Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استحقاق التمديد ودور "اليونيفيل" في جنوب لبنان يؤرقان "حزب الله"

هذا الشهر يُغرق البلاد في استحقاقات داهمة من شأنها أن تزيد وتيرة الضغط وواشنطن تشترط توسيع مهمات القوة الدولية

دورية استطلاعية لقوات "اليونيفل" في بلدة كفركلا جنوب لبنان قرب الحدود مع إسرائيل (أ ف ب)

على الرغم من دخول العالم عامَّةً في عطلة صيفية بحلول شهر أغسطس (آب)، فإن هذا الشهر يُغرق لبنان في استحقاقات داهمة من شأنها أن تزيد وتيرة الضغط الذي يتعرَّض له محلياً ودولياً. ففي حين تخوض البلاد مرحلة جديدة من التصعيد مع قُرب موعد نُطق المحكمة الخاصة بلبنان بحكمها في قضية اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة، رفيق الحريري، في السابع من الشهر الحالي، مع ما سيُرتِّبه من تداعيات على المشهد السياسي الداخلي، فإن الضغط قد يبلغ ذروته بنهاية الشهر مع طرح ملف التمديد لقوة الطوارئ العاملة في الجنوب اللبناني على طاولة مجلس الأمن الدولي، بناءً على طلب لبنان. والسبب أن هذا الملف دخل عنصراً مهماً في أدوات الضغط التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية على لبنان، في استهداف واضح ومباشر لـ"حزب الله"، من باب تطبيق العقوبات من جهة، وتوسيع مهمات هذه القوة في الجنوب، ليكون لها مساهمة أكبر في التدقيق وضبط الحدود ومنع تفلُّت الحزب من تطبيق العقوبات الواردة تحت نطاق قانون "قيصر".

وللولايات المتحدة دور مهم وأساسي في حسم مصير "اليونيفيل"، على الرغم من قوة حق النقض (الفيتو) الذي تتمتَّع به كل من روسيا والصين، والذي سيلجأ البَلَدان إلى استعماله إذا تطلَّب الأمر. فواشنطن تُؤمِّن 45 في المئة من تمويل القوات العاملة في إطار هذه القوة، وعددها يتجاوز 14 ألف عنصر، ومجموع التمويل 483 مليون دولار وفق ميزانية العام الماضي. فماذا سيكون الموقف الأميركي من طلب لبنان التمديد؟ وهل الدبلوماسية اللبنانية قادرة على تأمين التمديد من دون تغيير في المهام أو الصلاحيات؟

معركة "قاسية"

في جلسة عقدها مجلس الوزراء في نهاية مايو (أيار) الماضي وافق فيها على طلب وزارة الخارجية والمُغتربين تمديد ولاية "اليونيفيل" التي تنتهي في 31 أغسطس الحالي، ووجَّه طلبه إلى الأمم المتحدة من أجل إدراجه على جلسة مجلس الأمن المُفترض عقدها في هذا التاريخ من أجل الموافقة على طلب الحكومة اللبنانية. ولم يقترح طلب لبنان أي تغيير في المهام المُوكلة للقوة الدولية، بل على العكس تخوض الحكومة معركة التمديد وفق المهام القائمة من دون المساس بعددها أو صلاحياتها. وهذه المعركة برأي مصادر دبلوماسية مُطَّلعة، ستكون قاسية على لبنان في ظل مجموعة من المُعطيات والشروط التي تتحكم بهذا الملف الحسَّاس. فالحكومة تواجه ضغطاً دولياً واسع النطاق يضعها في عُزلة عن محيطها العربي والدولي نتيجة النفوذ الواسع لـ"حزب الله" فيها. ويشكل ملف "اليونيفيل" مصدر قلق للحزب في ضوء تضييق واشنطن هامش الخيارات المُتاحة أمام الحكومة؛ فالإدارة الأميركية تشترط للموافقة على طلب التمديد والتمويل، توسيع مهمات القوة الدولية، وإلا رفض التمديد تحت ذريعة خفض التمويل، ما يؤدي حُكماً إلى خفض عدد الوحدات العاملة. وتتذرَّع واشنطن والدول المؤيدة لها، بالأزمة الاقتصادية وتفشي جائحة كورونا، اللذين يستدعيان ضبط كل أوجه الإنفاق ما لم تكُن ذات جدوى. ويُبدي الحزب تخوُّفه من الشرط الأميركي، معرباً عن رفضه توسيع مهام القوة العاملة في الجنوب، بهدف مساعدة الجيش على ضبط الحدود الشرقية مع سوريا، وفق المادة 14 من القرار الدولي 1701، وذلك بالتزامن مع بدء تنفيذ قانون "قيصر"، الذي يمكن لواشنطن أن تطلب مؤازرة القوة الدولية في تطبيقه. 

والقرار 1701 اتَّخذه مجلس الأمن الدولي لوقف العمليات القتالية مع إسرائيل غداة الحرب في عام 2006، علماً بأن قوة مهمة حفظ السلام أنشئت منذ عام 1979 استناداً إلى القرار الدولي 425، ولكنها تعزَّزت بعد حرب يونيو (تموز) 2006.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من طلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش زيادة الميزانية المخصصة لـ"اليونيفيل"، فإن الموقف الأميركي لا يزال مُتشدداً حيال هذا الأمر، وقد عبَّرت عنه السفيرة الأميركية دوروثي شيا في الاجتماع الذي عقد قبيل طلب التمديد في قصر بعبدا، مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إذ اعتبرت أن القرار الدولي لا يُنفَّذ، وتعجز القوات الدولية عن الدخول إلى الممتلكات الخاصة، داعية إلى إعادة النظر في فاعليتها إلى حدودها القصوى، في إشارة إلى زيادة عددها وتوسيع صلاحياتها، وإلا فلا بد من إعادة النظر في مهمتها. 

وفي رأي المصادر الدبلوماسية عينها، فإن كلام شيا جاء ليمهد لرفع وتيرة الضغط على لبنان في هذه المسألة، التي ترى فيها واشنطن مدخلاً هاماً لتضييق الخناق على "حزب الله".

الحكومة اللبنانية تتخبَّط

في الوقت الذي يُنتظر فيه أن تنشط الاتصالات والمشاورات المتصلة بهذا الملف قريباً على الرغم من العطلة الصيفية، تبدو الحكومة اللبنانية في حالة تخبُّط في الثبات على موقفها من هذا الملف الدقيق. وقد جاءت استقالة الوزير ناصيف حتي من الخارجية لتُعبِّر عن هذه الحال؛ إذ أعلن في كتاب استقالته عن وجود أكثر من ربِّ عمل للبنان، في إشارة إلى أن القرار السياسي ليس في يد السلطة التنفيذية ومجلس الوزراء مجتمعاً كما ينص الدستور، وإنما في أيدي أصحاب النفوذ الذين يقفون وراء ستار الحكومة، حيث إن طيف الوزير الأسبق جبران باسيل يُخيِّم على السياسة الخارجية، بينما يطغى حضور "حزب الله" في هذه السياسة على توجهاتها ومقرراتها ويبعدها عن المحيط العربي والغربي الطبيعي، الذي لطالما تنفَّس من خلاله البلد. 

وعلى المقلب الدولي، يُنتظر أن تنشط مندوبة لبنان الدائمة في مجلس الأمن السفيرة آمال مدللي، سعياً لحصد دعم أعضاء المجلس لطلب التجديد في الجلسة المُزمع عقدها في الثلاثين من الحالي، في حين ترافق هذا الطلب مع شكوى قدمها لبنان إلى مجلس الأمن ضد إسرائيل على خلفية الاعتداء الأخير في الجنوب. واللافت أن "اليونيفيل" لم تصدر تقريراً بالاعتداء، واكتفى الناطق باسمها أندريا تينيتي بالتعليق أن التحقيقات لا تزال مستمرة، لتبيان ما إذا كان هناك خرق للقرار 1701 أو لا. 

وفي حين كان لبنان يُعوِّل على الموقف الأوروبي، ولا سيما الفرنسي، في دعم طلب لبنان، إلا أن النتائج السلبية التي خلصت إليها زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، ومن بعدها استقالة حتي من منصبه وتعيين مستشار رئيس الجمهورية السفير شربل وهبي مكانه، يؤشر إلى أن الحكومة حسمت أمرها بالمُضي في عُزلتها، مع ما يرتبه الأمر من ارتفاع حدة الضغط الخارجي. وقد عبَّر حتي الذي واجه تجربة مريرة في إدارة ملفات السياسة الخارجية، عن الأفق الذي ينتظر لبنان بقوله إن البلد يتجه نحو أن يصبح دولة فاشلة. 

تخبُّط في الصياغة

الكلام عن التخبُّط الذي تواجهه الحكومة في قراراتها عكسه التحضير لميزانية "اليونيفيل"، التي تعثَّر إقرارها عبر التصويت الإلكتروني في ظل رفض روسيا والصين التصويت عن بُعد. وقد خضعت صياغة الطلب بإدراج البند الذي يُلزم إسرائيل بالتعويض بمبلغ مليون دولار لقاء قصفها مركز الأمم المتحدة في قانا عام 1996. وقد استدعت الصياغة وفق المعلومات المتوافرة لـ"اندبندنت عربية"، تغيير النص ثلاث مرَّات خلال مهلة 24 ساعة سبقت إدراجه على جدول أعمال الجلسة الحكومية، بفعل تدخُّل أكثر من طرف في صياغة الطلب!

لا تغيير؟

محلياً، تتعامل القوى السياسية في الحكم بواقعية مع الضغط الأميركي، ولا تستغرب تصاعد وتيرته في المرحلة المقبلة، لكنها تستبعد أن يؤدي إلى تغيير في مهمة "اليونيفيل". وبحسب قراءة مصادر مواكبة للملف قريبة من "حزب الله"، لا مفاجآت مُحتملة على هذا الصعيد؛ إذ تقول إن هذا الموضوع يُطرح سنوياً عند كل تجديد لـ"اليونيفيل"، ولكنه يُقابَل بالفيتو الروسي والصيني، فيُقر التجديد من دون أي تعديل في المهمات أو في العدد أو في الميزانية كما تطالب واشنطن، لكن مصادر دبلوماسية قريبة من واشنطن لا تتفق مع هذه القراءة، كاشفة عن نقاش على مستوى أممي ودولي يتناول دور "اليونيفيل" وصوابية أو جدوى الاستمرار في تخصيص اعتمادات تقارب نصف مليار دولار، وذلك على خلفية السؤال هل تؤدي القوات الدولية مهمتها فعلاً في حفظ السلام، أو أن هذا الدور لا يتعدَّى الحفاظ على قواعد الاشتباك كما هي منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006؟ ومَرَدُّ السؤال فهم جدوى الاستمرار في الاستثمار في هذه القوات. 

وتُدرك واشنطن، ومعها المجتمع الدولي، أنه من الصعب توسيع صلاحيات "اليونيفيل" لتتولى نزع سلاح "حزب الله"، أو وقف الانتهاكات الإسرائيلية شبه اليومية للبنان، وأن جُلَّ ما يمكنها القيام به هو حماية الاستقرار على الخط الأزرق الحدودي وتضييق رقعة أو هامش توسع نفوذ الحزب، مع اعتراف واضح بأن ترسانة الحزب خارج نطاق عمليات جنود القُبَّعات الزرقاء. 

فهل يتم التعامل مع استحقاق التمديد على الطريقة التقليدية؟ أم ييكون هناك تعاطٍ آخر؟ وكانت معلومات قد تردَّدت عن زيارة مُرتقبة لنائب وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر إلى بيروت، يتناول فيها كذلك ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل. ولدى الاستيضاح عن صحة هذه المعلومات، أفادت دوائر رسمية بأنها لم تُبلَّغ بعد بموعد الزيارة. 

المزيد من تقارير