Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجيش اللبناني و"حزب الله" ثنائية عسكرية على "حد السكين"

الرئيس ميشال عون يعتبر أن المؤسسة الرسمية لا تتمتع بالقوة الكافية

منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان، صاغت الأحزاب الطائفية المتنافسة نظاماً سياسياً قائماً على توازن دقيق، رعته سلطة "الوصاية" السورية تحت شعار ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة". وهو ترجمة للتوازنات الدولية والإقليمية ما بعد الحرب الباردة، وتعايش اللبنانيون مع ثنائية عسكرية لا تزال قائمة بعد ثلاثين عاماً من نهاية الحرب.

أدت هذه المفارقة إلى تآكل تدريجي لدور السلطات الرسمية لمصلحة "حزب الله"، الذي تجاوز علة وجوده الأولى أي "مقاومة الاحتلال الإسرائيلي" وقد استخدم شرعيتها المعنوية ليصبح "نسخة لبنانية" من الحرس الثوري الإيراني، ويتحول نفوذه المتنامي إلى هيمنة إيرانية على لبنان.

وفي العيد الـ 75 للجيش اللبناني، وفي ظل المتغيرات الإقليمية والأزمة الداخلية، يُعاد طرح جدوى هذه "الثنائية العسكرية" التي أوصلت البلاد إلى "حد السكين"، حيث بات "التعايش" مستحيلاً، إذ إن "حزب الله" في المحور الإيراني فيما مصادر دعم الجيش اللبناني هي أميركية وتُقدر بـ 133 مليون دولار في العام 2020.

غطاء سياسي

مصدر عسكري رفيع يقول إن "تعقيدات لبنان لا تقتصر على النظام السياسي القائم على تقاسم السلطة تبعاً للتركيبة الطائفية فحسب، بل إن هذا التعقيد يكمن في تقاسم السيادة العسكرية أيضاً، بين جيش وطني نظامي وحزب مسلح يرقى إلى شبه جيش غير نظامي". ويضيف أنه "في الوقت الذي يحتل الجيش المرتبة 118 عالمياً، يعتبر حزب الله القوة غير النظامية الأكثر تسليحاً في العالم".

ويرى أنه "على الرغم من القوة القتالية للحزب التي كسبها في سوريا والعراق، يبقى الجيش اللبناني هو القوة الأولى في الميدان اللبناني وهو قادر على فرض سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وحماية الحدود"، مشيراً إلى أن "السلطة السياسية هي من تغطي نشاطات الحزب على الأراضي اللبنانية".

وعن مسؤولية الجيش بمنع دخول المقاتلين وخروجهم عبر الحدود والمشاركة في الحرب السورية، يقول المصدر العسكري إن "هناك مراسيم وقرارات صادرة عن الحكومة تسمح للحزب بنقل أسلحته وعتاده ولا يحق للجيش اعتراضها". ويذكّر بتصريحات لرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بأن "تدخل حزب الله في سوريا هو من أجل حماية لبنان من داعش والنصرة". ويعتبر المصدر أن تصريحات الرئيس بأن الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة إسرائيل وبضرورة وجود هذا السلاح لأنه مكمل لعمل الجيش ولا يتعارض معه، تقلل من قيمة الجيش على المستوى الداخلي والدولي.

السلاح والقدرات

وفي مقارنة بين قدرات الجيش اللبناني و"حزب الله"، يصل عديد الجيش إلى 75 ألف جندي نظامي، بينما يصل عدد مقاتلي الحزب إلى 25 ألفاً، إضافة إلى احتياطي يصل إلى 30 ألفاً آخرين. وإذ يمتلك الجيش 63 طائرة غير هجومية، يمتلك "حزب الله" ترسانة من صواريخ متفاوتة المدى وطائرات من دون طيار، ما يجعله يتحكم أكثر في المجال الجوي.

وتبلغ ميزانية الدفاع اللبنانية 1.7 مليار دولار أميركي ويعتمد الجيش في تسلحه على المساعدات الدولية وعلى رأسها الأميركية، في حين أن أرقاماً دقيقة عن ميزانية "حزب الله" وإن كان لا يخفي أنه يعتمد في تسليحه على إيران بالدرجة الأولى، إلا أن التقديرات تشير إلى أن موازنته تتجاوز المليار سنوياً.

"نفوذ" داخل الجيش

وفي هذا السياق، يعتبر العميد المتقاعد أمين الحجار أنه لا يمكن المقارنة بين الجيش اللبناني و"حزب الله"، كون الحزب ميليشيا بحجم جيش مقابل جيش كلاسيكي كسائر الجيوش العالمية، موضحاً أن الحزب يقاتل في حروب العصابات منطلقاً من "عقيدة مذهبية صارمة". ولا ينفي الحجار وجود مؤيدين للحزب داخل مؤسسة الجيش.

ويلفت إلى أن الجيش كلاسيكياً أقوى من الحزب، وأن أسلحته هي الأسلحة الكلاسيكية كسائر أسلحة جيوش العالم. أما أسلحة الحزب فهي فردية مع منصات صواريخ من مختلف العيارات تستعمل في الحروب المتنقلة. ويقول إنه "نظراً للنفوذ الذي يمتلكه الحزب داخل الجيش، يمكنه أن يضعضعه من الداخل"، ولو أراد الجيش محاربة "حزب الله"، تواجهه نقطة الضعف وهي المذهبية، فتصبح المعركة كأنها بين الجيش والطائفة الشيعية.

ويضيف بأن تمويل إيران لـ "حزب الله" يجعل منه حزباً غير لبناني، ويأخذ معه طائفة كاملة أسيرة إلى خارج الإطار اللبناني والعربي، مؤكداً أن الحزب بمغامراته الإقليمية وهيمنته الداخلية يمنع قيام دولة مستقلة، "مما تسبب بالفوضى وعدم الاستقرار في الحياة السياسية والاقتصادية".

رغبة الجيش "ممنوعة"

وفق المعلومات فإن لدى الجيش اللبناني رغبة في لعب دورٍ أكبر في رسم معالم سياسات الأمن الوطني، وهناك تيار متنام يجزم أن المشهد لم يعد يتّسع لمؤسستين عسكريتين، إلا أن القيادة العسكرية تدرك أن هذا الطموح محكوم بدور حزب الله الذي بات لاعباً أساسياً في النظام السياسي اللبناني ويمتلك أكثرية برلمانية وحكومة وإلى جانبه رئيس جمهورية يعتبر أن سلاح الحزب لا يتناقض مع سلاح الجيش.

ويؤكد عضو لجنة الدفاع النيابية وهبة قاطيشا، ضرورة إنهاء ظاهرة الثنائية المسلحة. ويقول إن معركة "فجر الجرود" التي أطلقها الجيش اللبناني في العام 2017 ضد تنظيم داعش والتي نُفِّذت بدقة عالية، قد فاجأت معظم القوى السياسية في لبنان وعلى رأسها "حزب الله". لكن، يقول قاطيشا، "بدلاً من أن يؤدي ذلك إلى تحدّي الطابع الهجين لسياسات الأمن الوطني بشكل حاسم، تعرّضت صدقية الجيش للتشكيك مجدّداً عندما ضغط الحزب على الجيش لوقف المعركة ونفذ اتفاقاً أحادياً قضى بانسحاب مقاتلي داعش من جيبهم الأخير ونسب إلى نفسه النجاح الذي حققه الجيش وروّج سردية التعاون السرّي بين كوادره وقيادة الجيش وقوات الأسد".

في المقابل، يرى النائب قاسم هاشم "ضرورة التمسك بعناصر قوة لبنان المتمثلة في معادلة الجيش والشعب والمقاومة، لأن هذه المعادلة هي التي حمت لبنان وتحمي السيادة والكرامة ومصالح اللبنانيين"، داعياً جميع اللبنانيين إلى أن "يكونوا يداً واحدة وإرادة واحدة لحماية عناصر قوة لبنان". وإذ يؤمن بأن "لبنان يجب أن يبقى قوياً وقادراً في مواجهة التحديات"، يكرر أن "الثنائية العسكرية التي يجسدها حزب الله والجيش هي حصانة للبنان".

شريك أميركي

وفي السياق، يؤكد مصدر دبلوماسي أميركي أن الجيش اللبناني شريك للإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط. وقد أثبت قدرته على مواجهة الإرهاب من خلال التعاون الأمني وتبادل المعلومات مع قوات التحالف في الشرق الأوسط لمواجهة تنظيم داعش، ومعركة "فجر الجرود" التي سحق خلالها الجيش الإرهابيين في ثلاثة أيام، تثبت قدراته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويجدد المصدر ذاته أن "الولايات المتحدة مستمرة بالتزامها بدعم الجيش اللبناني وتزويده بالعتاد والسلاح المناسب لمحاربة الإرهاب وفرض الاستقرار على الأراضي اللبنانية".

وينفي المصدر وجود "فيتو" أميركي في شأن حصول الجيش اللبناني على سلاح إستراتيجي كاسر للتوازن في وجه إسرائيل، موضحاً أن "الأولوية هي أن يستعيد الجيش قدرته على الانتشار على كامل الأراضي وأن يصبح القوة الشرعية الوحيدة الموجودة في لبنان".

وتستعد لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الإميركي لإقرار مشروع قانون يهدف الى ربط المساعدات العسكرية المخصصة للجيش اللبناني بتقديم أدلة تثبت أن الجيش اللبناني لم يتعاون مع "حزب الله" أو يشارك في أنشطة أو تدريبات مشتركة خلال العام الماضي. وبحسب المشروع، على الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن يقدم تقريراً للكونغرس بعد 3 أشهر من إمراره، وفي حال لم يتمكن البيت الأبيض من إثبات التزام الجيش بهذه الشروط، يتم تجميد 20 في المئة من المساعدات.

حرب أهلية

وبرزت دعوات عديدة من الأمم المتحدة للحكومة اللبنانية لتنفيذ القرارات الدولية وعلى رأسها القرار 1559، والذي ينص على سحب سلاح "حزب الله"، إلا أن المحلل السياسي خليل نصر الله، يعتبر أن أي تطبيق لهكذا طلب يعني حرباً أهلية وفتنة قد تؤدي إلى تفكك المؤسسة العسكرية، لاعتبار النظام طائفياً في لبنان.

ويلفت نصر الله إلى أن "الجيش ليس في وارد تنفيذ أي من هذه الطلبات مهما بلغت الضغوط"، مشيراً إلى أن المؤسسة العسكرية ضامنة للسلم الأهلي، وهي عقيدة لا تنفصل عن عقيدة المقاومة في مواجهة الأخطار، إن لجهة الكيان الإسرائيلي أو الخطر التكفيري، ومن الصعب أن يرضخ الجيش لطلبات كهذه".

ويعتقد أنه "من الواضح أن العلاقة بين الجيش والمقاومة متينة جداً، وقد عُمدت بالدم، حتى قبل العام 2000".

إستراتيجية دفاعية

يلفت العميد ناجي ملاعب إلى أن "تمرس حزب الله في القتال يجعله جيشاً نظامياً ولا يمكن مقارنته بقدرات الجيش وتدريبه"، مضيفاً أن "الجيش ليس القوى النظامية العاملة فحسب إنما يمكنه عند الحاجة استدعاء الاحتياط الأول المؤلف من المتقاعدين خلال خمس سنوات وحتى الاحتياط الثاني خلال عشر سنوات".

ويؤكد أن "المشروعية الوطنية في حمل السلاح في الدولة هي لقواها المسلحة وليست لطرف من أطراف السلطة أو لحزب أو منطقة أو طائفة". ويقول "تبرز إشكالية وجود سلاح في لبنان لا يخضع لأمرة الجيش، وهو وجود غير شرعي لا سيما أن هذا السلاح تابع لمحور قيادته خارج لبنان ويقاتل بالشباب اللبناني في ساحات دول عربية صديقة للبنان".

ويعتقد ملاعب أن "هذا الوضع يؤدي إلى احتمالين، الأول السكوت عن وجود هذا السلاح ودوره في إنشاء دويلة ضمن الدولة ويفرض هيمنته على السلطات (وهذا ما يحصل)، والثاني هو أن تحدد الإستراتيجية الدفاعية دور القوى المسلحة في الدفاع عن الوطن وتنضوي المقاومة بوسائلها وأسلحتها تحت إمرة الجيش الذي يُعد للتعامل مع الأخطار المحدقة والمحتملة بفرضيات قتالية تحفظ للدولة سلطتها على أراضيها".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي