Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مصير بيلاروسيا بعد أكبر احتجاجات في تاريخها؟

بدا الرئيس لوكاشينكو الأسبوع الماضي يائساً بشكل متزايد، لكن ثمة إشارات إلى أنه لن يرحل أخيراً قبل سنوات عدّة

بدت بيلاروسيا في مثل هذا الوقت من الأسبوع الماضي وكأنها في خضم انتفاضة شعبية. فقد احتشدت أعداد غفيرة في شوارع مينسك ومدن أخرى احتجاجاً على انتخابات أعطت كل الانطباع على أنها مسروقة. وفي غضون أيام، دخل عمّال المصانع في الإضراب، فيما بدا شبيهاً بثورة كلاسيكية على غرار ثورة 1917.

كان الفائز المفترض في الانتخابات ألكسندر لوكاشينكو، الذي احتلّ منصب الرئيس منذ 26 عاماً، يبدو يائساً بشكل متزايد. كما بدت القيود المفروضة على حرّية التجمّع وحرية التعبير معلّقة، فيما ذهب عناصر شرطة مكافحة الشغب، التي كانت قاسية للغاية في البداية، إلى بيوتهم أو غيّروا ولاءهم. وظهرت تصدّعات في أجزاء النظام الداعم للرئيس لوكاشينكو، وأعلنت مرشحة المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا، التي هربت إلى ليتوانيا المجاورة في اليوم التالي للانتخابات، تشكيل لجنة للتحضير لعملية انتقالية.

والآن، يبدو أن لوكاشينكو أخذ يعيد تحصين نفسه، وقد حذّر الناس من العودة إلى الشوارع (لكن البعض فعلوا ذلك) وفُصل العمّال المضربون في المصانع من عملهم. كما عادت شرطة مكافحة الشغب (بعد نيلها حديثاً أوسمة ومكافآت) ومُنع الاقتراب من المركز الإعلامي الحكومي، الذي يُعتبر أساسياً في أي ثورة حديثة. وفي أحسن الأحوال، تبدو بيلاروسيا مقبلة على فترة من الجمود السياسي، وفي أسوئها، ستشهد حملة قمع جديدة ضد المعارضة.

في ظلّ هذه الظروف، السؤال هو ما إذا كان رحيل لوكاشينكو في نهاية المطاف سيستغرق أياماً أو أسابيع أو سنوات. ثمة عقد كامل يفصل بين القمع الوحشي للاحتجاجات الانتخابية في بيلاروسيا عام 2010، والبهجة السابقة لأوانها التي سادت شوارعها الأسبوع الماضي. فهل يستغرق حصول نقلة جديدة فترة طويلة كتلك مرة أخرى؟ إنّ التنبّؤ ينطوي دائماً على مجازفة، لكن أعتقد أن بيلاروسيا بطريقة أو بأخرى مقبلة على تغيير لا رجعة فيه عاجلاً وليس آجلاً. 

ويرجع هذا أولاً إلى أنّ لوكاشينكو قد أبدى درجة من الضعف لم يظهر بها في عام 2010، وثانياً إلى أن القادة الذين يفقدون السيطرة لا يعجبون بوتين، على الرغم من جدل البعض بأن سيد الكرملين يحتاج إلى بقاء لوكاشينكو في السلطة، بغرض إحباط أولئك الذين قد يضمرون أفكاراً لتحقيق تغيير ثوري في روسيا. ففي أوكرانيا، وافق بوتين على المرشح الموالي للغرب بشدّة فيكتور يوشينكو، الذي تسلّم السلطة إثر فوزه الساحق في جولة الإعادة للانتخابات التي أعقبت الثورة البرتقالية بين عامَيْ 2004 و2005. ولم يُظهِر بوتين سوى الازدراء تجاه مرشحه المفضل المفترض فيكتور يانوكوفيتش بعد فراره من قوة الشعب الأوكراني عام 2014. فالقائد الذي يستسلم أو يواجه خطر السقوط، يكون بلا فائدة على الإطلاق بالنسبة إلى القوة الكبرى المجاورة.

ويكمن السبب الثالث في وجود مؤشرات تتجلّى في الطريقة التي تعاملت بها روسيا والغرب، تحديداً الاتحاد الأوروبي، مع التطوّرات في بيلاروسيا حتى الآن، على أنهما ربما تعلّما شيئاً من المواجهة المدمِّرة في أوكرانيا. لكن قد يكون هذا إفراطاً في التفاؤل من جانبي، ويمكن أن يتلاشى الأمل في أي لحظة. ومع ذلك، يبدو أن هناك جهداً يُبذل، في الأقلّ، لتجنّب أي شيء قد يؤدي إلى التصعيد في بيلاروسيا وتحويل الوضع إلى صراع بين الشرق والغرب على غرار ما حدث في أوكرانيا.

وتكمن مأساة أوكرانيا لعام 2014 في أنه خلال الأشهر التي سبقتها، كانت هناك مفترقات عدّة على الطريق كان من الممكن لها أن تؤدي إلى اتّباع مسار آخر. وكما كانت الحال، اتّخذ جميع المعنيين قرارات مصيرية قلّلت من الخيارات المستقبلية وسرّعت حدوث الأزمة التي كانت وشيكة. فقد كان "اتفاق المشاركة" الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي موضوع الخلاف المباشر، لكن قرار أوكرانيا بشأن الانخراط فيه أو عدمه، أصبح لعبة صفرية بتداعيات جيوسياسية أكبر بكثير. يعني أنّ ما حدث، كان لا بد من أن يكون نصراً للغرب أو لروسيا، ولم يكن من الممكن وجود أي حلّ وسط.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 كان لدى أوكرانيا حينذاك عدد من الأنصار المتحمّسين داخل الاتحاد الأوروبي، الذين أصرّوا على أن كييف باتت أمام خيار "الآن وإلّا فلا" وخيار "الكل أو لا شيء" بين الشرق والغرب. وبدا أن الجدول الزمني للمعاهدة كان خالياً من المرونة، كما كان هناك اعتراف ضئيل بعواقبها الاقتصادية السلبية المحتملة على روسيا، ناهيك عن أنها ستبدو عبارة عن استيلاء على السلطة من قبل الغرب. كما أنّ حماسة الولايات المتحدة تجاه المعاهدة أعطتها بعداً آخر.

عندما أقنعت موسكو يانوكوفيتش بعدم التوقيع في اللحظة الأخيرة، كان دعم المعاهدة قد اكتسب بالفعل زخماً خاصاً، وليس أقلّه في الولايات المتحدة، حيث اعتُبرت حاسمة في تحديد توجّه أوكرانيا إلى الغرب مستقبلاً، وفي كييف أيضاً  حيث بدت دليلاً على الهوية الأوروبية لأوكرانيا ومقدّمة لعضويتها في الاتحاد الأوروبي. لكن أعقبت ذلك اشتباكات دامية في شوارع العاصمة الأوكرانية وهروب يانوكوفيتش إلى المنفى في روسيا واستيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم ونشوب نزاع مسلّح في جنوب شرقي أوكرانيا، أودى بحياة الآلاف ولا يزال مستمراً حتى يومنا هذا. وقد انهارت محاولة الاتحاد الأوروبي للتوسّط في تحقيق انتقال سلمي من يانوكوفيتش، بعد إفسادها من قبل الولايات المتحدة على ما يبدو. 

من عواقب الأزمة الأوكرانية بالنسبة إلى الغرب تسميم العلاقات مع روسيا؛ وبالنسبة إلى أوكرانيا، خسارة أراضٍ والوصول إلى شفير حرب أهلية بالكاد نجت البلاد منها؛ أما بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فكان التعرّض لهزيمة دبلوماسية مكلفة وخرقاء؛ وبالنسبة إلى بوتين، الفوز بالقرم وزيادة الشعبية محلياً، من الناحية الإيجابية، لكن اشتملت العواقب من وجهة نظره أيضاً على خسارة أوكرانيا على المدى الطويل، من الناحية السلبية. لذا، فإنّ الأمر كان أشبه بكشف حساب سلبي من جميع النواحي.

بعد هذا، تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ أوكرانيا وبيلاروسيا دولتان مختلفتان تماماً، على الرغم من كونهما جزءًا من الاتحاد السوفياتي السابق ويحتلّان ما يمكن اعتباره على نطاق واسع مناطق حدودية بين الشرق والغرب. ويعادل عدد سكان بيلاروسيا ربع عدد سكان أوكرانيا، حيث يعيش 40 مليون نسمة. ولا يوجد خلاف تاريخي، كما هي الحال بين موسكو وكييف، حول إعطاء الأفضلية لبناء الدولة في وقت مبكر أو للدين. ومن ناحية أخرى، تفتقر بيلاروسيا إلى جالية كبيرة ونشيطة في الخارج مثل تلك التي منحت أوكرانيا دعماً واضحاً ضد موسكو.

ومع ذلك، كانت هناك ولا تزال إمكانية تكرار عددٍ كبيرٍ من عناصر الأزمة الأوكرانية في بيلاروسيا. فقد ثبتت أهميتها الاستراتيجية بالنسبة إلى روسيا خلال الحرب العالمية الثانية، عندما تحمّلت، مع أوكرانيا، وطأة التقدّم الألماني. وبالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، يمكن اعتبار أي تحوّل للولاء البيلاروسي من الشرق إلى الغرب مكسباً مكمِّلاً لنهاية السوفيات. لكن حتى الآن، ليس هناك الكثير مِمَّا يُثبت الادّعاءات والطموحات المطروحة في هذا الخصوص. 

 هكذا حدّدت المعارضة البيلاروسية في الغالب أهدافها في الحرّية ووضع دستور ديمقراطي جديد وتنظيم انتخابات جديدة. ولم تكن الاحتجاجات مناهضة لموسكو أو موالية للاتحاد الأوروبي. وعندما خرج بعض المتظاهرين حاملين أعلام الاتحاد الأوروبي، طُلب منهم وضعها بعيداً. كما أن زعيمة المعارضة تيخانوفسكايا قد شدّدت على رغبتها في علاقات جيدة مع روسيا. في المقابل، قال الاتحاد الأوروبي في قمته "الافتراضية" هذا الأسبوع إنه لا يعترف بنتيجة الانتخابات وسيُعِدُّ مجموعة من العقوبات التي ستستهدف أولئك الذين حمّلهم المسؤولية. لكنه لم يذهب إلى حدّ سحب الاعتراف بلوكاشينكو كرئيس للبلاد واقترح التوسّط لإجراء حوار بين الحكومة والمعارضة.

إضافةً إلى ذلك، لم يكن هناك هذه المرة تدخّل أميركي علني، سواءً كان ذلك بسبب انشغال الولايات المتحدة بجائحة كورونا أو بالانتخابات المقبلة، أو لأن بيلاروسيا ببساطة لا تحظى باهتمام دونالد ترمب. ومن جهتها، إذا كانت روسيا قد فعلت شيئاً لدعم لوكاشينكو منذ الانتخابات، فإنّ هذا الدعم لم يتخطَّ نطاق رفع المعنويات وفي الخفاء. 

ومهما كانت الأسباب، يبدو أن المسؤولين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا ينتظرون جميعاً على الهامش لمعرفة ما سيحدث لاحقاً، بينما يطالبون بعضهم بعضاً بصوت عالٍ بعدم التدخّل. وهذا ما يجدر بهم جميعاً فعله. ولكي تكون أي قيادة جديدة في بيلاروسا شرعية ومستقرّة، ينبغي أن تحظى بموافقة ودعم الناس الذين يعيشون هناك. وإذا كان ذلك هو الدرس المستخلَص من كييف عام 2014، فربما لم تكن محنة أوكرانيا، على الرغم من أنها لم تنته بعد، من دون فائدة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء