Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليونسكو تسائل المجامع اللغوية في العالم العربي: ضرورة أم ترف؟

اليوم العالمي للغة العربية اختصر في ندوة افتراضية رغم الأزمة المتفاقمة

أحد شعارات اليوم العالمي للغة العربية (موقع اليونسكو)

"اليوم العالمي للغة العربية" الذي بات موعداً سنوياً في 18 ديسمبر (كانون الأول) تحتفل خلاله منظمة اليونسكو الدولية، بالتعاون مع المندوبية السعودية ومؤسسة سلطان بن عبد العزيز الخيرية، بـ"لغة الضاد" عالمياً، انطلاقاً من مقر المنظمة في باريس، اختُصر هذا العام، جراء انتشار وباء كورونا، في جلسة افتراضية واحدة، وعنوانها "مجامع اللغة العربية: ضرورة أم ترف؟". كان هذا اليوم يمتد خلال السنوات الأخيرة المنصرمة طوال ساعات في قاعات اليونسكو، وتقام فيه ندوات وجلسات نقاش مفتوحة تتطرق إلى واقع اللغة العربية وتتصدى للأزمات التي تعانيها لا سيما في زمن الانفتاح الثقافي والغزو اللغوي، سواء من خلال وسائل التواصل أم عبر القنوات الفضائية. وكانت معظم العواصم والمدن العربية تحيي هذا اليوم، مستعيدة أحوال اللغة ومشاكلها وباحثة عن حلول ممكنة، لا سيما في ما يخص الأجيال الشابة وعلاقتهم بلغتهم الأم.

هذه السنة، وفي ظل وباء كورونا، ارتأى منظمو الجلسة الافتراضية أن يتم الافتتاح الرمزي عبر كلمات تلقيها غابرييلا راموس مساعدة المديرة العامة لقطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية، والأميرة هيفاء بنت عبد العزيز آل مقرن، السفيرة المندوبة الدائمة للسعودية لدى اليونسكو، وصالح الخلفي، المدير العام لمؤسسة سلطان بن عبد العزيز الخيرية. ثم يتحدث حامد بن محمد فايز، نائب وزير الثقافة السعودي؛ والدكتورة هنادا طه تامير، أستاذ كرسي اللغة العربية في جامعة زايد، والدكتور محمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية في الشارقة، والدكتورة صفية العبد الكريمة، الأستاذة في جامعة ملك السعود؛ والدكتور عبد الحميد مدكور، الأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية العربية.

قضية جريئة

يبدو العنوان الذي حملته الجلسة الافتراضية مثيراً جداً بل جريئاً، وكأنه يشكك في دور المجامع اللغوية لا سيما عبر وصفه بـ"الضرورة" كما بـ"الترف". ولعل قضية مجامع اللغة العربية تحتاج فعلاً إلى مراجعة نقدية تعيد النظر في واقعها وفي الأدوار التي تؤديها، وهي قد نصبت نفسها حارسة للغة الضاد وقيّمة عليها ومولجة بتدبير شؤونها.

هذه المجامع تحديداً، تحتاج فعلاً إلى حركة تحديث وتطوير وعصرنة، بعدما هجعت في أقبية التقليد والمحافظة... ولطالما لمس أصحاب التخصّص والكتاب والإعلاميون غياب هذه المجامع عن المعترك اللغوي الراهن وعدم قيامها بمبادرات ملموسة من أجل مواجهة الأزمات التي تعانيها اللغة أو بغية تطوير مناهجها وإصدار معاجم حديثة تواكب ثورات العصر. ولعل أول خطوة توصف بـ"العملية" تتمثل في معاودة النظر في هذه المجامع التقليدية، وفي ثقافة القائمين عليها، وكذلك في بنيتها الثقافية ومناهجها ونظرياتها. لماذا لا تصبح هذه المجامع العربية بمثابة "أكاديميات" كما حصل في الغرب (النموذج الفرنسي خصوصاً)، تنفتح على الحداثة والعصر وتفتح أبوابها أمام اللغويين الجدد الذين أُشبعوا من "الثورات" اللغوية الحديثة التي شهدها العالم؟ هذه المجامع قادرة حقاً، إن هي حدّثت نفسها، على صيانة اللغة والحفاظ عليها وتصفيتها من الشوائب الدخيلة وحمايتها من "الغزو" الأجنبي، بذكاء وطواعية. والبادرة الأولى التي يجب أن تقوم بها هي تطوير قواعد اللغة العربية وتبسيطها، صرفاً ونحواً، كي تقرّبها من الأجيال الجديدة وتصالحها بها وتحول دون نفورها منها. يعيش "المجمعيون" في ما يشبه البرج العاجي، متجاهلين ما تعانيه اللغة العربية في أوساط الشباب، وحيال الزحف اللغوي الأجنبي وصعود ثقافة الإنترنت. إنها الخطوة الأولى التي ينبغي أن تقوم بها المجامع، بغية تحديث القواعد العربية وجعلها "ابنة" العصر وسليلة الثورات اللغوية التي تهيمن الآن على وسائل التواصل والاتصال.

وكم أصاب بيان اليونسكو حول الحوافز التي دفعت القائمين على الجلسة المتعلقة بالمجامع اللغوية، حين أشار إلى خطر التطورات التكنولوجية والاستخدام المكثف للغات العالمية مثل الإنجليزية والفرنسية، على العربية وكيفية استخدامها. فاللغات الأجنبية تكاد تحل، وعلى نحو متزايد، محل اللغة العربية في التواصل اليومي والمجال الأكاديمي.

تراجع الفصحى

ولحظ بيان اليونسكو أن استخدام اللغة العربية الفصحى يتناقص بوضوح، بينما يتزايد استخدام اللهجات العربية المحلية. وهذا الأمر يفترض حاجة ملحة لصون سلامة الفصحى من خلال جعلها متوافقة مع متطلبات المشهد اللغوي المتغير اليوم.

لكن اليوم العالمي للغة العربية الذي أعلنته منظمة يونيسكو العام 2012 في 18 ديسمبر من كل عام، لم يبدُ مقصوراً على الاحتفال السنوي للمنظمة في باريس بل أصبح أسبوعاً عربياً لهذه اللغة. فالاحتفال بهذا اليوم الذي تحييه غالبية الدول العربية، رسمياً وشعبياً، بات يستبق الموعد، ممهداً له بلقاءات وندوات ونشاطات متنوعة. وفي هذا السياق، يجب ألا يبدو الاحتفال بهذا اليوم، مجرد احتفال وطني عابر أو فولكلوري، بل أن يهدف إلى مقاربة المشكلات التي تعانيها اللغة العربية، والتي تزداد تفاقماً في عصر العولمة الذي يوصف بعصر اللغة الإنجليزية -الأميركية، وعصر الإنترنت و"فيسبوك" وسواهما. لكن هذا اليوم لا يخلو من مقدار من الحماسة إزاء اللغة العربية أو اللغة - الأم لأكثر من 420 مليون عربي يتحدثون بها ويكتبون وتمثل مخزون تراثهم الثقافي المديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تواجه العربية اليوم تحديات صارمة أصبحت معروفة ومطروحة دوماً للنقاش، لكنها لم تلقَ بعد حلولاً ناجزة. وفي مقدمها تقاعس العربية في مواكبة الثورات الحداثية وما بعد الحداثية التي يشهدها العالم المعاصر في حقول المعلوماتية والتكنولوجيا التي فرضت معجماً جديداً، لم تتمكن العربية من استيعابه أو تعريبه. وهذا ما أوجد حالاً من الاستلاب اللغوي المتجلي في غزو كثير من المفردات الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، "عقر" العربية. لم يتمكن العلماء العرب والمترجمون من إيجاد رديف للمعجم العلمي يمكن استخدامه عربياً. والأبحاث العلمية في هذا القبيل ضعيفة أصلاً وغير متكافئة، خصوصاً في علم اللسانيات وتقنيات التواصل وسواها. وغزت اللغات الأجنبية الحياة العربية اليومية أيضاً من خلال الإنترنت ومواقع المعلومات، وكذلك عبر البرامج الإلكترونية والشاشات والأفلام... وقد يشعر المواطن العربي بغربة إذا لم يكن يجيد الإنجليزية في حد أدنى، فالمصطلحات التي يواجهها على الكومبيوتر تفترض إلماماً بها. وساهم هذا الغزو في إضعاف اللغة العربية في صفوف الأجيال الجديدة التي أولت الإنجليزية اهتماماً، مهملة لغتها الأم أصولاً وقواعد.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة