من المعروف أنّ كتاباً وباحثين عرباً هم الآن في صدد الشروع في وضع كتب عن جائحة كورونا التي فاجأت العالم أجمع وأحدثت شرخاً في الحضارة الحديثة والمعاصرة، ومن حيث المبدأ ستعدد حقول الكتابة عن كورونا بين أدب اليوميات والسرد والإبداع عموماً، والتحليل السوسيولوجي والعلمي والنفسي. وصدر حديثا كتاب قد يكون الأول في حقل أدبيات كورونا عنوانه "كورونا والخطاب: مقدمات ويوميات" للباحث المغربي أحمد شراك. هنا قراءة في الكتاب.
يمثل الباحث والأستاذ الجامعي أحمد شراك، الحاصل على جائزة المغرب للكتاب عن كتابه "سوسيولوجيا الربيع العربي"، أحد الباحثين الذين انشغلوا بالدرس السوسيولوجي وراكم في هذا الصدد العديد من المؤلفات البحثية المقتدرة، التي تتناول قضايا مُرتبطة بالقراءة والمسألة الثقافية والنسائية، توّجها ببعض الإصدارات المهمة من قبيل "الخطاب النسائي في المغرب، نموذج فاطمة المرنيسي"، "السوسيولوجيا المغربية"، "الثقافة والسياسة"، "مسالك القراءة، مدخل إلى سوسيولوجيا الكتابة والنشر"، إضافة إلى كتب أخرى في مجال النقد الأدبي، تتصل بالكتابة الشعرية والنقدية عند كل من أحمد مفدي وحسن المنيعي وغيرها من البحوث التي نرى فيها منهجياً التأثير الواضح للأدب في نظام البحث السوسيولوجي. في كتابه الجديد "كورونا والخطاب: مقدمات ويوميات" (2020)، الصادر حديثاً ضمن منشورات مؤسسة مقاربات في فاس بالمغرب، يُطالعنا سوء هذا التأثير، الذي قد يجعل من طبيعة البحث السوسيولوجي تبدو وكأنها كتابة أدبية خالية من التحليل الأكاديمي والمعرفي وتتجه صوب كتابة يوميات حول أزمة كورونا في علاقتها بالتعليم والثقافة والتضامن والقراءة والإبداع والاحتجاج والمثقف والحجر الثقافي وغيرها من الموضوعات المُفيدة، التي كان من المُمكن أن تتم تزكيتها بمصادر مهمة عوض الاكتفاء بالملاحظة والوصف لما يروج داخل شبكات التواصل الاجتماعي، بالطريقة التي جعلت الكتاب، يبدو في طرائق تشكله مجرد يوميات في غياب كليّ للسوسيولوجيا، التي قد نجد هسيسها أحياناً داخل بعض فقرات الكتاب، ولكن سرعان ما يختفي وهجها لصالح الكتابة التقريرية، التي اتخذت شكل اليوميات.
على الرغم من ضعف منهجية الكتاب وقوته المعرفية للتفكير في يوميات كورونا سوسيولوجياً، كما عودنا الباحث أحمد شراك في كتبه السابقة، جعلنا ذلك نطرح سؤالاً بديهياً حول ما إذا كانت هنالك إمكانية دراسة أوتحليل أزمة كورونا وتأثيرها على الإعلام والاقتصاد والسياسة والثقافة والبنيات الاجتماعية والتعليم عن بعد والصحة، في الوقت الذي لم تنته فيه الجائحة بعد. وهل يجوز علمياً التفكير سوسيولوجياً في طبيعة هذا الحدث واعتباره مجرد ظاهرة مثل الظواهر الأخرى التي ينبغي دراستها و"تفكيك" واقعها وتأثيرها على طبيعة الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية داخل المغرب، أم أننا في حاجة ماسة إلى التريث في إطلاق الأحكام تجاه فيروس، لم تعرف منظمة الصحة العالمية نفسها بعد طبيعته وأشكاله وكيفيات انتقاله من شخص إلى آخر؟
صيغة غير مألوفة
كل هذا جعل عدداً من المثقفين المغاربة يسجلون مجموعة ملاحظات على صفحات التواصل الاجتماعي عن "تسرع" أحمد شراك في كتابه هذا وإخراجه بهذه الصيغة غير المألوفة، التي لم يعودنا عليها من قبل. لكن أعتقد أننا إذا صوبنا الرؤية قليلاً تجاه مضمون الكتاب، واقتصرنا على أن طبيعة الكتاب، هي يوميات كاتب أو باحث متأمل في زمن الحجر، لتقبلنا طبيعة البحث في كونه يمثل شهادة حقيقية عن مصير الفرد داخل اللحظات الأليمة التي يمر منها، بوصفها على حد تعبيره "تأملات، أملاها توالي أيام هذه الإقامة الجبرية. يوميات تتخذ طابع الشمولية والعموم، بدون تفاصيل لما يضغط به الحدث في الانكتاب" وليس كتاباً "يزاوج بين السؤال الفلسفي والتأمل الفكري في ارتباط مع الخطاب اليومي من أجل تشخيص عصر كورونا، بل واستشراف المستقبل عبر هذه المقدمات أو المفاتيح لقضايا كبرى وصغرى" كما يقول في موضع آخر من مقدمة الكتاب.
منذ بداية الكتاب نشعر بنوع من الارتباك، الذي يخالج الباحث في طبيعة مُنجزه، بين البحث السوسيولوجي وكتابة اليوميات، أما من حيث مضامينه فقد أصاب أحمد شراك في اختيارها والتقاط تفاصيل صغيرة من يوميات الشأن الثقافي والسياسي داخل المغرب مع محاولة فهم وتقييم الوضع على مستوى الخطاب من ناحية ربط الأحداث التي تطال البلد الآن، بأحداث سابقة مُرتبطة بالربيع العربي وتجلياته داخل بعض البلدان العربية الأخرى. وهو ربط يبدو غير صائب، أولا لأن طبيعة الحدث (أزمة كورونا) تختلف اختلافاً شديداً عن أي حدث سابق، جعل العديد من الدول الغربية تتسلح لمواجهة هذا العدو غير المرئي وتعتبره أخطر حدث شهدته البشرية منذ الحرب العالمية الثانية. وثانياً لأن انعكاسه على الخطاب اليومي وخروج الناس لمواجهته، ليس بسبب التمرّد على الأنظمة الاستبدادية والقمعية، كما هو شأن في الربيع العربي، بقدرما ارتبط الأمر بمفهوم الخوف من الموت، الذي يجعل الناس تتنصل من أيديولوجياتها وانتماءاتها السياسية ومواقفها لتفتح صدرها للتعاون بين مختلف المثقفين وجمعيات المجتمع المدني والأطباء والمعلمين.
وبالتالي فإن الكتاب لا يُمكن أن نعتبره أكثر من يوميات مثقف يعيش حجراً صحياً ويرقب عن كثب ما يرج في الجسد المغربي سياسياً وثقافياً واجتماعياً، أو مقدمة لبلورة أفكار تصلح لدراسة سوسيولوجية في موضوع أزمة كورونا وتأثيرها في نمط الحياة السياسية من خلال نموذج المغرب ومدى تفاعله مع هذه الأزمة، باعتبار أن السياسة هي من توجه البلد، وليس المثقف كما هو الشأن في دول أخرى.