Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة الكهرباء في لبنان تهدد حياة المواطنين والعتمة تلف البلاد

مرضى يصارعون الموت واستحالة تشغيل أجهزة التنفس

صحَّة المواطن أولوية في مختلف دول العالم، لكن يبدو أن هذه القاعدة لا تُطبَّق في لبنان، حيث نشهد استخفافاً واضحاً بصحة المواطنين، وتتوالى في الأسبوعين الأخيرين أخبار عن أعباء انقطاع الكهرباء في البلاد، لا على الحياة اليومية للمواطن اللبناني الذي يُذلُّ جراء هذه المشكلة المُستعصية من عشرات السنوات، بل على صحته التي باتت مهددة، وحياة أطفال وراشدين مهددة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في معظم ساعات النهار، وتعددت قصص مُعاناة من وجدوا أنفسهم على شفير الاختناق لعدم قُدرتهم على تأمين الكهرباء لجهاز التنفس، بينما لم يحرك أي من المسؤولين ساكناً رغم هول المشهد.


سيدرا كادت تفقد حياتها بسبب الكهرباء

كادت الطفلة سيدرا (خمسة أعوام) تفقد حياتها لولا الحس الإنساني الذي لا يزال يجمع اللبنانيين ويدعوهم إلى التكاتف في ظل الواقع المؤلم. فيديو سيدرا وهي جالسة على كرسي في محل سمانة تضع جهاز التنفس بسبب انقطاع الكهرباء في منزلها، هزَّ المجتمع اللبناني وأثار موجة غضب لما نقله من مُعاناة وانتهاك لأبسط حقوق المواطن والأطفال بشكل خاص. واضطر أهل سيدرا إلى نقلها سريعاً إلى محل السمانة بعد أن واجهت ضيقاً في النفس بسبب نوبة ربو تعرَّضت لها، فكان هذا الحل الوحيد أمامهم.

تتذكَّر والدتها في حديثها لـ"اندبندنت عربية" تلك اللحظات الصعبة بأسى، مشيرة إلى أن سيدرا تُعاني من أشهرها الأولى من الربو وتتعرَّض لنوبات مفاجئة على الرغم من العلاجات التي تخضع لها، لم تواجه العائلة يوماً مشكلة لوجود جهاز التنفس في المنزل، ولأن الكهرباء كانت مُؤمَّنة، وفي الأشهر الأخيرة، بعد أن أصبح التيار الكهربائي مُؤمَّناً أربع ساعات في اليوم لا أكثر، وزاد الوضع سوءاً، خصوصاً أنه يصعب التنبؤ بالنوبات التي يمكن أن تتعرض لها الطفلة "بسبب الحر الشديد، تعرَّضت سيدرا لنوبة ربو وعانت ضيقاً حاداً في النفس. هرعنا مباشرة إلى محل السمانة الذي فيه مُولِّد كهربائي خاص به حتى استطعنا إنقاذها؛ لأننا لم نكن نملك المال لنتوجه إلى المستشفى. لولا ذلك لفقدناها في لحظات".

تحمد الوالدة الله لأن ابنتها أنقذت، مؤكدة أن سيدرا لم تنزعج نفسياً عندها، بل الأهم لها كان استعادة القدرة على التنفس ما أشعرها بالارتياح، وأصحاب الأيادي البيضاء جاهزون دوماً لتقديم المساعدة، فقد بادر بعض أهالي المنطقة إلى تقديم جهاز تنفس بالبطارية للطفلة حتى لا تتعرض لموقف مماثل مرة أخرى، خصوصاً أن العائلة ترزح تحت الأعباء المترتبة عن الوضع الاقتصادي المتأزم كعائلات كثيرة أخرى، هذا، في مقابل استخفاف المسؤولين بصحة المواطن، فلم يتقدم أي مسؤول بالمساعدة للعائلة على الرغم من أن قصة سيدرا هزَّت المجتمع اللبناني كلَّه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مواطنون يُعانون وما من حلٍّ في الأفق

تكرَّرت القصص المُشابهة لقصة سيدرا في الأسبوعين الأخيرين، وآخرها قصة الوالد الذي هرع في الشارع مع طفله الرضيع البالغ من العمر أربعة أشهر بحثاً عن مصدر كهرباء لتشغيل جهاز التنفس الخاص به ليؤمن له الأكسجين وينقذه، وانتشر الفيديو الخاص به على نطاق واسع في الأيام الأخيرة، وهزَّ المجتمع اللبناني، وهذه المشاهد المؤلمة تتكرر لتنقل معاناة اللبنانيين، كباراً وصغاراً، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي في معظم ساعات النهار، مع ما يترتب على ذلك من مواقف مُذلَّة، وتضاف هذه الأزمة إلى عشرات الأزمات التي تلقي بثقلها على المواطن، وبحسب رئيس بلدية مدينة طرابلس يؤمَّن التيار الكهربائي ساعتين أو أربعاً لا أكثر في المنطقة، وليس للناس قدرة على دفع تكاليف اشتراك المواد الكهربائي، تُضاف إلى ذلك أزمة المازوت التي تمنع توفير الكهرباء طوال النهار.


ضيق في التنفس

يبدو أن الفيديوهات التي شاهدناها في الأسابيع الأخيرة لا تشكل إلا عينة مما يحصل في الواقع، ويؤكد الطبيب الاختصاصي بأمراض الرئة والجهاز التنفسي في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور أحمد حصري أنه يستقبل بشكل مستمر في الفترة الأخيرة مرضى يُعانون ضيقاً في النفس، وهم على شفير الاختناق بسبب انخفاض معدلات الأكسيجين إلى أدنى المستويات، أما السبب فانقطاع الكهرباء وعدم القدرة على تأمين الأكسجين للمساعدة على التنفس "في المستشفى مريض من ثلاثة أسابيع لأن الكهرباء غير مُؤمَّنة في منزله لتشغيل جهاز التنفس الخاص به، الوضع كارثي لا يحتمل مزيداً من الاستهتار بصحة المواطنين وحياتهم".

ويشير الدكتور حصري إلى أن المرضى الأكثر عُرضة للخطر في هذه الحالة هم الذين يستخدمون مكثِّف الأكسجين، وأولئك الذين يستخدمون الجهاز الذي بشكل كمامة توضع على الأنف والفم وتشغَّل بالكهرباء أيضاً والذين لديهم ثقب في العنق ويعتمدون على جهاز التنفس، فحياة هؤلاء المرضى الذين يُعانون أنواعاً مختلفة من المشاكل الرئوية، في خطر ما لم تؤمَّن الكهرباء، إضافة طبعاً إلى مرضى الربو الذين يمكن أن يتعرضوا لنوبات في أي وقت كان، وفي كل الحالات قد يختنق المريض سريعاً في حال عدم التدخل.

أصبحت أبسط الحاجات الأساسية للمواطن بمثابة حلم، يفتقدها من دون أن يجد بوادر أمل بغدٍ أفضل، وبحسب المعالجة النفسية شارلوت خليل، فإن لهذا الوضع تداعيات على المجتمع ككل لاعتبار أن إحدى الحاجات الأساسية لم تعد متوافرة لشريحة كبيرة من اللبنانيين "ما يُهدِّد حياة اللبنانيين وحاجاتهم الأساسية للعيش هو تهديدٌ بالموت، تماماً كالحرب، ولما يُواجهه هؤلاء الأطفال وأهلهم في هذه الحالة آثار سلبية خطيرة، مما يشعر الأهل بالعجز من جهة والطفل بالخطر الذي يهدد حياته، ومن المتوقع أن نشهد اضطرابات نفسية عديدة لاحقة نتيجة ما يحصل اليوم".

لهذا الواقع الأليم تداعيات على صعيد فردي وعلى صعيد المجتمع، وقد يكون الأطفال والأشخاص الذين في وضع اقتصادي صعب الأكثر هشاشة نفسياً.


المستشفيات في مواجهة أزمة الكهرباء

تُهدِّد أزمة الكهرباء حياة المواطنين في منازلهم، والأسوأ أن المعاناة تطال المرضى في المستشفيات أيضاً، فبعد مشاهد الأهالي يُهرعون في الشوارع لتأمين مصدر كهرباء لأطفالهم الذين يعانون ضيقاً في النفس، ها هي المستشفيات في قلب العاصفة مع أزمة الكهرباء غير المتوقعة، ففي المستشفى، حيث يُفترض أن يجد المواطن الأمان والرعاية اللازمة حفاظاً على سلامته، لا يبدو الوضع أفضل حالاً، ومن الفضائح التي أدَّت إلى حالة هلع بين اللبنانيين، عدم توافر الكهرباء في عديد من المستشفيات، فإذا بها عاجزة عن تأمين الرعاية اللازمة للمواطن لعدم إمكان لتشغيل الأجهزة فيها من أجهزة تنفس وغيرها. وحول هذا الوضع الكارثي تحدَّث نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة الدكتور سليمان هارون لـ"اندبندنت عربية"، مشيراً إلى أن الأخطار كبيرة، في حال عدم تأمين الكهرباء في المستشفى، على حياة المرضى عموماً، وبشكل خاص على من هم على جهاز التنفس ومن يخضعون إلى جلسات غسل الكُلى، فحياة هؤلاء مهددة مباشرة، تُضاف إلى ذلك الخطورة في غرف العمليات التي تحتوي عادة على أجهزة مساعدة لتأمين الكهرباء بشكل احتياطي نحو ساعة لا أكثر، أما انقطاعها لوقت أطول فيُعرِّض حياة المريض للخطر.

ووفق ما أوضح هارون، كثرت الوعود في الفترة الأخيرة من دون أن يتضح سبب المشكلة الحقيقي، فكُلٌّ يُلقي بالمسؤولية على الآخر بين وزارة الطاقة وموزعي المازوت في وقت يبقى الواقع فيه مظلماً ولا يحتمل التهاون، أياً كان المسؤول "بعد أن تواصنا مع وزير الطاقة ووضعنا لائحة بحاجة كل مستشفى من المازوت، وعد بتأمينها من أسبوعين، وننتظر التنفيذ حتى اليوم. وبينما تؤكد الوزارة أن المشكلة لدى الموزعين، يؤكد هؤلاء أن المشكلة في الوزارة. وأخيراً، وعدت وزارة الصحة بحل المشكلة بعد وضع آلية معينة للتوزيع للمستشفيات".

لا تحتمل هذه الأزمة التأجيل؛ لأن حياة المواطن مُهدَّدة، خصوصاً أن ثمَّة مستشفيات ليس لديها مخزون كافٍ من المازوت لتأمين الكهرباء لأكثر من ثلاث أو أربع ساعات بحسب هارون، وإن كانت المعاناة تطال الكل من مستشفيات كبيرة وصغيرة، يبقى الأمل بتنفيذ الوعود وتأمين، على الأقل، كميات كبيرة من المازوت بأسرع وقت في مرحلة أولى، لأن الوضع لا يحتمل الانتظار والمواطن لا يحتمل مزيداً من التهاون والاستهتار.

المزيد من العالم العربي