Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحوال سكان الحدود اللبنانية - الإسرائيلية قبل بدء ترسيم الحدود

أثار إعلان رئيس البرلمان نبيه بري اتفاق الإطار ردود فعل كثيرة

موضوع التفاوض بين لبنان وإسرائيل هو ترسيم الحدود البرية والبحرية (أ ب)

أثار إعلان رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري اتفاق الإطار لترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل، ردود فعل كثيرة في لبنان والخارج. وتناوله رواد وسائل التواصل الاجتماعي بالنقد أو الترحيب، كل بحسب الجهة السياسية والعقائدية التي ينتمي إليها. فيما اعتبره بعضهم بداية للسلام مع إسرائيل؛ إذ إن مجرد ترسيم الحدود هو بمثابة اعتراف بالدولة الجارة و"العدو"، والبعض الآخر رآه مجرد وسيلة لحماية حقوق لبنان في أرضه وبحره، والغاز الذي اكتشف في مياهه الإقليمية، وبدأت إسرائيل باستخراجه منذ سنوات.

الحدود اللبنانية الجنوبية المحاذية لإسرائيل تنتهي عند بلدة الناقورة، ومرّت هذه البلدة كغيرها من البلدات القريبة والبعيدة، بمراحل وحالات كثيرة منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978، فبقيت ضمن ما سمي "الشريط الحدودي" المحتل إسرائيلياً حتى عام 2000، تاريخ انسحاب الجيش الإسرائيلي وانفراط عقد جيش لبنان الجنوبي المتعامل معه. وقد اتخذتها القوات الدولية لحفظ السلام (يونفيل) مركزاً رئيساً لقيادتها. وبعد حرب "عناقيد الغضب" عام 1996، أجريت فيها مفاوضات ما سمي تفاهم أبريل (نيسان)، ثم بعد حرب 2006 تحولت إلى تجمع ضخم لجنود "يونفيل"، وكذلك إلى موئل جديد لحزب الله الذي كان قد بدأ انتشاره في المناطق الحدودية مباشرة بعد الانسحاب الإسرائيلي.

تمتد الناقورة الحدودية على خط ساحلي بطول 23 كيلو متراً، وهي من المناطق الساحلية الأجمل في لبنان لبقائها على حالها من "العذرية" منذ تحريرها. فلم يدخلها العمران العشوائي والكثيف الذي يجري على قدم وساق في مدينة صور القريبة ومحيطها، ولم تصل المنتجعات السياحية إلى شاطئها على الرغم من جمال هذا الساحل ونظافته، ويعود السبب في تركها على حالها إلى كونها مركزاً للقواعد العسكرية التابعة للقوات الدولية وللجيش اللبناني المرابط على الحدود في أبعد نقطة على رأس الناقورة، وبسبب ملكية مساحات واسعة من الأراضي من قبل الكنيسة وبعض المتمولين.
 
الناقورة تحت الاحتلال 

لم يكن للشريط الحدودي السابق (1978-2000)، الذي تسيَّد عليه "جيش لبنان الحر"، ثم "جيش أنطوان لحد" معاوناً الجيش الإسرائيلي، أي منفذاً على البحر إلا من رأس الناقورة ومرفئها الذي تحول راهناً إلى قاعدة عسكرية للجيش اللبناني، يُمنع على المواطنين دخوله. وكان هذا المرفأ بمثابة المتنفس لمنطقة الشريط الحدودي، ومنه تدخل البضائع المستوردة والسيارات والأسلحة والنفط المخصص لسكان تلك المنطقة. وكانت جميع تلك البضائع تُباع من دون أن يضاف إلى أسعارها الرسوم الجمركية أو غيرها من الرسوم التي تفرضها الدولة اللبنانية على البضائع التي تدخل الأراضي اللبنانية، فكانت أسعارها بنسبة النصف من مثيلاتها في الأراضي اللبنانية؛ لذا تمكن أهالي منطقة الشريط الحدودي سابقاً من اقتناء السيارات الجديدة بأسعار زهيدة، وكانت الأموال التي يحصل عليها الجنود في جيش لحد، أو داخل إسرائيل، تعينهم على حياة مرفهة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسمح موقع الناقورة على البحر ووجود المرفأ فيها وبعض وحدات "يونيفيل" التي انتشرت في الجنوب اللبناني قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي منه، بإقامة سوق تمتد على طريق يبلغ طولها نحو 10 كيلو مترات. وكانت تلك السوق تضم مطاعم ومحال تجارية تبيع البضائع لجنود "يونيفيل"، وأماكن السهر الليلي ومحال الملابس والأدوات العسكرية والسمانة. وبقيت هذه السوق حتى بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي عام 2000، يديرها غير المنضوين في إطار جيش لحد، وغير المُدانين بتهم العمالة. أما محال هؤلاء الأخيرين الذين فروا إلى إسرائيل وما زال عدد منهم هناك، أو الذين حُكموا في السجون اللبنانية، فقد تسلمها الجيش اللبناني ومنع إعادة استثمارها إلا بعد مراجعة مخابرات الجيش، ثم اضمحل دور هذه السوق خلال ست سنوات، قبل أن ينعشها جنود "يونيفيل" بعد حرب يوليو (تموز) 2006.

