Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طرح "حياد لبنان" يأتي بين استحقاقين مفصليين

الاتحاد الأوروبي يتبنى الفكرة بطلب فاتيكاني ويطرحه في مجلس الأمن

الرئيس اللبناني ميشال عون يترأس اجتماعاً في قصر بعبدا (أ ف ب)

تتكاثف ردود الفعل في لبنان بين رافض لـ"إعلان حياد لبنان" الذي أطلقه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ومؤيد له، إذ باتت تصريحات الراعي محور الحياة السياسية اللبنانية، لا سيما أن عدداً من القوى السياسية والأجواء الدبلوماسية، تعوّل على مسار إخراج لبنان من دائرة التموضع في المحور الإيراني إلى نقطة وسطية، قد يكون مدخلاً إلى قيام "عقد اجتماعي" جديد للسنوات المقبلة.

وشدّد الراعي على أنه "لا يمكن أن يكون نظام لبنان إلّا نظاماً حيادياً، والموضوع ليس سياسياً ولا طائفياً ولا حزبياً بل روحي أخلاقي"، وأن باب الخلاص الوحيد هو نظام الحياد الناشط والفاعل، الذي يعزّز السلام والاستقرار والأخوّة والعدالة وحقوق الإنسان والحريات، ويعتبر أن هيمنة "حزب الله" على الحكومة والسياسة في البلاد، تركتها وحيدة ومحرومة من الدعم الخليجي أو الأميركي أو الأوروبي.

تحذير إيراني

تصريحات الراعي وإصراره على المضي في معركة "الحياد وفكّ الحصار عن الشرعية"، استدعت تهافت القيادات السياسية والدبلوماسية للوقوف على مواقف البطريرك. وكانت لافتة زيارة السفير الإيراني لدى لبنان محمد جواد فيروزنيا، الذي وفق المعلومات نقل إلى الراعي تحفّظ دولته على طرح فكرة الحياد والنأي بالنفس، باعتبار أن "إيران لا تتدخل في الشأن اللبناني، إنما تقف إلى جانبه، وهي مستعدة وعلى الرغم من العقوبات، تأمين الكهرباء والنفط وتوسيع هامش التبادل التجاري".

ونقلت المعلومات أن يكون فيروزنيا قد قال للراعي إن "الولايات المتحدة الأميركية بعد فشلها بمواجهة حزب الله في لبنان، تحاول زرع فخّ جديد للبنانيين تحت شعار الحياد، الذي يخشى أن يكون عنواناً مفخخاً لمحاصرة سلاح الحزب والإيقاع بين اللبنانيين". وأضافت أن "لبنان ليس بمعزل عن صراع يدور في المنطقة ككل، وعلى رأسه الصراع العربي – الإسرائيلي، ويمتدّ من لبنان إلى اليمن والعراق وسوريا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشفت مصادر سياسية لبنانية مقرّبة من الأجواء التي أحاطت بلقاء الراعي – عون، عن أن رئيس الجمهورية نقل رسالة من "حزب الله" تؤكّد رفض الحزب أي تحييد للبنان، وتعتبر أن مثل هذه الدعوات تصبّ في خدمة إسرائيل والسياسة الأميركية، كما أنّها جزء من الضغوط التي تُمارَس في الوقت الحاضر على بيروت.

من الفاتيكان إلى مجلس الأمن

ويأتي طرح الحياد بين استحقاقين داهمين هما: أولاً، صدور الحكم في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وضحايا "ثورة الأرز" في السابع من أغسطس (آب)، وثانياً، التمديد لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان في ضوء المواقف الأميركية الرافضة مثل هذه الخطوة، ما لم تترافق مع توسيع مهمات القوات الدولية وتطبيق صارم للقرار 1701 نهاية الشهر الحالي.

وتشير معلومات لـ "اندبندنت عربية" إلى أن دعوة الحياد التي أطلقها البطريرك الماروني، هي الخطوة الأولى في سياق متصاعد ستتبعه خطوات لاحقة في زيارة مرتقبة للراعي إلى الفاتيكان، حيث يُتوقّع أن يبحث مع البابا فرنسيس طرح ما يمكن تسميته بـ"إعلان حياد لبنان"، على أن يتبنّى الاتحاد الأوروبي هذا الإعلان بطلب فاتيكاني، ويعرضه في مجلس الأمن الدولي، وذلك تحت شعار العمل على إنقاذ لبنان من الانهيار والفوضى.

وفي المعلومات، فإنه وقبل إطلاق البطريرك الراعي دعوة الحياد، جرى التواصل مع سفراء دول فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا لدى لبنان، وأكد جميعهم دعم دولهم المطلق مبدأ الحياد وتحرّك البطريرك على هذا الصعيد.

التفاف وتغطية

في المقابل، لاقت تصريحات رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل عن "الحياد المشروط"، انتقادات واسعة لناحية ربط الحياد بشروط تعجيزية في الوقت الحالي، لا سيما قضية النازحين السوريين والفلسطينيين وترسيم الحدود، رافضةً الربط بين "الحياد" ومسائل أخرى. وكان كشف تصريح باسيل عن أنه لم يتفق مع الراعي على مسألة الحياد، بل حاول "دوزنة" موقفه الملتبس بصياغات لغوية لتفسير كلمَتَيْ الحياد وتحييد، وذلك ليبدو في موقع وسط بين الراعي و"حزب الله".

وما لم يقله باسيل، قاله صراحة عضو كتلته النيابية النائب سليم عون، إن "القرار المستقل أهم من الحياد"، في إشارة واضحة إلى تجنّب "التيار الوطني الحر" تأييد مبادرة البطريرك الراعي والوقوع في الإحراج مع "حزب الله".

الحياد "خيانة"

وفي وقت لم يصدر أي موقف رسمي من "حزب الله" تجاه هذه المبادرة، برز موقف رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الشيخ عبد الأمير قبلان، الذي انتقد من وصفهم بالمتعاطفين مع "العدو الصهيوني" ومحاولات إخراج لبنان:"  من دائرة الصراع مع عدو ظالم لا يزال محتلاً لأرضنا وينتهك على الدوام سيادتنا، فضلاً عن سرقة ثرواتنا المائية والنفطية"، محذّراً من "تضييع بوصلة المصلحة الوطنية والأخلاقية في ما يتعلّق بموقع لبنان وكيفية إنقاذه وسط هذه الأعاصير والهجمة الدولية والإقليمية لتمزيقه" طبقا لتعبير قبلان.

تصريحات قبلان قرأها البعض بأنها ردّ مباشر من "حزب الله" على مبادرة بكركي، ليكون رداً عبر أعلى مرجعية رسمية للطائفة الشيعية في لبنان، وذلك بعد أن سبقه أيضاً المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بقوله "إن الحياد في هذه المعركة حرام وخيانة وهروب واستسلام".

وانتقد المحلل الاستراتيجي أمين حطيط مبادرة الراعي، معتبراً أن اللبنانيين منقسمون عمودياً بين فئتين رئيستين، الأولى تفاخر بالانتماء إلى الأمة العربية وتعتبر نفسها جزءًا منها، وثانية ترفض فكرة الحياد بين أمتهم وبين أعدائها لأنها ترى مصالح الأمة فوق كل اعتبار وأن القبول بفكرة الحياد هي انسلاخ عن جسم الأمة، مؤكداً أن إجماعاً لبنانياً على الحياد بمفهومه القانوني أمر مستحيل، ومنوّهاً بموقف الرئيس ميشال عون الذي واجه به صاحب الطرح، قائلاً "الحياد يستلزم وفاقاً وطنياً".

وأضاف أن أحد أبرز عوامل الحياد تكون بامتلاك قوة دفاعية، "وهذا أمر شبه مستحيل الآن ويصعب تحقيقه في المستقبل، بالتالي تبقى القوة الدفاعية الرسمية الكافية متمثّلة بالمقاومة الشعبية أمراً لا مناص منه، كما يرى الرئيس عون أيضاً، الأمر الذي يرفضه صاحب فكرة الحياد"، مطالباً بتجنب هذا الطرح في هذا الظرف بالذات، إذ لن يكون له أثر أو مفعول إلّا زيادة الانقسام والتشرذم وإضافة ملف خلافي جديد تستفيد منه أميركا في خطتها الرامية إلى إنتاج فراغ سياسي مترافق مع الحصار والتجويع المنتج للفتنة والاقتتال الداخلي، والممهّد لعدوان إسرائيلي على لبنان".

فرنسا تدعم بكركي

وتتجه الأنظار إلى الزيارة المرتقبة لوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان إلى لبنان، إذ يؤكد مصدر دبلوماسي فرنسي أن لودريان لا يحمل في جعبته مبادرة فرنسية تجاه لبنان، بل مجموعة من الأفكار والآراء، كما أنه يحمل كمّاً وافراً من التحذيرات تشدّد على ضرورة إطلاق عجلة الإصلاحات قبل فوات الأوان، كاشفاً عن أن زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية سبق أن أُرجئت مرّات في مؤشر واضح إلى امتعاض باريس من أداء السلطة السياسية.

وأشار إلى أن هذه الزيارة تحصل على وقع حملة تقودها البطريركية المارونية في لبنان، لإيقاف جنوح "حزب الله" نحو الزجّ بالنفس اللبنانية في الصراعات الإقليمية خدمةً لمحاور إقليمية، مشدّداً على أن باريس تتلقّف النداء التاريخي والمفصلي للبطريرك الراعي، وأن لودريان سيناقش طرح حياد لبنان بشكل مكثّف مع الفرقاء في البلاد.

المزيد من متابعات