مع إكمال الأزمة الليبية عقدها الأول من دون التوصل بعد إلى حلول سياسية للأوضاع المعقدة بين الفرقاء وسط تعدد الأطراف الخارجية المنخرطة فيها، وافق مجلس الأمن الدولي في وقت متقدم من مساء أمس الجمعة على تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا ليكون السابع في عمر الأزمة، التي انزلقت فيها البلاد إلى الفوضى والحرب الأهلية بعد إطاحة معمر القذافي بدعم من حلف شمال الأطلسي ("ناتو") عام 2011.
ويدخل يان كوبيش، الدبلوماسي السلوفاكي المخضرم ووزير الخارجية السابق في بلاده إلى الساحة الليبية بعد نحو عام من استقالة المبعوث السابق غسان سلامة، وما تبعها من اختلافات بين الدول الكبرى على هوية المبعوث الجديد، آتياً من الساحة اللبنانية كمبعوث أممي فيها.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد رشّح كوبيش لخلافة سلامة الذي استقال من المنصب في مارس (آذار) الماضي بسبب "الإجهاد"، على حد وصفه، وتولّى ستيفاني وليامز، نائب الأخير منصب القائم بأعمال المبعوث الدولي إلى ليبيا.
وجاء تعيين كوبيش بعدما وافق مجلس الأمن الشهر الماضي على خطة الأمين العام لتعيين الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ملادينوف مبعوثاً، الذي أبلغ الأول بعدها بأسبوع بأنه لن يتمكّن من الاضطلاع بالمهمة "لأسباب شخصية وعائلية".
من يكون كوبيش؟
وفق السيرة الذاتية للدبلوماسي السلوفاكي المنشورة على الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة، ولد يان كوبيش في الثاني عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1952 في سلوفاكيا، وتخرج في معهد موسكو للعلاقات الدولية، ويتقن إضافةً إلى لغته السلوفينية الأم، اللغات الفرنسية والإنجليزية والروسية والتشيكية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقبل عمله في الأمم المتحدة، كان كوبيش وزيراً لخارجية بلاده في الفترة ما بين 2006-2009 وذلك بعد تولّيه منصب الأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا خلال الفترة ما بين 1999-2005، كما تقلّد منصب الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في آسيا الوسطى.
ولكوبيش، خبرة دبلوماسية طويلة اكتسبها خلال فترة عمله في الأمم المتحدة ووزارة الخارجية السلوفاكية، إذ عمل سابقاً مديراً لمركز منع الصراعات التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، كما عمل في وزارة الشؤون الخارجية في تشيكوسلوفاكيا السابقة خلال الفترة ما بين 1976-1992 قبل أن ينتقل إلى وزارة الخارجية في بلاده، ومنها أصبح الممثل الدائم لها لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف 1993. كما شغل منصب الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا من 2009 إلى 2011، وترأس لجنة وزراء مجلس أوروبا من 2007 إلى 2008.
وكان كوبيتش، البالغ من العمر 68 سنة، منذ يناير (كانون الأول) 2019 منسقاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة إلى لبنان حيث برز سريعاً بخطابه الصريح والمباشر وانتقاده للقادة اللبنانيين بشكل غالباً ما كان شديداً، كما رأس خلال حياته المهنية البعثة الأممية في العراق بين 2015 و2018 وفي أفغانستان بين 2011 و2015.
وجاء تعيين كوبيش لمنصب المبعوث الأممي إلى ليبيا بعد شغور المنصب عقب استقالتين متتاليتين لمبعوثين سابقين هما: غسان سلامة والبلغاري نيكولاي ملادينوف، ما أضفى على عملية تعيين مبعوث لهذا البلد "مشاهد الفوضى"، وهو ما أضر بصورة الأمم المتحدة.
منذ مارس (آذار) الماضي، تاريخ استقالة سلامة من المنصب، توالت المداولات لأشهر عدة داخل مجلس الأمن، بحثاً عن مبعوث جديد لليبيا، على وقع سعي الدول الأفريقية لتحريك تعيين شخص منحدر من القارة السمراء، لكن ذلك لم يتحقق إذ عارضت الولايات المتحدة خيارَي وزير سابق للخارجية الجزائرية ووزيرة سابقة من غانا. ولاحقاً، فرضت واشنطن على شركائها مطلب تقسيم مهمات المنصب إلى قسمين، مع وجود منسق لبعثة الأمم المتحدة الصغيرة في طرابلس، ومبعوث مسؤول عن المفاوضات السياسية مقرّه في جنيف.
وأُسنِدت مهمة المنسق إلى شخصية من زيمبابوي لإرضاء أفريقيا. وكان مجلس الأمن وافق نهاية 2020 على تعيين البلغاري نيكولاي ملادينوف مبعوثاً جديداً إلى ليبيا قبل أن يعلن نهاية ديسمبر (كانون الأول) اعتذاره لأسباب عائلية.
ووفق ما نقلت وكالتي الصحافة الفرنسية ورويترز عن دبلوماسيين، فقد قوبل اقتراح تعيين كوبيش بتحفّظ، وأرجعوا الأمر إلى أنه "لا يحظى بسمعة جيدة لناحية الفاعلية" في تحقيق أهدافه.
وإلى جانب أولويات المبعوث الأممي في العمل على تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية المتنازعة، سعياً للوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة، ستفرض عليه مهماته الجديدة تدعيم الوقف الهش لإطلاق النار في البلاد، الذي توصّل إليه طرفا الأزمة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وتأكيد انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من بلد يشهد تدخلات عدة.
ومنذ أشهر، تقود المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني وليامز 4 مسارات تفاوضية عسكرية وسياسية واقتصادية ودستورية لإنهاء الأزمة في ليبيا، أسهمت في التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإعادة تصدير النفط وتبادل للأسرى.
المبعوث الأممي السابع في عمر الأزمة
منذ إطاحة نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، توالى على البلاد 6 مبعوثين أممين، سيكون السلوفاكي كوبيش سابعهم، على رأس البعثة الأممية الساعية لإيجاد سبيل يخرج ليبيا من حالة الاقتتال والانقسام إلى تسوية سياسية تسهم في إعادة الاستقرار إلى البلد الغني بالنفط وتعيد ترتيب الأمور.
وكان أول مبعوث أممي للأزمة هو عبد الإله الخطيب، الذي عيّنه الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون، في السادس من أبريل (نيسان) 2011، بهدف إجراء مشاورات عاجلة، في وقت كانت الدماء لا تزال ساخنة عقب الانتفاضة التي أسقطت نظام القذافي، لكنه لم يبقَ في مهمته أكثر من أربعة أشهر.
وتلا الخطيب في المهمة، الدبلوماسي البريطاني إيان مارتن، الذي تولّى المنصب في 20 سبتمبر (أيلول) من العام ذاته، وظل في منصبه حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2012، لتوكل الأمم المتحدة المهمة إلى السياسي والأكاديمي ووزير الإعلام اللبناني الأسبق طارق متري، واستمرت ولايته قرابة سنتين، أجرى خلالها مباحثات مكثفة مع جميع الأطراف في البلاد، ودعا إلى الحوار بينهم، لكن الحرب التي اندلعت في طرابلس وبنغازي لم تمهله طويلاً.
وبعد متري، تولّى الدبلوماسي الإسباني برناردينو ليون، المهمة الأممية في أغسطس (آب) 2014، وفي عهدته تمكّن من جمع غالبية الأطراف السياسية في البلاد لتوقيع الاتفاق السياسي في منتجع الصخيرات بالمغرب، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، ووُصفت الفترة التي تولّى فيها ليون عمله بأنها "الأصعب" بين كل المبعوثين، إذ كان الاقتتال وصراع الميليشيات المسلحة على أشده، لكنه غادر منصبه تاركاً وراءه حالة من الغضب بسبب ما وصف بـ"التقسيمات" التي أحدثها اتفاق الصخيرات.
وفي 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وحتى 21 يونيو (حزيران) 2017، أصبح الدبلوماسي الألماني مارتن مبعوثاً جديداً إلى ليبيا بمهمة محددة تركزت على تطبيق اتفاق الصخيرات، لكن اتساع فجوة الخلافات بين الأطراف المتحاربة في البلاد، كانت أكبر من خبرة الدبلوماسي الذي عمل سابقاً في العراق وأفغانستان والكونغو الديمقراطية. وفي الترتيب السادس، جاء غسان سلامة من الساحة اللبنانية، ليتولّى رئاسة البعثة في يونيو (حزيران) 2017، الذي على الرغم من إحرازه تقدماً ملحوظاً في ملفات المصالحة والحوار بين الأطراف والقبائل الليبية المتناحرة، وإجراء تعديلات على اتفاق الصخيرات، فاجأ الجميع بإعلانه استقالته في مارس (آذار) الماضي بعد قرابة 3 سنوات في المنصب، وأرجع السبب حينها في تغريدة على "تويتر"، "إلى الإجهاد"، لكن المراقبين عزوا الأمر إلى تعقّد مهمته أمام احتدام العمليات العسكرية في محيط العاصمة الليبية طرابلس وتصاعد حدة الاقتتال بين الأطراف المتنازعة.