 

ازدهار متجدد

من نقطة حدودية قريبة من هذه السوق، وفي غرفة واسعة يرفع فيها علم الأمم المتحدة، ستعقد الاجتماعات للتفاوض في شأن ترسيم الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وسيشارك فيها مندوبون من الجيشين اللبناني والإسرائيلي، ووفد من الأمم المتحدة كمشرف على اتفاق الإطار، ووفد أميركي كمنسق لتطبيق الاتفاق بعد التوصل إليه.

هذه السوق لا تفتأ تتبدل أحوالها وأحوال الماليكن والعاملين فيها بتبدل الأوضاع السياسية في جنوب لبنان، وها هي تزدهر بعدما بات افتتاح مطعم للمأكولات الإيطالية استثماراً ناجحاً بسبب عدد الجنود الإيطاليين الموجودين في القاعدة. وكذلك هي الحال بالنسبة إلى المطعم الفرنسي أو الإسباني واللبناني خصوصاً. وانتشرت هذه المطاعم بشكل أوسع مما كانت عليه في ما مضى، ولا تفرغ من زوارها من الجنود في أوقات الغداء أو العشاء. 

الأمر نفسه بالنسبة إلى المحال التي تبيع الهدايا، و"الأراجيل" التي راح الجنود يقبلون عليها بعدما استهواهم تدخينها، كما أسرَّ أحد الجنود الفرنسيين. وانتشرت محال بيع الأدوات الكهربائية والملابس، وكل ما يمكن أن يحتاج إليه الجنود في حياتهم اليومية في المعسكر، أو في العطل الأسبوعية.

يقول أحد أصحاب المحال إنهم يحاولون إبقاء الجنود في منطقة الناقورة ليصرفوا مالهم فيها عبر إشعارهم بأن كل ما يطلبونه موجود.

هل تتبدل أحوال القرى الحدودية؟

أثناء الاجتياج الإسرائيلي عام 1982، انتقل جنوبيون كُثر للعيش في بيروت، أو في القرى والبلدات خارج الشريط الحدودي، واستقر عدد كبير من هؤلاء النازحين في الأماكن التي نزحوا إليها، وباتوا جزءاً من نسيجها الاجتماعي، ولم يعد أغلب هؤلاء إلى بلداتهم بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها عام 2000. 

وهناك عدد ممن بقوا داخل الشريط الحدودي وفي البلدات المتاخمة للحدود مع المستوطنات الإسرائيلية، وتأقلموا مع وجود الاحتلال الإسرائيلي، إما عبر التجنيد الإجباري في جيش لبنان الجنوبي، أو عبر العمل في إسرائيل، والذي كان يدر عليهم مداخيل مرتفعة مقارنة بما يجنيه العاملون في الأعمال نفسها داخل المناطق اللبنانية الأخرى، ولو أن هذه الأعمال مصنَّفة "دونية"، كقطف الثمار في بساتين المستوطنات، أو كعمال النظافة في الشوارع والمؤسسات العامة داخل المدن الإسرائيلية، إلا أن رواتبهم كانت تعيلهم إعالة مُرضية، لكن انسحاب الجيش الإسرائيلي غيَّر مسار الأمور بالنسبة إلى سكان المناطق الحدودية، فكان لحزب الله قصب السبق في الوصول إلى هذه المجتمعات، فأدخل إلى المناطق المحررة أسلوبه الإعلامي المتبع في سائر المناطق التي كان يسيطر عليها قبل عام 2000، كالضاحية الجنوبية لبيروت وقرى وبلدات ومدن الجنوب، فانتشرت على أعمدة الكهرباء صور القتلى الذين سقطوا في جميع معاركه، وليس في معاركه مع إسرائيل وحسب. وانتشرت أيضاً صور القادة والزعماء الإيرانيين واللبنانيين، ورفعت رايات حزب الله الصفراء على مداخل القرى والبلدات وفوق أسطح المنازل وعلى أعمدة الكهرباء، وانتشرت اللافتات الحزبية. 

وتعاطف كثير من الشبان الذين جُنّدوا في جيش لحد، إجبارياً، أو طوعياً، مع الحزب، وباتوا من مناصريه، إن لم يكن من عناصره، ولم يكن أمام غالبية هؤلاء أي خيار آخر، فحزب الله هو المصدر المالي الحالي بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، وهو المُسيطر سياسياً على المنطقة، وهؤلاء الشبان يحتاجون إلى نوع من الحماية الاجتماعية، فكان حزب الله مظلة حامية لهؤلاء، وصار مصدراً مالياً ثابتاً لقسم كبير من سكان تلك المنطقة.

هل سيؤدي اتفاق الإطار إلى تغيير في العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية كما يُحلِّل البعض؟ هل ستتبدَّل أحوال القرى الحدودية؟ هل سيعود الازدهار إلى البلدات والمدن الحدودية؟ هل ستتراجع سلطة "حزب الله" في المناطق التي حلَّ فيها بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، كما يأمل البعض ويتصور؟

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير