Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أعين المصورين ترى في العزلة ما لا نراه

لقطات تقبض على الفرح والحزن معاً

ملامح من التراث الشعبي في جنوب السعودية (باسم حملي)

للكاميرا ذاكرة متناقضة، فإلى جانب إشباعها رغبة البشر في أن يكونوا مرئيين في عوالم وأزمنة ربما لن يصلوا إليها، فإنها سلاح يمكن أن يحجب الحقيقة، أو ينقلها مبتورة، غير أن عالم التصوير الفوتوغرافي لا يمكن اختزاله في هذه الممارسات، فهو مليء بـ"الأعين الفريدة"، التي ترى العالم بطريقتها المختلفة، خصوصاً خلال أزمة فيروس كورونا، وإنْ عانى المصورون من تهميش مؤسساتي أو صورة نمطية خاطئة، فإن أعمالهم تُلهم الجميع بصمت رغم غيابهم عن إطار اللحظة والمكان.

"كورونا صقل مفهومي للصورة"

يقول المصور محمد اليوسي إن المصور إنسان يحسن التأمل، ويبحث عن مواطن الحس العميق في ما حوله، ويبدي سعادته في أن حظر التجول منحه وقتاً ليستغرق في فهم الظروف الحالية، التي لم يتعوّد عليها كشخص يقضي معظم وقته خارج منزله، لافتاً النظر إلى إيجاده البهجة في تقليب صوره القديمة، والهرب إلى الطبيعة خلال الساعات القليلة التي يُسمح فيها بالتجوّل، في قريته جنوبي السعودية، حيث تنتعش الأرض وتعيد ترتيب نفسها في عزلة كانت هي الرابح الأكبر فيها.

ويتابع "كورونا غيّر نظرتي للحياة، بداية بإعادة التفكير في كيفية قضاء الوقت، وصولاً إلى تقدير الأشياء المهملة التي حالت الحياة الاجتماعية الصاخبة دون الاهتمام بها، وبالتالي صار مفهومي للصورة ورسالتها أكثر عمقاً ووضوحاً"، مضيفاً أنه عندما يتأمل في أعماله، لا يصنف أجملها أو أقربها لقلبه، إذ لكل واحدة حكاية - على حدّ تعبيره- وفي الفن قد يكون الألم أقرب، والحزن أجمل.

 

 

بحثاً عن الغرابة

من جانبه، انقطع المصور السعودي باسم الحملي عن التصوير الخارجي، بسبب العزلة الخانقة التي فرضها فيروس كورونا، لكنه استثمر وقته في اكتساب معارف جديدة، ومواصلة العمل على مشروع تلوين الصور التاريخية التي وثّقها الرحالة القدامى، لدى زيارتهم مسقط رأسه، منطقة جازان جنوبي السعودية، ويقول إن الحجر المنزلي منحه فرصة للاطلاع على العديد من الأعمال للتغذية البصرية، ومراجعة الأرشيف بتروٍ وهدوء، والتدرب على أساليب جديدة في فنون تعديل الصور ببرامج التحرير وتطبيقها على اللقطات السابقة.

ويصف عيني المصور بأنها باحثة عن الغرابة والندرة في كل ما حولها، وتميل إلى تخطيط التكوينات الفوتوغرافية المناسبة للمشهد ورسمها، مستبعداً أن تختلف طرق التصوير التي اعتاد عليها قبل العزل عن بعده، ويعتبر توثيق حياة الفقر والحاجة من أصعب اللحظات في مسيرته، مستشهداً برحلته الفوتوغرافية إلى نيبال، حيث وثّق الوضع المتردي الذي تعيشه المدارس، وسط افتقارها لأبسط الوسائل التعليمية، مثل الأقلام والأوراق، فضلاً عن تداعي جدران الفصول بسبب الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد عام 2015.

 

من التيبت إلى كشمير

ويقول المصور حسن اليماني، أحد العاملين بالقطاع الصحي، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، إن تجربته الشخصية مع العزل كانت صعبة بسبب اعتياده على السفر والترحال لإشباع شغفه بالتصوير، ويتابع "كنت أخطط لزيارة الصين، وتحديداً منطقة التيبت، وكنت حينها بدأت في الإجراءات والحجوزات، لكن بعد انتشار الفيروس في الصين، قررت تغيير الوجهة لجبال كشمير في باكستان، من أجل اكتشاف المناطق الجبلية، وحياة الناس، لكن تفشي الوباء عالمياً أدى إلى تأجيل كل الخطط".

وعما إذا كانت طريقته في التصوير ستكون مختلفة بعد العزل والإجراءات الجديدة، فيقول إنها بالتأكيد معرضة للتبدل، لا سيما مع التباعد الاجتماعي، إذ إن المصور يحتاج لأن يكون قريباً من الناس، وأحياناً مصافحتهم لبثّ الراحة والاطمئنان في قلوبهم لتظهر الملامح وتعابير الوجه بشكل طبيعي، لكن هناك بعض البدائل لو أردنا التقريب عن طريق استخدام عدسات "الزوم".

العين الثالثة تجلب المخاطر

ويعتقد اليماني أن المصور يملك عيناً ثالثة، وهي الكاميرا، وما يميّز المصور المتمرس عن غيره، ليس فقط عدته باهظة الثمن، وإنما القصة التي ينقلها خلف صوره، مضيفاً أن "باستطاعة أي أحد التقاط صورة، لكن ليس كل شخص قادراً على جعلها ملفتة للأنظار، الصورة عبارة عن لحظة من الزمن خلفها قصص تستحق السرد".

ويشير إلى أنه لم يجد متسعاً من الوقت للتصوير خلال الأشهر الماضية، بسبب ظروف عمله كممارس صحي يقضي 12 ساعة مع زملائه لدعم جهود السيطرة على الوباء، غير أنه روى حكايات عدة أثناء سفره لأكثر من 23 دولة، ويقول إن بعضها زرعت داخله عشق موهبة التصوير، في ما دفعته أخرى إلى كراهية حمل الكاميرا في كل مكان.

ولا يزال يتذكّر بمرارة، رحلته مع آخرين إلى جبال الهيمالايا بالنيبال، من أجل الوصول لإحدى القرى الجبلية سالكين طريقاً وعراً، قبل أن يترجّلوا من السيارة، ويواصلوا مشياً على الأقدام، ليسقط حينها من منحدر مرتفع، في حادثة أصيب على إثرها بإصابات عدة، وتضرّرت عدته، لكنهم لم يستسلموا وأكملوا طريقهم.

ويتابع "بعد التصوير في مدرسة القرية، تبرعنا بمستلزمات دراسية للأطفال، ومارسوا للاحتفاء بنا طقوساً دينية تسمى (طقوس الاحترام). أما عن اللحظات المحزنة، فهو شعور الندم بعد اقتحام الحياة الخاصة للأسر، التي توافق على التصوير مقابل مبلغ مادي، بسبب وضعهم المعيشي الصعب". ومن ناحية أخرى، يلفت اليماني النظر إلى مواقف لا يستطيع توثيقها، لأنه يفضّل الاستمتاع بمعايشتها من دون عدسة تفصله عن الواقع، وتضيّق الرؤية.

 

فن التفتيش في الوجوه

من جانبه، يعـشق المصور سالم العريبي، تصوير كبار السن وملامحهم وتجاعيدهم، التي تجسد، على حد تعبيره، ماضياً من المعاناة والتضحية والإخلاص، بالإضافة إلى اهتمامه بتوثيق حياة الأسر ومعاناتهم، ويقول إنه بدأ التصوير عام 2015، حين اقتنى أول كاميرا في مسيرته من نوع "نيكون"، ويؤمن بأن اللقطات العفوية أكثر وقعاً على المشاهد، لكنه لا ينفي أن كثيراً من الصور مصطنع، حيث يجهّز المصور المكان، ويطلب من الأشخاص الوقوف في وضعية محددة، أو ارتداء ملابس معينة، للخروج بلقطة مشبعة بالألوان.

ويشدد على المصور، عدم نشر جميع أعماله عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يستطيع نشرها في المسابقات الدولية، أو بيعها بشكل حصري لجهات حكومية وخاصة، ويضيف أن أسعد اللحظات في مسيرته، حينما نشرت مجلة (ناشيونال جيوغرافيك) أحد أعماله، وأخيراً، وزارة الخارجية السعودية.

ولا يخفي وجود بعض العقبات الثقافية التي تتمثل في "بعض المحبطين" الذين يحرّمون التصوير، أو ينقصون من أهميته، غير أن هؤلاء أصبحوا لاحقاً يقبلون عليهم، وصار المصور عنصراً وركيزة في المناسبات الاجتماعية، ومن منغصات عالم التصوير، التعدي على حقوق الملكية، حيث سهّلت مواقع التواصل نشر الصور من دون الإشارة إلى صاحبها، وأخيراً يميل بعض الفنانين التشكيليين إلى رسم لوحاتهم مستلهمين إبداعات المصورين، الذين غالباً لا يجدون إشكالاً في ذلك، لكنهم يطالبون بالاستئذان، قبل البدء في الرسم.

ويأمل العريبي من الجهات المعنية في بلاده الالتفات إلى المصورين السعوديين، حيث إن بعضهم صارت أعمالهم متداولة عالمياً، داعياً إلى إيجاد رحلات وبعثات، حتى يستطيعوا نقل تقاليد الشعوب والثقافات للمشاهد العربي، لافتاً إلى دور الأزمات في إلهام المصور، حيث حاز كثير من المصورين الدوليين شهرة عالية، بعد توثيقهم واقع الحروب، لصالح صحف ووكالات عالمية.

المزيد من ثقافة