Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبح فيلم "تصادم" العنصري والمبتذل يطارد هوليوود منذ 15 عاماً

حان الوقت لانتقاد الفيلم الحائز على جائزة الأوسكار، بسبب تناوله العلاقات العرقية بطريقة ناشزة

حشد وجوه ببشرات ملونة لم يضمن لشريط "كراش" مناهضة العنصرية (الموسوعة البريطانية)

يمرّ الزمن بتثاقل لدرجة يبدو فيها أن فيلم "طفيلي" ("بارازايت") قد فاز بأوسكار أفضل فيلم منذ سنوات. بالنسبة إلى كثيرين من عشاق السينما، شكّل ذلك الفيلم أول وآخر شيء جيد يحدث في 2020. في صناعة تقاوم التغيير بشدّة، من سيستثمر أمواله في فيلم يهجو الرأسمالية باللغة الكورية؟ كذلك لم تمنح "أكاديمية علوم السينما وفنونها" هذه الجائزة إلى فيلم مترجم قبل "بارازايت". بدا انتصاره كمعجزة صغيرة. إلى جانب فوز شريط "ضوء القمر" ("مونلايت") بجائزة مسابقة الأوسكار 2017 (تجاهلوا تلك الدقائق الثلاث التي أعلن فيها خطأ فوز "لا لا لاند" بجائزة أفضل فيلم)، شكّل ذلك إشارة إلى أن كل جهود الأكاديمية لتوسيع العضوية فيها وجعلها متنوعة، قد بدأت تؤتي ثمارها بالفعل.

باستثناء مشكلة تحدث بشكل متكرّر. في الفترة الفاصلة بين نجاح شريطي "ضوء القمر" و"طفيلي"، ارتأت الأكاديمية أنه من الصواب مكافأة فيلم "كتاب أخضر" ("غرين بوك") الذي يشكّل عملاً مبتذلاً حول رجل عنصري يتعلّم كيف يصبح أقل عنصرية بقليل. بدا ذلك أشبه بما حدث في 1990، عندما سلّمت الأكاديمية الجائزة إلى "توصيل الآنسة ديزي" ("درايفينغ ميس ديزي")، وذلك فيلم سخيف آخر حول امرأة عنصرية تعلّمت كيف تصبح أقل عنصرية بقليل. لم يكن بمقدور الأكاديمية أن تتخلّى ببساطة عن العادات القديمة المتمثّلة في الثناء على أفلام يصنعها أشخاص بيض من أجل إرضاء الجماهير البيضاء عبر تقليل المدى الحقيقي للعنصرية. ولا يوجد عمل آخر في تاريخها تفوق فظاعته من هذه الناحية شريط "تصادم" ("كراش")، ذلك أنه فيلم ناشز بكل ما للكلمة من معنى، ويعجّ بالشخصيات، وعاطفي بطريقة مثيرة للاشمئزاز. وصادف هذا الأسبوع مرور15 عاماً على إصداره، وقد ظفر بأوسكار أفضل فيلم في مسابقة 2006، متغلّباً على أفلام "كابوتي" و"ليلة سعيدة وحظاً سعيدا"ً ("غودنايت آند غود لاك") و"ميونيخ"، إضافةً إلى وذلك أمر أشدّ إثارة للغضب، تفوّقه على شريط "جبل بروكباك" ("بروكباك ماونتن").

