Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليمن بلا مشروع وطني والأحزاب جزء من الأزمة

عقود مرت على قيام الجمهورية تصارعت فيها القوى السياسية من أجل تحقيق أجندات خارجية

تقود الأحزاب اليمنية صراعات خارجية لا تخدم الواقع اليمني الحالي (غيتي)

خلال العقد الأخير، شهد اليمن تطورات وحروب وصراعات، تنزلق معها البلاد كل يوم إلى وضع يعد الرجوع منه صعباً ومعقداً للغاية، في ظل غياب مشروع وطني سياسي واضح للأحزاب والقوى اليمنية، يمكنه أن يصنع توافقاً بينها تجاه القضايا الوطنية.

وهذه الصراعات ولدت خصومات وضغائن لدى أكبر القوى السياسية اليمنية، وجعلت بعضها يتسلل إلى المشهد السياسي والعسكري ليثبت حضوره ويبسط سيطرته على أجزاء من البلاد، سواء في جنوب اليمن أو شماله.

محطات المشروع الوطني 

يحضر المشروع الوطني لدى الأحزاب اليمنية في لحظات تاريخية ويغيب في أخرى. وفي الحالة الأولى، كان واضحاً وجلياً لدى المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني عام 1990، عند الإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة بين شطري البلاد.

ويقول فيصل علي، الأكاديمي ورئيس مركز يمنيون للدراسات، إن ما حدث في 22 مايو (أيار) 1990 من التحام شطري اليمن وظهور هوية سياسية جديدة وجامعة للأمة (الجمهورية العربية اليمنية) كان نتاجاً عملياً لصياغة هوية وطنية توافقية بين جمهوريتين، إضافة إلى "ما نتج من آخر المحطات الثورية في 11 فبراير (شباط) 2011، التي أدت إلى انعقاد مؤتمر الحوار الوطني"، حيث جددت الأحزاب السياسية رؤاها للمستقبل اليمني عبر "مخرجات شكلت النواة الجديدة للدستور"، الذي أوقف مع العملية السياسية برمتها، جراء الانقلاب الحوثي والحرب التي سبقت طرح هذه المخرجات على الاستفتاء الشعبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهو ما أكد عليه الإعلامي عبدالله إسماعيل، مشيراً إلى أن القوى كانت لديها فرصة لحل هذه الأزمة الهوياتية قبل سنوات، خصوصاً أن "المشروع الوطني الجامع كانت ملامحه تتشكل في إطار الحوار الوطني الذي استمر لتسعة أشهر، بالتالي كانت الأمور متجهة إلى هذا المشروع عبر كثير من التفاصيل ذات الأهداف والتصورات العملية القابلة للتحقيق، قبل انهياره نتيجة الانقلاب".

لكن في كل الأحوال، لا يؤثر في التماسك الوطني في اليمن وجود هذا المشروع في برامج الأحزاب، بقدر حضوره الفعلي في سلوكها. وهي زاوية مهمة سلط إسماعيل الضوء عليها، بقوله "هناك فرق كبير بين برامج هذه الأحزاب التي تؤكد على المشروع الجامع، وسلوكها، الذي ربما يغيب عنها بسبب المصالح الضيقة التي كانت واحداً من أسباب التردي، الذي شهدته اليمن قبل عام 2011 وما بعده".

وأكد أن مشكلة الأحزاب تكمن في مشاريعها وإشكالياتها الخاصة، التي تعد "أحد أسباب إطالة الحرب، المتمثلة في الأداء والسلوك الحزبيين ونظرتهما إلى مسألة استعادة الدولة".

وجود نسبي 

وإذ يؤكد علي وجود مشروع وطني لدى الأحزاب السياسية اليمنية، يشير إلى تقلبه وارتباطه بـ"ظروف نشأتها وتكوينها وأيديولوجيتها وأهدافها، كما في الحياة السياسية في البلاد".

وتتضح معالم هذا المشروع الوطني، وفق علي، في ما قدمته هذه الأحزاب "من رؤى مختلفة في مراحل النضال، لكنها تختفي في ظروف أخرى عند بروز مصلحة شخصية ضيقة يمكن تحقيقها".

ويؤكد على حاجة الأحزاب اليمنية اليوم إلى "إعادة بناء أهدافها اتساقاً مع الوضع الحالي، المتمثل في وقوع البلاد تحت الانقلابات والحرب ومخاطر التمزيق والتدخلات الخارجية، وهي أكبر محددات تعمل على إعادة صياغة المشروع الوطني، بالتالي التمهيد لإنهاء الحرب والانقسامات الحاصلة"، بخاصة أن الارتباط الخارجي للمشروع الحزبي يعمق من هذه المشكلة ولا يعالجها، وفقه.

لا أحد يتحمل المسؤولية

فرص ردم هذه الهوة ومعالجة هذا الفراغ، كانت متجلية أمام الأحزاب التي أصرت على رهن أجنداتها بقضايا أبعد من الحدود اليمنية في كثير من الأحيان.

ويمكن قياس ذلك بالفرص المهدرة ابتداءً من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومروراً باتفاق السلم والشراكة إلى مفاوضات السلام في جولاتها المتعددة في جنيف والكويت واستكهولم وآخرها اتفاق الرياض، التي لم تفض جميعها إلى حل يخرج اليمن من النفق المظلم، الذي دفعه إليه المتصارعون على السلطة.

وبالنظر إلى مواقف الأحزاب السياسية، تجد أن أحداً منها لا يتحمل المسؤولية تجاه المشهد الحالي، إذ يعمد الجميع إلى رمي الكرة في ملعب الآخر، كما كان الأمر عند حديثنا مع القوى الرئيسة منها. فالتجمع اليمني للإصلاح يصر على أن الصراع الحزبي في البلاد كان وطنياً قبل انقلاب الحوثي.

ويضيف على لسان عدنان العديني، نائب رئيس دائرة الإعلام في الأمانة العامة للحزب، أن الواقع الذي فرضه الحوثي، هو ما دفع إلى الحالة التي يراها كثيرون بأنها "لا وطنية"، مبرراً ذلك بحاجة الكتل إلى "بناء تحالفات سياسية على قاعدة الالتزام الوطني للحفاظ على الدولة".

في المقابل، يرى سالم العولقي، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، الحزب الذي يهيمن على العاصمة المؤقتة عدن، أن غياب الهوية السياسية الجامعة في اليمن هو نتيجة أمور بالغة التعقيد، ولدها "غياب الاستقرار السياسي وظهور ذلك بشكل واضح خلال المرحلة الانتقالية ما بين عامي 1990 و1994، وما أدى إليه ذلك من حرب على الجنوب كانت نتائجها تدميرية. ثم ما أعقب عام 2011 وصولاً إلى حرب 2015، وكذا هشاشة النظام السياسي، وانعدام المساواة والتوزيع العادل للسلطة والثروات". وهي المشاكل التي شكلت السمة الثابتة لسنوات اليمن منذ الوحدة.

المصالح الشخصية

وبالنظر إلى حديث الأحزاب عن قضية شاركت في صناعتها وتبرأت منها بعد خروجها من السلطة، نجد أن تعثر اليمن في الحرب التي طال أمدها أو في تعطل تشكيل الحكومة حتى الآن، نتيجة طبيعية لعدم حضور المشروع الوطني لدى هذه الأحزاب، على حد قول عادل الأحمدي، رئيس مركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام.

ويضيف أن "الكل يحرص على مصالحه الشخصية والحزبية، وهذا دليل غياب المشروع الوطني الجامع في عمل الأحزاب"، مشيراً إلى أن "تخاصمها منذ 15 عاماً أضعفها، وشكل سلماً صعد عليه الحوثيون وطريقاً أوصلهم إلى داخل دار الرئاسة في صنعاء"، بعدما صارت الجماعة هي القوة الوحيدة التي تملك مشروع سيطرة، في حين بقيت الأحزاب بلا مشروع وطني، وفق الأحمدي.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي