حالة من الجدل يعيشها المجتمع المصري حول مبادرة "زواج التجربة" التي أُطلقت في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي للحد من حالات الطلاق، من قبل محامٍ مصري بعد إنهاء خلاف بين زوجين أقبلا على الانفصال، كما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وثيقة لأول حالة لهذا النوع من الزواج، ما جعل تلك المبادرة منوطة بنقاشات وحوارات عدة.
فكرة المبادرة
يقول المحامي أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية وصاحب فكرة هذا الزواج المبتكر الذي أثار جدلا واسعا تعدى حدود مصر، إن الفكرة جاءت بعد لجوء إحدى السيدات إلى مكتبه لرفع دعوى بمحكمة الأسرة لطلب الطلاق من زوجها بعد ثلاث سنوات من ارتباطهما، لعدم التزامه ببعض ما اتفقا عليه قبل الزواج، إلا أنه بادر بتقريب وجهات النظر حتى لا تتفرق الأسرة ويقع الطلاق، وطلب حينها لقاء الزوج بحضور الزوجة، ليعلن كل طرف شروطه وطلباته من الآخر، وهنا قرر كتابة عقد بشروط كل منهما، وشروط جزائية إذا جرت مخالفتها تحت بند "وثيقة زواج تجربة".
يضيف مهران، أن "هدف المبادرة نبيل للحدّ من حالات الطلاق ولمّ شمل الأسرة المصرية، بعد ارتفاع معدلات الانفصال بشكل مخيف خلال السنوات الماضية" على حد قوله، بمعدل حالة كل دقيقتين و11 ثانية، طبقاً لإحصاءات رسمية، ما يؤكد أن هناك أزمة في الموروث الثقافي للزواج في البلاد، يحتاج إلى تدخل مجتمعي حكيم لحماية الأسرة من غول الطلاق الذي ينهش في المجتمع.
ويرى مهران أن عقد "زواج التجربة"، ما هو إلا على منوال "قائمة المنقولات" إذ يوقّع فيها الطرفان، الزوج والزوجة والشهود على وثيقة، تتضمن بعض الشروط التي قد توافقا عليها لتنظيم الحياة الزوجية، وفقاً لرؤيتهما المشتركة، لافتاً إلى أن من أكثر الشروط المطلوبة في وثيقة "زواج التجربة من الأزواج" الموافقة أو الرفض بالنسبة إلى عمل الزوجة والمشاركة المادية وموعد الإنجاب، ومؤكداً أن من حق الطرفين تحديد مدة مناسبة من ثلاث إلى خمس سنوات.
نموذج لـ"زواج تجربة"
رشا، اسم مستعار بناء على رغبتها، زوجة مصرية خاضت تجربة وصفتها بالناجحة لـ"زواج التجربة"، قالت إنها وقعت في خلافات عدة مع شريكها، بل وصلت المشكلات إلى أعتاب الطلاق، إلا أنها علمت بمبادرة "زواج التجربة" لمنع وقوع الانفصال، وكتبت شروطها لتفادي حصوله، وهاتفت زوجها لتعرض عليه المبادرة ووثيقتها، وسرعان ما كتب هو أيضاً شروطه منها، وذهبا إلى المحامي أحمد مهران ليوثّق عقداً رسمياً بذلك، ولتستمر بعدها الحياة الزوجية من دون انفصال.
وأشارت رشا إلى أنها اشترطت في وثيقة "زواج التجربة" أن تعمل وتحقق طموحها في مجالها من دون تدخل من زوجها، كما اشترط الزوج أن تشارك بجزء من مصاريف المنزل، وكذلك حسن معاملة الأهل والأقارب من الجانبين.
وأكدت أن المبادرة نجحت في إزالة الخلاف بينها وزوجها، لافتةً إلى أن مقصد المبادرة الحفاظ على الأسرة من خطر الانفصال والطلاق. وانتقدت بعض الآراء التي تتهم المبادرة بأنها تقنين لزواج المتعة، بل رأت أن هذه المبادرة تحتاج إلى التمكين الحقيقي في المجتمع المصري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تصدي الأزهر
وبعد الجدل الدائر على مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية حول "زواج التجربة" ومشروعيته وأهدافه، أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بياناً حاسماً بحرمة "زواج التجربة" وفساد العقد طبقاً لشروط الشريعة الإسلامية، وجاء في البيان، "الزواج في الإسلام آية من أعظم آيات الله سبحانه، وميثاق سمّاه الله ميثاقاً غليظاً، ومنظومة متكاملة تحفظ حقوق الرجل والمرأة"، أما عن صورة عقد الزواج المسمى بـ"زواج التجربة"، فإنها تتنافى مع دعائم منظومة الزواج في الإسلام وتتصادم مع أحكامه ومقاصده، إضافة إلى ما فيها من إهانة للمرأة وعدم صون لكرامتها وكرامة أهلها، وهذه صورة من صور هدم القيم والأخلاق في المجتمع.
وأشار البيان، إلى أن عقد "زواج التجربة" يحظر على الزوجين فسخه بطلاق من الزوج، أو خلع من الزوجة، أو تفريق من القاضي مدة خمس سنوات أو أقل أو أكثر، وهو شرط باطل يخالف صحيح الدين والقانون.
وحمل أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر بشدة على مبادرة "زواج التجربة"، مؤكداً أن وضع شرط في تعاقد الزواج، هو شرط باطل بنص القرآن، ولكن على طرفي الزواج أن يتفقا على شروط حياتهما معاً وفقاً للشريعة الإسلامية، وليس عبر تحويل الحياة الزوجية إلى حقل تجارب. وأشار إلى أن المبادرة مثلها مثل "زواج المتعة" عند الشيعة، وإذا وافقا على الارتباط استناداً إلى هذا العقد، فإن هذا الزواج باطل، طبقاً لنصوص الشريعة الإسلامية، وقد وقعا الزوجان في إثم كبير.
الشهرة الزائفة
وقال محمد محسن، إمام في الأوقاف المصرية، إن مثل هذه المبادرات الهدف منها البحث عن الشهرة الزائفة وخلق حالة جدلية في المجتمع من دون محتوى يخدم المقبلين على الزواج، من خلال بدء الحياة الزوجية في ظل التحديات الاقتصادية والنفسية التي يعيشها العالم في ظل كورونا، مطالباً القائمين على المبادرة بتقديم ما ينفع الناس وفقاً للشريعة الإسلامية ويحقق لمّ الشمل الحقيقي بهدف بناء أسرة ناجحة.
تمهل دار الإفتاء
واتجهت دار الإفتاء المصرية إلى التمهّل حول مناقشة المحكمة الشرعية مبادرة "زواج التجربة"، وأصدرت بياناً رسمياً لفتت فيه إلى أن الأمر قيد الدراسة بجوانبه الشرعية والقانونية والاجتماعية كافة، للوقوف على الرأي الصحيح الشرعي، كما أنها ستعلن ذلك في بيان فور انتهاء لجان الفتوى من الدراسة.
تمكين برامج تأهيل الأزواج
ويرى محمد أبو الفضل بدران، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الأسبق، أن الحق في مواجهة ارتفاع معدلات الطلاق يكون عبر زرع التفاهم بين الزوجين بعد تكافؤ الاختيار، لافتاً إلى أن هذا لن يتحقق إلا عبر تمكين برامج تأهيل المقبلين على الزواج للحياة الزوجية، وليس عبر المبادرات التي تخالف أصول الأعراف والتقاليد، وتناطح نصوص الدين والقانون. وأشار إلى أن ارتفاع معدلات الطلاق، يحتاج إلى تدخلات سريعة ومدروسة من الدولة المصرية ومؤسساتها العريقة، بحيث لا تتحوّل الحياة الزوجية بكل قدسيتها المأمولة إلى حقل للتجارب المشبوهة.