Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدستور يبقي ترمب في السلطة وإن لم يفز في الانتخابات

آليات قانونية تتيح طرقا مختلفة في نظام رئاسي معقد في الولايات المتحدة

لم يكن حديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن تزوير الانتخابات الرئاسية بعد انتهاء التصويت جديدا، إذا أثار الموضوع في المناظرة الأولى مع خصمه الديمقراطي جو بايدن وكان رفضه الإفصاح عن موقفه من تداول السلطة سلمياً، قد أثار مخاوف في الأوساط السياسية في البلاد.
وبقدر ما أثارت تصريحاته قلقاً لدى السياسيين ومراقبي الأمن القومي من أن يتحول يوم الانتخابات وما بعده إلى مواجهة سياسية وأمنية غير مسبوقة في التاريخ الأميركي، يتسائل آخرون عن أساليب أخرى دستورية قد تمكن ترمب من البقاء في السلطة حتى لو لم يفز بالانتخابات بشكلها التقليدي المعتاد وفي ظل ظروف محددة.

لكن الحقيقة المفاجئة لكثيرين هي أن هناك العديد من الآليات القانونية والدستورية التي يمكن أن تمكن ترمب من البقاء في منصبه من دون الفوز فعلياً بأصوات الناخبين. ذلك أن نظام انتخاب الرئيس معقد جداً في الولايات المتحدة، ولا يتم بشكل مباشر من المواطنين الذين يدلون بأصواتهم، إنما يجري على مرحلتين. وينص الدستور الأميركي على دعوة الولايات إلى اختيار مندوبين ينتخبون بدورهم الرئيس خلال اجتماع في 14 ديسمبر (كانون الأول).

وبمرور الوقت، أصدرت الولايات قوانين تضمن أن يكون التصويت الشعبي، أي تصويت عموم الناخبين في الولاية، هو ما يحدد المندوبين الذين ينتخبون الرئيس. لكن ذلك يجري بناء على قوانين اعتمدتها الولايات، وهي ليست التزاماً دستورياً.

ولهذا يعبر بعض المشرعين السابقين ومستشاري الكونغرس والباحثين في واشنطن عن تصورات محتملة تتخيل أحد سيناريوهين للعملية الانتخابية، ينتهي بهما المطاف إلى الكونغرس الأميركي في واشنطن، حيث تخضع عملية اختيار الرئيس إلى قواعد مختلفة غير التي اختبرها الشعب الأميركي، ولكنها دستورية وتؤدي إلى اختيار ترمب واحتفاظه بالسلطة، فكيف يسير كل سيناريو منهما؟

السيناريو الأول

توقع هذا السيناريو كل من تيموثي ريث وهو سيناتور سابق، وتوم روجرز وهو مستشار سابق للكونغرس، إذ أشار ان وفقاً لاستطلاعات الرأي شبه الثابتة منذ أشهر، إلى أن بايدن سيحقق تقدماً في الأصوات الشعبية بشكل عام، ويفوز كما هو متوقع في الولايات الزرقاء التي تصوت تقليدياً لمصلحة الديمقراطيين، ويحرز تقدماً هامشياً طفيفاً في عدد من الولايات المتأرجحة مثل أريزونا وبنسلفانيا وويسكونسن وميتشغان. لكن الرئيس ترمب يعلن عما حذر منه دوماً، وهو أن هناك تزويراً في الاقتراع بالبريد، وبخاصة في الولايات المتأرجحة. فيطلب من وزارة العدل التحقيق في مزاعم التزوير والتدخل الصيني.

وربما يكون الهدف من تحقيق وزارة العدل هو أن يستمر حتى يوم  14 ديسمبر، الموعد النهائي الذي يجب فيه تعيين مندوبي المجمع الانتخابي أو الهيئة الانتخابية في كل ولاية والذين ينتخبون الرئيس.

ولأن الولايات الأربع المتأرجحة يسيطر الجمهوريون على مجلسي النواب والشيوخ فيها، من المتوقع أن ترفض السماح بالتصديق على تعيين مندوبي المجمع الانتخابي إلى حين اكتمال تحقيق الأمن القومي الذي تجريه وزارة العدل. وفي المقابل، يبدأ الديمقراطيون إجراءات قانونية للمطالبة بالتصديق على النتائج في الولايات الأربع، وتعيين قائمة بمندوبي بايدن للتصويت في المجمع الانتخابي، بحجة أن ترمب صنع حالة طوارئ من أجل خلق الفوضى ومنع بايدن من الفوز.

دور المحكمة العليا

وفي طبيعة الحال، تصل القضايا النزاعية في شأن الانتخابات إلى المحكمة العليا الأميركية كما حدث في نزاع بوش- آل غور عام 2000. وهو ما يتوقع معه في هذه الحالة أن تقرر المحكمة العليا ذات الأغلبية المحافظة في ثلاث نقاط، أولها، ضرورة الوفاء بالموعد النهائي لانعقاد المجمع الانتخابي في 14 ديسمبر، وثانيها، أن سلطات الأمن القومي التي يتمتع بها الرئيس تخوله قانوناً التحقيق في التدخل المحتمل لدولة أجنبية في الانتخابات الوطنية، وثالثها، أنه إذا لم تصدق المجالس التشريعية في الولايات على قائمة مندوبي المجمع الانتخابي بحلول 14 ديسمبر، يجب أن ينعقد اجتماع المجمع الانتخابي تحت أي ظروف للتصويت على اختيار الرئيس المقبل.

وحينما يجتمع مندوبو المجمع الانتخابي، وفقاً للدستور، لاختيار رئيس للبلاد في مجلس النواب الأميركي داخل مبنى كابيتول هيل يوم 6 يناير (كانون الثاني) المقبل، لن يكون هناك تمثيل لمندوبي تلك الولايات الأربع المتأرجحة. ولهذا لن يمتلك بايدن أو ترمب أصواتاً كافية للحصول على أغلبية الأصوات المطلوبة للفوز، وهي 270 صوتاً من إجمالي 538 صوتاً.

صوت واحد لكل ولاية

وهنا، ينص الدستور الأميركي على أن يصوت مجلس النواب الجديد على اتخاذ قرار في شأن تصويت مختلف للانتخابات الرئاسية، ولكن على أساس أن كل ولاية تدلي بصوت واحد فقط، يحدده غالبية مندوبي تلك الولاية.

وإذا ما استمرت الخريطة الحالية حول سيطرة كل من الجمهوريين والديمقراطيين على مجالس نواب كل ولاية دونما تغيير، فسيكون هناك 26 ولاية لديها أغلبية جمهورية في مجلس نواب الولاية، في مقابل 23 ولاية لديها أغلبية ديمقراطية، بينما تتبقى ولاية بنسلفانيا في مجلس منقسم بين الجمهوريين والديمقراطيين.

وفي ظل هذا السيناريو ستكون النتيجة هي إعادة انتخاب ترمب بأغلبية 26 ولاية مقابل 23 ولاية لبايدن، ولن يكون ترمب مضطراً إلى فعل أي شيء سوى قبول هذه النتيجة المستندة إلى نصوص الدستور.

السيناريو الثاني

توقع هذا السيناريو الكاتب فريد زكريا في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، وتصور فيه أن يحقق الرئيس ترمب تقدماً نسبياً عبر أصوات الناخبين الذين سيتوجهون بأنفسهم ويدلون بأصواتهم في صناديق الاقتراع يوم الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لكن المرشح الديمقراطي بايدن يتجاوزه خلال الأيام التالية مع استكمال فرز أصوات الذين اقترعوا بالبريد ووصلت أوراق اقتراعهم قبل يوم الانتخابات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع تقدم الجمهوريين باعتراضات قضائية ضد عشرات الآلاف من بطاقات الاقتراع عبر البريد، ورد الديمقراطيين برفع دعاوى قضائية مضادة، تتسع دائرة الارتباك والتوتر. ولحسم هذا الارتباك، تقرر الهيئات التشريعية في كل ولاية من الولايات التي يحدث فيها ذلك، اختيار المندوبين بأنفسهم الذين بدورهم سيختارون الرئيس.

ولأن الولايات الزرقاء تنتخب الديمقراطيين بشكل دائم، بينما تنتخب الولايات الحمراء المرشح الجمهوري بشكل مستقر، فإن الرهان والجدل وحالة التوتر والانقسام المتوقعة تتعلق بالولايات المتأرجحة أو ولايات ساحة المعركة الرئيسة التي تتقارب فيها نتائج التصويت الشعبية بين المرشحين، وهي التي في النهاية تحسم من هو الرئيس الفائز بالانتخابات بأن تساعده على تجاوز العدد اللازم من الأصوات لإعلان فوزه، وهو 270 صوتاً من إجمالي أصوات المندوبين في المجمع الانتخابي وعددهم 538 صوتاً.

مصدر القلق

وهنا مصدر القلق بالنسبة إلى الديمقراطيين، فمن بين الولايات التسع المتأرجحة، هناك ثماني هيئات تشريعية ذات غالبية جمهورية، فإذا قرر مجلس النواب في ولاية ما، أو أكثر، أن عملية الاقتراع كانت فوضوية وشابتها مخالفات، حينئذ يمكن إرسال ما يعتبر قائمة شرعية للمندوبين الذين ينتخبون الرئيس في المجمع الانتخابي يوم 14 ديسمبر، والتي ستكون في هذه الحالة قائمة جمهورية تنتخب الرئيس ترمب.

ومن الطبيعي، بل من المؤكد، أن الديمقراطيين في حال تحقق ذلك سيعترضون ويرفعون دعاوى قضائية على اختيار المندوبين الجمهوريين. وفي بعض الولايات، التي يوجد فيها حكام ديمقراطيون، سيكون في مقدورهم أيضاً إرسال قوائم مضادة تحمل أسماء مندوبين ديمقراطيين خاصة بهم إلى واشنطن. ما سيزيد من حالة الارتباك.

ترمب يجدد رئاسته

وعندما يجتمع الكونغرس الأميركي في 6 يناير لاحتساب عدد أصوات المندوبين الذين يختارون الرئيس، ستظهر تحديات واعتراضات في شأن شرعية بعض هؤلاء المندوبين، ومن ثم سيدفع الجمهوريون داخل مجلس النواب إلى عدم احتساب مندوبي الولايات المتنازع على أصوات مندوبيها. ومن شأن هذا أن يضمن عدم حصول أي من المرشحين على عدد الأصوات اللازمة للفوز في المجمع الانتخابي وهو 270 صوتاً.

واستناداً إلى الدستور الأميركي، يبدأ تصويت مختلف على أساس أن كل ولاية تدلي بصوت واحد فقط، تحدده غالبية مندوبي تلك الولاية، لتنتهي النتيجة مثل السيناريو الأول بإعادة انتخاب ترمب بأغلبية 26 ولاية مقابل 23 ولاية لبايدن حسب الأغلبية الحالية لمجلس نواب كل ولاية.

نظرية المؤامرة

غير أن هذين التصورين، وإن كانا يحملان بعض المنطق ويستندان إلى بنود الدستور الأميركي، إلا أنهما يرتكزان على نظرية المؤامرة التي تتصور أن الرئيس ترمب ومساعديه وجميع قيادات الحزب الجمهوري يخططون للأمر بشكل جماعي ويدركون هذه السلسلة من الإجراءات، حسبما يشير بعض الديمقراطيين الذين يقولون، إن ترمب ظل يشكك في بطاقات الاقتراع عبر البريد لأشهر عدة، ويصر على أن النتائج يجب أن تعكس حصيلة الأصوات التي يجري فرزها ليلة الانتخابات وليس بعدها، وأنه عبر عن أنه لن يكون هناك قلق في شأن انتقال السلطة إذا لم يكن هناك بطاقات للاقتراع بالبريد، لأنه ببساطة سيكون مستمراً في الحكم، وأنه اعترف في سياق آخر أنه في مرحلة معينة، يذهب النزاع إلى الكونغرس. الأمر الذي يفسره عدد من الديمقراطيين بأنه مخطط محكم يدبره الجمهوريون ويستعدون له.

لكن هذه التصورات تفترض أن الحزب الجمهوري في كل ولاية سيضع رغبته في الفوز فوق اعتبارات النزاهة والديمقراطية، وهو أمر يصعب تعميمه. كما أنها تفترض أيضاً أن تشكيلة مجالس النواب في الولايات الخمسين ستبقى على تشكيلها الحالي دونما تغيير.

قمع الأصوات

غير أن الديمقراطيين يتوقعون الأسوأ ويشيرون إلى سوابق تاريخية من جانب الجمهوريين الذين يتهمونهم بقمع الأصوات. ويشيرون في ذلك إلى إقرار ولاية تكساس عام 2011 قانوناً يتطلب بطاقة هوية حكومية كي يسمح للناخب بالتصويت. وقد سمحت الولاية مع ذلك بتصويت من يمتلكون بطاقات تراخيص الأسلحة، في حين رفضت بطاقات الطلاب من جامعات الولاية. كما أنه في عام 2017، أصدرت ولاية جورجيا قانوناً يحظر تسجيل الناخبين الذين توجد أخطاء مطبعية طفيفة في هوياتهم. وهو ما أثر بشكل أساسي على الناخبين السود. وفي ولاية فلوريدا، أحبط الحاكم الجمهوري والمجلس التشريعي مبادرة داخل الولاية أعادت حقوق التصويت لأكثر من مليون شخص ارتكبوا جرائم في السابق، وهو ما أضر أيضاً بعدد كبير من السود.

ويتهم الديمقراطيون الجمهوريين بتشويه الديمقراطية الأميركية، لأن الجمهوريين يعتقدون أن طريقهم إلى السلطة لا يكمن في الحصول على أغلبية الأصوات ولكن عبر وسائل أخرى. ويدلل الديمقراطيون على ذلك بأن الجمهوريين حصلوا في ولاية ويسكونسن عام 2018، على نحو 65 في المئة من مقاعد مجلس الولاية على الرغم من فوزهم بنحو 45 في المئة من الأصوات الشعبية، وذلك بفضل إعادة تقسيم الدوائر الذي أقروه عقب فوزهم بالمجلس التشريعي عام 2010.

أميركا جمهورية موز

ويخشى الديمقراطيون من اعتياد الجمهوريين هذه الأوضاع على الرغم من عدم فوزهم بغالبية الأصوات الشعبية في الانتخابات الرئاسية. فمنذ عام 1992، فاز المرشح الجمهوري للرئاسة في التصويت الشعبي مرة واحدة فقط، تحققت عام 2004 في ظل ظروف وطنية خالصة وفي أعقاب اعتداء الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، الذي كانت أسوأ هجوم شهدته الولايات المتحدة على أراضيها منذ بيرل هاربور في الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، فقد احتل الجمهوريون البيت الأبيض لما يقرب من نصف السنوات الثماني والعشرين الماضية.

ولهذا، فإنه في ظل عملية دستورية غامضة واستقطاب حزبي شرس، ربما تشهد الولايات المتحدة في انتخابات نوفمبر اختلالاً ديمقراطياً قد يضع أقوى بلد في العالم في منافسة مع أي جمهورية موز على هذا الكوكب.

غير أنه في المقابل، يواجه الجمهوريون هذه الاتهامات بالسخرية ويعبرون عن شكوكهم في نيات الديمقراطيين والليبراليين الذين يريدون التخلص من حكم ترمب والجمهوريين بأي ثمن.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير