Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اندحار زحف اليمين القومي المتطرف في أوروبا

ثلاثة أسباب ربما تفسر انحساره بعد رسوخ الاعتقاد بأن صعود الشعبوية لا يمكن إيقافه

لقطة تجمع الزعيم الإيطالي سالفيو مالديني (يمين الصورة) ورئيس الوزراء الهنغاري فكتور أوربان (غيتي)

ما الذي يحصل لليمين الأوروبي المعادي للمهاجرين المصاب برُهاب الاتحاد الأوروبي؟ في نهاية الأسبوع الماضي، شهدت الانتخابات لاختيار من سيتسلم زمام الأمور في فيينا خسارة "حزب الحرية"، الذي أسسه في خمسينيات القرن العشرين نازيون سابقون، لـ 21 في المئة من أصواته. وقبل سنوات قليلة، شارك يورغ هايدار، زعيم "حزب الحرية"، في حكومة ائتلافية. وآنذاك، كاد الحزب أن يفوز برئاسة النمسا بفعل نشاطه في منبر العداء للمهاجرين واللاجئين، الشبيه بالمنبر الذي تقف عليه بريتي باتل وزيرة الداخلية البريطانية الحالية.

واستطراداً، حدث شيء مماثل الشهر الماضي في إيطاليا. إذ سحق الناخبون ماتيو سالفيني في مناطق  كـ"توسكاني" التي ادعى أنه سيفوز فيها. يُشار إلى أنه انسحب من الحكومة الإيطالية في وقت سابق من العام الحالي، على أمل أن يمهد ذلك لإجراء انتخابات جديدة تكون بمثابة الرافعة التي تحمله إلى السلطة. في المقابل، خاب أمله ولم يتحقق ما توقعه حين عقد "الحزب الديمقراطي" من يسار الوسط ائتلافاً مع "حركة 5 نجوم" الشعبوية ما أدى إلى تشكيل حكومة متينة تقود إيطاليا الآن عبر أزمة كوفيد.  

وفي ألمانيا وفرنسا، تراجعت بشكل سيء أسهم "حزب البديل من أجل ألمانيا" و حزب مارين لوبان "التجمع الوطني"، علماً أنهما شكلا ذات يوم تنظيمين صاعدين. أما في سويسرا، فإن الجهود التي بذلها "حزب الشعب السويسري" المناوئ للاتحاد الأوروبي، للفوز في استفتاء عن حظر حرية التنقل لمواطني دول الاتحاد الأوروبي في سويسرا، لاقت الهزيمة الشهر الماضي بغالبية 60 في المئة من أصوات المؤيدين لإبقاء سياسة الباب المفتوح أمام الزملاء الأوروبيين.

بالاسترجاع، لطالما كسب "حزب الشعب السويسري" الأصوات والمقاعد البرلمانية منذ تسعينيات القرن العشرين، ما جعله أكبر حزب سويسري مشارك في مجلس الوزراء الفيدرالي. لكن الحزب خسر في انتخابات ديسمبر (كانون الأول) الماضي الفيدرالية، ذلك التأييد الذي اعتاد أن يناله. ويؤكد التصويت في الاستفتاء أن زحف الشعبويين السويسريين المعادين للإسلام والمناهضين للاتحاد الأوروبي، قد وصل إلى نهايته.

وعلى امتداد العقد الماضي، وقع الأكاديميون والصحافيون أسرىً لفكرة بدا أن لا فكاك لهم منها، ومفادها أن شكلاً جديداً لسياسات الهوية القومية الشعبوية بات موشكاً على غزو أوروبا. إذ استطاعت شخصيات كماريان لو بان وخيرت فيلدرز ونايجل فاراج، أن تكسب الأصوات في فرنسا وهولندا والبرلمان الأوروبي. وعمد الكتاب الذين شعروا بالملل من السياسيين العاديين الذين كانوا في الواجهة، إلى تشكيل أحزاب أشد غرابة، على شاكلة "البديل من أجل ألمانيا" في ألمانيا، أو التنويه بالأحزاب الدينية القومية في بولونيا، وحزب "فوكس" الذي ينتابه الحنين إلى عهد فرانكو في إسبانيا، وفيكتور أوربان نصير "الديمقراطية غير الليبرالية" في هنغاريا. ونُسب إلى البروفيسور ماثيو غودوين قوله في عام 2018 إن "الشعبوية القومية لايمكن إيقافها".

في المقابل، يبدو أن [تلك الشعبوية القومية] تتوقف الآن، وذلك لثلاثة أسباب هي بريكست وترمب وكوفيد. إذ تنظر أوروبا بشيء من الذهول إلى الأزمة التي سببتها مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولا يعود ذلك إلى خسارة الجنيه الإسترليني 20 في المئة من قيمته في مقابل اليورو، ولا إلى تغيير المملكة المتحدة رؤساء وزرائها أكثر مما فعلت إيطاليا. إذ يرتجف "الأوروبيون" [مناصرو الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة] لدى رؤيتهم هروب الشركات والأعمال من حي لندن المالي إلى خارج البلاد، أو إحساسهم بخطر وصول اللحوم المُعدلة هرمونياً والدجاج المغسول بالكلور، إلى محلات السوبر ماركت في المملكة المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

في ذلك الإطار، لقد شكلت المملكة المتحدة ذات يوم نموذجاً للدولة البراغماتية المستقرة، لكنها تبدو الآن كأنها تتفكك، خصوصاً أن اسكتلندا تنسحب منها، ويأخذ كل مواطن في إيرلندا الشمالية جواز سفر صادر عن جمهورية إيرلندا، باعتبار أن الجواز البريطاني لم يعد يتيح لحامله حقوق السفر أو العمل أو الإقامة في أوروبا.

على نحو مماثل، عانى الشعبويون القوميون المناهضون للمهاجرين من علاقتهم بترمب. وفي السنة الماضية، نظم ستيف بانون، المسؤول عن إرساء علاقات أيديولوجية لترمب في أوروبا، مسيرة في ميلانو مع ماتيو سالفيني، ومارين لو بان، وخيرت فيلدرز، وهاينز كريستيان شتراخه زعيم "حزب الحرية" النمساوي السابق. وأعلنوا في تلك المسيرة الحاشدة، على نحو يوحي بالعظمة، أنهم سيغزون البرلمان الأوروبي. إلا أن الرابح الأكبر في الانتخابات البرلمانية الأوروبية التالية تمثل في "حزب الخضر" الذي سيشارك في الحكومة الألمانية الفيدرالية العام المقبل، فيما أخذ وهج "حزب البديل من أجل ألمانيا" يخبو.

وفي مسار مواز، بات ترمب بسبب ديماغوجيته التهريجية، أضحوكة حول العالم. وليس هناك زعيم أوروبي، باستثناء بوريس جونسون، يرغب في الاقتراب منه. وإذا فاز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، فإن راعي اليمين الأوروبي الشعبوي سينتهي، ما سيؤدي إلى التقليل من جاذبية القومية الأوروبية المعادية للمهاجرين، بأكثر مما يجري راهناً.

ويتمثل العامل الثالث في كوفيد. لقد سارع الاتحاد الأوروبي إلى التخلي عن نزعته الاقتصادية الليبرالية التقليدية، معلناً عن أكبر برنامج للاقتراض الحكومي، إضافة إلى تحويلات الدعم المقدمة من دول الاتحاد الأوروبي التي استفادت اقتصاداتها من العملة الموحدة، إلى تلك التي تكافح نظراً لانتشار الفقر بين مواطنيها. وفي ألمانيا، تقترض الحكومة 10 آلاف يورو كل ثانية، فيما تتبنى برلين الاقتصاد الكينزي (الذي يؤيد تدخل الدولة في اقتصاد السوق لتخفيف ضغوط بعض الصعوبات مثل الكساد والتضخم).

وفي إسبانيا، حملت مشاعر الحنين إلى عهد فرانكو، التي تختلج في صدور ناشطيه، حزب "فوكس" إلى الانضمام  لليمينين التحرريين، "هيسبانيك كلير فوكسس" في المطالبة بإنهاء الإجراءات الحكومية الرامية إلى السيطرة على الجائحة. إلا أن معظم المواطنين الأسبان يوافقون، شأنهم شأن الأوروبيين الآخرين، على أن الإجراءات الحكومية الصارمة والحسنة التنظيم، والممولة بشكل مناسب لخدمة المصلحة القومية، لايمكن أن تُستبدل بشركات خاصة تسعى إلى الحصول على أقصى حد ممكن من الربح  ولا تدين بأي ولاء للبلاد وشعبها. وهناك اهتمام متجدد بالضرائب العادلة على الشركات الرقمية العملاقة، والضرائب البيئية، ومطالبة ذوي الثراء الفاحش أن يقدموا إسهاماً أكبر.

وكخلاصة، لا يحمل تقهقر اليمين القومي المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والموالي لترمب، سوى قليل من العزاء لمشاعر الحنين الى الماضي التي تنتاب الأحزاب الديموقراطية الاجتماعية التقليدية أو اليسار الليبرالي. ثمة مستقبل لليسار في أوروبا، غير أنه لن يستعيد الهيمنة التي تمتع بها في القرن العشرين. ولسوف تُدار ديموقراطيات القرن الحادي والعشرين مِنْ قِبَلْ تحالفات الأحزاب والمصالح معاً. لكن، في الأقل، باتت روح العام 2016 الذي بدا فيه أن بريكست وترمب وسالفيني ولوبان، سيرسمون معاً معالم السياسة في المستقبل، باتت [تلك الروح] حالياً من ذكريات الماضي البعيد.

 

(دنيس ماكشاين، وزير دولة بريطاني أسبق لشؤون أوروبا. يكتب حول السياسات والسياسة الأوروبية)

© The Independent

المزيد من آراء