بعد سنة طويلة وشاقة، كنا جميعاً بحاجة لما يفرحنا في عيد الميلاد هذا.
وما حصلنا عليه عوضاً عن ذلك هو تبجّح بوريس جونسون بشأن هديته للبلاد في عيد الميلاد، أي اتفاق بريكست الذي سوف نصبح بموجبه من دون أي شك بلداً أفقر وأكثر انعزالاً.
كما قال موظف حكومي كبير سابق في وزارة التجارة عندما أطلق تحذيراً لا يمكن نسيانه، لقد تخلّينا عن وجبة من ثلاثة أطباق لنحصل في المقابل على كيس رقائق بطاطا.
إن أقسى مظهر لصفقة بريكست هذه، التي لم تُبرم بموجب أي تفويض - هو أنها تشكل أول اتفاق من نوعه في التاريخ يضاعف الحواجز والتكاليف بدل أن يقلّصها - يقتطع الوظائف البريطانية ويهمّش قطاع الخدمات البريطاني، ويقوّض إجراءات حماية البيئة التي انتُزعت بصعوبة، كما يُضعف حقوق العمال والمستهلكين، ويحوّل منطقة "كينت" Kent إلى معلمٍ ملطخ ببقع الديزل للتعجرف وقصر النظر السياسي.
لا أذكر الإعلان عن أي من هذه الأمور على جوانب الباصات عام 2016 (السنة التي تم فيها إجراء استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي).
إن بريكست مشروع أُطلق من خلال إخفاء نصف الحقيقة، والأسوأ من ذلك هو أنه انتهى بالطريقة نفسها. خلال مؤتمره الصحافي في ليلة الميلاد، زعم رئيس الوزراء أنه لن توضع حواجز غير جمركية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. ربّما يمكنه أن يفسّر إذاً سبب حاجة الحكومة إلى تعيين 50 ألف موظف جديد في الجمارك إن لم يكن ذلك لكي يشرفوا على الحواجز التجارية ويطبقوها.
في مقاله الذي نشرته صحيفة "ديلي ميل" بعد ثلاثة أيام من الاستفتاء، وعد جونسون بأن الناس سيواصلون العيش بحرية والعمل والدراسة والاستقرار في الاتحاد الأوروبي بعد بريكست. لا صحة في أي من هذه التصريحات، وقرار الانسحاب من برنامج إيراسموس للتبادل الدراسي- الذي قال في يناير (كانون الثاني) إنه غير معرّض للخطر- هو قرار مؤذٍ بشكل خاص نظراً لأن الشباب، وهم المستفيدون الرئيسيون من البرنامج، صوّتوا بغالبية ساحقة لصالح البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والحقيقة هي أن هذه الحكومة، على الرغم من كل كلماتها المراوغة حول رغبتها بتأسيس علاقة مميزة مع الاتحاد الأوروبي، قد مزقت ذلك التحالف. وهي الآن تطلب من البرلمان أن يوافق على اتفاق لا يلبّي الوعود التي قُطعت في الاستفتاء، وهو يضرّ بقطاع الأعمال البريطاني، وقد وضع قطاع الخدمات المالية الحيوي في حال من العجز، ويقوّض حقوق الناس ولا يجعل من المملكة المتحدة مكاناً أكثر أماناً.
هذا ليس اتفاقاً حاصلاً على الموافقة الواعية والواضحة للشعب البريطاني ولا هو اتفاق أستطيع أن أؤيّده.
وماذا عن بريطانيا العالمية؟ لن يعود بإمكاننا استخدام موقعنا كأحد أهم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من أجل إقناع الآخرين بمكافحة الفقر وحشد العمل الدولي من أجل التصدي لتغيّر المناخ والإرهاب الدولي أو احتواء طموحات إيران النووية.
إن سياستنا الدولية تتجه نحو المجهول، وميزانية مساعداتنا الخارجية قد تلقّت ضربة قاسية، مما أضرّ كثيراً بسمعتنا في العالم. وزيادة على ذلك كلّه، بات محكوماً علينا العيش في بريطانيا أكثر فقراً، ومن دون مساواة، وفي عزلة.
وفيما توشك المملكة المتحدة على ترؤس مجموعة السبع واستضافة قمة المناخ الحاسمة التي تعقدها الأمم المتحدة في 2021، كان علينا قضاء السنوات الأخيرة الماضية في مدّ الجسور مع أصدقائنا وحلفائنا. لكن هذه الحكومة اختارت أن تحرق الجسور عوضاً عن ذلك.
من الصعب تخيّل تصرّف متعمّد أكثر إيذاءً على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي.
يعاني بلدنا، في ظل جائحة كورونا، ضرراً اقتصادياً هائلاً وخسارة ملايين الوظائف. لا يمكننا أن نسمح للوزراء باستخدام هذا الأمر سلاحاً يغطّي على حقيقة أن الضرر، البعيد المدى على اقتصادنا، حاصل بسببهم وليس بسبب الجائحة.
يقول البعض إن الذين صوتوا ضد بعض أشكال بريكست الأقل ضرراً من بيننا، عليهم تحمّل المسؤولية إلى حدّ ما. أستطيع أن أفهم هذا الرأي. لكن نظراً للتقارب الشديد في نتائج الاستفتاء، بعد حملة سياسية كاذبة بهذا الشكل، وفيما الموضوع المطروح هو بهذه الأهمية الوطنية البالغة، أعتقد أنه كان من المحقّ الدعوة لتنظيم استفتاء للتأكيد على شروط انسحابنا.
ولا أعتقد أن التصويت ضد هذا الاتفاق هو بمثابة دعم بريكست بلا اتفاق. فبفضل غالبية 80 صوتاً التي تتمتع بها الحكومة، سوف يمرّ هذا الاتفاق. لكنني لن أؤيّده أبداً.
يؤسفني قرار حزب العمّال بالتصويت لاتفاق يعترف أنه سوف يعمّق الفقر في البلاد ويسدد الضربة الأقوى لأضعف الفئات. الآن، وأكثر من أي وقت مضى، يستحقّ الناس قيادة قائمة على المبادئ، تستند إلى القناعات وليس التحليل السياسي.
وفيما أتفهّم سبب امتناع البعض عن التصويت، فإن الامتناع مع ذلك هو تأييد. هو الوقوف على الحياد والسماح بسنّ قانون خاطئ بكل بساطة بالنسبة لبلدنا. وبعض الأمور خطيرة ومضرّة جداً وعلينا ألا نؤيدها.
في هذه المرحلة الطارئة على صعيد المناخ والطبيعة، لست مستعدة للموافقة على معايير بيئية أقل وعلى تطبيقها بشكل أقل صرامة.
ولن أكون طرفاً يتواطأ في إنشاء مملكة متحدة أصغر حجماً لديها تأثير عالمي أقل.
والتصويت لصالح هذا الاتفاق يعني أنني أؤيد ما أظن أنه خطأ تاريخي. للأسف، تظهر استطلاعات الرأي بعد فوات الأوان أن غالبية الشعب في هذا البلد يؤيد هذا الرأي.
ليس الاتحاد الأوروبي مثالياً، لكنه مشروع يقوم على إحدى أعظم وأنبل تجارب التاريخ الحديث- التقريب بين الدول من أجل بناء السلام على أنقاض الحرب. كنا طرفاً مُثمّناً في هذا المشروع، وذوي منفعة عظيمة لهذا البلد ولشركائنا في الاتحاد الأوروبي. كان كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه محقاً في اعتباره بريكست صفقة خاسرة على الجانبين لكن الخاسر الأكبر هو المملكة المتحدة.
سوف تفوز الحكومة في التصويت وسوف يمرّ هذا الاتفاق. لن يغيّر صوتي في ذلك شيئاً. لكن التصويت ضده هو الطريقة التي تسمح لنا بإذكاء الإيمان بشيء أفضل، لاقتصادنا ولبيئتنا ولأوروبا كذلك.
وهو السبيل الذي نسجل فيه دعمنا لعالم يعترف بأنه، فقط عبر ضمّ سيادتنا إلى أولئك الذين يتشاركون قيمنا، نستطيع التصدي للتحديات الجسيمة التي تواجهنا جميعاً.
© The Independent