Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاندفاع في قضم الجغرافيا والهرب من دروس التاريخ

"إلى متى يبقى العرب ضحايا مشاريع إقليمية ومن دون مشروع يستعيدون به صناعة التاريخ؟"

قوات موالية لحكومة الوفاق الليبية في نطقة أبو قرين الوقاعة في منتصف الطريق بين طرابلس وبنغازي (أ ف ب)

سؤال في كتاب فلسفي: ما الفارق بين الذكي والعبقري؟ جواب: الذكي يتعلم من أخطائه، والعبقري يتعلم من أخطاء سواه. سؤال في كتاب الواقع: ما هو القاسم المشترك بين الأفراد والدول؟ جواب: شيء واحد: من النادر تعلم دروس التاريخ، مع أن كل تلميذ تعلم في المدرسة إن "مَن لا يتعلم من التاريخ محكوم بإعادته". في عام 1966، كتب وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان مقالاً في مجلة "فورين أفيرز" جاء فيه أنه "ليس من المصادفة أن ترى العرب بعد سنوات يطالبون بالعودة إلى حدود إسرائيل الحالية التي رفضوا التسليم بها". بعد هزيمة العرب المدوية في حرب عام 1967 واحتلال إسرائيل الضفة الغربية وسيناء والجولان. أعاد أبا إيبان التذكير بدرس في كتاب بول جونسون "تاريخ اليهود" خلاصته أن "سليمان أضاع مملكته عندما غزا شعوباً وضمها". كان إيبان من "الحمائم" الذين تخوفوا من نتائج السيطرة على أراضٍ وشعوب، وأرادوا البحث عن تسوية سياسية للصراع العربي- الإسرائيلي، فهو من مدرسة في الصهيونية تعطي الأولوية لنوع الدولة لا لمساحة الأرض، بخلاف مدرسة جابوتنسكي ومناحيم بيغين التي تعطي الأولوية لمساحة ما تسميه "أرض إسرائيل". أي أرض؟ تلك التي تضم في الحد الأدنى بحسب شعار حيروت "ضفتّي نهر الأردن" وفي الحد الأقصى "من الفرات إلى النيل".
وليس هذا بالطبع سوى واحد من دروس كثيرة في التاريخ القديم والحديث. من الإسكندر المقدوني وجنكيزخان وهولاكو وقورش الكبير إلى الإمبراطوريات البرتغالية والإسبانية والرومانية. ومن الإمبراطورية الفارسية والسلطنة العثمانية إلى حروب نابوليون وهتلر وموسوليني وقبلها الإمبراطورية النمسوية - المجرية والإمبراطوريات الفرنسية والبريطانية والهولندية، وصولاً الى الاتحاد السوفياتي والصعود الأميركي إلى القمة والصعود الصيني اليوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لكن تعلّم الدروس كان ولا يزال نادراً. قادة إسرائيل راهنوا على احتلال مزيد من الأرض، وضمّوا القدس والجولان وهم يعملون على ضم 30 في المئة من الضفة الغربية. وهذا سيقود، بعدما صار حل الدولتين مهمة مستحيلة، إلى أحد أمرين: إما دولة واحدة يتساوى فيها الجميع، وهذا ما يرفضه الإسرائيليون خوفاً على يهودية الدولة، وإما دولة تمييز عنصري تتحكم بشعب فلسطيني عدده أكبر من عدد اليهود، وهذا سيقود إلى اضطرابات وحروب وأزمات دائمة.
إيران تفاخر بأنها تحكم "أربع عواصم عربية" هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. وتعمل على مد مشروعها الإقليمي إلى ما هو أبعد من ذلك، من دون اعتبار عاملين: عامل الرفض العربي للهيمنة الإيرانية، وعامل العجز عن تمويل مشروع إمبراطوري والاهتمام بالوضع الاقتصادي والاجتماعي في الداخل، حيث تشتد الأزمات وتنهار قيمة التومان (العملة الإيرانية). علماً أن إيران أقل قوة من الاتحاد السوفياتي الذي انهار من الداخل تحت أثقال مغامراته الخارجية والحكم البوليسي في الداخل. وليس ما تفعله العقوبات الأميركية سوى تسريع للانحدار الذي لا مهرب منه بحكم المنطق التاريخي، بصرف النظر عن "الضغط الأقصى" الأميركي، إلا إذا قررت طهران أن تكون "دولة لا قضية"، وهي تريد الاثنين معاً.
تركيا تسير على الطريق ذاته، جنون العظمة صعد بخاره إلى رأس رجب طيب أردوغان، فاندفع في مواجهة العالم بلا حساب. احتل شمال سوريا، ويقاتل في شمال العراق، ويحتل أجزاء من ليبيا ضمن مشروع "عثمانية جديدة" عصبها "الإخوان المسلمون" وسلطانها أردوغان وثروتها من النفط واللعبة الجيوسياسية في شرق المتوسط. والمفارقة واضحة: أردوغان يهرب من انحسار شعبيته وسوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية والقانونية في الداخل إلى مغامرات في الخارج، والمغامرات تزيد أزمات الداخل التركي.
وإذا كانت أميركا تتعلم من أخطائها وتتراجع عن بعض التزاماتها في العالم، فإن روسيا تبحث عن التزامات جديدة ثأراً للاتحاد السوفياتي. لكن كل قوة الرئيس فلاديمير بوتين لا تغطي الواقع الذي وصفه يوري كورنيوك من أكاديمية العلوم الروسية بالقول إن "المجتمع الروسي صار غير قابل للضبط، والأدوات القديمة لم تعد ناجحة في العمل". فكيف الحال في إسرائيل وتركيا وإيران؟ إلى أين يهربون؟ وإلى متى يبقى العرب ضحايا مشاريع تل أبيب وطهران وأنقرة، من دون مشروع عربي يستعيدون به صناعة التاريخ؟

المزيد من آراء