Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"انتهى العرض"... صعيد مصر بلا دور سينما ومسرح

أغلبها أغلق وهدم خلال الـ20 عاماً الأخيرة والأجيال الجديدة حرمت من متعة الفنون في جنوب البلاد

أنشئت أول دار عرض سينمائية في قنا عام 1958  (اندبندنت عربية)

يعاني مواطنو صعيد مصر الحرمان الفني بسبب غياب دور السينما والمسرح التي كانت منتشرة بجميع مدن الجنوب وبعض القرى، إلا أن بلدوزر الهدم ويد الإغلاق طالت أغلبها، في وقت يتعطش شباب وفتيات محافظات الجنوب لعودة أنشطتها من جديد كونها مقصداً تنويرياً وثقافياً لا يستغنى عنه. "اندبندنت عربية" تبحث حول أسباب هدم وغلق تلك الدور الحكومية والخاصة.

نشأة دور السينما في الصعيد

قال الباحث في شؤون تراث الصعيد محمد محسن، إن محافظات الجنوب عرفت دور السينما في عهد مبكر، وكانت مدينة أسيوط الأولى في الإقليم التي حظيت بأول سينما عام 1908 تسع 800 متفرج، أنشأها رجل الأعمال القبطي تادرس مقار عقب عودته من فرنسا، وشهدت دار السينما هذه نشاطاً كبيراً بفضل دعم البعثات الكاثوليكية، كما غنت كوكب الشرق السيدة أم كلثوم بها عام 1935 وسط حضور كبير من أعيان ورموز قبائل الصعيد.

وأضاف، أن جميع محافظات الصعيد كانت تشهد انتشاراً لدور السينما والمسرح سواء كانت حكومية أو خاصة، خلال الخمسينيات والستينيات، بل كانت تشهد بعض القرى دور عرض شعبية، لأن السينما كانت مقصداً ثقافياً وترفيهياً مهماً للشعب المصري في ذلك الوقت، مشيراً إلى أن قيام ثورة 23 يوليو (تموز) أنعش صناعة دور السينما حيث أنشأ مجلس قيادة الثورة عدداً من السينمات الصيفية في أغلب مدن الصعيد.

وقال سيد عربي، مخرج مسرحي، إن دور السينما والمسرح القديمة في حقبة الأربعينيات والخمسينيات في محافظات الصعيد، لم تكن مجرد دور للعرض فحسب بل هي جزء من تراث وتاريخ الجنوب، لأن هذه الدور بمثابة شاهد على العصور المتلاحقة، فيما يخص المؤتمرات الشعبية والأحداث الوطنية.

وأشار عربي إلى أن إقامة دور عرض سينمائي ومسرحي في فترة الخمسينيات والستينيات كان مشروعاً ناجحاً يُقبل عليه رجال الأعمال، مضيفاً أن مدينة الأقصر في نهاية السبعينيات شهدت إقامة دورٍ سينمائية للأفلام الأجنبية لكثرة زائري المدينة الأثرية الفريدة من السائحين، إلا أن تلك الدور هدمت جميعاً.

 

 

تنامي التطرف وتعطل دور العرض

مساعد وزير الداخلية لقطاع جنوب ووسط الصعيد عادل عبد العظيم، ذكر أن تنامي التيار المتشدد سواء للجماعة الإسلامية الجهادية، أو جماعة الإخوان المسلمين في الثمانينيات والتسعينيات، شكل تهديداً صارخاً على هذه الدور، بخاصة بعد استهداف بعضها بالحرق والتكسير في المنيا وأسيوط وسوهاج. الأمر الذي دفع ملاكها إلى الإغلاق لفترات طويلة، حرصاً على سلامتهم وسلامة الجمهور.

أضاف، أن دور العرض الحكومية لم تكن بأحسن حال من نظيرتها الخاصة في تلك الفترة، فلم تشهد انتظاماً في العمل مع امتداد أعمال العنف، وسرعان ما أغلقت أبوابها من منتصف الثمانينيات وحتى نهاية التسعينيات.

وقال الشاعر محمد الهواري، إن فترة الثمانينيات كانت بمثابة نكسة لدور العرض والسينما في محافظات الصعيد التي تعطل أغلبها بسبب انتشار الفكر المتشدد وتيارات الإسلام السياسي، الأمر الذي جعل منها مشروعات كاسدة يعزف عنها رجال الأعمال للمخاطر التي تحيط بها.

وذكر روماني البهجوري، صاحب دور عرض سابق بنجع حمادي، أنه تلقى تهديدات خلال نهاية التسعينيات من بعض المتطرفين، ما دفعه إلى التعجيل بتغيير المجال، خوفاً على سلامته وأسرته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إغلاق جماعي لدور السينما والمسرح

وأوضح المخرج المسرحي حسن محمد أن مع استمرار إغلاق دور السينما والمسرح، تحولت تلك الدور إلى مأوى للكلاب الضالة والقمامة، وباتت تمثل مشهداً مؤسفاً في مدن الصعيد، إلا أنه سرعان ما صدرت أحكام بهدم عدد كبير منها لتتحول إلى مشروعات استثمارية جديدة ليس لها علاقة بالفن أو المسرح.

وأشار محمد أبو الفضل بدران، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الأسبق، إلى أن محافظات صعيد مصر عقب ثورة 25 من يناير (كانون الثاني) كان لبلدوزر رأس المال الإخواني اليد الطولى في هدم العديد منها، ليحل محلها مشروعات تجارية أو أبراج سكنية، انطلاقاً من معتقداتهم بأن السينما حرام ومفسدة لشباب، الأمر الذي تسبب في هدم عشرات دور السينما والمسرح بمختلف مدن الصعيد.

وقال محمد الجبلاوي، رجل أعمال، إنه بعد ازدهار وانتعاش تجارة العقارات والوحدات السكنية والأبراج خلال السنوات الخمس الأخيرة، أصبحت الأراضي التي عليها دور السينما القديمة مطمعاً للعديد من المستثمرين لمواقع هذه الدور المتميزة بأغلب المدن، هذا ما حدث تماماً بشكل واضح مع سينما "فريال" وسينما "فاروق" بمدينة قنا.

وفيما يخص دور العرض الحكومية، أفاد جرجس ملواني، أستاذ الفنون المسرحية بجامعة طيبة، أن أغلبها لا تزال مغلقة منذ 10 سنوات كسينما ومسرح مدينة قنا، وسينما ومسرح أوبرا سوهاج، وكذلك سينما هيبس بالوادي الجديد، وغيرها في المنيا وأسوان، وهي بحاجة إلى تدخل من وزارة الثقافة المصرية لإعادة إحيائها من جديد وفتحها للجماهير.

وأكد يوسف رجب، الباحث في شؤون الصعيد، أن أسباب تدمير دور السينما والمسرح بالصعيد تتلخص في جماعات الإسلام السياسي التي نفذت مخططاً كاملاً لحرمان الجماهير من مشاهدة السينما والمسرح، وعقب إطاحة حكم الجماعة الإرهابية بثورة 30 يونيو (حزيران)، تصدرت أطماع عدد من المستثمرين في مجال الأبراج السكنية في شراء أراضي السينمات الخاصة وهدمها لإقامة أبراج سكنية عملاقة.

وأفادنا مصدر مسؤول بالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن عدد دور السينما في محافظات الصعيد مع بداية الثمانينيات كانت تتجاوز 42 دور عرض سينمائية، لم يتبق منها سوى 4 دور فقط ما زالت تعمل. اثنتان في محافظة المنيا وواحدة بالأقصر وأخيرة في أسوان، بينما تهدمت دور العرض الباقية، وأغلقت جميع دور العرض الحكومية لأكثر من 10 سنوات.

 

 

تعطش الجماهير إلى السينما

في مدينة سوهاج، قال أحد الشباب يدعى عبد المنعم، إنه قد بلغ من العمر 30 عاماً، ولم يشاهد أي فيلم داخل سينما حتى الآن، مشيراً إلى أن تعداد محافظة سوهاج أكثر من 5 ملايين نسمة، إلا أن مدينته لا تعمل بها أي دور سينما، وأن سينما "أوبرا الحكومية" المقامة أصبحت مأوى للقمامة والكلاب الضالة، بعد أن قام أنصار جماعة الإخوان المسلمين بحرقها عقب فض اعتصام رابعة في 2013، مطالباً وزارة الثقافة المصرية بضرورة إعادة تأهيلها وتشغيلها.

وفي محافظة قنا، أشارت المحامية مروة عبدالفتاح إلى أنه رغم نجاح محافظ قنا الأسبق عادل لبيب في إقامة سينما صيفية مميزة على كورنيش النيل بمدينة قنا، فإن هذه السينما سرعان ما تعطلت دون أسباب معلومة، رغم تجهيزها بأفضل معدات، مضيفة أن كل السينمات الخاصة قد طالتها يد الهدم وتبدلت بمشروعات أخرى لا علاقة لها بالفن والسينما والمسرح.

وقال الشاعر أشرف البولاقي، إن الرئيس جمال عبدالناصر أمر بإنشاء أول دار سينما ومسرح عام 1958 بمدينة قنا، وهي بمثابة منارة فنية لشباب الصعيد، إلا أنها تعطلت في عام 2010 وباتت مهجورة، ولم تجد أذناً تصغي لكثير من المناشدات والمطالبات بعودة نشاطها رغم كون حكومية.

وفي محافظة أسيوط، أعربت ميرنا، طالبة جامعية، عن حزنها لأنها لم تحضر أي فيلم سينمائي رغم كونها في بكالوريوس كلية الطب، لأن أغلب دور السينما القديمة تم هدمها وتحولت إلى مشروعات استثمارية ومولات تجارية.

مفارقات

وتعجب الكاتب والمؤلف المسرحي سيد طه من مفارقة أن عدداً كبيراً من مهرجانات السينما الكبرى كمهرجان السينما الأفريقية والمهرجان الدولي لسينما المرأة ومهرجان السينما الأوروبية، تقام على أرض محافظات الصعيد التي تعاني هدم وإغلاق دور العرض السينمائي.

وأكد أن غياب دور السينما والمسرح في محافظات ومدن الصعيد له ارتباط وثيق بانتشار الأفكار المتشددة والمتطرفة في أوساط شباب الصعيد، نظراً لحالة العزلة والانغلاق الفكري التي يعيش فيها الشباب في محافظات الصعيد، مؤكداً أن للسينما والمسرح دوراً مهماً في مناقشة وعلاج مشكلات الشعوب، والانفتاح على الثقافات المختلفة.

 

 

تسهيلات لإقامة دور العرض السينمائي  وتجريم هدمها 

وطالب نائب رئيس جامعة جنوب الوادي السابق ورئيس المنتدى الثقافي بمحافظة قنا محمود خضاري بضرورة تقديم تسهيلات للمستثمرين لإقامة دور عرض مسرحية وسينمائية جديدة، لتحقق آمال أهالي وشباب محافظات الصعيد، وأن تتوقف حالة الحرمان التي يعانونها جراء غياب تلك المنافذ الفنية المهمة.

وطالب أستاذ الأدب المسرحي بجامعة طيبة جمال ضاحي بضرورة إعادة تفعيل القانون الذي يجرم هدم دور السينما والمسرح الحكومية، مشيراً أن هذا القانون قد صدر في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وأكد أن تفعيله سيحمي دور العرض الحالية من شبح الهدم والإغلاق والتعطيل، مناشداً مجلس النواب المصري بهذا الأمر للحفاظ على الهوية من عبث رواسب الأفكار الإخوانية المتشددة بالمجتمع المصري.

وزارة الثقافة المصرية

من جانبه، أكد مصدر مسؤول بوزارة الثقافة المصرية، أن الوزارة وضعت خطة لإقامة دور سينما ومسرح جديدة في جميع مدن الصعيد، ضمن خطة الدولة المصرية للتنمية المستدامة 2030، كما تدرس وزير الثقافة إيناس عبد الدايم عودة دور السينما الحكومية المغلقة بعد تشكيل لجان هندسية لعمل تقارير حول حالة تلك المباني انطلاقاً من حرص الوزارة على سلامة المواطنين.

وأشار المصدر أن رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يولي الصعيد عناية خاصة، فبعدما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2020 عاماً للفن والتراث، كانت لمحافظة قنا بجنوب صعيد مصر الحظ في إقامة أول فعاليات هذا العام عبر مهرجان دندرة للفن والموسيقى والغناء، الذي شهد العديد من الفعاليات الفنية العملاقة على مدار 7 أيام متواصلة.

وأكدت سعد فاروق، رئيس قطاع الثقافة بصعيد مصر، أن الهيئة العامة لقصور الثقافة حرصت خلال العام الماضي على تفعيل العروض المسرحية بمختلف قصور ثقافة المحافظات المصرية انطلاقاً من الارتقاء بالفن ولدعم المواهب الشابة.

وبشأن هدم دور السينما الخاصة المتكرر، أفاد بأن وزارة الثقافة لا سلطة لها على دور السينما الخاصة، إلا أن تراجع أعداد دور العرض من الأمور المؤسفة التي شهدها صعيد مصر بعد ثورة 25 من يناير، ويحتاج إلى دعم من قبل وزارة التنمية المحلية لتشجيع المستثمرين على إقامة دور عرض بامتيازات تحميهم من مخاطر الإفلاس والكساد بخاصة بعد أزمة فيروس كورونا.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات