Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فشلت الاستراتيجية الأميركية في سوريا مرتين... فهل تنجح مع بايدن؟

الإدارة الجديدة في واشنطن تحتاج إلى نهج مختلف يحتوي "داعش" بنجاح من دون إلزام قواتها بحرب أخرى لا نهاية لها

أثارالحرب السورية في مدين إدلب (غيتي)

تعكس الحالة المأساوية في سوريا في جزء كبير منها فشل السياسة الخارجية الأميركية خلال حكم الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترمب، فبعد ما يقرب من 10 سنوات على انطلاق الاحتجاجات المطالبة بتغيير النظام، أصبحت العديد من المدن السورية التاريخية في حالة خراب، وقُتل أكثر من نصف مليون مدني وأصيب أضعاف هذا العدد، هذا الإرث الذي حدث على مرأى ومسمع من أوباما وترمب، أصبح الآن في عهدة الرئيس الجديد في البيت الأبيض جو بايدن، فما الذي يمكن أن تتخذه إدارة بايدن لإعادة الأمور إلى نصابها في سوريا، وهل يملك الرئيس الأميركي حلاً ناجعاً لأزمة معقدة ومتشابكة، أم سيفضل الانسحاب من هذا الملف الشائك حتى لا يلاحقه الفشل كما طارد أسلافه؟

ترث إدارة بايدن القليل من النفوذ في سوريا بما لا يسمح لها بإحداث تأثير ذي مغزى، وبخاصة بعد أن فشلت إدارتي كل من باراك أوباما ودونالد ترمب في إدراكهما مصلحة الولايات المتحدة الاستراتيجية باستقرار سوريا، حيث تعاملت كل من الإدارتين مع الصراع في سوريا على أنه قضية ثانوية ترتبط بالقضية الجوهرية الأم، وتخضع فيها الحسابات الأميركية لقضايا جيوسياسية مثل محاربة تنظيم داعش ومواجهة إيران.

عناوين عريضة

على الرغم من أن بايدن تجنب منذ توليه الحكم التعليق على ما يجري في سوريا أو طرح رؤيته حول الدور الأميركي، فإن أنتوني بلينكن وزير خارجيته أقر في مايو (أيار) الماضي بفشل سياسة إدارة أوباما السابقة في منع وقوع خسارة مروعة في أرواح السوريين وفي منع النزوح الجماعي داخل سوريا، وفي خروجهم من البلاد كلاجئين.

وفي حين أن بلينكن أشار في هذا الوقت إلى أنه يجب على الولايات المتحدة دعم الشركاء المحليين في شمال شرقي سوريا، ومواصلة الضغط على نظام بشار الأسد للحصول على تنازلات، والبدء في إعادة الانخراط في المسار الدبلوماسي بغية الوصول إلى حل، فإن تلك لا تمثل سوى عناوين عريضة لا ترقى إلى موقف سياسي يقترن بجهد فعلي على الأرض والتزام واضح.

فشل أوباما

ما يتذكره بلينكن بألم ومرارة في سوريا، يعود إلى إحساسه بالندم من عدم قدرته على فعل شيء خلال عمله تحت إمرة الرئيس أوباما، وبخاصة بعد الهجمات الكيماوية ضد المدنيين السوريين عام 2012 وهو أمر يرتبط بتاريخ بلينكن المنحدر لعائلة يهودية عانت من السجن والموت بالغاز في سجون ألمانيا النازية بحسب ما صرح هو بذلك، فعلى الرغم من الهجمات الكيماوية التي استخدمها رئيس النظام السوري بشار الأسد ورغم الضغوط العنيفة من حكومة أوباما والصحافة فإن الرئيس الأميركي قرر عدم إرسال قوات إلى سوريا لأنه لم يكن يريد حرباً كبرى أخرى لا تنتهي، بينما ورث حرباً في أفغانستان، وكان يحاول حينها التعامل مع التداعيات العنيفة للحرب في العراق.

وساعد هذا الموقف إلى حد كبير في التدخل الروسي دعماً لقوات الأسد فيما بعد من دون خشية رد الفعل الأميركي فضلاً عن مزيد من التدخل الإيراني المباشر في سوريا، وهي سياسة انتقدها حتى مستشارو الرئيس السابق أوباما من حيث كونها مشوشة ومتعددة الأهداف إذ إن جزءاً منها استهدف الإطاحة بالأسد من خلال دعم المعارضة المسلحة، وجزء آخر سعى إلى تسوية سياسية تقودها جهود الأمم المتحدة، وجزء ثالث استهدف إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي.

فشل ترمب

بعد تولي الرئيس ترمب السلطة بأشهر قليلة، غرد بأن سياسة الولايات المتحدة في سوريا كانت ضخمة وخطيرة ومهدرة للوقت، فيما ندد السيناتور جون ماكين بسياسة ترمب قائلاً إن الإدارة تلعب دور فلاديمير بوتين في سوريا، ولكن بحلول أواخر عام 2017، كانت إدارة ترمب قد طورت سياستها الخاصة تجاه سوريا، التي تستند إلى مواجهة التهديدات الإقليمية عبر العمل مع الحلفاء لتحقيق ثلاثة أهداف هي إخراج إيران من سوريا، وهزيمة داعش بشكل دائم، وحل الحرب الأهلية في سوريا، لكن أياً منها لم يتحقق.

وبحلول عام 2020، كانت الولايات المتحدة قد شيدت تحالفاً حتى في الوقت الذي سعت فيه لتقليل التزامها بالانخراط المباشر حيث عملت مع تركيا وعناصر المعارضة المسلحة في سوريا لحرمان الأسد من تحقيق نصر عسكري حاسم، كما أدت الضربات الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة على أهداف إيرانية في سوريا إلى الحد من الخيارات العسكرية للنظام، في وقت سعت الولايات المتحدة إلى قيادة تحالف دبلوماسي دولي لدعم الجهود السياسية للأمم المتحدة من أجل حل الصراع، وعزل دمشق دبلوماسياً، بالتوازي مع تدمير اقتصاد البلاد من خلال فرض عقوبات اقتصادية أوسع أشبه بالسياسة المتبعة مع إيران، لكن المحصلة انتهت إلى طريق مسدود.

وكان من الطبيعي أن تضع هذه السياسة واشنطن في موضع خلاف مع موسكو، التي رأت أن سوريا هي المكان الرئيس لإعادة انخراطها دبلوماسياً وعسكرياً في الشرق الأوسط، لكن الولايات المتحدة ردت مراراً وتكراراً على النشاط العسكري الروسي والقوات المرتزقة الحليفة لها في شمال شرقي سوريا، كما ساعدت تركيا على صد التوغلات السورية الروسية المشتركة في محافظة إدلب شمال غربي البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حسابات دعم قسد

خلال خطاب حملته التمهيدية في ولاية أيوا الأميركية، وصف بايدن قرار الرئيس ترمب بسحب القوات الأميركية من سوريا بأنه فشل كامل، معتبراً أن هذا الانسحاب من شأنه أن يترك الأكراد السوريين عرضة لهجمات تركيا، التي تعادي المقاتلين الأكراد السوريين وتصنفهم إرهابيين.

غير أن موقف بايدن بعد أكثر من عام على قرار ترمب لم يتضح حول استمرار القوات الأميركية هناك في وقت تتصاعد فيه مطالب حزبية ودبلوماسية بضرورة تغيير الاستراتيجية الأميركية، وبحسب جيمس جيفري الممثل الأميركي الخاص في سوريا والمبعوث الخاص للتحالف الدولي لهزيمة داعش، فإن معارضة تركيا لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهي الشريك الكردي المحلي للولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا والمرتبطة تاريخياً بحزب العمال الكردستاني، أدت إلى تعقيد الموقف الأميركي في المنطقة، وهو ما اتضح معه في النهاية صعوبة عمل الأميركيين من خلال الشركاء، سواء كانوا من قوات سوريا الديمقراطية أو الأتراك الذين قد تتجاوز أجنداتهم السياسية ما يمكن أن تدعمه واشنطن.

وقد حاولت الولايات المتحدة تحت إدارة ترمب استخدام القوة العسكرية والضغط المالي لإجبار رئيس النظام السوري بشار الأسد على قبول إصلاحات دستورية وإنشاء منطقة حكم ذاتي كردية في شمال شرقي البلاد، ولكن بعد ست سنوات وإنفاق نحو 2.6 مليار دولار، أصبحت هذه الدويلة طفل أميركا بحسب تعبير روبرت فورد سفير أميركا السابق في سوريا، حيث نشأت تحت الحماية العسكرية الأميركية ضد الجيران المعادين لأنها غير قادرة على دعم نفسها، ومع ذلك فإن الالتزام الأميركي المفتوح تجاه أكراد سوريا ليس ما تحتاجه الولايات المتحدة من وجهة نظر فورد الذي يرى أن سوريا لم تكن أبداً قضية أمن قومي أميركية رئيسة، وكانت المصالح الأميرية هناك دائماً تقتصر على منع الصراع من تهديد مصالح واشنطن الأكثر أهمية في أماكن أخرى، وهو ما لا تفعله السياسة الأميركية الحالية لتحقيق هذا الهدف المركزي، كما أنها لم تحقق الإصلاح السياسي المنشود في دمشق، ولم تتعامل مع فلول تنظيم داعش.

وعلى الرغم من الجاذبية السياسية في اعتماد الولايات المتحدة على قوات سوريا الديمقراطية لمطاردة فلول داعش وضمان عدم سيطرتهم على المنطقة مجدداً، فإن هذه الاستراتيجية معيبة للغاية من وجهة نظر فورد الذي اعتبر أن دعم حلفاء الولايات المتحدة من الأكراد السوريين أدى إلى تفاقم التوترات الإقليمية القائمة منذ فترة طويلة بين العرب والأكراد بسبب الهيمنة السياسية الكردية على شمال شرقي سوريا والتي مكنتها الولايات المتحدة والسيطرة الكردية على حقول النفط المحلية، فضلاً عن شن القوات الكردية هجمات بسيارات مفخخة على بلدات عربية خاضعة لسيطرة الجيش التركي، الأمر الذي يزيد من التوترات العرقية في هذه البيئة المشحونة، ما يتيح لداعش العمل بقبول ضمني من المجتمعات المحلية وتجنيد المزيد من صفوفهم الساخطين، وبالتالي ستواجه الولايات المتحدة هذه المشكلة دائماً إذا كانت سياساتها تفضل دولة يهيمن عليها الأكراد في شرق سوريا.

احتواء داعش

وعلاوة على ذلك، فإن استراتيجية الولايات المتحدة لاحتواء داعش لا تقتصر على المناطق الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية، حيث تعمل الجماعة الإرهابية أيضاً في منطقة تمتد نحو 200 ميل غرب نهر الفرات وتسيطر عليها بشكل غير محكم الحكومة السورية وحلفاؤها، بما في ذلك روسيا وإيران، ومن ثم فإن حصر الانتشار الأميركي في الربع الشرقي من البلاد لا يحل هذه المشكلة، بحسب رأي عدد من الباحثين السياسيين.

وفيما يرى البعض أن الإدارة الأميركية الجديدة تحتاج إلى نهج مختلف يحتوي داعش بنجاح من دون إلزام الجيش الأميركي بحرب أخرى لا نهاية لها من خلال تغيير الاستراتيجية الأميركية الحالية، والتركيز على الدبلوماسية مع الاعتماد بشكل أكبر على روسيا وتركيا اعترافاً بأن مصالح هذين البلدين في سوريا قد يؤدي إلى نتائج أفضل، إلا أن آخرين يرون أن ذلك يعد بمثابة فشل أميركي جديد من شأنه أن يرسخ الوجود الروسي والإيراني والتركي في سوريا وهو ما قد يزيد الأمور تعقيداً.

قيود وعراقيل

ستكون إدارة بايدن مقيدة بمجموعة من القيود التي قد تعرقل في نهاية المطاف إحداث تأثير ذي مغزى في المدى القصير على الأقل، إضافة إلى قيود أولويات السياسة الخارجية لبايدن التي لن تضع سوريا على رأس القائمة. وحتى لو كرست إدارة بايدن جهودها جادة لإعادة الانخراط في الملف السوري، فإن المعركة في المشهد السياسي والعسكري في سوريا طالما كانت واشنطن تلعب فيها دوراً محدوداً.

وفيما ينظر الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء إلى أن معالجة الصراع في سوريا يجب أن تكون في سياق أن تترك الولايات المتحدة سوريا ومناطق الصراع الأخرى لإنهاء ما يسمى الحروب التي لا نهاية لها، لكن المشكلة التي يدركها خبراء الاستراتيجية هي أن رحيل القوات الأميركية أو فك الارتباط لا ينهي الحروب أو النزاعات الطويلة الأمد، ومع ذلك هناك القليل من الجهود المبذولة نحو وضع استراتيجية تلعب من خلالها الولايات المتحدة دوراً في إنهاء النزاعات بينما تحمي الأمن القومي والمصالح الجيوسياسية الأميركية في نفس الوقت، وفي غياب هذا المنهج، من المرجح أن يتزايد الاتجاه نحو تفضيل الانسحاب وفك الارتباط الأميري.

تحديات مختلفة

على الرغم من الاختلاف الشكلي بين إدارتي أوباما وترمب، فقد استخدمت كل منهما نمطاً مماثلاً في التراجع عن الانخراط المباشر في منطقة صراع دائمة التطور، لكن الأمر بالنسبة لبايدن يبدو مختلفاً حيث تتباين تحديات اليوم عما كانت عليه عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس أوباما، فقد تغيرت مراكز القوة في سوريا، وعلى الرغم من استمرار الدور الإيجابي الذي يمكن للوحدات العسكرية الأميركية في شمال شرقي سوريا أن تلعبه، فإن الإدارة الأميركية الجديدة سوف تحتاج إلى وقت وجهد دبلوماسيين وعسكريين لتأمين نفوذ أميركي فاعل في سوريا، ولكن إلى أن يحدث ذلك عملياً، سوف يظل الروس والإيرانيون يتحكمون في مسار الصراع.

وفي إطار رغبة بايدن في استمرار سياسة عدم توسيع الانخراط العسكري في الخارج، فمن المرجح أن يعتمد على الأدوات الدبلوماسية في السياسة الخارجية التي قد تنصب على محاولة تنشيط العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة في جنيف لحل النزاع، لكن ذلك الجهد من السهل طرحه ومناقشته من دون ضمانة حقيقية لتحقيق إنجاز فعلي، ذلك أن إعادة الانخراط الدبلوماسي الأميركي في سوريا سوف تتطلب إقامة علاقات تعاونية تقوم على الثقة مع الروس الذين أنشأوا خلال الأعوام الماضية مساراً دبلوماسياً موازياً مع كل من تركيا وإيران خارج إطار الأمم المتحدة، ولكن ليس هناك ما يشير إلى أن موسكو قد تتعاون على دفع آفاق الانتقال السياسي نحو حل سلمي وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

عقوبات ومساعدات

ومع ذلك، فإن نية إدارة بايدن في إعادة انخراط الولايات المتحدة في سوريا عبر بوابة المساعدات الإنسانية وزيادة دعم الجهات الفاعلة في المجتمع المدني للمساهمة في استقرار المناطق الجغرافية المحرومة في محافظة إدلب وشمال شرقي سوريا، سيكون لها تأثير إيجابي على أرض الواقع، إضافة إلى الحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في شمال شرقي سوريا وإمكانية فتح حوار أميركي– تركي بشأن الأكراد السوريين ووقف التعنت التركي في محاولة إقصائهم من المشهد السياسي والسيطرة على مناطق نفوذهم ومحاكمتهم على الأراضي التركية.

وفي حين يتوقع أن تستمر إدارة بايدن في سياسة فرض العقوبات على النظام السوري في محاولة للحصول على تنازلات، لكن من غير الواضح مدى فعالية هذه العقوبات وحدها من دون استخدام أدوات الضغط الأخرى بخاصة في ظل استمرار العوامل المحلية والدولية والمتعلقة بالنزاع والتي قد تجعل الجهود الأميرية تجاه سوريا في ظل إدارة بايدن عاجزة عن معالج القضايا الهيكلية في دولة مزقتها الحرب.

ومع ذلك، يظل الرهان في أن إدارة بايدن ستكون لاعباً أكثر جدية وصدقاً في سوريا في تقديم موقف سياسي واضح وتخصيص تدابير واقعية لتحقيق الأهداف، كما يمكن للولايات المتحدة حال نجاح ضغوطها الدبلوماسية والاقتصادية أن تقود الجهد الدولي لإعادة إعمار سوريا وهو ما سيتكلف مليارات الدولارات ومن الصعب أن يتحقق من دون الولايات المتحدة كدولة رائدة قادرة على حشد دول العالم خلف إعادة بناء الدولة السورية.

ولكن في غياب حل تفاوضي، من المرجح أن تستمر حرب الاستنزاف الفوضوية في سوريا لسنوات أخرى مقبلة، على أمل أن تنجح فيما أنجزته من قبل المقاومة الأفغانية لطرد السوفيات من أفغانستان بخاصة في ظل الإنهاك الذي تسببه هذه الحرب لروسيا وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سئم منها، لكن سيتعين على إدارة بايدن أن تعيد تقييم المزايا التي يمكن أن تتحقق مقابل المخاطر الأخرى، بما في ذلك التكلفة الصعبة على المدنيين.

المزيد من تقارير