إيران ستجري استفتاء على نظام الحكم، فإن أكثر من 70 في المئة سيعارضون بوضوح، ومن بينهم أثرياء وأكاديميون ورجال دين وسكان مدن وقرى.

في المقابل، يتساءل أستاذ العلوم السياسية في معهد جامعة توبنغن، علي فتح الله نجاد، حول أنه إذا كان صادق مؤيداً متحمساً سابقاً للثورة الإسلامية ويتفوّه بحكم مثل هذا، فيجب طرح تساؤلات حول الوعود التي قطعتها الثورة قبل أكثر من أربعة عقود من عدالة اجتماعية وحرية وديمقراطية.

ويرى مراقبون أنه على الرغم من بعض الأمور التي استطاعت الثورة تحقيقها، لكن الصورة العامة تبدو قاتمة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بوعود الديمقراطية والحريات.

ويقول نجاد، في تقرير لمعهد بروكينجز للأبحاث السياسية، إنه على عكس ما كان عليه قبل الثورة، يتمتع معظم الإيرانيين اليوم بإمكان الوصول إلى الخدمات الأساسية والبنية التحتية، وتضاعف عدد السكان وأصبح معظم البلاد حضرياً. وبالمثل، تحسّنت مقاييس التنمية الاجتماعية الأخرى، فتضاعف معدل محو الأمية خصوصاً بين النساء، وهو يشمل الآن جميع السكان تقريباً. وفي الوقت نفسه، فاق عدد الطالبات نظراءهن من الذكور في الجامعات لأكثر من عقد، ومع ذلك يشير إلى أن معظم الشعب الإيراني يعاني هشاشة اجتماعية اقتصادية حالياً.

 وفيما لم تتوافر أرقام رسمية عن عام 2020، تشير الإحصاءات الرسمية التي سبقت جائحة كورونا إلى أن ما يقرب من نصف الإيرانيين يعيشون عند خط الفقر. فبحسب مركز "ذا بورجين بروجيكت" المعني بأبحاث الفقر والجوع، فإنه وفقاً لتقرير صدر مطلع العام 2020 من مركز أبحاث البرلمان الإيراني، سيعيش قريباً ما بين 23 إلى 40 في المئة من سكان إيران في فقر مدقع، ويرجع ذلك إلى زيادة معدلات البطالة والتضخم وتراجع الاقتصاد، كما يظهر التقرير ارتفاع التضخم إلى 47 في المئة عام 2019.

ويتزايد معدل البطالة حتى خلال الطفرات النفطية، إذ توقع مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني، قبل الجائحة، أن يصل معدل البطالة إلى 16 في المئة بحلول العام 2021 في السيناريوهات المتفائلة، أو إلى 26 في المئة في حال كانت الظروف أقل تيسيراً.

وتُظهر التوقعات أن شاباً من أصل أربعة عاطل من العمل، في حين تشير بعض التقديرات إلى أن المعدل يصل إلى 40 في المئة. ويقول نجاد إن هذا يعني أن الطابع الطبقي في المجتمع الإيراني بقي على حاله مع حلول طبقة حاكمة مكان أخرى، ولكن بتكوين اجتماعي مختلف، "وفي الرسوم الكاريكاتورية السياسية انعكس ذلك في صور تُظهر استبدال تاج الشاه بعمامة الملّا لا أكثر".

ويضيف أنه مع الإطاحة بالنظام الملكي، وضعت طهران نظاماً سياسياً غير تقليدي قائم على ركنين، "الثيوقراطية" مع ترؤس المرشد الأعلى الدولة، و"الجمهورية" مع مجلس نيابي ورئيس منتخبَين، غير أن الركن الثاني في هذا النظام هو في أفضل حالاته شبه جمهوري، إذ لا يسمح مجلس الأوصياء بالترشح إلا للمرشحين المؤيدين للنظام الإيراني، وبالتالي فهذا التشكيل الفريد يقف عقبة أساسية أمام إحلال الديمقراطية، إذ لا تزال المؤسسات غير المنتخبة مهيمنة، فيما تبقى تلك المنتخبة وفيّة للنظام، والأهم أن "السلطوية الهجينة" التي تعتمدها إيران صمدت بشكل لافت ضد التغيير السياسي الفعلي، مما أدى إلى تفشي إحباط شعبي واسع النطاق إزاء فرعي النظام، أي تجاه من يُعرفون بـ "المعتدلين" إضافة إلى "المتشددين".

ويقول المحاضر في الجامعة الكاثوليكية الأسترالية، ناصر غبادزاده، في مقالة نشرت في دورية "ذا كونفيرسيشن"، إن الاحتجاجات التي اجتاحت إيران خلال السنوات الماضية تظهر أن كثيراً من الإيرانيين لا يعتبرون أن "الإصلاحيين" الذين ينتمي إليهم الرئيس حسن روحاني قادرون على إحداث تغيير حقيقي. ويشير إلى أن الإيرانيين غاضبون من تزايد الصعوبات الاقتصادية في الوقت الذي تدعم فيه طهران وتموّل الصراعات الخارجية، وتحديداً الحرب الأهلية في اليمن وسوريا، وتوجه إمكانات الدولة نحو البرامج العسكرية، وهو ما انعكس على ترديدهم شعارات تطالب بإنهاء حكم رجال الدين.

المزيد من تقارير