Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ستتجه بوصلة الاستثمار الأجنبي للشرق الأوسط بعد زوال كورونا؟

قطاعات التكنولوجيا الرقمية تجتذب رؤوس الأموال للمرحلة المقبلة 

مقر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس  (رويترز)

جلبت جائحة كوفيد-19 مجموعة من التحديات لاقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في وقت تكافح المنطقة لجذب مزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر، وكانت اللجنة الاقتصادية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة قد رجحت أن تخسر المنطقة العربية 45 في المئة من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2020،  ومع ظهور فيروس كورونا كان هناك تأثير فوري في الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من انخفاض الاستثمارات في الأسهم.  

منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كانت قد توقعت في تقرير سابق أن يصاحب الاضطرابات الشديدة في النشاط الاقتصادي، الذي تسببت فيه أزمة كورونا انكماش حاد في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للمنطقة. وبحسب تقرير المنظمة الذي نشر في يونيو (حزيران)، تبقى عملية الجذب مقيدة بضعف مناخ الاستثمار والتوترات الجيوسياسية التي تعيشها المنطقة العربية. وعلى رغم التحديات القائمة في ما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبي المباشر في ظل أزمة كورونا، فإن الأزمات لا تزال تخلق الفرص، وكورونا ليست استثناءً على رغم اختلاف طبيعة الأزمة الراهنة، بالتالي هناك إمكانية كبيرة بحسب محللين اقتصاديين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" بشأن قدرة المنطقة على جذب أكبر للاستثمارات الأجنبية بعد حقبة كورونا لقطاعات برزت في ظل الجائحة، اعتمدت الذكاء الصناعي والأتمتة والرقمنة واللوجيستية، فيما تبرز الحاجة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية لقطاعات صناعة الدواء والأبحاث العلمية، ما يسهم في تحفيز نمو أكثر استدامة وشمولية وتكنولوجية للمنطقة العربية.  

وتنظر الحكومات في المنطقة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر كأولوية رئيسة، وقد بدأت بالفعل في التفكير في إستراتيجيات جذب جديدة، في حين ستعتمد الآثار الفورية والطويلة الأجل لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على الانتعاش العالمي واستجابات السياسة الاقتصادية الفعالة.

وعن استجابة حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لحماية تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على أراضيها قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إنها كانت استجابات سياسية سريعة لمعالجة الوضع، بالإضافة إلى تدابير السياسة الداعمة، وأشارت إلى أن بعض حكومات المنطقة أنشأت وحدات أزمات لإعلام المستثمرين الأجانب والاحتفاظ بهم.

 وأضافت، أنه على الرغم من صعوبة موازنة تأثير الوباء في الاستثمار، فإن انعكاسات السياسات الإستراتيجية ذات الصلة آخذة في الظهور لتقييم دور وكالات ترويج الاستثمار، وتعطيل سلاسل القيمة، وتحديد موقع المنطقة في بوصلة الاستثمار مستقبلاً. ودعت المنظمة إلى ضرورة أن تركز تدابير استعادة الاستثمار على التأثير الإنمائي للاستثمار الأجنبي المباشر، وإشراك اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إصلاحات أوسع نطاقاً نحو نمو أكثر شمولاً واخضراراً ومرونة. 

استخدام التكنولوجيا أكبر فرصة خلقها الوباء 

من جانبه، قال النائب الأول لرئيس مجلس الشورى البحريني الاقتصادي جمال فخرو، إن جذب الاستثمارات الأجنبية يتغير في حال تغيرت بيئة الاستثمار، سواء في دول مجلس التعاون الخليجي أو أي مكان آخر من العالم. ويرى أن الدول المُستثمرة تتجه لمراجعة حساباتها إذا أصبحت بيئة الاستثمار فيها ما يعيق الحصول على عوائد أفضل، أو ما يعيق الإجراءات أو سهولة التعامل.  

ويرى فخرو، أن دول الخليج بحاجة إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية حتى لو استحدثت الضرائب مستقبلاً، مشيراً إلى أن الضرائب عادة ما يلازمها شق الإعفاءات،  بالتالي بإمكان الدول اللجوء لإعفاء الاستثمارات الجديدة خلال فترة زمينة معينة كعامل لجذب الاستثمار. وأضاف، من المهم الإشارة إلى أن الضرائب ليست بالمُنفّرة للاستثمار الأجنبي المباشر، لأن كل الدول التي تتدفق منها الأموال المُستثمرة تفرض ضريبة على الاستثمارات الموجودة في بلدانها، أيضاً في حال وجود اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي بين أي دولة خليجية والدولة المُنشئة للاستثمار، فعادة ما تمنع هذه الاتفاقية فرض ضرائب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتقد فخرو أن التوجه لفرض ضريبه على أصحاب المداخيل العالية سيكون له تأثير على المديرين التنفيذيين الرئيسين المصاحبين للاستثمارات، بالتالي لن يكون هناك تأثير مباشر لفرض ضريبة الدخل على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ربما ضريبة الدخل قد ترفع الكلفة على الاستثمار على حد قوله، باعتبار أن المديرين الأجانب يتوقعون الحصول على رواتبهم  كاملة من دون أي نقص سواء في البحرين أو دول الخليج الأخرى. 

وعن الفرص الاستثمارية التي خلقتها أزمة كورونا، قال النائب الأول لرئيس مجلس الشورى البحريني، باعتقادي، أن استخدام التكنولوجيا أكبر فرصة خلقها الوباء بما فيها الشق اللوجيستي حيث الاعتماد الأكبر اليوم على خدمات التوصيل للمنازل، بالتالي هناك قطاعات معينة استفادت من الأزمة  مثل قطاع الاتصالات، بالمقابل هناك قطاعات تأثرت بالأزمة، وعلى رأسها قطاعا السياحة والسفر، أيضاً قطاع المؤتمرات الذي تراجع هو الآخر مع تحول معظم المؤتمرات إلى افتراضية، كما تأثر قطاع العقار، بخاصة الشق المكتبي في ظل اعتماد العمل عن بُعد، لذلك أتوقع توجه كثير من الشركات لتقليص أعداد فروعها ومساحات مكاتبها باعتبار أن معظم موظفيها سيعملون من منازلهم.  

ويرى فخرو، أن بريي  وبالتالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة المقبلة على المنطقة ستتجه لقطاعات تعتمد الذكاء الصناعي والرقمنة والأتمتة.  

كورونا وجذب الاستثمارات الأجنبية للقطاعات الذكية 

 من جانبه يقول طارق قاقيش، المدير العام لشركة سولت للاستشارات المالية، إن جائحة كورونا خلقت تحولاً كبيراً نحو القطاعات الرقمية والذكية بحكم الإغلاق والتباعد الذي فرضه الوباء. ويضيف، باعتقادي أن هناك حاجة لخلق قطاعات تتماشى مع المرحلة المقبلة تعتمد الرقمية والأتمتة والذكاء الاصطناعي، من أجل جذب استثمارات أجنبية مباشرة لتلك القطاعات مع تنامي استثمارات الشركات الأجنبية في القطاعات الذكية والرقمية.  

وتحدث قاقيش عن مدن في المنطقة تحولت للذكاء الاصطناعي منذ سنوات مثل دبي، التي تحولت بالكامل لمدينة ذكية وكذلك مدينة أبوظبي، التي تبنت تقنياته والرقمنة وأيضاً السعودية التي تتبنى بقوة التحول نحو التكنولوجيا الذكية.

 وأضاف، لقد رأينا خلال جائحة كورونا كيف تضررت القطاعات التقليدية مثل العقارات والسياحة والضيافة والتجزئة، ليس فقط في المنطقة ولكن في أنحاء العالم، بالتالي أتوقع أن تزدهر القطاعات التي تعتمد الذكاء التكنولوجي في المرحلة المقبلة، وتابع أيضاً القطاع الصناعي من القطاعات المهمة على مستوى المنطقة، بخاصة الخليجية، التي تمتلك الموارد الأولية، بالتالي نرى أن هذا القطاع أيضاً تحول في جزء كبير منه لقطاع يعتمد الذكاء الاصطناعي ويستعين بالآلات في عملياته، لذلك فهو من القطاعات المهمة، التي ستكون جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر في المرحلة المقبلة. 

 الضريبة في الخليج لا تزال أقل من نظيراتها في العالم  

وفي ما يتعلق بالشق الضريبي، قال قاقيش، بداية علينا أن نفرق بين دول الخليج وباقي دول الشرق الأوسط، التي يوجد فيها نظام الضرائب من سنوات طويلة. بطبيعة الحال الضرائب لا تكون عامل جذب بالنسبة إلى الاستثمار الأجنبي، ولكن علينا أن نتذكر أن الضريبة في الخليج لا تزال أقل بكثير مقارنة مع مناطق أخرى من العالم، حيث لا تتجاوز ضريبة القيمة المضافة 5 في المئة في دول خليجية باستثناء السعودية التي قامت برفع الضريبة إلى 15 في المئة. أيضاً من المهم التذكير بأن عامل الجذب الأساس للاستثمار هو وجود فرص استثمارية واعدة، وكذلك وجود تشريعات قانونية تحمي المستثمر، إضافة إلى تمكين المستثمر من تحريك الأموال، أي إدخال وإخراج الأرباح أو رؤوس الأموال من الدولة التي يستثمر فيها، فعلى سبيل المثال هناك فرص استثمار كبيرة في المغرب، لكن في الوقت ذاته لا يسمح للمستثمر بإخراج العملة الصعبة من البلاد، بالتالي ما يميز دول الخليج أو أغلبية بلدان الشرق الأوسط هو السماح بإدخال وإخراج أموال المستثمر عند الحاجة، وبالنسبة إلى البلدان الخليجية هناك عوامل جذب أخرى كما ذكرت انخفاض الضرائب، والبنية التحيتة المتينة، والفرص الاستثمارية الكبيرة، إضافة إلى توفر فوائض الأموال التي تتيح خلق استثمارات مشتركة محلية أجنبية. 

 وكانت سلطنة عمان أعلنت أخيراً استحداث ضريبة دخل من المتوقع أن تطبق على أصحاب الدخل المرتفع في عام 2022، لتكون أول دولة خليجية تطبق هذا النوع من الضرائب في حال إقرارها، وذلك في وقت تضاعف فيه عجزها المالي الخارجي من 7 إلى 14 في المئة من الناتج المحلي، مقارنة مع أرقام عام 2019، التي قدرت بـ12 إلى 14 مليار دولار (عجز جار تضاف إليه استحقاقات المديونية). 

 وكانت السعودية قد رفعت منذ يوليو (تموز) الماضي نسبة ضريبة القيمة المضافة المطبقة في دول خليجية من 5 إلى 15 في المائة على جميع السلع والخدمات الخاضعة لها، ضمن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية لحماية الاقتصاد ومساعدته على تجاوز أزمة جائحة كورونا العالمية وتداعياتها المالية والاقتصادية بأقل الأضرار الممكنة. 

ضرورة الاستعداد لجذب الاستثمارات الأجنبية بعد حقبة كورونا 

من جانبه قال محمد الصياد، المحلل الاقتصادي البحريني، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كتلة اقتصادية فرضت نفسها في التسعينيات، واليوم تشهد تحولات وتغايراً بسبب الأوضاع الجيوسياسية التي تعيشها، إلى جانب عديد من الأزمات والكوارث التي مرت بها المنطقة.

وبالحديث عن دول مجلس التعاون الخليجي، يرى الصياد، أنها الكتلة العربية الوحيدة التي لا تزال تحافظ على تجانسها وتوازنها وثباتها، خصوصاً في ما يتعلق بجاذبيتها للاستثمار الأجنبي المباشر. وأضاف أن الاستثمار الأجنبي له شروط سواء كان استثماراً مباشراً موظفاً بشكل مباشر في الاقتصاد أو  في صورة استثمار غير مباشر في أسواق المال.  

وقال الصياد، إن هناك ما يعرف بحزمة مناخ الاستثمار، وهي متوفرة وقائمة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث عملت البلدان الخليجية لسنوات على تأسيس هذه الحزمة التي تتألف من نحو 20 مقوماً من مقومات جذب الاستثمار، بما فيها البنية التحتية العالمية، التي تضم شبكة حديثة من المطارات والموانئ والطرق السريعة، إلى جانب نظم الاتصالات وتكنولوجيا البيانات، واليوم البلدان الخليجية تنافس للحصول على تقنيات الجيل الخامس، إلى جانب مقومات أخرى مثل السيطرة على معدلات التضخم والمحافظة على تطوير الدورة الاقتصادية وكذلك الإنفاق في الموازنات العامة وتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة ... الخ. هذه المقومات ومقومات أخرى تتمتع بها البلدان الخليجية أسهمت في جذب الاستثمارات الأجنبية إليها. 

ويرى الصياد، أن هناك تحديات قائمة تواجه دول المنطقة بما فيها البلدان الخليجية التي حصلت على امتياز تلك المقومات، وعلى رأسها الانحسار الكبير في أسعار النفط  بالتالي انحسار الإيرادات التي تمول مصدراً مهماً من مصادر الإنفاق العام في وقت خسرت الميزانيات الخليجية أكثر من 50 في المئة من إيراداتها. وتوقع الصياد أن تصبح العجوزات معلماً من معالم الموازنات الخليجية لخمس سنوات مقبلة لحين عودة الدورة الاقتصادية العالمية إلى طبيعتها، ونتمنى ألا تطول أزمة كورونا. 

 ويقول المحلل الاقتصادي البحريني، علينا ألا نتوهم أننا سنكون الوحيدين في المزاحمة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية بعد زوال كورونا، فالساحة ستكون مفتوحة، وكما رأينا هناك قطاعات أفرزتها أزمة كورونا ينبغي التفكير فيها، خصوصاً القطاعات التي يجري فيها العمل عن بُعد، وهي تجربة أفرزت فرصاً استثمارية جديدة، أيضاً في مجال الاسثمار في الأبحاث الطبية، وقطاع الاستثمار في الإنتاج  الدوائي وأتوقع أن يتجه إليها العالم بشكل كبير، بالتالي يجب ألا نكون بعيدين عن هذه المجالات المهمة بالإضافة إلى قطاعات أخرى موجودة قبل الأزمة مثل الذكاء الاصطناعي والرقمنة وإنترنت الأشياء والأتمتة، وتعزز استخدامها خلال الجائحة وهي قطاعات ستحظى باهتمام استثماري كبير عقب حقبة كورونا. 

ويرى الصياد أن غياب ضريبة مداخيل الأفراد أو ضرائب الشركات تعد من محفزات جذب الاستثمار الأجنبي  للدول الخليجية، وقد اتجهت دول خليجية لفرض ضرائب، وهناك ضرائب قائمة بالفعل في البلدان الخليجية مثل ضريبة القيمة المضافة،  وضريبة الشركات في السعودية، ولا أستبعد فرض ضريبة الدخل في البحرين لأننا سنكون مجبرين على فرضها مع اختناق الميزانية من كل جانب في ظل انحسار الإيرادات النفطية وصولاً لحزم التمويل التي فرضتها جائحة كوفيد-19. 

 وأوضح، أن فرض ضريبة الدخل سيؤثر في حزمة مناخ الاستثمار، ونحن نرى كيف يخرج المستثمرون من أميركا للاستثمار في العالم بحثاً عن الملاذات الضريبية الآمنة. ودعا إلى ضرورة إيجاد نظام ضريبي شفاف في حدود المعقول، وهو ما تحدده الإدارات المعنية بالسياسات المالية في الدول، كما دعا أن تأخذ السياسة الضريبية بعين الاعتبار التأثيرات السلبية في حزمة مناخ الاستثمار بما في ذلك أهمية جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

وأشار إلى أنه، يجب أن تشمر كل الإدارات الحكومية في المنطقة عن سواعدها استعداداً لجذب الاستثمارات الأجنبية بعد زوال الجائحة، لاستكمال مصادر التمويل المحلية بمصادر التمويل الخارجية، وهو مآل العملية التنموية ليس في دول مجلس مجلس التعاون الخليجي فحسب، بل في جميع دول منطقة  الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوافدة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 17.2 مليار دولار أميركي في عام 2019، بزيادة قدرها 10 في المئة مقارنة مع عام 2017، لكنها لا تزال أقل من نصف المستوى المسجل في عام 2008، الذي كان عام الذروة لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة. 

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد