Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأعراف المصرية تتحدى قوانين زواج القاصرات

40 في المئة إجمالي الزيجات سنوياً لمن هن دون 18 عاماً و"العلاقة القهرية" تؤدي ببعضهن إلى الانتحار أو الطلاق

تواصل مصر جهود التوعية بشأن مخاطر الزواج المبكر  (اندبندنت عربية)

زواج القاصرات، جريمة لا تزال متجذرة في المجتمعات الريفية المصرية، خصوصاً في صعيد مصر، جنوب البلاد، تحت غطاء العادات والتقاليد. فطبقاً للإحصاءات الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن قرابة 117 ألف حالة زواج تحت سن 18 عاماً سنوياً دون أي أوراق ثبوتية، تشكل 40 في المئة من إجمالي حالات الزواج بالبلاد، مما يهدر حقوق الفتيات، ويقتل طفولتهن بمشكلات صحية ونفسية قاسية، رغم تجريم القانون المصري لهذه الزيجات.

زواج القاصرات في مصر

تقول المحامية مروة عبدالرحيم، المتخصصة في قضايا الأسرة، إن العديد من العائلات تحرص على الإسراع في تزويج فتياتهن، انطلاقاً من أن الزواج سترة لهن، في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة.

وأكدت، أن القانون المصري يجرّم زواج الفتيات دون بلوغ السن القانونية 18 عاما، إلا أن تحايل المجتمع يأخذ العديد من الأشكال لإتمام جريمة زواج الفتاة القاصر. وأشهرها صيغة الزواج العرفي دون توثيق، عبر عقد القران شفهياً أمام أسرة الزوجين في دور المناسبات أو المساجد، ويتم ذلك غالباً بتواطؤ مأذون شرعي لمباركة تلك الصفقة، وهو ما يطلق عليه "زواج السنة"، أما الشكل الثاني للتحايل فيتمثل في تزوير أوراق رسمية للفتاة القاصر تثبت أنها قد بلغت السن القانونية للزواج 18 عاماً.

وأكدت أن زواج القاصرات يهدر حقوق الفتاة وأبنائها، لعدم وجود أي أوراق ثبوتية لعملية الزواج، وأشارت إلى أن نسب الطلاق الناجمة عن زواج القاصرات مفزعة، نظراً لعدم التكافؤ بين الزوجين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الفقر على رأس أسباب الظاهرة

وذكر حسين عبد المنعم، أستاذ علم الاجتماع، أنه وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن أسباب زواج الأطفال في العالم تتمحور حول فقر أهل الفتاة القاصر ورغبتهم في تحسن أوضاعهم المادية عبر مهر فتياتهن، كذلك ببعض المجتمعات الراديكالية المتشددة يرغب الذكور المقبلون على الزواج في السيطرة المبكرة على الحياة الجنسية للفتاة منذ نعومة أظفارها، كما تَلقى هذه الرغبة قبولاً لدى أهل القاصرات لتزويجهن المبكر رغبة في حماية شرف الأسرة.

وأضاف عبد المنعم، أن الشكل الأكثر شيوعاً لزواج القاصرات في مصر، زواج الأقارب بخاصة في المحافظات التي تنتشر بها القبائل، ويكون ذلك حرصاً على تماسك القبيلة، وحتى لا يختلط نسل العائلة بعائلات غريبة، مما قد يتسبب في تبديد الميراث، وضياع ثروة القبيلة والعائلة، إلا أن ذلك لا ينفي أن الفقر من الأسباب الرئيسة التي تدفع الأهالي للموافقة على زواج القاصرات رغبة في الحصول على مهر مرتفع. هنا يصبح زواج القاصرات وسيلة لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الأسر الفقيرة.

وتوقع أن تزيد أزمة كورونا ظاهرة زواج القاصرات في مصر، نظراً للتداعيات الاقتصادية على الأسر المصرية، خصوصاً التي لا تمتلك مصدراً ثابتاً للدخل، مع تأثر أغلب المشروعات التجارية، وتضرر العمالة المؤقتة من الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة المصرية لمواجهة الفيروس، كل ذلك سيزيد من حجم ظاهرة زواج القاصرات بهدف السترة الموهومة والاستقرار المكذوب، الذي يدمر الفتيات.

وحمّلت علياء القوصي، الناشطة في مجال دعم ومناصرة قضايا المرأة، بعض مأذوني القرى في المحافظات المصرية، المسؤولية عن تفشي ظاهرة الزواج المبكر للفتيات، لأن الإشراف على تنفيذ هذه الجريمة يجني أموالاً طائلة، فهي تتم بشكل غير قانوني يعتريها تزوير وتدليس على القانون لتمرير جريمة الزواج المبكر لفتيات، وهو ما يتطلب فرض رقابة صارمة على تعيين المأذون من قِبل السلطات المتخصصة، مؤكدة أن أعداداً ليست بالقليلة من مأذوني القرى يتورطون في تلك الجريمة مستغلين رضا أولياء الأمور.

من جانبه، نفى عبد الرحيم العمري، مأذون شرعي بمحافظة قنا، مسؤولية مأذوني مصر عن انتشار زواج القاصرات في البلاد، وأرجع أسباب انتشار الظاهرة إلى الأعراف الخاطئة لدى المجتمع، وأشار إلى أن المجتمعات لا تتغير إلا بتغير القناعات، لذلك يجب رفع وعي المواطنين بخاصة على نطاق القرية المصرية بمخاطر الزواج المبكر، مؤكداً أن الأجهزة الرقابية تضرب بيد من حديد على أي محاولة لتمرير زواج القاصرات، خصوصاً عبر تطبيق نظام الزواج الإلكتروني بتوثيق العقد إلكترونياً بالتنسيق مع وزارة الداخلية للتأكد من بلوغ الزوجة للسن القانونية.

وكانت المحكمة الإدارية العليا، قضت في يناير (كانون الثاني) الماضي بفصل إمام وخطيب مسجد بمحافظة الغربية كان يزوج القاصرات عرفياً بإحدى قرى الريف، بعد أن بادرت وزارة الأوقاف بضبطه لتنفيذ الجريمة، وأحالته إلى النيابة الإدارية، كما أكدت المحكمة في حيثيات الحكم أن لإمامة المسجد منزلة عظيمة في التبصير بوسطية الإسلام لصلاح الوطن والمواطن لا لتزويج الأطفال القصر.

 

 

مخاطر الزواج المبكر

وترى هدى السعدي، مقرر المجلس القومي للمرأة بمحافظة قنا بجنوب مصر، أن زواج القاصرات عنف موجه ضد طفولة الفتيات، ينجم عنه أضرار نفسية وصحية بالغة للفتيات في هذه السن، مشيرة إلى أن مسؤولية تلك الجريمة تقع على عاتق أسرة كل فتاة قاصر لأنهم لا يعلمون أن فستان زفافها يتحول إلى كفن للموت.

وذكر أحمد الفرشوطي، المتخصص في صحة البيئة والمجتمع، أن الأضرار العضوية والنفسية لزواج القاصرات كثيرة ومتعددة، خصوصاً أن القاصر تحت سن 18 لم يكتمل نموها العضوي بشكل كامل حتى وإن أخذت شكل الأنثى الكاملة، فمن المشكلات الصحية الأولى أمراض تمزق المهبل، وكثرة الإجهاض نتيجة عدم اكتمال نمو الحوض، وازدياد نسبة الإصابة بهشاشة العظام وفقر الدم، كذلك لعدم تأقلم الرحم لحدوث الحمل.

وأضاف، أن كثيراً ما تسبب كثرة الإجهاض المتكرر للقاصرات إلى الوفاة، مشيراً إلى أن العديد من التقارير المعتمدة لدى منظمة الصحة العالمية أكد إصابة نسبة كبيرة من الأجنة الذين ولدوا من أمهات قاصرات بقصور في الجهاز التنفسي لعدم اكتمال الرئتين وإعاقات سمعية وشلل دماغي.

في حين أكد مصطفى السمان، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن الأضرار النفسية على القاصرات أشد خطراً من الأضرار العضوية، لأن الزواج المبكر بمثابة اختطاف لفتاة في مرحلة الطفولة إلى وظائف ومسؤوليات جديدة أكبر من قدراتها، لذلك حين تصدم الطفلة بهذا الواقع تصاب بالاكتئاب الشديد. ويخفى على الكثيرين أن الطفلة القاصر ليست لديها رغبة أو شهوة مكتملة لممارسة العلاقة الحميمة، لذلك كثيراً ما تُجبر القاصر على ذلك تحت الضرب والإهانة، وهو ما يسفر عن أمراض نفسية متعددة مثل الوسواس القهري وفصام الشخصية واضطراب ثنائي القطب، وهو ما يدفع بعض الفتيات إلى الانتحار.

وحذر أحمد شورى، أستاذ علم الاجتماع، من الآثار الاجتماعية للزواج المبكر على الأطفال، خصوصاً أن أغلب من تتزوج وهي قاصر تُحرم من استكمال تعليمها، بالإضافة إلى أن العنف الأسري وعدم تكافؤ الزوجين يتسببان في الطلاق المبكر، ويخلقان مواطنة ناقمة على المجتمع، مما قد يدفع الأطفال الذين خاضوا تجارب الزواج المبكر إلى اعتناق الأفكار المتطرفة، التي من شأنها التنفيس عن طاقة الغضب التي بداخلهن.

وقالت أحلام المعناوي، رائدة ريفية، إن أغلب الأسر والعائلات التي زوجت بناتها وهن قاصرات، ذاقت ويلات كثيرة، غالباً ما تنتهي بالطلاق، مع إهدار حقوق الزوجة وأطفالها، لذلك أكبر جريمة يُقبل عليها الأهل لفتياتهن في الصعيد تدور حول عادتين خاطئتين هما؛ الزواج المبكر والختان.

 

 

قصة مؤلمة من دفتر زواج القاصرات

 "اندبندنت عربية" التقت، فرحة نصر برعي، صاحبة أشهر قضية نسب بسبب زواج القاصرات، بصعيد مصر بمحافظة قنا، وقالت، حينما تقدم ابن عمها لخطبتها، وهي في الصف الثالث الإعدادي ولم تكن قد أتمت سن 15 عاماً، وافق والدها على الزواج، من منطلق أن يتخلص من عبء المصروفات، ليتفرغ إلى أشقائها الخمسة، وبسبب عدم بلوغها السن القانونية، عقد مأذون القرية زواجاً شفهياً دون أي توثيق ورقي.

وأضافت، أنها لم تنسجم مع زوجها بسبب فارق السن الكبير بينهما الذي يتجاوز 15 عاماً، وسرعان ما دبت الخلافات، بعد كثرة اعتدائه عليها بالضرب المبرح الذي تسبب في جروح ومضاعفات بالغة، الأمر الذي تسبب في حدوث الطلاق بعد ثلاث سنوات عند بلوغها سن 18 عاماً، ونظراً لعدم وجود أوراق ثبوتية للزواج، وُثق الزواج والطلاق في الوقت نفسه، إلا أن الكارثة الكبرى كانت بحدوث حمل قبل الطلاق بأيام قليلة، وبعد الطلاق والولادة رفض الزوج أن يعترف بنسب الطفلة، مستغلاً أن الطلاق والزواج تم تحريرهما بتاريخ واحد، مما يشير إلى استحالة حدوث الحمل شرعاً.

وحذرت فرحة الأهالي من الزواج المبكر للفتيات دون أوراق ثبوتية، لأنه يهدر حقوق المرأة والطفل في أي مستحقات، مشيرة إلى أن محكمة الأسرة قضت لها بحكم هو الأول من نوعه في تاريخ محافظات الصعيد بصحة نسب ابنتها لزوجها السابق بناء على تحليل البصمة الوراثية وشهادة من حضروا حفل الزفاف العرفي، لافتة إلى أن تجربة زواجها في سن 15 عاماً دمرت حياتها، وأنها قبل صدور حكم المحكمة فكرت في الانتحار كثيراً للتخلص من حياتها.

القانون المصري

أما محمد العوامي، المحامي بالنقض والمهتم بقضايا المرأة والطفل، فقال، إن زواج القاصرات بمثابة اغتصاب للطفولة، مؤكداً أن مصر من أوائل الدول الأفريقية التي حددت سن الزواج عند بلوغ الفتاة 18 عاماً كاملة انطلاقاً من وعي المشرع المصري.

وأشار إلى أنه فيما يخص عقوبة من يتورط من المأذونين في تنفيذ زواج للقاصرين أو القاصرات فالمادة رقم 227 فقرة رقم 1 من قانون العقوبات تنص على أنه، "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمئة جنيه (18.76 دولار أميركي) إثبات بلوغ أحد الزوجين السن القانونية، أمام السلطة المتخصصة لتمرير عقد الزواج القانوني".

وأضاف فيما يخص أولياء الأمور، تنص المادة 116 مكرر من قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 على أنه إذا تورط أحد الوالدين أو من له الوصاية عليه في تنفيذ زواج أطفال قاصرين، فيعاقب المتورط حينها بمدة لا تقل عن سنتين مع إمكانية مضاعفة العقوبة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه (625.39 دولار أميركي) ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه (3126.96 دولار أميركي).

وطالبت فاطمة الإدريسي، المحامية المتخصصة في قضايا الأسرة والمرأة، بضرورة تغليظ العقوبة على كل من يتورط في زواج القاصرات ليس المأذون أو الوالدان فحسب، بل لتشمل العقوبة حتى من تورط في الشهادة، بحيث لا تقل العقوبة عن 8 سنوات من السجن المشدد، بالإضافة لغرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف جنيه مصري (625.39 دولار أميركي).

 

 

وأفاد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري بأن معدلات زواج القاصرات بلغت 117.220 حالة زواج لفتيات تحت سن 18 عاماً.

دار الإفتاء المصرية

من جانبها أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى رسمية تفيد بأن زواج القاصرات حرام شرعا ومخالف قانوناً، لأنه يؤدي إلى الكثير من المفاسد والأضرار في المجتمع.

وأشارت في نص الفتوى، إلى أنه بالنظر إلى مقاصد الشريعة الإسلامية والحكمة من الزواج، يتبين لنا أن ما يُقدم عليه البعض من تزويج القاصرات هو عمل منافٍ لهذه المقاصد وتلك الحكمة، ويمثل جريمة في حقهن، لعدم قدرة القاصر على تحمل مسؤولية الحياة الزوجية والقيام بالأعباء المادية والمعنوية اللازمة لاستمرارها، مما ينتج عنه الكثير من الأضرار والمفاسد التي تؤدي لفشل هذه الزيجات وانتشار حالات الطلاق المبكر.

وأوضحت، أن الحكم الشرعي المناسب للواقع والحال والمتوافق مع الحكمة من الزواج هو حرمة زواج القاصرات، ووجوب الالتزام بالسن القانونية لزواج الفتيات، والقاعدة الشرعية تقرر أن "دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح".

المجلس القومي للأمومة والطفولة

عزة عشماوي، الأمين العام للمجلس القومي للأمومة والطفولة، أشارت إلى أنه لا تزال عادة  الزواج المبكر موجودة على نطاق القرية المصرية، نتيجة معتقدات مغلوطة تحتاج إلى تكاتف كافة الجهات الحكومية والأهلية لتغيير قناعة العائلات بأن الزواج المبكر بمثابة اغتصاب حقيقي لبراءة الطفولة.

وأوضحت أن المجلس كثف خلال العام الماضي، جهود التوعية المتمثلة في حملات طرق الأبواب، والندوات، والمؤتمرات، بالتنسيق مع شبكة الرائدات الريفيات المنتشرة في جميع القرى المصرية، كما خصص المجلس القومي للأمومة والطفولة خطاً هاتفياً ساخناً لنجدة الطفل برقم 16000، نجح في إحباط مئات الزيجات لفتيات قاصرات.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات