Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معظم السودانيين عصبيون بسبب سوء التغذية

الطقس الحار يؤثر على السلوك الاجتماعي نتيجة تدني نسبة إرواء الخلايا وشح الماء داخل الجسم

مبنى مستشفى التجاني الماحي للأمراض النفسية (حسن حامد)

نُسب إلى الرحالة العربي ابن بطوطة، عند مروره، بمدينة سواكن السودانية، قوله "أهل خط الاستواء شديدو الغضب، سريعو الطرب"، وكثيراً ما يسمع السودانيون في بلاد المهجر العربي عبارات مثل "ايش بيك معصب يا زول"، غير أن من أشهر المقولات لدى السودانيين، والتي تُنسب للأشقاء العرب "السوداني مثل قارورة البيبسي إذا رججتها تفقدها كلها، إما إذا فتحتها بهدوء فراح تشربها كلها"، في تلميح إلى الطبع السوداني، أي أنه سريع الانفعال، بين الحدة واللين، فمن أين اكتسب السودانيون هذه العصبية، وهل ثمة علاقة بين الطقس والنظام الغذائي والصحة النفسية والحالة المزاجية سلباً أو إيجاباً، وما أثر التغذية ودورها في منهج السلوك؟

اختصاصيون يرجحون أن نظام التغذية، يشكل قدراً معتبراً من تشكيل الحالة المزاجية النفسية، كما أن البيئة الجغرافية والمناخ لهما دور في ذلك.

التغذية السيئة

في هذا الشأن، كشف معاذ شرفي المتخصص في الصحة النفسية أن 90 في المئة من السودانيين، يعانون من العصبية والقلق، بسبب سوء التغذية، نتيجة عدم التوازن الغذائي وتناول الوجبات بطريقة صحية ومنتظمة، إلى جانب الظروف المناخية المدارية الحارة، وعدم شرب كميات كافية من الماء.

أضاف شرفي في المنتدى الذي نظمته كلية المنارة الجامعية، أن معظم مشاكل الشعب السوداني تتمحور حول التغذية الصحيحة، مشيراً إلى أن السودانيين يؤخرون وجبتي الغداء والإفطار، ويباعدون بينهما، مما يؤدى إلى نقص كميات الغلوكوز ويبطئ من وصول الطاقة التي يحتاجها المخ، وهو ما يمثل سبباً مباشراً، لحدة المزاج والعصبية والقلق، إذ إن المعدة تحتاج إلى الغذاء كل أربع ساعات، بينما يمتص المخ الغلوكوز كل ثماني ساعات.

وعزا اختصاصي الصحة النفسية، الحالة العصبية والتوتر في المزاج السوداني، إلى ما سماه "الجهل الغذائي" بعدم انتظام التغذية، وتناول الكميات الكافية من الماء، لتعويض فاقدها من الجسم، بسبب ارتفاع درجات الحرارة في المناخ المداري الحار بالسودان، لأن نقص كميات الماء والسوائل بالجسم يزيد من لزوجة الدم، ويقلل بدوره من تدفق الطاقة والأُكسجين إلى الدماغ بالكمية الكافية المطلوبة، مما يُعزز حالة القلق والتوتر، ويسبب الفتور وتقلص العضلات وآلام الظهر، لافتاً إلى ضرورة تصحيح السلوك الغذائي، بتناول وجبات صحية وبصورة صحيحة. وتناول الكميات الكافية من الماء كفيل بإبعاد الناس عن القلق والتوتر النفسي بنسبة 50 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الطقس والمزاج

من جهته، أوضح البروفيسور علي بلدو مستشار الطب النفسي وأستاذ الصحة النفسية بالجامعات السودانية، لـ"اندبندنت عربية" أن الطقس والغذاء يلعبان دوراً مهماً في تشكيل المزاج والتأثير على الروح المعنوية، مما ينعكس على السلوك البشري، بتأثيره في شكل الاستجابة للمحفزات والمثيرات والمؤثرات الخارجية، وهو ما يؤدي إلى اختلاف كبير في الطيف التفاعلي الحركي الإنساني من شخص إلى آخر.

يضيف بلدو "هناك سمات عامة لكل نظام غذائي، وسمة الأغذية والوجبات التي يتناولها السودانيون، أنها غالباً ما تحتوي على كمية كبيرة من التوابل وما شابهها، مما يؤدي إلى تفاعلات على مستوى الخلايا العصبية، وإرسال إشارات معينة إلى القشرة الدماغية، ومراكز الحركة والانفعال والإثارة، مما يؤدي إلى التوتر والعصبية والتقلبات المزاجية".

ويشير المختص النفسي إلى أن آثار الطقس السوداني الحار، تؤثر أيضاً على السلوك الاجتماعي، نتيجة تدني نسبة إرواء الخلايا، وشح الماء داخل الجسم، مما يجعل الخلايا في حالة من العطش، ويضعف الرغبة في الدخول بعلاقات عاطفية، وينعكس بدوره على مستوى القدرة على المرونة اللازمة، عند نوبات الغضب وعدم التحكم في الانفعالات والصراخ والشعور بالآلام العضلية والصداع وصعوبات النوم ليلاً، والأرق المتقطع أو المستمر، الأمر الذي ينعكس بدوره على الروح المعنوية، ويقود إلى تقلبات نفسية قد تصل إلى درجة الاكتئاب، كما تؤثر على القدرة الجنسية لدى الذكور ويضعف متعة الإناث، مما يهدد الحياة الزوجية والأُسرية.

ودعا بلدو، إلى ضرورة الالتفات لمعالجة الضعف في الثقافة الغذائية الصحية، بما يعزز القدرة على التعامل الواعي مع طقس السودان الحار، واتباع النصائح الخاصة بشرب الماء بكميات وفيرة، داعياً أيضاً إلى عدم التعرض المباشر لدرجات الحرارة المرتفعة، ومشدداً على أهمية اتباع نهج غذائي متوازن، تتنوع فيه المصادر، والاهتمام بالمكونات والمحتويات كماً ونوعاً، مبيناً أن نوعية الأغذية، تؤدي إلى عملية استقلاب داخل الجسم، وتتحكم في مستويات إنزيمات عدة ما ينعكس على الحالة الشعورية والمزاجية للأشخاص، بما يمكن إيجازه في عبارة "قل لي ماذا تأكل، أقل لك ما هو مزاجك".

تعدد الأسباب

وفي السياق نفسه، يعزو الشفيع عبدالله، الاختصاصي في الطب النفسي، والمدير الطبي العام بمستشفى التجاني الماحي للأمراض النفسية، لـ"اندبندنت عربية" ظاهرة العصبية وسط السودانيين، إلى أسباب إحيائية "بيولوجية"، ترتبط بالجينات الموروثة، وأُخرى نفسية واجتماعية وغذائية، مشيراً إلى أن سرعة الغضب التي توسم الطبع السوداني، لها علاقة بالبيئة بمفهومها الواسع، وترتبط بمؤثرات عديدة، كالمناخ والحرارة، والتنشئة الاجتماعية، والعادات والثقافة الغذائية، معتبراً العصبية نفسها، نوعاً من العاطفة التي تستدعي التعامل الهادئ والأخذ باللين.

واعتبر عبد الله، نظام التغذية، أحد الأسباب والعوامل التي تؤثر في مزاج البشر، مرجحاً، أن تكون عصبية السودانيين، ناتجة عن عدم تنظيم أو انتظام تناوله، أكثر من كونها ناتجة عن تناول أنواع معينة من الأغذية، مبيناً أن عدم انتظام الوجبات، أو تباعد فترات تناولها، يفضي إلى نقص الغلوكوز بالدماغ، الذي هو أحد أهم أسباب العصبية المزاجية، كما أن هناك أنواعاً عديدة، من الأغذية، كالخضروات وبعض المنتجات الطبيعية الأخرى، لها أثر طيب في تحسين المزاج.

كما أرجعت الطبيبة نجلاء أحمد الاختصاصية في الطب النفسي والعصبي، لـ"اندبندنت عربية" أسباب القلق والتوتر بالمجتمع السوداني، إلى تضامن عوامل عدة كالطقس والبيئة والتغذية، فضلاً عن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب، نواح سلبية عدة تكتنف أسلوب التنشئة الاجتماعية، القائم على إرضاء المجتمع، بعيداً عن الذات وبناء الشخصية وتطويرها، مبينة أن المؤشرات العامة تشير إلى أن كورونا، قد عزز مشاعر الخوف والقلق داخل المجتمع السوداني، مما أدى إلى زيادة عدد المرضى النفسيين، بالقلق والاكتئاب ونوبات الذعر، مع الميول الانتحارية، معتبرة أن التوتر أحد أبرز مظاهر القلق، المفضي إلى شخصية سهلة الاستفزاز، سريعة الانفعال، ومن ثم السلوك العصبي .

ودعت أحمد، إلى ضرورة بذل الجهود لإضعاف عوامل القلق وتحسين النظام الغذائي، بما يتوافق مع البيئة والمناخ السوداني، والانخراط في أسلوب حياة، صحي وعلاقات إيجابية، والاهتمام بالتنشئة الاجتماعية السليمة.

المزيد من تحقيقات ومطولات