Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ظاهرة العمل من المنزل تغير وجه الاقتصاد العالمي

عززها كورونا لكنها تبدل علاقة الناس بأمكنة العمل والعيش

دفع كورونا ظاهرة العمل من المنزل صعوداً، لكنه يهدد بهبوط علاقة الناس مع العيش في المدن (أ.ب.)

العالم يعود تدريجاً وببطء إلى العمل – واللعب، مع أن الأزمة لم تنتهِ بعد وما زالت التوقعات تنذر بأرقام اقتصادية مريعة للأشهر المقبلة وبموسم صيفي لا تحمد عقباه. لكن المياه ستعود إلى مجاريها في نهاية المطاف، ومتى عادت، سنتمكّن من إلقاء نظرة خاطفة على ما سيكون عليه واقع الأمور مستقبلاً: كيف سنعيش وننفق بطريقة مختلفة وكيف سنعمل ونكسب الرزق بطريقة مختلفة.

دعونا نتكلم أولاً عن الإنفاق. صدرت عن شركة "ليغيل أند جنرال" (Legal & General) البريطانية للتأمين بيانات جديدة تسلّط الضوء على عادات الإنفاق اليومية للبريطانيين خلال شهر مايو (أيار) مقارنةً بالأشهر الماضية. وكما تتوقّعون، فقد تراجع الإنفاق العام بشكل مهول وصولاً إلى حدّ الـ30 في المئة. لكن ضمن هذه النسبة، لاحظت الشركة ارتفاع معدل الإنفاق في المنازل أو عليه: البقالة والمشروبات الكحولية ووسائل التسلية والترفيه والهوايات والحرف اليدوية، بواقع 5 في المئة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: إلى أي مدى ستتغيّر عاداتنا في الأجل الطويل؟ قد تبدو الإجابة النهائية عن هذا السؤال غير معروفة بعد، لكن باستطاعة كل واحدٍ منّا أن يحدّد موقعه ويكوّن رأيه الخاص في هذا الصدد. وإذا ما تعمّقنا جيداً في استطلاع "ليغيل أند جنرال"، فسنجد أن 69 في المئة من البريطانيين ينوون تخصيص المزيد من وقتهم لطهي الأطباق والمأكولات في بيوتهم.

وهذا الأمر يتناسب جداً مع خدمة الطهي المنزلي التي تنادي بها شركة "بلو أبرون" (Blue Apron) الأميركية وتحرص من خلالها على توصيل مكوّنات وجبات الأفراد الأسبوعية مع تعليمات مفصلة عن طريقة تحضير كل وجبة، إلى المنازل. ولعلمكم، فإن الشركة التي كانت على حافة الإفلاس قبل تفشّي جائحة كورونا، استعادت قيمة أسهمها وها هي تعكف اليوم على ضمّ موظفين جدد إلى صفوفها.

وأيضاً حسب استطلاع "ليغيل أند جنرال"، يزمع البريطانيون اللجوء أكثر فأكثر إلى المتاجر المحلية. ومع أن الفرق واضح بين ما يقوله الناس وما يطبّقونه على أرض الواقع، الاحتمال كبير أن تلازمنا التغيّرات التي طرأت على عاداتنا وحياتنا الاجتماعية في الأسابيع القليلة الماضية. وبما أن بعض القطاعات الاقتصادية قد يستغرق أشهراً طويلة ليستعيد حركته الطبيعية المعتادة – مع التوقعات بموسم صيفي خاسر للسياحة الأوروبية – سيكون أمامنا الوقت الكافي لنعتاد على القيام بالأمور على نحو مختلف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أعتقد أن الاستهلاك في أكثر الاقتصادات تقدّماً، وفي طليعتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، سيستمر منخفضاً بنسبة 5 في المئة الصيف المقبل، مقارنةً بما كان عليه صيف 2019، والأرجح أن لا يعود إلى مستوى الذروة الذي حقّقه العام الفائت قبل 2022. أما النفقات المنزلية، فستظلّ مرتفعة نسبياً على امتداد العام المقبل. بكلام آخر، ستفرض بعض التغيّرات الاجتماعية نفسها على طريقة إنفاقنا للمرحلة المقبلة.

ماذا عن كسب الرزق؟ الحقيقة أن معلوماتنا في هذا الإطار خجولة جداً وتكاد تقتصر على التغيير المعيشي الكبير والمتمثّل في ارتفاع أعداد العاملين من منازلهم. وهنا يمكننا الاستعانة بما جاء على لسان كارول وونغ من شركة العقارات التجارية "كوشمان أند وايكفيلد" (Cushman & Wakefield) لقناة "سي اِن بي سي": "لن يذهب المكتب إلى أي مكان، كل ما في الأمر أن الحاجة إلى الحيّز المكتبي قد تضاءلت. فالناس سيحتاجون دوماً إلى فضاء مادي يلمّ شملهم ويتقابلون فيه وجهاً لوجه".  

برأيي، ما تقوله وونغ صحيح. ستمسي المكاتب أقرب إلى الأماكن الاجتماعية من أماكن التشغيل. لكن – وهذا أمر مهم – تقلّص الحاجة إلى الحيّز المكتبي سيترك أثراً عميقاً في مراكز المدن حول العالم. لنفترض على سبيل التخمين أن العالم سيحتاج إلى مساحة مكتبية أقل بـ10 في المئة، ما الذي سيحصل حينها للأبراج البراقة في المراكز المدنية؟ ماذا لو كانت أقل بـ20 في المئة؟ أو أكثر؟

نعم، من الممكن جداً تحويل بعض المكاتب إلى مساحات معيشية. فمثل هذا الأمر حصل ويحصل في العالم منذ عقود، ومقر صحيفة "اندبندنت" الرئيس في سيتي رود في لندن هو واحد من المساحات المكتبية التي تحوّلت إلى شقق سكنية في تسعينيات القرن الماضي. لكن مع انتفاء حاجة الناس للذهاب إلى مكاتبهم كل يوم، الأرجح أن يختاروا العيش بعيداً من وسط المدن. ولو اختار الأثرياء بدورهم تمضية المزيد من الوقت في منازلهم الريفية، فقد يتسبّبون بتدهور المراكز المدنية الكبرى. وعندها، سيكون مصير المباني السكنية التي تُشيَّد اليوم في مانهاتن وترمز إلى الثراء الفاحش والسلطة، كمصير أبراج بولونيا التجارية في القرون الوسطى. وفي حال أراد الناس مساحات إضافية، فستكون التجمعات مترامية الأطراف، على غرار لوس أنجليس أو ميامي/ حصن لوديرديل أكثر قدرةً على تلبية متطلباتهم الجديدة من التجمعات الكثيفة، مثال نيويورك/ جيرسي سيتي أو باريس.

في الوقت الحاضر، لا يسعنا سوى أن نفترض ونخمّن هذه التغيرات الاجتماعية والاقتصادية. من المحتمل أن تستعيد الحياة الحضرية زخمها بعد افتتاح المسارح والمطاعم أبوابها من جديد. ومن المحتمل أن تصبح المكاتب الاحتياطية مساحات معيشية فاخرة. ومن المحتمل أيضاً أن تنفض مدننا الكبرى غبار الأزمة عنها وتستعيد عافيتها كما فعلت سابقاً في ظروف مماثلة. لكن الأكيد أننا سنحتاج مستقبلاً إلى مساحات مكتبية أقل ومساحات سكنية أكبر. وربما لن يكون هذا أمراً سيئاً!

 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء