Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بطء الإنترنت ومعدلات الفقر وعدم التأهيل تحديات التعليم في زمن كورونا

 العالم الرقمي يصعّب مهمة البلاد العربية بإمكانياته الضعيفة وأولياء أمور يروون شهاداتهم بالدراسة عن بعد

جائحة كورونا تعيد تقييم منظومة التعليم التقليدي  (أ ف ب)

ربما جعلت جائحة كورونا العالم يتوحد في مواجهتها بعدما ألقت التداعيات أعباءها على الجميع، وفتحت العيون على مستقبل مجهول المعالم، لكن ماذا عن التعليم والعام الدراسي الجديد يقف على الأبواب؟، وكيف ستواجه دول الشرق الأوسط مشكلات منظومة التعليم المنهكة بالأساس في ظل شبح كورونا، الذي يهدد أمن وسلامة واقتصاد بلدان العالم، والشرق الأوسط منه بخاصة؟، أضف إلى هذا أن تجربة التعليم عن بعد عبر الإنترنت لم تأت ثمارها بعد، خصوصاً مع أزمة بطء الاتصال بالإنترنت، وانقطاع التيار الكهربائي ومعدلات الفقر العالية في بعض البلاد، التي تزيد من صعوبة تأمين العلم بهذه الطريقة للجميع على نحو متساوٍ، بسبب عدم توافر الأجهزة الإلكترونية لكل الطلاب، ليرتفع التحدي ويصبح العلم أشبه بحلم صعب المنال لعدد كبير من الأسر. تساؤلات كثيرة يحملها العام الدراسي المقبل. تحاول "اندبندنت عربية" في هذا التقرير رصد تحديات التعليم في زمن كورونا ببعض البلاد العربية.

لبنان: التعليم في مهب الجائحة والأزمات المتراكمة

فيما يتخبط لبنان بين الأزمات المتتالية التي يتعرض لها. في هذا الوقت، ينتظر الطلاب ما يصدر من مقررات تحدد مصير دراستهم، وفق ما تخفيه الأيام المقبلة. التخطيط البعيد المدى يبدو صعباً في لبنان نظراً إلى الواقع المتأزم من كل النواحي، إلا أنه بالرغم من ذلك ثمة أخبار متداولة حول أن بداية العام الدراسي قد تكون في نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل، ما تسبب في حالة من الهلع بين الأهالي، نظراً إلى الارتفاع القياسي في إصابات كورونا.

من جهة ثانية، لا تُعتبر تجربة التعليم عن بُعد التي اعتُمدت في العام الدراسي السابق مشجعة، نظراً إلى التحديات الكثيرة التي لم يكن من الممكن تخطيها. فما الذي يخبئه العام الدراسي المقبل، وهل تتكرر تجربة التعليم "الفاشلة" عن بعد وفق آراء نسبة كبيرة من أولياء الأمور؟

تعتبر ربة العائلة اللبنانية نانسي سعادة، أن تجربة التعليم عن بعد كانت سيئة جداً في العام الماضي، وتأمل ألا تتكرر بالشكل نفسه. والأسوأ على حد قولها أن أطفالها الثلاثة سيتعلمون عبر الإنترنت في العام المقبل. وتضيف "أنا أعمل طوال النهار، ولم يكن ممكناً أن أتابع التعليم بهذا الشكل. استعنت بمعلمة كانت تتابع دراستهم. لكن يبدو واضحاً أنه لولا تلك المعلمة لكان الوضع سيئاً جداً".

كما بالنسبة إلى معظم الأطفال، لم يكن التركيز سهلاً على طفلتَي سعادة عبر شبكة الإنترنت. يضاف إلى ذلك أن المدرسين لم يكونوا على استعداد لهذه التجربة، بحسبها، فلم يكن الشرح كافياً ولا التواصل ممكناً أو طرح الأسئلة.

وعبرت عن قلقها لأن ابنتها ستكون في الشهادة المتوسطة خلال العام الدراسي المقبل، إذ لا تعتبر أن التعليم عبر تطبيق "Zoom" كما في العام الماضي، سيكون كافياً لها.

ومن التحديات التي تشير إليها سعادة وثمة إجماع حولها في لبنان، مشكلة البطء في سرعة الإنترنت بالدرجة الأولى. وكانت هذه مشكلة بالنسبة للمعلمات أيضاً، إذ لم يكن هناك انتظام في مواعيد الصفوف حتى. يضاف إلى ذلك عدم توفر أجهزة إلكترونية لأطفالها الثلاثة في المنزل، فكيف لهم أن يتعلموا بالوقت ذاته؟

كذلك، تبدو تجربة جوسلين مكرزل وولديها، مماثلة مع التعليم عن بُعد، وتأمل أيضاً ألا تتكرر بالظروف ذاتها، معتبرة أن المدرسة لم تتعامل بجدية مع التعليم عن بُعد، فكان هناك تهاون واضح. وقالت "كان هناك تركيز على الحصص غير الأساسية، فيما أُهملت مادة الرياضيات مثلاً. من الواضح أن المدرسة غير مستعدة للتجربة، وشهدنا ضعفاً واضحاً وعدم جاهزية المدرسين".

كما تكررت أزمة سرعة الاتصال بشبكة الإنترنت التي تُعتبر تحدياً أساسياً بالنسبة إلى الأهل والطلاب أثناء التعليم عن بُعد. فبالرغم من أن عائلة مكرزل اختارت الإنترنت الأكثر سرعة في لبنان، فإنها واجهت صعوبات كثيرة بسبب بطئه. كما تشكو الوالدة القلقة بشأن ولديها ماتيو وميا اللذين هما في مرحلتين تعليميتين أساسيتين، من تراجعهما الواضح في اللغات، بسبب عدم التركيز عليها أيضاً في التعليم عن بُعد.

 

 

ماذا يخبئ العام الدراسي المقبل لطلاب لبنان؟

وفق توصيات لجنة كورونا الرسمية في لبنان، يُفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر المقبل على أساس التعليم المدمج بشكل تدريجي، لكن الارتفاع الكبير في معدلات الإصابة بالفيروس بالبلاد يدعو إلى القلق حول ما إذا كانت عودة الطلاب إلى المدارس تعرضهم للخطر.

وأوضحت مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية والتعليم العالي هيلدا خوري، أنه يُفترض أن يعاد النظر في توصية لجنة كورونا التي شُكلت في 18 أغسطس (آب) الحالي. فيتخذ القرار عندها على أثر تقويم الوضع الصحي الحالي بالبلاد. فإما أن يكون التعليم مدمجاً أو عن بُعد حصراً".

وقالت خوري، "لا شك في أن الحضور الكلي غير ممكن بهذه المرحلة، وثمة إجراءات وقائية لا يمكن التهاون بها في المدارس، أما في حال اعتماد التعليم المدمج فيسهل اتخاذ هذه الإجراءات، لتكون نسبة 50 في المئة من التعليم بالمدارس، والنسبة الباقية في المنازل وفق تقنية التعليم عن بُعد".

إلا أن خوري لا تنكر أنه "لا يمكن فرض التعليم المدمج إذا كانت معدلات كورونا مرتفعة، وإن كان يُفترض بالمدارس الاستعداد له لأنه حلّ أمثل في ظل هذه الظروف، ومُعتمد بمختلف دول العالم". غير أن التعليم المدمج يستدعي وضع سيناريوهات عدة يمكن اعتمادها في مختلف المدارس والمراحل التعليمية والمؤسسات التعليمية، ولا يمكن التقيد بسيناريو واحد يحدد كل التفاصيل.

في الوقت ذاته، يبقى الأهم هو التقيد بالإجراءات الوقائية للسيطرة على الوباء. فالمسألة لا ترتبط هنا بالقطاع التربوي وحسب، فالالتزام ضروري ليتحسن الوضع الصحي في البلد.

تضيف خوري، أن "أهمية التعليم المدمج تكمن في كونه يحمل الجانب التفاعلي الأساسي بالتعليم الذي لا يحل محله نظيره عن بُعد كما أظهرت التجربة، فيستفيد الطلاب من أنشطة معينة في المدراس، ويكون التعليم عن بُعد مكملاً له. لذلك يجب أن تتحضر المدارس لكلا الطريقتين، فلا غنى عن كليهما في ظل انتشار الوباء".

إذا تكررت تجربة التعليم عن بُعد أين الحلول؟

الشكاوى كثيرة حول التعليم عن بُعد لفشل تجربة العام الماضي بسبب كثرة العوائق في لبنان. فبين بطء الإنترنت وانقطاع التيار الكهربائي ومعدلات الفقر العالية التي تزيد من صعوبة تأمين العلم بهذه الطريقة للجميع على نحو متساوٍ، بسبب عدم توافر الأجهزة الإلكترونية لكل الطلاب، ليرتفع التحدي ويصبح العلم أشبه بحلم بالنسبة إلى عدد كبير من الأطفال اللبنانيين.

لا تنفي مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية والتعليم العالي أن "التحديات كثيرة في العام الماضي مع التعليم عن بُعد الذي لم تكن الجاهزية تامة له"، لافتة إلى أنه "في أهم دول العالم كان صعباً تخطي التحديات المرتبطة بالتكنولوجيا، فكيف بالأحرى في لبنان؟".

في الوقت ذاته، تؤكد خوري أنه "كان هناك عمل جدي للتغلب على العوائق والتجهيز بشكل أفضل للتعليم عن بُعد، الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من هذه المرحلة"، فتشير إلى "مساعٍ جدية لتخطي مشكلة عدم توافر الأجهزة لدى كل الطلاب بهدف تأمين التعليم للجميع، إذ ستؤمن الأجهزة للطلاب الذي لا يملكونها بعد مفاوضات أجرتها وزارة التربية مع جهات معنية وجهات مانحة في الأمم المتحدة مثل "يونيسف" و "يونسكو" لتأمين التعليم للجميع، وحُلت هذه المسألة تقريباً"، لكن في كل الحالات تقرّ خوري أن "لبنان في وضع لا يحسد عليه بسبب الأزمات المتداخلة، فمعظم الدول تملك البنية التحتية التكنولوجية، الأمر غير المتوافر في لبنان كأرضية لتخطي العوائق المرتبطة بالتعليم عن بُعد".

القطاع التربوي في تحدٍ أمام العالم الرقمي

"يُعتبر القطاع التربوي الأبطأ في دخول المجال الرقمي على الصعيد العالمي، أما في لبنان فالوضع أسوأ نظراً إلى العوائق الكثيرة كبطء الإنترنت وارتفاع تكلفته"، بحسب مدير المعلوماتية في وزارة التربية والتعليم العالي توفيق كرم.

ويؤكد كرم أن "الوزارة سعت إلى التغلب على التحديات، فمنذ العام الماضي كان ممكناً مضاعفة سعة الباقة التي تقدمها شركة "أوجيرو" (المشغل لشبكة الاتصالات في لبنان) والشركات المتعاملة معها في معظمها من دون مقابل، لكن من جهة أخرى بقيت مسألة أخرى عالقة، فالعائلات الأكثر فقراً لا تستعين بالإنترنت بل بباقات عبر شركات الاتصالات الخاصة بالخلوي، ولم يكن ممكناً تأمين باقات مجاناً في العام الماضي لاعتبارها مكلفة على شركتَي الاتصالات في لبنان (ألفا) و(تاتش). وجرى العمل على تخطي هذا العائق حتى يُؤمن التعليم للكل أياً كان مستواه الاجتماعي. وستصبح باقات إضافية مجانية متوافرة للخلوي لمن يعتمد عليه في التعليم منذ بداية العام الدراسي، وذلك بطلب من وزير التربية وبالتعاون مع وزارة الاتصالات".

وتبقى مشكلة الكهرباء حاضرة طبعاً في لبنان، ما يُعتبر تحدياً إضافياً لأولياء الأمور والطلاب معاً، لكن كرم اعتبر أن "على الدولة تحمّل مسؤولياتها في ذلك لأنها مشكلة أساسية، فيما استطاعت وزارة التربية والتعليم العالي تأمين الأجهزة للطلاب الذين لا يملكونها، وستصبح قريباً متوافرة لهم". كما شدد كرم أيضاً على أن ذلك "لا يلغي التحديات الإضافية كمسألة المنصات المعتمدة والجاهزية الدائمة للدروس والحصص التي قد لا تكون متاحة للجميع في كل الأوقات، خصوصاً إذا كان أولياء الأمور يعملون". لذلك شددت الوزارة على المدارس للتركيز على المنصات التي يمكن فيها تسجيل الحصص بطريقة مثلى من المدرسين بعد تحضيرها، فيمكن للطالب العودة إليها ساعة يشاء بدلاً من الصفوف المباشرة التي يصعب حضورها دوماً في ظروف معينة، رغم أن المسألة تشكل تحدياً للمدرسين أنفسهم إذ أنهم ليسوا جاهزين للتعليم عن بُعد، وكان ذلك أحد أسباب الضعف والفشل في العام الماضي، لكن يُتوقع أن يكون العام المقبل أفضل مما سبقه بعدما أصبحوا أكثر استعداداً وإيجابية في التعاطي معه.

وأوضح كرم أن "الوزارة عملت من خلال العلاقات مع الخارج على تأمين أهم المنصات في العالم مجاناً للعام المقبل، للاستعانة بها في التعليم عن بُعد، وأيضاً لتدريب المدرسين". وأضاف "يمكن أن تحصل المدارس على تلك المنصات من دون مقابل ومن دون تمييز بين التعليم الرسمي والخاص، علماً أنها مكلفة جداً، لكننا حرصنا على تأمينها مجاناً نظراً إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان، وحفاظاً على مستوى تربوي راقٍ، وستكون متوافرة ابتداء من الأسبوع المقبل".

 

 

تونس: غياب سيناريو التعليم عن بُعد

وسط مخاوف شديدة من موجة ثانية من جائحة كورونا، أعلن وزير التربية التونسي محمد الحامدي قرار انطلاق السنة الدراسية في موعدها السنوي 15 سبتمبر (أيلول) المقبل، في حين أوكلت "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي" للمؤسسات الجامعية، السلطة التقديرية لتحديد شبكة التوقيت الجامعية المناسبة لخصوصياتها خلال تلك الفترة، وذلك خلال شهر سبتمبر أيضاً.

وأفاد وزير التربية الحامدي، خلال مؤتمر صحافي، أنهم بصدد إعداد البرنامج التفصيلي للعام الدراسي 2020 -2021، الذي يُنتظر الإعلان عنه في أقرب وقت، مستدركاً أن "تاريخ 15 سبتمبر ليس نهائياً، بل يمكن تأخيره في حال تواصل انتشار المرض، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل محافظة".

غياب أرضية مهيئة

على عكس أغلب الدول العربية التي تحدثت عن إمكان الدراسة عن بُعد، فإن السلطات التونسية لم تضع هذا الاحتمال بين الاحتمالات الممكنة لمواصلة الدراسة، في حال واصل الوباء تفشيه بعد إعادة فتح الحدود، وقرّرت العودة بطريقة عادية وفي وقتها المعتاد.

وأعربت مدرسة التعليم الثانوي منيرة العلوي عن تخوفها من رجوعها وأطفالها وطلابها إلى الصفوف في ظل انتشار الوباء، مع غياب بنية تحتية قوية للمقار التعليمية في تونس، التي تنقصها أحياناً أبسط مقومات السلامة الصحية. وأوضحت أن "غالبية المدارس في تونس تعاني عدم توفر حمامات ذات مواصفات صحية، فكيف لوزارة التربية أن تضمن عودة دراسية آمنة من الفيروس؟". 

أما في شأن الدراسة عن بُعد، فتقول العلوي، إنها "أمر مستحيل في تونس وسط غياب أرضية مهيئة. لا ننسى أن أغلب طلابنا في بعض المناطق الداخلية لا يملكون شاشات إلكترونية، ولا تغطية شبكة إنترنت، إضافة إلى عدم وجود قاعدة بيانات".

من جهتها، تقول منى، أم لطفلين، "إذا قررت السلطات الدراسة عن بُعد فيجب عليها أن تفكر في منح عطلة لأحد الوالدين للبقاء بالمنزل مع الأطفال"، مضيفة أن "الحكومة في موقف لا تُحسد عليه وسط كل هذه الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية، وبالتالي فعلى المواطن أن يعي إجراءات السلامة الصحية ويطبقها".

في السياق ذاته، ذكرت المديرة العامة للطب المدرسي والجامعي أحلام قزارة، أنه "تم البدء بتحديد برتوكول صحي جديد يتماشى مع تطورات الوضع الوبائي، لتأمين عودة مدرسية وجامعية آمنة في ظل تفشي فيروس كورونا". وأضافت، أنه "من المحتمل اعتماد بروتوكول صحي لا يجبر الأطفال في مستوى ما قبل الدراسة على ارتداء كمامات أو التقيد بإجراءات التباعد الجسدي، لأن دراسات علمية أظهرت أنه نادراً ما يكون الأطفال عناصر ناقلة لفيروس كورونا مثل الكبار". لكنها دعت في المقابل إلى ضرورة تطبيق كراسات الشروط الخاصة بدور الحضانة ورياض الأطفال التي تنص على تخصيص مساحة واسعة لكل طفل، لضمان احترام قواعد السلامة الصحية.

أما في شأن المدارس الابتدائية فأكدت قزارة أنه "تم تقديم توصية لوزارة التربية بعدم إلزام تلاميذ تلك المرحلة وحتى عمر 12 سنة بارتداء كمامة، مع إمكان التنازل عن فرض التباعد الاجتماعي، لاستحالة تطبيق هذا الإجراء".

منذ فتح الحدود

يذكر أنه منذ تاريخ فتح الحدود يوم 27 يونيو (حزيران) الماضي، تم تسجيل 1615 إصابة مؤكدة حاملة لفيروس كورونا، بينها 484 وافدة و1131 محلية، إضافة إلى 21 وفاة.

وحذّر أعضاء اللجنة العلمية لمتابعة انتشار الفيروس من أخطار التراخي في التقيد بإجراءات الوقاية الصحية، على غرار لبس الكمامات والتباعد الاجتماعي، والتقيد بإجراءات الحجر الصحي.

يشار أيضاً إلى أن وزارة التربية التونسية كانت أعلنت يوم 29 أبريل (نيسان) 2020 إنهاء السنة الدراسية بسبب انتشار كورونا، باستثناء طلاب السنة الرابعة ثانوي (بكالوريا)، وأُجري امتحان السادسة ابتدائي ومناظرة التاسعة أساسي وشهادة ختم التعليم التقني خلال يومي 29 و30 يونيو الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مصر: عام دراسي جديد هجين

أما في مصر، فالقطاعات العريضة تضع أياديها على قلوبها وجيوبها مع اقتراب عام دراسي جديد يتزامن واستمرار الوباء وتوقع شبه مؤكد ببزوغ عصر التعليم الهجين.

قد لا تكون الفكرة مفهومة لدى غالبية أولياء الأمور، لكنها واضحة وضوح الشمس لدى الغالبية المطلقة من الطلاب والطالبات، بحكم اختلاف الأجيال، حيث جيل "واي" وما بعده من أجيال متصلة "فطرياً" بالثورة المعلوماتية. طفل في الخامسة يلعب لعبة "ساعة أينشتاين" على محمول والده. طفل بالعاشرة مشترك في بطولة الألعاب الإلكترونية العالمية. مراهقة في الـ17 تتواصل وتشاهد وتصنع محتوى عنكبوتياً.

العين المجردة والحجة والبرهان جميعها يشير إلى أن قدرات الغالبية المطلقة لنحو 22 مليون طالب وطالبة مدارس في مصر لن ولم تمثل حجر عثرة أمام التحول المخطط للتعليم عن بعد سواء كان جزئياً أو كلياً، بحسب المستجدات والإمكانات.

إمكانات محمد سليمان، 40 عاماً، يعمل سائقاً لدى أسرة أتاحت له اقتناء جهاز كمبيوتر واحد يتناوب على استخدامه أبناؤه الثلاثة في مرحلة التعليم الابتدائي. يقول، اشتريت الجهاز في نصف العام الدراسي الماضي وقت صدور قرار إغلاق المدارس ومتابعة العملية التعليمية من المنزل، وكان جزء منها عبر الإنترنت. المشكلة لم تكن في ثمن الجهاز، ولكن في تكلفة الاتصال بالإنترنت والتحكم في ما يفعله الصغار على الكمبيوتر، لا سيما أن زوجتي لا تقرأ أو تكتب".

تكلفة الاتصال

تبدو تكلفة الاتصال بالشبكة العنكبوتية معضلة أكبر من اقتناء الأجهزة، سواء كان حاسبا آلياً أو هاتفاً محمولاً. الإحصاء الرسمي الأحدث الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في ديسمبر (كانون الأول) 2019 يشير إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر بلغ 39 مليون مستخدم، بالإضافة إلى 3.6 مليون مستخدم لـUSB Mode. ووصل عدد مشتركي الهواتف المحمولة 95.3 مليون مشترك، وذلك في دولة تعدادها الكلي 100 مليون نسمة.

العرف الإنفاقي لقطاع عريض من المئة مليون نسمة ظل على مدار عقود طويلة يحافظ على أولويات الطعام والشراب، والمسكن ومستلزماته، والرعاية الصحية، والنقل والمواصلات، والملابس والأحذية، والدخان "السجائر"، ثم التعليم، تليه السلع والخدمات المتنوعة، وأخيراً الاتصالات، ثم الثقافة والترفيه بهذا الترتيب حتى العام الماضي. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية توضح ما قد طرأ على ترتيب الأولويات، لا سيما فيما يختص بالتعليم والاتصالات بعدما أصبحا بندين متلاصقين بفضل كورونا، إلا أن واقع الحال يشير إلى حدوث تغيير في الترتيب.

ترتيبات العام الدراسي الجديد النهائية لم يتم الإعلان عنها بعد. ولا يتوقع أن يعلن عنها في المستقبل القريب، حيث مدارس الكوكب تتعامل مع عام دراسي جديد بحسب ما سيستجد في ملف الوباء. لكن وزير التربية والتعليم والتعليم الفني طارق شوقي قال إن المحتوى الرقمي المتاح حالياً بات يشتمل على مناهج تعليمية للصفوف الدراسية من رياض الأطفال إلى الصف الثالث الثانوي.

منظومة الجهاز اللوحي

منظومة الجهاز اللوحي، الـ"تابلت"، التي أعيت مصر والمصريين مطلع العام الدراسي 2018-2019 لفرط الاعتراض والانتقاد والاستنفار، حيث تم اعتماد "التابلت" أداة دراسة وتحصيل جديدة ومعممة وموزعة على كل طالب وطالبة بمصر في الصف الأول الثانوي، تفاخر بنفسها في مطلع العام الدراسي الجديد الهجين. مزج التعلم التقليدي حيث الطلاب يتوجهون إلى المدارس يومين أو ثلاثة، حسب ظروف الوباء، مع اعتماد المنصات الإلكترونية وسيلة تعليمية لكافة المراحل الدراسية يلوح في أفق العام الجديد.

العام الجديد الذي تم الإعلان الرسمي عن بدئه في 17 أكتوبر (تشرين أول) المقبل يرفع شعار "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم". كره كثيرون إدماج التعليم الإلكتروني في التقليدي قبل الوباء، لكنهم استيقظوا على تحول الكراهية إلى اعتراف صريح بأن التابلت وغيره من التقنيات الرقمية التي تم "فرضها" رسمياً قلصت خسائر نصف عام دراسي مضى، وتعِد بمكاسب في مستقبل التعليم.

الطفل أنجز بحثاً

المستقبل الذي بدأ أمس يتحدث عنها أحمد محسن محصل الكهرباء، الذي يقول بفخر شديد، إن ابنه "كريم" الطالب في الصف الرابع الابتدائي والمنقول للخامس أنجز بحثاً وهو "لم يطلع من البيضة". فكرة البحث المرتبطة بالجامعات والدراسات العليا والمثقفين والأكاديميين تم اعتمادها نهاية العام الدراسي الماضي في عدد من السنوات بديلاً للامتحانات بسبب الفيروس. وعلى الرغم من النقل من مواقع الإنترنت وتطوع البعض من المعلمين بإعداد الأبحاث المطلوبة في مقابل مادي لعله يعوض خسارة الدروس الخصوصية الفادحة، فإنها فتحت الباب أمام ملايين الطلاب وذويهم لتغيير أنماط الفكر السائد حول التعلم.

كريستين سمير، 32 عاماً، أم لطفلتين في مدرسة دولية، ومتطوعة لمساعدة الأطفال في سن المدرسة بأحد الأحياء الشعبية حيث من لم يتسرب من التعليم ملتحق بمدرسة حكومية. تقول، "كنت دائماً ألاحظ الفجوة الضخمة بين أسلوبي تعليم ابنتي حيث الأبحاث المستمرة والتشجيع على التفكير النقدي وبين تعليم الأولاد والبنات الذين أساعدهم حيث حفظ وصم وتلقين وحرص على وأد أي بوادر للابتكار أو التفكير غير النمطي. وبعد توقف الدراسة بسبب كورونا، كونت مجموعات على (واتساب) للتواصل مع الصغار عبر هواتف ذويهم. البعض حرص على هذا التواصل وأنفق قدراً أكبر قليلاً من المال على باقة الإنترنت عبر المحمول، والبعض الآخر لم يفعل". تضيف، "رغم تفاوت القدرات الفردية بين الصغار وكذلك قدرة الأهل على الاتصال بالإنترنت لإتاحة فرصة البحث، فإن الصغار اعتبروا فكرة البحث بدل الامتحان أفضل تجربة مدرسية في حياتهم".

نظام هجين

التجربة المدرسية هذا العام ستكون نظاماً تعليمياً هجيناً أو مدمجاً. وحسب ما قاله طارق شوقي فإن جانباً منه سيكون وجهاً لوجه، والآخر عن بُعد، وإن تراوحت النسب بين النظامين بحسب الفئة العمرية، إذ يتوقع أن تكون نسبة الحضور في المدارس للأصغر سناً أعلى.

وبينما القاعدة الطلابية سعيدة بالمكون الرقمي، والأغلبية من الأهل تتجاذبها مشاعر مقاومة التغيير المعروفة مع الامتنان لتقليص نزيف الجيوب المسمى بـ"الدروس الخصوصية" التي توحشت وتوغلت على مدار ثلاثة عقود، إذ بالبعض من المعلمين يبتكر ويتفنن لإنقاذ المنظومة "غير العادلة"، التي ضمنت لهم دخولاً خيالية على حساب التربية بالمدارس والتعليم في الفصول. جهود الحكومة في ملاحقة وتطويق مراكز الدروس الخصوصية المسماة بـ"السناتر" وتخصيص أرقام هاتفية للإبلاغ عن المخالفين، تتواتر إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي بالمخالفة للقانون والتغير الجاري على ساحة التعليم، إذ يحاول بعض المعلمين نقل الدروس الخصوصية إلى المنصة الإلكترونية رافعين شعار "داوها بالتي كانت هي الداء" في مسعى منهم لإنقاذ المنظومة "غير العادلة" التي أثرت سلباً على الملايين وتستقر في جيوبهم.

 

 

السعودية: القرار الصعب الذي فرضه الوباء

وفي السعودية، قررت وزارة التعليم استمرار العملية التعليمية إلكترونياً في الفصل الدراسي الجديد، بعد أن استعدت له جدياً بحسب الوزير حمد بن محمد آل الشيخ، الذي أعلن استمرار التعليم عن بُعد لمدة 7 أسابيع، تتبعها عملية تقييم لحاجة استمرارها، فيما سيتعين على طلاب التخصصات العلمية دون سواهم في الجامعات الحضور لمقار الدراسة.

على ضوء التجربة السابقة

وبحسب آل الشيخ، فقد استعدت الوزارة للعام الدراسي الجديد بمنصة جديدة، وهي مدرسة إلكترونية أطلق عليها اسم "منصة مدرستي"، تتضمن الأدوات الخاصة للتعليم الالكتروني ومتابعة العملية التعليمية، مع استمرار بث قنوات "عين التلفزيونية" التي تخصص لكل صف دراسي قناة خاصة به، بالإضافة إلى ما يتم أرشفته على قنوات "العين" على اليوتيوب.

هذه التحديثات يفترض أن تكون قد استندت إلى ضوء التجربة السابقة، وبناءً على ملاحظات الطلاب والممارسين التربويين، فهل عالجت هذه الاستعدادات مشكلات الفصل الدراسي الماضي؟

التقييم وفق النطاق الجغرافي

يتفاوت تقييم المعلمين وفق النطاق الجغرافي، إذ ينظر أولئك الذين يعملون في مؤسسات تعليمية داخل مناطق مخدومة ببنى تحتية جيدة من ناحية الشبكات والإنترنت إلى التجربة بعين الرضا، في حين يبدي المعلمون الذي يعملون بمناطق نائية أو طرفية امتعاضهم واستياءهم من جودة العملية في تلك المناطق.

ويرى صالح بن محمد، عضو هيئة تدريس في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، أن التجربة كانت مثالية، "إذ أسهمت في رفع اعتماد الطلاب على أنفسهم، فبالنظر إلى تجربتي فقد أظهرت أعمالهم وإنتاجهم بشكل أفضل نسبياً عن السابق"، وأرجع ذلك إلى النمط غير التقليدي للتعليم الذي تلقوه في تلك الفترة.

أضاف، "المنصات الرقمية ضرورة لرفع جودة التعليم، وتخفيف الضغط على المؤسسات ورفع قدرات الطلاب في التعامل مع التقنية"، مشدداً على جانب أضافته التجربة، "الأهم في تقييمي للتجربة هو تولي الطالب مسؤولية التعامل مع التعليم بنفسه وهو مكتسب مهم يجب ألا نغفله".

إلا أن رأيه لا يتشابه مع ما قاله حسين الصميلي، الذي اشتكى لنا تجربته في منطقة العارضة، وهي قرية حدودية تقع أقصى جنوب السعودية، "لم تؤد عملية التعليم عن بُعد أي غاية تعليمية، في منطقتنا بالعارضة 70 في المئة من الطلاب لا يمتلكون أجهزة أو إنترنت لائق للاطلاع على الدروس بشكل جيد، لذلك كان الحضور ضعيفاً على الدروس، إذ لم يتجاوز عدد الطلاب على مدى الشهرين التي قضيناهما في التعليم عن بعد 10 طلاب".

ولا يشعر الصميلي بتفاؤل تجاه الفصل الدراسي الجديد "اطلعت على الاستعدادات، هي لم تتعاط مع مشكلاتنا الرئيسة، التي حصلت في الفصل الماضي، فضلاً عن افتقار المنصة حتى الآن لآلية حقيقية لمتابعة الحضور والغياب".

مواقف متباينة لدى الطلاب

التباين الذي لمسناه لدى المعلمين وأعضاء هيئة التدريس، طال أيضاً الاستطلاع الذي أجريناه مع الطلاب.

إذ يرى محمد، وهو طالب ماجستير في جامعة الملك سعود، أن تجربته متفاوتة في التقييم "التجربة ككل كانت جيدة إذا ما أردنا تقييمها كعملية تعليمية بشكل عام، لكن كانت هناك بعض التفاصيل مثل كفاءة أعضاء هيئة التدريس وقدرتهم على استعمال المنصة الرقمي بشكل جيد"، ويضيف "في مرحلة الماجستير نعتمد على المناقشات وتقديم العروض، وهو ما لا يمكن تطبيقه بشكل فعال على المنصات الرقمية"، لذلك يفضل التعليم التقليدي على الرقمي.

ويستعرض محمد تجربة التدريب، إذ اضطر لأخذ ساعات التدريب التي تأتي ضمن برنامج الماجستير في جامعة عن طريق دائرة رقمية على تطبيق اتصال، وهو الذي حد من قيمة التجربة.

الأمر ذاته تحدثت عن بدور، وهي طالبة في جامعة طيبة، التي وصفت تجربة التدريب بغير المجدية، "صادف الفصل الدراسي الصيفي وقت تدريب التخرج الخاص بي، وبسبب الظروف الراهنة اعتمدت الجامعة على ما يسمى بـ(محاكاة التدريب)، وهو نظام افتراضي يقوم على محاكاة عملية التدريب وافتراض قيامه، وتقديم تقارير أسبوعية متخيلة عن تدريب متخيل هدفه تدريب الطالب على كتابة التقارير دون القيام بتدريب فعلي"، وبعد أن قمنا بالتواصل مع بعض المسؤولين في الجامعة، اتضح أن نظام المحاكاة يستخدم عادة مع الطالبات التي يتعذر خوضهن لتجربة التدريب بسبب ظروف قاهرة، وهو ما تم تطبيقه في هذا الفصل.

وتشتكي بدور فوضوية التجربة، إذ لم تتقيد الفصول بجداول زمنية، "كانت مواعيد الاختبارات والمحاضرات تأتي بشكل فوضوي، في ساعات الصباح أو المساء دون انتظام، وهو ما صعب الالتزام بالحضور".

رياض الأطفال

تضمن إعلان وزير التعليم لعودة العام الدراسي عن بُعد، عودة رياض الأطفال للعمل أيضاً عبر ما سمّاه بـ"الروضة الافتراضية"، التي تمارس فيها الرياض عملها المعتاد مع الأطفال عبر منصة رقمية.

وتساءلت إحدى الأمهات التي شاركت في الاستفتاء، عن جدوى عودة الرياض دون تواصل مباشر، إذ إن أهداف الروضة الأساسية مرتبطة بجوانب تربوية أكثر من كونها تعليمية "كان التواصل بين المعلمات والأطفال سيئ، وهو ما أنهى ضرورة استمرار الروضة، إذ لا يمكن أن نبقي الأطفال أمام الأجهزة فترة طويلة لتلقي تعليم صلب ومباشر، ما جعلنا نتحمل الجزء الأكبر من الجهد".

الأمر الذي أكدته ملاك الجهني، معلمة روضة، التي أبدت الموقف ذاته مع عودة الرياض "منصة روضتي تعليمية بحتة، في حين أن الروضة هي مكان يجب أن يستخدم فيها الطفل حواسه الخمسة للوصول للمعرفة، ونمارس تطبيقات عملية وتجارب إدراكية لتوظيف جميع الحواس في التعليم"، وهو ما يتطلب تواصلاً مباشراً.

أضافت الجهني، "الطفل يحتاج إلى تركيز في الروضة، بالإضافة إلى أن دور الروضة تربوي ونفسي أكثر من كونه تعليمياً"، وهو ما يجعل العبء على الأسرة في حين لا تؤدي الروضة دوراً جوهرياً في العملية.

ومن خلال استطلاع آراء الشريحة المعنية من العملية التعليمية الرقمية، يبدو أن التجربة رغم التطور الكبير الذي تعد به في الفصل الدراسي المقبل لا تزال تعاني من بعض المشكلات.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات