Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من يوقف التنمر التركي داخل الأراضي العراقية؟

وجد أكراد العراق مصلحتهم مع الحكومة المركزية في بغداد درءاً لخطر القوات التركية

عراقي كردي يعاين أثار القصف التركي على منزل أقاربه في محافظة دهوك (رويترز)

لم تعد لغة الحوار الدبلوماسي بين العراق وتركيا تفي بغرض تهدئة الشارع العراقي الغاضب بعد مقتل ثلاثة من حرس الحدود العراقيين، اثنان منهم ضابطان برتب عالية، بواسطة طائرة تركية مسيّرة، توغلت في الأراضي العراقية، وقصفت اجتماعاً عسكريّاً مشتركاً بين وفدَين من الحكومة المركزية وحكومة الإقليم في أربيل.
 

التخلي عن الدبلوماسية

وتخلّت الرئاسة العراقية عن لهجتها الدبلوماسية "الناعمة" السابقة، إذ اعتُبر هذا العمل "انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية"، وفق ما صرّح به الناطق باسم الحكومة والبرلمان. وطالب نواب وسياسيون عراقيون بقطع العلاقات مع الجارة الشمالية تركيا، التي سمحت لنفسها بدخول بلاد الرافدين، لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني التركي المعارض PKK، الذي توغل منذ تسعينيات القرن الماضي ضمن الأراضي العراقية، مستجيراً بأكراد العراق في المحافظات الشمالية المتاخمة لتركيا.


مسوغ للتدخل

لكن، الحكومة التركية تستند في توغلها داخل الأراضي العراقية إلى ما تقول إنه ملاحقة عناصر "حزب العمال" الكردية - التركية، إلى اتفاق سابق مبرم مع حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين مطلع تسعينيات القرن الماضي، وقِّع بين وزارتَي الداخلية في البلدين، يسمح لهما بالتوغل 30 كيلومتراً داخل حدود كل منهما، لمكافحة ما سمّياه "القوى المتمردة التي تهدد أمن البلدين واستقرارهما".

لكن، واقع الحال مختلف، فالجيش التركي تعدّى تلك المسافة بكثير، وأخذت دورياته وطائراته تجوب طول جبال قنديل العراقية التي تمتد على الشريط الحدودي بين تركيا والعراق. ولم تتوانَ تلك القوات عن فتح نيرانها على مكامن مسلّحي حزب العمال الذين هربوا من بطش القوات التركية التي لم تتوقف عن مهاجمتهم وتصنيفهم قوة إرهابية مسلحة خارجة عن القانون التركي، لا سيما بعد العمليات التي يشنّها الحزب المستند إلى بنية ديموغرافية من 20 مليون كردي - تركي في عموم تركيا، الذي يطالب بحق تقرير المصير لهم، إضافة إلى مطالبات متكررة بإطلاق سراح زعيمه ومفكّره المودع في السجون التركية عبد الله أوجلان، الذي يضفي اعتقاله منذ أكثر من عقد من الزمن دافعاً لعمليات ومحاولات تشنّها عناصر الحزب لإطلاقه أو مقايضته، لكن من دون جدوى.
 

إدانة رسمية عراقية

لكن، الحكومة العراقية وجدت في التصعيد التركي هذه المرة، الذي وصل إلى حد قتل آمر اللواء الثاني حرس حدود المنطقة الأولى، وآمر الفوج الثالث ومرافقيهما، تصعيداً يتعدى الاستنكار والشجب الخجول الذي اعتادت الحكومات العراقية السابقة استخدامه، للتعبير عن رفضها التدخل التركي في الأراضي العراقية، وذلك بعد اجتماع عُقد في أربيل ضمّ قيادات من الجيش العراقي وحزب العمال الكردستاني.

وأكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مواصلة الحوار مع الأتراك، لوقف "التجاوزات" ضمن الأراضي العراقية التي تشكل اعتداءً على السيادة. وأعلنت الحكومة العراقية أنها سلّمت السفير التركي في بغداد رسالتَي احتجاج شديدتَي اللهجة على استخدام الأراضي العراقية وانتهاك السيادة الوطنية. وطالب العراق بالوقف الفوري لـ"الاعتداءات التركية التي تسيء إلى السلم الإقليمي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


البرلمان العراقي يصعّد

كذلك، طالب نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي المنتمي إلى التيار الصدري، باستدعاء السفير التركي في بغداد، وتسليمه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، واعتبار تكرار تلك التجاوزات انتهاكاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، داعياً مجلس الأمن الدولي إلى التدخل العاجل لوقف تلك الانتهاكات.

وتعدى الغضب العراقي ذلك إلى تعليق التفاهم القنصلي وتعليق منح سمات الدخول بين البلدين، بعدما كانت تُمنح على الحدود تنفيذاً لمذكرة تفاهم سابقة أُبرمت في عام 2009، تسهيلاً لتنقل الرعايا بين البلدين المرتبطين بحدود برية طويلة، وعلاقات تجارية عبر منفذ إبراهيم الخليل الذي تتدفق منه البضائع والسلع التركية. ويُصدر النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي عبر أراضي إقليم كردستان العراق بأسعار مخفّضة، ينتفع منها الاقتصاد التركي كثيراً.
 

تدخل القوات العراقية بطلب من الإقليم

وللمرة الأولى منذ التسعينيات، عززت القوات العراقية انتشارها على طول الحدود مع تركيا للحؤول دون حدوث توغل تركي في الأراضي العراقية عبر إقليم كردستان - العراق، لكنها لم تتمكّن حتى الآن من إزالة 24 نقطة عسكرية أقامتها تركيا سابقاً داخل إقليم كردستان.

وحضت إدارة الإقليم القوات الفيدرالية العراقية على التدخل لوقف التمدد التركي عبر إقامة نقاط مراقبة على مرتفعات زاخو أقصى الحدود العراقية، لمراقبة تحرك الجيش التركي الذي يرى الأكراد أنه استباح حدود العراق. وأعلن أكراد العراق حاجتهم إلى تدخل الجيش بأمر من حكومة بغداد التي تملك قرار الحرب والسلم، عبر القيادة العامة للقوات المسلحة التي تعود إلى رئيس الوزراء العراقي وفق الدستور.
 

الاقتصاد والتجارة على خط المواجهة

كذلك، تلوّح جهات عراقية رسمية وبرلمانية باستمرار استخدام السلاح الاقتصادي والتجاري، لإجبار تركيا على وقف تدخلاتها السافرة، التي تحرج حكومة إقليم كردستان العراق وجيشها "البيشمركة" (قوات حماية إقليم كردستان)، ناهيك بالحكومة المركزية في بغداد التي اضطُرت إلى نشر قطعاتها العسكرية داخل الحدود الشمالية للبلاد، متخطيةً الجغرافيا السياسية التي فرضتها المحاصصة السياسية في العراق، بعد إدراك الأكراد حاجتهم إلى الدفاع العراقي الموحَد ضد التدخلات الخارجية، المتمثلة بسياسةٍ تركية متمددة داخل العراق عبر إقليم كردستان الذي يلقى تعاطفاً قومياً مع نظيره الكردي - التركي، وإن اختلفت الجغرافيا والجنسيات والمشارب العقائدية.

لكن ذلك غير متوافَق عليه بين الأكراد أنفسهم، إذ يرى بعضهم أن مصلحة كرد العراق تكمن في محيطهم العراقي الذي وفّر لهم ما عجزت عنه بلدان أخرى، مثل تركيا وإيران وسوريا، من بحبوحة العيش والنمو والاستقرار والاستقلال الضمني المُدرَج ضمن الدستور العراقي الحالي.

المزيد من العالم العربي