يتبنّى فيلم "تصادم" أسلوب السرد المفكّك الذي شكّل أحد الاتجاهات الرئيسة في أوائل الألفية الثالثة، في متابعته مجموعة كبيرة من الشخصيات التي لا مفرّ من ارتباطها ببعضها بعضاً بسبب شبح العنصرية الغامض، إذ يتعرّض ريك (الممثل برندان فريزر)، وهو نائب عام محلي، وزوجته جين (ساندرا بولوك) لسرقة سيارتهما. ثم ينطلق الجانيان، أنتوني (لوداكريس) وپيت (لارينز تيت)، بالسيارة المسروقة من نوع "لينكولن نافيغايتر"، ويصدمان في نهاية المطاف رجلاً كورياً. وأثناء البحث عن سيارة الدفع الرباعي المسروقة تلك، يوقف الرقيب جون ريان (مات ديلون) زوجين ثريين من ذوي البشرة السوداء هما كاميرون (تيرينس هاورد) وكريستين (ثاندي نيوتن)، على الرغم من أنه يعلم أنهما لم يقودا السيارة المطلوبة. ويعمد الرقيب "جون" إلى مضايقة كريستين ويتحرش بها جنسياً. في حين ينظر توم (رايان فيليپ)، شريك جون، إلى ما يحدث بذهول لكنه لا يفعل شيئاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تتجنّب طريقة تناول الفيلم العنصرية الحديثة، كل ما قد يجعل جمهوره يشعر بعدم الارتياح أو لا سمح الله، بالتواطئ، إذ لا يمكن التواصل والتماهي مع شخصيات فيلم "تصادم"، فتشبه تلك الشخصيات دمىً مرتخية، وُضعت ضمن سيناريوهات أخلاقية مختلفة، محاطةً بكل الأجواء الخرقاء التي تسود البرامج التلفزيونية التي تُعرض بعد انتهاء الدوام المدرسي. النجمان الوحيدان القادران على تقديم شيء شبه حقيقي هما دون تشيدل ومايكل بينا، اللذان يؤديان شخصيتي المحقق غراهام ووترز وصانع الأقفال دانيال، ويبثّ كلاهما نوعاً من الضجر في عالم الإدراك الذاتي.

ما عدا ذلك، لم تكن الدقّة والذكاء من نقاط القوة في ذلك العمل. في عالم  شريط "تصادم"، لا يمكنك حتى أن تتناول القهوة في الصباح من دون أن ينتهي بك الأمر في مواجهة يلفّها الغموض مع شخص غريب بالكامل، وبطريقة ما، تتحوّل المحادثات كلها إلى مجرد مبارزة في الصراخ حول موضوع العرق.

الفيلم عبارة عن مباراة تنس من صور نمطية متعصّبة على نطاق واسع، إذ يبدو الآسيويون كلهم فاشلين في قيادة السيارات، وكل شخص آت من الشرق الأوسط هو إرهابي، والأشخاص السود هم مجرمون. وينعدم الاعتراف بكيفية عمل الاعتداءات المصغّرة اليومية والعنصرية الممنهجة، على تشكيل حياة الناس. كذلك لا يتطرّق الفيلم أيضاً إلى الطريقة التي تتقاطع فيها عوامل العرق والطبقة الاجتماعية والهوية الجنسية. ما الذي يجعل جون يستهدف النساء السوداوات على وجه التحديد؟ لا يكترث فيلم "تصادم" بمعرفة الإجابات.

في ذلك السياق، يعمل فيلما "كتاب أخضر" و"توصيل الآنسة ديزي" على تخفيف الشعور بالذنب لدى العرق الأبيض عبر الإشارة إلى إمكانية علاج العنصرية بطريقة سحرية من خلال رحلات قليلة بالسيارة. (يتعامل الفيلمان كلاهما مع الانقسامات العرقية بين السائق والراكب، على الرغم من أن عرق الشخصيتين معكوس في الفيلمين). في المقابل، ليست هناك حاجة في "تصادم" إلى تفكيك تفوّق العرق الأبيض بغية إنهاء العنصرية. ولا يحتاج الجميع سوى إلى التخلّي عن غضبهم والتقدّم للحصول على عناق طويل بين أشخاص من ثقافات متنوعة. يفتتح غراهام الفيلم بعبارة "في لوس أنجليس لا يلمسك أحد". ينطق تلك العبارة أثناء النظر من النافذة، لكن نظراته في الحقيقة مثبتة على عدسة الكاميرا. ويتابع، "أعتقد أننا نفتقد إلى ذلك اللمس كثيراً، لدرجة أننا نتصادم مع بعضنا حتى نشعر بشيء ما". تكتشف "جين" أن الروح الوحيدة التي يمكنها الاعتماد عليها في حياتها تتمثّل في خادمتها المكسيكية التي ترمي نفسها بعد ذلك في حضنها للحصول على عناق يائس.

في ذلك الصدد، ادّعى مخرج فيلم "تصادم" بول هاغيس بأن الشريط "قصة متخيّلة". وأورد أنه أراد إطلاق العنان لمجموعة كبيرة من الصور النمطية، ثم "البدء بتحريك المشاهدين دائريّاً في مقاعدهم، كي يتركهم يدورون في أماكنهم". لكن، لا يوجد تحليل للأمور في ذلك الشريط. في الواقع، يعمل الفيلم على أمر معاكس، إذ يقدّم أنتوني وبيتر في المرّة الأولى، أثناء مغادرتهما مطعماً إيطالياً فاخراً. ويتباهى أنتوني، "نحن الشخصان الأسودان الوحيدان المحاطان ببحر من الأشخاص البيض الذين يعانون من الإفراط في تناول الكافيين وشرطة لوس أنجليس السعيدة بإطلاق النار في كل لحظة... لماذا نحن لسنا خائفين؟". فكانت إجابة پيتر حقيقة واقعة، "لأننا نمتلك أسلحة؟". وقبل أن نتعرّف على الإجابة، يسرقان سيارة ريك وجين. ويغصّ "تصادم" باستفزازات فارغة مقلقة من هذا القبيل. وكذلك يحقق غراهام في قضية تبدو واضحة في كونها جريمة قتل بدوافع عنصرية ارتكبها شرطي أبيض... ثم يتّضح أن الأمر ليس كذلك.

في تسلسل الأحداث الأكثر إزعاجاً في ذلك الشريط، يحضر جون لإنقاذ كريستين التي كانت طرفاً في حادث تصادم وباتت عالقة في سيارتها، ولا تفصلها سوى لحظات عن الاحتراق في كرة نارية عملاقة. يصوّر هذا الموقف على أنه كفّارة جون العظيمة لفعلته التي ارتكبها في حق كريستين. لم تُمنح كريستين الفرصة أبداً لقبول فعلته، لكنها تفعل ذلك ضمنياً في مشهد نُفّذ بحركة بطيئة يتبادل الاثنان فيها نظرة ذات أهمية كونية عظيمة. يُفترض بنا فهم أن هؤلاء الأشخاص قد تغيّروا بشكل عميق الآن. لكن إظهار شرطي عنصري ومسيء للنساء في عمله، موقفاً شجاعاً واحداً، لا يجعله تلقائياً يتوقّف عن كونه شرطياً عنصرياً مسيئاً للنساء. ليست تلك آلية التسامح. كذلك يثير الانزعاج مدى تأطير هذا المشهد، بل يزيد الطين بلة إذا نظرنا إليه في ضوء حقيقة أن المخرج هاغيس قد واجه منذ ذلك الحين اتّهامات عدّة بشأن اعتداءات جنسية وسوء السلوك.

واستطراداً، وعبر تقديم العنصرية بوصفها ليست أكثر من معضلة شخصية تحتاج إلى حل، يُبرّئ "تصادم" جمهوره الأبيض من كل شعور بالمسؤولية الجماعية. لقد وُجد ذلك الشريط من أجل طمأنتهم. وبُنيت قصته على حادثة من حياة هاغيس الخاصة، إذ سُرقت سيارته منه عندما كان في طريق عودته إلى المنزل بعد مشاهدة فيلم "صمت الحملان" ("سايلنس أوف ذا لامبز"). وبعد عقد من الزمان، قرّر أن يتخيّل حياة الرجال الذين كانوا وراء الجريمة، لكنه انتهى بأطروحة حول ذنب العرق الأبيض. يثبت توم أنه ليس ذلك الحليف الذي قدم نفسه به. وتختتم شانيكا (لوريتا ديفاين) التي تشكّل هدفاً آخر لتحرّشات جون، الشريط صارخة بالكلمات التالية، "لا تتحدث إليّ إلّا إذا كنت تتكلّم الأميركية!". بدا ذلك شبيهاً بمقطع تنصّ كلماته على أن "الجميع عنصريون قليلاً" في مسرحية "أفنيو كيو" الغنائية، لكنه قُدّم من دون تلميح إلى وجود مفارقة. لا أحد هنا بريء حقاً، لذلك لا يجب إلقاء اللوم على أحد بعينه.

 

من الناحية الفنية، بدا شريط "تصادم" الأضعف في سباق الأوسكار 2006. وكلّف تصويره مبلغاً ضئيلاً لامس الـ7 ملايين دولار، وتردّد أن بعض الممثلين تلقّوا أجوراً مخفضة جداً. وتوسّل هاغيس إلى شركة "ليونزغايت" كي لا تطلق حملة ترشّح الفيلم للأوسكار، إذ بدا شريطاً صغيراً بالتأكيد وسينجرف على الفور. في المقابل، تجاهل الاستوديو المنتج طلب المخرج. وأرسل 130 ألف نسخة من الفيلم على أقراص مدمجة ("دي في دي") إلى المصوّتين في الأكاديمية، وغالباً إلى الممثلين. وبدأ الزخم يتراكم. عندما فشل "جبل بروكباك" المرشح الأول للفوز حينها في الحصول على ترشيح لأفضل مونتاج، وذلك شرط أساسي للفوز بجائزة أفضل فيلم، وصل السباق إلى نهايته إلى حدّ كبير.

من المحتمل أن رهاب المثلية لعب دوراً كبيراً في هزيمة شريط "جبل بروكباك" في نهاية المطاف. ادّعت كاتبة الفيلم ديانا أوسانا في 2015 بأنّ "الذكور البيض كبار السن في الأكاديمية كانت لديهم مشكلة مع الفيلم"، لا شك في ذلك، لأنه تحدّى التماثل بين الجنسين في هوليوود. وقد رفض كل من توني كيرتس وإرنست بورغناين بشكل علني مشاهدة الفيلم. من المؤكد أنه يحصل على تقدير أفضل الآن، إذ لم يكتفِ "جبل بروكباك" بالعمل على تفكيك الصورة الأصلية الرجولية لرعاة البقر وتقديم أول علاقة رومانسية سائدة بين المثليين في السينما، لكن الطريقة التي تناول فيها المخرج آنغ لي مادة الفيلم، جاءت جميلة ومترفّقة.

في المقابل، جاءت التقييمات الأولية لفيلم "تصادم" برّاقة، فأُطلِقَ عليه توصيف "الشجاع" و"الجريء"، وأنه قد "يجعل جمهوره أناساً أفضل". شكّل ذلك خطاباً عمل النقاد البيض على صياغته إلى حدّ كبير. لقد احتاج الأمر إلى أصوات من أطراف أخرى كي يجري تشريح تعامل الفيلم الأخرق مع العنصرية. ومنذها، بدأت الرؤية تتبدّل. في 2009، صرح الكاتب تا نيهيسي كوتس من مجلة "ذي آتلانتك"، أنه "إذا كنتَ شخصاً أبيض ثم منحتَ صوتك إلى باراك أوباما لمجرد أنه شخص أسود، فمن المحتمل أنك أُعجبت بفيلم "تصادم"". وعلى نحوٍ مُشابِه، وصفت ناتاشا فارغاس كوبر من موقع "ذي أول" العمل بأنه "مساحة لذنب العرق الأبيض". يمكنك تأكيد أن "تصادم" يمثّل الأصل الذي انحدر منه شريط "أخرُج" ("غت آوت") المفضل. في 2015 ، بدا أن الأكاديمية اعترفت أخيراً بأنها ارتكبت خطأ، إذ طلبت مجلة "ذا هوليوود ريبورتر" من مئات الأعضاء في الأكاديمية أن يعيدوا التصويت على قرارات سابقة. وجاء فيلم "جبل بروكباك" في رأس القائمة.

هل تعلّم المصوّتون في جوائز الأوسكار الدرس حقاً؟ لقد اكتظّ العقد الماضي تقريباً بقصص تتحدث عن المخلّص الأبيض، كشريطَيْ "البُعد الخفي عن البصر" ("ذا بلايند سايد") و"المُساعدة" ("ذا هيلب")، وفي رصيد كل منهما جائزة أوسكار. في المقابل، كان فيلم "ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميزوري" ("ثري بيلبوردز آوتسايد إيبينغ، ميزوري") سبّاقاً في 2018. لا يزال متاحاً للجمهور الأبيض الجلوس بارتياح داخل عمل يقدم وجهة نظر بيضاء حول العنصرية، من دون أن يجري تحدّيه أو إزعاجه. قد تكون هناك فسحة للتفاؤل، لكن شبح فيلم "تصادم" لا يزال يطارد هوليوود، بصخبه المرتفع وما إلى ذلك.

© The Independent

المزيد من سينما