Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشكيل حكومة جديدة في موريتانيا يبعث برسائل في أكثر من اتجاه

إخراج الوزراء الذين وردت أسماؤهم ضمن تقرير اللجنة البرلمانية حول الفساد

بعد مرور سنة من ولاية الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، ترقَّب الشارع تعديلاً وزارياً شاملاً، وخاصة أن الحكومة التي يرأسها إسماعيل ولد بدّه ولد الشيخ سيدي لم تتمكَّن من تحقيق أغلب ما وعدت به من برامج بحسب مُنتقديها، في وقت عانت فيه البلاد مثل معظم دول العالم من جرَّاء تفشي فيروس كورونا الذي حال دون تنفيذ جُلّ تعهُّدات الرئيس خلال حملته الانتخابية.

لا شك أن ذكر بعض أسماء الوزراء في التقرير البرلماني المتعلق بملف الفساد زاد ترقُّب الموريتانيين لتعديل كبير يُطيح بجُلّ الوزراء. وبضغط من تقرير لجنة التحقيق البرلمانية التي أشارت إلى ضلوع بعض الوزراء في ملف الفساد، أعلن الوزير الأول (رئيس الحكومة) المُنتهية ولايته ولد الشيخ سيدي، استقالة الحكومة. وعيَّن رئيس الجمهورية المهندس محمد ولد بلال خلفاً له، فتشكَّلت على الفور حكومة جديدة من 23 حقيبة حكومية بدل 26.
 

قراءة في الحكومة الجديدة

التشكيل الحكومي الجديد الذي أُعلن عنه مساء الأحد 9 أغسطس (آب) الحالي، يضم أربع سيدات، في حين ينتمي أغلب أعضائه إلى الحزب الحاكم على الرغم من وجود وجوه من التكنوقراط. ولم تُمثَّل المعارضة في هذا التشكيل على الرغم من توقُّع البعض إشراكها على خلفية انفتاح ولد الغزواني على بعض قادتها وأحزابها الوازنة.
 

 ستة وزراء جُدُد

تضم حكومة رئيس الوزراء الجديد محمد ولد بلال، ستة وجوه جديدة، أوَّلها وزير العدل محمد محمود ولد بيَّه، الابن البكر لعالم الدين الموريتاني المعروف بدعوته إلى قيم الاعتدال والوسطية الشيخ عبد الله بن بيَّه الذي عمل وزيراً في عهد الرئيس الأسبق المختار ولد داداه.

وكان محمد محمود ولد بيَّه قد شغل منصب وزير الشؤون الإسلامية في آخر حكومات الرئيس معاوية ولد الطايع الذي أطيح به بانقلاب عسكري في عام 2005. كما شغل ولد بيَّه منصب سفير في كل من إسبانيا وتونس وعُمان التي كان سفيراً لديها حتى تعيينه الجديد.
أما ثاني الوافدين الجُدُد إلى التشكيلة الحكومية، فهو وزير الاقتصاد والصناعة وترقية الاستثمار، كنْ عثمان، الذي شغل منصب وزير المالية خلال حكم الرئيس المدني المُطاح به سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. كما شغل مناصب عدَّة من بينها مدير شركة الصناعة والمناجم (أسنيم) ومحافظ البنك المركزي. وكان قبل تعيينه يعمل رئيساً لمجلس إدارة البنك العام لموريتانيا المملوك من طرف رجل الأعمال القوي محمد ولد بوعماتو الذي عاش 10 سنوات في المنفى مُعارضاً لنظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.

الوزير الجديد الثالث هو وزير النفط والطاقة والمعادن، عبد السلام ولد محمد صالح، نجل وزير الداخلية في عهد الرئيس الأسبق المختار ولد داداه، محمد ولد محمد صالح. كان عبد السلام وزيراً مكلفاً الدمج ومُحاربة الفقر في مطلع الألفية خلال حكم الرئيس معاوية ولد الطايع. وحتى تعيينه وزيراً في الحكومة الجديدة، كان في مكتب منظمة التغذية العالمية في الشرق الأوسط.

أما وزيرة الشؤون الاجتماعية، الناها بنت الشيخ سيدي، فهي الوزيرة الجديدة الرابعة، وهي موظفة سابقة في سفارة سلطنة عمان لدى السنغال، وحتى تاريخ تعيينها الجديد كانت تُدير شركة خاصة في موريتانيا. وهي ابنة عم رئيس الوزراء السابق إسماعيل ولد بدَّه ولد الشيخ سيدي، وتنحدر من مشيخة صوفية وروحية معروفة.

والوزير الخامس هو وزير الثقافة، المُرابط ولد بناهي، وهو وزير سابق ناطق باسم الحكومة في عهد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وعمل سفيراً في غامبيا. شغل مقعداً في البرلمان لأكثر من مرة عن مقاطعة كنكوصة، وكان متحدثاً باسم لجنة التحقيق البرلمانية.
وعُيِّن الوزير الجديد أحمد تيجان تيام أميناً عاماً للحكومة، وكان يشغل منصب رئيس المنطقة الحرة في نواذيبو.


سبعة مُغادرين

غادر الحكومة سبعة وزراء وردت أسماء 4 منهم في تقرير اللجنة البرلمانية التي كانت تحقق في أبرز ملفات عشرية حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وهم:

محمد سالم ولد البشير، وكان يشغل منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية.

محمد ولد عبد الفتاح، وكان يشغل منصب وزير البترول والطاقة والمعادن.

الناني ولد أشروقة، كان يشغل منصب وزير للصيد والاقتصاد البحري.

الناني ولد أشروقة، كان يشغل منصب وزير للصيد والاقتصاد البحري.

وقال الأمين العام لرئاسة الجمهورية آدما بوكار سوكو، إنه تمَّت إقالة الوزراء المشمولين في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، لتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم أمام القضاء الموريتاني.
أما الوزراء الثلاثة الآخرون الذين غادروا فهم: سيدي محمد ولد الغابر، الذي كان يشغل منصب وزير للثقافة والصناعة التقليدية. وحيموده ولد رمظان، الذي كان يشغل منصب وزير العدل. وننّا كنْ، وزيرة للشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة، بالإضافة إلى حمدي ولد محجوب، الذي كان يشغل منصب مفوض للأمن الغذائي، وهي رُتبة تُعادل رُتبة وزير.

وزراء بقوا في مناصبهم

في المقابل، احتفظ بع الوزراء بمناصبهم، أبرزهم وزير الخارجية إسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي عمل سابقاً مبعوثاً للأمين العام للامم المتحدة إلى اليمن، ووزير الداخلية محمد سالم ولد مرزوق، ووزير الدفاع الفريق حننا ولد سيدي، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الناطق الرسمي باسم الحكومة سيدي ولد سالم، وأُبقيَ على أعضاء من الحكومة السابقة مع تغيير حقائبهم، وهم: وزير الصيد والاقتصاد البحري عزيز ولد الداهي، الذي كان وزيراً للاقتصاد والصناعة، ووزيرة التجارة والسياحة الناها بنت مكناس، وكانت وزيرة للمياه والصرف الصحي، ووزير المياه والصرف الصحي سيدي أحمد ولد أحمد، وكان وزيراً للتجارة والسياحة، ومفوض الأمن الغذائي أحبيب ولد حامي الذي كان وزيراً منتدباً مكلفاً ترقية الاستثمار والتنمية الصناعية.
بالنظر إلى التعديل الوزاري نجد أنه شمل كلَّ مَن ورَدَ اسمه في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، بمَن فيهم الوزير الأول المنصرف، كما نُلاحظ إعادة الاعتبار لشريحة الحراطين (المتحدرين من الأرقاء السابقين) من خلال اختيار محمد ولد بلال لرئاسة الوزراء، وهو ما علَّق عليه رئيس "تحالف العيش المشترك"، كنْ حاميدو بابا، بأنه "يُعَدّ لفتة كريمة على مجتمع عاش، في الماضي، الكثير من الظلم والتهميش".

 

رسائل الحكومة الجديدة

من جهة أخرى، اعتُبرت الطريقة التي تم بها إعلان الحكومة من قبل الوزير الأمين العام للرئاسة، آدم بوكار سوكو، جديدة تماماً على المشهد السياسي في موريتانيا؛ إذ استُدعي الإعلام الرسمي والخاص إلى القصر الرئاسي، وتمَت قراءة لائحة أسماء الوزراء مع مقدمة حول أسباب التعديل. ونجحت هذه الطريقة في جذب انتباه الرأي العام.

ورأت صحف موريتانية في تحليلاتها أن إعلان الحكومة وجَّه مجموعة رسائل، أولها إلى الموريتانيين، حيث أُعلنت التشكيلة من القصر مباشرة، ومن دون أي وسيط. وتعمَّد البيان الرئاسي أن يبرز ذلك في أول فقرة، حين ذُكر أن الآلية الجديدة لإعلان الحكومة تعكس حرص الرئيس على "تكريس مبدأ وضع المعلومة في متناول الرأي العام، مباشرةً من مصادرها الرسمية، وفي الوقت المناسب".
أوضح البيان أن حضور الصحافة للمؤتمر يأتي ليعكس "انفتاحاً وتيسيراً لنفاذِها إلى مصادر الأخبار". أضاف البيان أن "المبدأ الموجِه لتشكيل هذه الحكومة الجديدة ذو ارتباطٍ وثيقٍ بتحقيق اللجنة البرلمانية".
وحاول البيان الرئاسي في حديثه عن الوزراء الذين ذُكرت أسماؤهم في تحقيقات البرلمان، أن يكون حذراً متفادياً تثبيت التهمة أو نفيها، وهو حذر مبرر بخشية التأثير على عمل القضاء، وحساسية ملف لا يزال في مراحله الأولى.

في هذا السياق، شدد البيان على "مبدأ أصالة البراءة حتى تثبت الإدانة"، إلا أنه في السياق ذاته وصف خروج هؤلاء الوزراء من الحكومة بأنه موقف "مناسب"، وبرَّره بحجة منحهم فرصة "التفرغ لإثبات براءتهم".

وعلى الرغم التغيرات التي طرأت على الساحة السياسية منذ تشكيل أول حكومة في عهد ولد الغزواني قبل سنة، فإن الحكومة الجديدة لم تعكس هذه التغيرات، إذ لم تُمثَّل فيها الأحزاب والكُتل والشخصيات الوافدة من المُعارضة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ردود الفعل على تعيين الحكومة الجديدة

جاء أول رد فعل على الحكومة الجديدة على لسان وزير الخارجية السابق إسلكو ولد أحمد إزيد الذي استقال أخيراً من منصبه سفيراً لبلاده في إيطاليا بعد ورود اسمه في قضية اتهام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ببيع جزيرة لدولة قطر. وأصدر ولد إزيد بيَّه بياناً استقال فيه من حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، موضحاً أن "المصالحة بين الرئيس محمد ولد الغزواني وسلفه محمد ولد عبد العزيز هي أقصر الطرق نحو تحقيق المصلحة العامة للوطن". واتهم الرئيس محمد ولد الغزواني بأنه "يميل إلى المعارضة أكثر من الذين أوصلوه إلى السلطة"، في إشارة إلى الرئيس السابق ولد عبد العزيز والمقربين منه.
ومن الواضح أن انعقاد دورة برلمانية جديدة، كما أُعلن عنه في نواكشوط، يُعتبر رداً على تعيين الحكومة الجديدة لأن أوساط النظام ترى أن المرحلة الثانية بعد إبعاد الوزراء المشمولين في ملف الفساد ستتمحور في مصادقة البرلمان على إنشاء المحكمة التي قد تُكلف بجوانب من الملف بخاصة ما يمس منه سيادة الدولة وأمنها وكل ما يدخل في إطار الخيانة العظمى.


الفصل بين السلطات أكبر التحديات  

من بين ردود الفعل على تعيين الحكومة، قال النائب عبد السلام ولد حرمه، رئيس حزب الصواب المُعارض، إن "هناك أفقاً لمسار سياسي يفصل بين السلطات ويقوي آليات الرقابة والمحاسبة في الدولة، رحَّب الجميع بخطواته الجسورة المرتبطة بتشكيل اللجنة البرلمانية والتعاطي الإيجابي مع تقريرها، والإعلان الصريح أن التشكيلة الحالية جاءت استجابة سياسية وأدبية مع مضامينه، لكن هذا لا يكفي للحكم على التشكيلة الجديدة، فبغض النظر عن المعايير التي اعتمدها رئيس الجمهورية للحفاظ على مَن حافظ عليه منها أو لإدخال مَن أدخل، فذلك يخص صلاحياته الدستورية والسياسية طالما أنها ليست حكومة توافق سياسي ولا حكومة وحدة وطنية، بل إن الحكم عليها سيكون من خلال نجاحها أو عدمه في تيسير العيش الكريم والآمن للمواطن والصحة والكرامة، وفي اتساق عملها مع الأمل الجديد في عهد يُحارب فعلاً، لا قولاً، الفساد والمفسدين، ويرفع المظالم وما يترتب عنها من الانقسام والنزاعات الأهلية وانهيار الدولة وأجهزتها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه".

المزيد من العالم العربي