Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان يترنح بين المبادرة الفرنسية والأولويات الأميركية

باريس جاءت بالجزرة وواشنطن حملت العصا فتمكنت من إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود

دورية لقوات اليونيفيل في قرية الناقورة الحدودية مع اسرائيل حيث تُعقد محادثات ترسيم الحدود (رويترز)

في زيارته الأخيرة إلى لبنان، أكد مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر دعم واشنطن المبادرة الفرنسية، وطالب المسؤولين اللبنانيين بالإسراع في تشكيل الحكومة على أساس الالتزام بخريطة الطريق التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما يعطي انطباعاً واضحاً بنقاط تلاقٍ بين الأميركيين والفرنسيين في الملف اللبناني، لكن ذلك لا يلغي بروز تباينات عدة ظهرت في أكثر من مفصل، قد يكون أحد أبرز أسبابها اعتبار واشنطن الملف اللبناني جزءاً من استراتيجيتها الشرق أوسطية لمواجهة التمدد الإيراني، في حين تحاول باريس فصل المسار الإقليمي عن الملف اللبناني، ما يفسر الأولويات السياسية المتعلقة بترسيم الحدود وسلاح حزب الله عند الأميركيين، في وقت وضعت فرنسا برنامج الإصلاح الحكومي في أولويات مبادرتها تجاه لبنان.


اتفاق في الاستراتيجية وتباين بالتكتيك

ويوضح المحاضر في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا محيي الدين الشحيمي، أن هناك تناغماً استراتيجياً فعالاً بين فرنسا وأميركا في ما يخص لبنان، مشيراً إلى أن فرنسا نجحت في توحيد المجتمع الدولي كله وراء مبادراتها التي باتت تعتبر المدخل الأساس للحل في لبنان، ويقول، "اتفق الطرفان حول الهدف الاستراتيجي في لبنان، وتركوا لبعضهم حرية التكتيك المرحلي وأسلوب التعاطي اليومي، والذي مرده اختلاف المدرسة السياسية لكليهما".

ويرى أن الهدف الأميركي الأساس يتمحور حول الاستقرار بتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، في مقابل الهدف الإقليمي بترسيم الحدود ونزع سلاح "حزب الله"، مضيفاً أن "الهدف الفرنسي ينصب حول أولويات المساعدة الاقتصادية والاجتماعية في ضوء الأزمة التي يعيشها لبنان، والتي عصفت به بعد انفجار المرفأ، من خلال الإلحاح على تشكيل حكومة غير استفزازية وقادرة على البدء في مشوار المسار التفاوضي مع المؤسسات العالمية، تكون مقبولة من جميع الأطراف، وقادرة على استرجاع الثقة الدولية"، إضافة إلى الهدف الاستراتيجي المهم لفرنسا، وهو سد الفراغ الأميركي الذي قرر الانسحاب رويداً رويداً من المنطقة، قاطعاً الطريق على كل من تركيا وإيران وحتى روسيا.

وشدد على أن بعض التناقضات بين الطرفين ليست سوى توزيع أدوار لبلوغ الهدف النهائي، "وهو ما تبين أخيراً على خط معضلة تأليف حكومة أديب، بعد التكليف الميكانيكي، وسطوع نجم اتفاق الإطار، الذي يعد نجاحاً مشتركاً للفرنسيين والأميركيين".


العصا الأميركية والجزرة الفرنسية

مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية سامي نادر يقول، إن الولايات المتحدة وفرنسا تلتقيان في عدم ترك بيروت بيد طهران، موضحاً أن "الفرنسيين أتوا بالجزرة، بينما حمل الأميركيون العصا"، وتمكنوا من إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، في حين تترنح المبادرة الفرنسية بتشكيل حكومة وفق خريطة الطريق التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ورأى أن تقدم المبادرة الأميركية أمام الفرنسية دفع ماكرون إلى التصعيد في خطابه الأخير تجاه الموضوع اللبناني، لدرجة أنه بات أقرب إلى اللهجة الأميركية، حين لوّح بإعادة النظر بهيكلية الدولة اللبنانية، متوجهاً إلى حزب الله بشكل مباشر قائلاً، "لا تظن أنك أقوى مما أنت".

ولفت إلى أن الثنائي الشيعي كان يعلم أن ترسيم الحدود مطلب أميركي، ولذلك "فعندما فرضت العقوبات على الوزير السابق علي حسن خليل، خرج رئيس مجلس النواب نبيه بري ليقول إن الرسالة وصلت، وهو ما دل على أنه وإيران ربطا العقوبات بالترسيم فوراً، وبعثا برسالة إلى واشنطن عبر اتفاق الإطار، وهي أنهما سارا في هذا المسار"، مشدداً على أن "تحييد جنوب لبنان عن صراعات إيران في المنطقة يعود أيضاً إلى أن الولايات المتحدة معنية بغاز المتوسط، وبخط أنابيب منتدى غاز شرق المتوسط، الذي هو أول مشروع جدّي لإدخال الغاز إلى أوروبا، من دون المرور بالفضاء الروسي، ومن هنا تأتي أهميته الاستراتيجية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


غضب فرنسي

وعلى خط المبادرة الفرنسية التي أعلنها الرئيس إيمانويل ماكرون في "قصر الصنوبر" بحضور جميع القوى السياسية الفاعلة إبان ذكرى المئوية الأولى لولادة لبنان الكبير، تشير مصادر دبلوماسية فرنسية إلى أن المبادرة لا تزال قائمة بالرغم من الإخفاقات التي حصلت، ومحاولة بعض القوى التنصل من التزاماتها، كاشفة أن ماكرون غاضب من السياسيين اللبنانيين، ولم يعد لديه الزخم نفسه تجاه لبنان، كما أنه مصاب بخيبة أمل كبيرة.

وأشارت المصادر إلى أن الرئيس الفرنسي مدد مهلة استمرار المبادرة الفرنسية ستة أسابيع، تنتهي في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مؤكدة أنه يتابع مسار مبادرته عبر سفارته في بيروت، ومدير المخابرات الفرنسية برنار ايميه، لافتة إلى أنه في الأيام الأولى من انفجار بيروت كان يولي ثلث ساعة يومياً من وقته لمتابعة ما يجري في لبنان بشكل مباشر، إضافة إلى الاتصالات التي كان يجريها شخصياً مع كل القوى السياسية.

التوطين بعد الترسيم

في المقابل، تشير أوساط دبلوماسية أميركية في بيروت إلى أن الولايات المتحدة مرتاحة لتسجيلها خرقاً كبيراً في مستوى مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، متوقعة الاتفاق على النقاط المتنازع عليها في البر والبحر في مدة لن تتجاوز عدة أشهر، قائلة إن "الإسراع في ترسيم الحدود سيسهل عملية بدء التنقيب عن النفط في جانبي الحدود، وهو أمر لمصلحة البلدين"، لافتاً إلى أنه بعد الانتهاء من الترسيم، فلا بد من التفاوض بين إسرائيل ولبنان وقبرص حول الأنابيب التي تصل الحوض الشرقي الجنوبي بمصفاة لارنكا، حيث يمكن أن تكون مشتركة بين البلدين.

ولفتت إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد نقاشاً حول مستقبل اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، موضحة أن هذا الملف جزء أساس من الحل الشامل بالمنطقة، ولابد من إيجاد آلية مناسبة له، رافضة التأكيد إذا ما كان الحل المطروح هو توطين الفلسطينيين في لبنان أو دول أخرى، كاشفة أن هذا الموضوع بدأ العمل عليه من خلال قنوات أمنية غير معلنة حتى الساعة.

وعلى صعيد تشكيل الحكومة، أشارت الأوساط ذاتها إلى أنها لا تمانع عودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة من جديد، إلا أنه "لا يمكن تغطية حكومة تابعة لحزب الله، وتشكل غطاء شرعياً له"، مشيرة إلى أن استمرار إدراج شخصيات سياسية على قوائم العقوبات الأميركية لا يزال قائماً، وبعكس ما يشاع، فهو لم يجمد، لكن الإعلان عن إدراج أشخاص معينين يخضع لاعتبارات قانونية في الولايات المتحدة.

المزيد من العالم العربي