Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"توم وجيري" مسرحية عبثية تعكس أزمة الشباب الوجودية

نص إدوارد ألبي "قصة حديقة الحيوانات" مقتبسا برؤية مصرية حديثة

من مسرحية "توم وجيري" المصرية المقتبسة عن نص إدوارد ألبي (اندبندنت عربية)

يحتل المسرح الجامعي في مصر مكانة مهمة ، ويقدم سنوياً ما لايقل عن 300 عرض، وتحرص أغلب الجامعات، الحكومية أو الخاصة، على إقامة مهرجانات سنوية تشارك الفرق الفائزة فيها في المهرجان القومي للمسرح المصري وتنافس المحترفين، وتحصل على جوائز.

ينقسم نشاط المسرح الجامعي إلى قسمين في الغالب، الأول ما يطلقون عليه "المهرجان الذاتي"، في النصف الأول من العام الدراسي. عروضه غير مسموح فيها بالاستعانة بأي عنصر من خارج الجامعة، باستثناء النص، بغرض صقل قدرات الطلاب ومنحهم الفرصة لصناعة عروضهم معتمدين على ذواتهم، أما الثاني فهو "المهرجان الختامي"، أو الكبير، الذي يسمح فيه بالاستعانة بمخرجين ومصممي ديكور واستعراضات وإضاءة من المحترفين، على أن يقتصر التمثيل على طلاب الجامعة فقط.

عروض القسم الأول يتبناها مركز الإبداع الفني (مؤسسة رسمية تابعة لوزارة الثقافة) من خلال مهرجان سنوي "مواسم نجوم المسرح الجامعي"، بدأ منذ 4 سنوات، للإضاءة على مواهب الطلاب وتقديمهم إلى الساحة المسرحية، وتقام دورته الرابعة حالياً على مسرح الهناجر في دار الأوبرا بمشاركة 10عروض تم تصعيدها من بين 40 عرضاً تقدمت للمشاركة.

الملاحظ أن 9 عروض من بين المشاركة اعتمدت على نصوص أجنبية، وبعضها دمج أكثر من نصين معاً، وأغلبها تناقش أزمات وجودية، بينما اعتمد عرض واحد على نص "أفراح القبة" لنجيب محفوظ الذي يطرح قضية نسبية الحقيقة ويرفض فكرة اليقين.

توم وجيري

من بين هذه العروض يأتي "توم وجيري" كواحد من العروض اللافتة، قدمته جامعة القاهرة (أخرجه شريف رجب) عن مسرحية "قصة حديقة الحيوانات" للكاتب الأميركي إدوارد ألبي، وربما يعكس اختيار هذا النص تحديداً الرؤية السوداوية التي ينظر الشباب من خلالها إلى عالمهم، وأزمتهم الوجودية، وشعورهم بالاغتراب وفقدان التواصل، وهو ملمح شائع في أغلب العروض التي يقدمونها الآن، معتمدين ما يمكن اعتباره "كوميديا سوداء".

"قصة حديقة الحيوانات" مسرحية إدوارد ألبي الأولى التي ظهرت له، وتم تقديمها عام 1959 وعلى الرغم من الفتور الذي قوبلت به في أميركا بداية عرضها، فقد اهتمت بها مسارح أوروبية عديدة، الأمر الذي جعل المسرحيين في أميركا يعيدون النظر فيها ويلتفتون إلى كاتبها الذي قدم بعدها العديد من النصوص المهمة مثل: من يخاف فيرجينيا وولف، وصندوق الأمل، وأغنية من مقهى حزين، والحلم الأميركي، والتوازن الهش، ومشهد البحر، وثلاث نساء طويلات، وسواها.

في نص "قصة حديقة الحيوانات" لدينا شخصيتان رئيسيتان: "بيتر وجيري"، وهناك ثلاث ثانوية هي الشاب الشاذ، والفتاة الوحيدة الدائمة البكاء، اللذان يسكنان مع جيري في المنزل، والعجوز صاحبة المنزل، لكن الدراماتورج (إسماعيل إبراهيم) الذي اختزل الكثير من النص الأصلي، واستبدل بصاحبة المنزل الذي يستأجر جيري إحدى غرفه، رجلاً عجوزاً قبيحاً حتى يهرب من حكاية ملاحقتها لها لتلبية حاجتها الجنسية، وهو ما لا يناسب طبيعة المجتمع الجامعي، وأيضاً "جيري" بـ "بيتر" لنصبح أمام "توم وجيري" وما يستدعيه ذلك من صراعات ومفارقات ضاحكة بين القط توم والفأر جيري، فهل عبّرت الأحداث عن هذا الصراع بالفعل، أم أن اختيار العنوان كان مجرد استدعاء مجاني لمغازلة الجمهور الجامعي الذي يسعى وراء"الإفيه"؟

اختيار مجاني

مع غض النظر عن موقف بعض التربويين من المسلسل الكرتوني الشهير، الذي اعتبروه ذا قيم سلبية في نفوس الأطفال، فإن الصراع في العرض المسرحي هنا لم يكن قائماً على فكرة الرغبة في استحواذ "جيري" على شيء يملكه أو يحرسه توم، كما في المسلسل، بقدر ما كان رغبة من جيري في التواصل مع توم بعدما أصبح يائساً من فكرة التواصل الإنساني، في عالم صعب وقاس يسحق الإنسان ويهمشه، عالم يشبه حديقة الحيوان، حيث كل واحد في قفصه مكتفياً بتلبية حاجاته البيولوجية.

اختيار "توم وجيري" عنواناً للعرض إذاً كان مجانياً ومجلوباً لذاته وليس لأجل توصيل رؤية بعينها. فالرؤية التي قدمها العرض لا تتسق وفكرة الصراع لأجل الاستحواذ على شيء مادي ملموس، بقدر ما هو صراع - إذا صحت التسمية - لأجل التواصل الإنساني فحسب، وإظهار ما يعانيه الإنسان في هذا العالم من وحدة وتهميش وسطوة المال، ما يدفعه إلى تلك النزعة التدميرية لنفسه. وهو ما انتهى إليه "جيري" الذي يستفز "توم" ويشككه في قدراته كرجل ويمنحه سكيناً ليقتله بها، بعدما يئس تماماً من إمكانية البقاء وسط عالم لايرحم، لايستطيع فيه التواصل حتى مع كلب.

بعيداً من فكرة العنوان غير الموفق، فنحن أمام عرض مسرحي فيه الكثير من النقاط الإيجابية، لعل أبرزها التمثيل. لدينا "جيري" (قام بدوره مصطفى مهدي) الذي لعبت مواصفاته الجسدية دوراً مهماً في إبرازه كشخص مشرد تعرض لظروف قاسية طوال حياته، وهو وظفها بشكل جيد، وبدا مستوعباً أزمة الشخصية واعياً بدوافعها وتصرفاتها. لا هو لص ولا شحاذ ولا قاطع طريق يريد أن يستولي على مقعد الحديقة الذي يحتله "توم" بقدر ما يريد التواص معه، ويغريه بأنه سيحكي له قصة حديقة الحيوان، لكنه لايحكي سوى قصته هو، الأمر نفسه بالنسبة إلى "توم" (قام بدوره أحمد حمدي) البورجوازي الصغير الذي يأتي إلى الحديقة في أيام الآحاد ليجلس منفرداً يقرأ كتاباً، ويرفض في البداية التواصل مع ذلك الشخص المشرد الذي اقتحم خلوته، ثم سرعان ما يبدأ هو الآخر في سرد قصته ورغبة زوجته في الصعود الاجتماعي ومطالبها التي لا تنتهي، ما دفعه إلى الصعود على حساب الآخرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اختيار مناسب

اختيار الممثلين، جاء داخلياً  أي في صميم الشخصية المراد تجسيدها، وهو مايعبر عن وعي مخرج العمل وفهمه المواصفات الواجب توافرها في ممثليه، وقد أنصفه الممثلان بأدائهما الأقرب إلى الشكل الاحترافي على الرغم من أنهما ما زالا في مرحلة الهواية.

اختارت مصممة الملابس (هناء النجدي) زياً لـ "جيري" أقرب إلى ملابس المهرجين في السيرك، وهو ما ناسب طبيعة الأداء الكوميدي للشخصية وحركتها الدائبة التي لا تهدأ، بينما ملابس "توم" البروجوازي الصغير عادية تتسق ووضعه الاجتماعي. واكتفى المخرج بديكور واقعي عبارة عن حديقة فيها مقعدان وعمود إنارة تاركاً مساحة كبيرة لحركة الممثلين اللذين قدما بعض الاستعراضات البسيطة (صممها هاني فاروق).

العرض الذي استغرق زهاء ساعة اعتمد في أغلبه على السرد، وجاء الفعل أو الحركة في المشهد الختامي الذي تعمد فيه جيري أن يدمر نفسه ويلقى حتفه بالسكين التي منحها لـ توم.

مارس المخرج لعبة فكرية مع المشاهدين إذ وزع عليهم، قبل دخولهم إلى صالة العرض، ورقة قسمها إلى عمودين، الأول دوّن فيه شخصيات العرض: توم، جيري، الرجل العجوز، الشاب الشاذ، الفتاة الباكية، والثاني دوّن فيه: الخفاش، الكلب، الخنزير، الغزال، الإنسان - باعتباره حيواناً ناطقاً - طالباً من المشاهدين أن يصلوا شخصيات العمود الأول بما يناسبها من الحيوانات في العمود الثاني.

المقصود هو دفع المشاهدين للتفكير في مايطرحه العرض وتقييم شخصياته بحسب أفعالها الواردة فيه، وهي لعبة مقبولة، بخاصة أنه يتوجه إلى جمهور جامعي تعوّد على مثل هذه الألعاب، كما لم تتوطد بعد علاقة أغلبه بالمسرح، أي أنه يدفعه دفعاً إلى التفكير في ما شاهده وطرح تساؤلاته عليه.

بعد أن ينتهي مشهد قتل جيري ويتم سحب الإضاءة ويظلم المسرح تماماً، يضاء من جديد، ويعود شخصان آخران ليقدما المشهد الافتتاحي للمسرحية نفسه، وكأننا بإزاء لعبة مستمرة، يعاني فيها الإنسان من وحدته وغربته القاتلة في عالم مظلم وبارد وقاس.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة