Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"13 يوما" مرعبا من الواقع إلى الشاشة الكبيرة

يوم أوصل سياسيو الكتلتين الكون لحافة الهاوية

مشهد من فيلم "13 يوما" عن أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962

ربما لم يعودوا كُثراً في هذا العالم ووسط ازدحامه بالأحداث والمآسي والأوبئة ولحظات الوقوف على حافة الهاوية أو على أبواب الجحيم، أولئك الذين يمكنهم، أو حتى يريدون، أن يتذكروا لحظات في التاريخ الحديث عسيرة بل مرعبة حتى ولو كانت تنتمي إلى ماضٍ قريب لا يحب أن يمضي بعد. ومن هنا تأتي السينما لتعيد تلك اللحظات إلى أذهانهم، ربما لتعطيهم درساً، أو لترفه عنهم أو ربما لتقول لهم إن الكارثة لا تزال ماثلة قد تعود في أية لحظة. أما الكارثة التي تعنينا هنا فليست وباءً ولا هي مِن فِعل الطبيعة ولا نتيجة لخطأ بشري، ولا ناجمة حتى عن عقلٍ شرير كما ترينا عشرات الأفلام المنتشرة على الشاشات الصغيرة بعد مرورها على الكبيرة.

الكارثة هنا سياسية بامتياز أوصلت العالم يومها إلى عتبة الدمار الشامل بفعل عِناد رجال سياسة كبار من النوع الذي يصمخ الآذان ليلاً ونهاراً بالحديث عن السلام والوئام بين الدول والشعوب. والحقيقة أن حسبنا أن نعود بالذاكرة عقوداً قليلة إلى الوراء، تحديداً إلى عام 1962 لنجدنا في مواجهة ما يمكن اعتباره الرعب الأكبر الذي واجه البشرية. فإن خانتنا الذاكرة أو كنتم أصغر سناً، ها هو فيلم عنوانه "13 يوماً" يأتي قبل سنوات قليلة من يومنا هذا ليذكرنا.

ليس فيلم "13 يوماً" تحفة سينمائية، ولا هو فيلم حربي أو فيلم كوارث من النوع الثقيل، ولا هو إنتاج ضخم همّه اجتذاب عشرات الملايين من المتفرجين، ناهيك بأنه ليس فيلم تحليل سياسي، أو حتى رسالة أيديولوجية. هو بالأحرى فيلم روائي أراد لنفسه أن يكون عملاً أشبه بالتدوين الوثائقي "الأمين" لما حدث في تلك الأيام الخريفية من عام 1962 موزعاً بين مكانين أساسين: البيت الأبيض، وكوبا. والحدث هو بالطبع ما يُعرف عادة بـ"أزمة الصواريخ الكوبية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من داخل البيت الأبيض

من الناحية التاريخية، وكما يجيء في الفيلم بقدر لا بأس به من الأمانة كانت البداية الحقيقية للرعب المعمّم حين قال الرئيس الأميركي جون كينيدي، "هذا هو ثمن الحرية". وذلك من على موجات الأثير في السابعة من مساء الثاني والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام، فحبس العالم أنفاسه. كان المعنى الوحيد للعبارات هو أن الحرب لا محالة واقعة، من حول قواعد الصواريخ السوفياتية المنصوبة في كوبا. وكان من الواضح أن كينيدي ينهي بهذا الإعلان حالة الترقب الشديد التي كان العالم كله يعيشها، منذ أسبوع على الأقل. ففي السادس عشر من الشهر نفسه وكما يروي لنا الفيلم منذ مشاهده الأولى، شاهد كينيدي على طاولة مكتبه في البيت الأبيض تلك الصور التي جاءت بها طائرة التجسس "يو-2" بعد تحليقها فوق الجزيرة الكوبية، وفيها تظهر بكل وضوح صواريخ "سام-2" منصوبة باتجاه الأراضي الأميركية. على الفور راحت "خلية الأزمات" في البيت الأبيض تحلل مضمون الصور لتحدد مدى الخطر الذي تتعرض له الأراضي الأميركية، حقاً، جراء ذلك.

وتوالت الاجتماعات، وراح جون كينيدي يصغي إلى جميع الآراء. كان هناك حمائم وكان ثمة صقور بالطبع، وتوالت الاقتراحات. الصقور اقترحوا قصفاً مكثفاً لقواعد الصواريخ وبطارياتها، وقال ممثل وزارة الدفاع إن في الأمر مجازفة، لأن هامش الخطأ لا يقل عن 10 في المئة، ما يعني أن الرد السريع يمكن أن يؤدي إلى تجسّد الخطر الذي يراد الاحتراز منه. صرخ واحد من الحمائم "إذن، ليس أمامنا إلا الحصار". وكان هذا هو خيار الرئيس الذي قال "سنعزل كوبا عن العالم". لكنه آثر أن يبقي قراره سرياً.

يوم 18 من الشهر نفسه بادر غروميكو، وزير الخارجية السوفياتي، إلى اتخاذ خطوات لتهدئة الموقف، لكن كينيدي كان استشار حلفاءه الذين أجمعوا على ضرورة التشدد. وكان ديغول من أصحاب هذا الرأي.

وانتشرت الأخبار وحبس العالم أنفاسه في مثل هذا اليوم، إذ بدا أن الكوبيين والسوفيات لن يتراجعوا. بسهولة أعلن كينيدي "ثمن الحرية" وحدد أنه فرض حظراً كاملاً على الفضاء والمياه الكوبيين، وبعد أربعة أيام بدأ بتطبيق الحظر، حيث أسرت بحريته السفينة "ماروكلا". وبدا واضحاً، تبعاً لما كان أعلن من مواقف سوفياتية، أن هذا التصرف معناه الحرب. وزاد حبس العالم لأنفاسه.

رسالة خروتشيف إلى كاسترو

ولكن في أثناء ذلك وحتى إن كان الفيلم يكتفي أساساً بأن يروي لنا معظم الحوادث والمواقف من داخل البيت الأبيض، بل حتى من داخل الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس تاريخياً وسياسياً ولكن بعد أن أضاف لها شخصية مستشار للرئيس هو كيني ماكدويل الذي لعب دوره كيفن كوستنر وقد ضُخّم دوره بشكل سيثير حفيظة كبار السياسيين الذين شاهدوا الفيلم لاحقاً، في أثناء ذلك كان المسؤولون السوفيات في حيرة حقيقية من أمرهم. هل يواصلون التحدي ويستجيبون له بعنف أم يتراجعون؟ نعرف أن الأمر انتهى بتراجعهم، وكانت رسالة خروتشيف إلى الأميركيين واضحة "إنني أفهم، جيداً، قلقكم وقلق الشعب الأميركي" إذن؟ سوف تفكك الصواريخ، وليكن ما يكون.

وفي الوقت نفسه، بالطبع، كان خروتشيف يوجه إلى كاسترو رسالة، تشد من عزيمة "الليدر ماكسيمو" (الزعيم الأعلى) بعد ذلك التراجع، رسالة فحواها "نحن لا نصارع لكي نموت". في الرسالة قال له "أنت تقول في الاجتماعات إنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة. بالتأكيد، الحق معك. ومعك الحق حين تتحدث عن شروطك للتفاوض مع الأميركيين، وإسقاط طائرة أميركية شمالية فوق الأراضي الكوبية عملية نافعة، طالما أنها أنجزت من دون تعقيدات. يقيناً إن الأعداء سيفسرون الأحداث على هواهم. والثورة المضادة لكوبا ستحاول بدورها أن ترفع رأسها، لكننا نعتقد أنك تسيطر تماماً على الوضع في الداخل من دون أيما حاجة إلى عوننا. إن ما تمكنا منه حتى الآن هو الحيلولة دون اعتداء عدو الخارج عليكم. لقد كان يحضّر للهجوم على كوبا، لكننا أوقفناه وجعلناه يعلن أمام الرأي العام العالمي أنه لن يقوم بذلك، في الوقت الحاضر. ونحن نعتبر هذا الأمر انتصارا كبيراً. صحيح أن الإمبرياليين سيواصلون صراعهم ضد الشيوعية، لكننا نحن أيضا لدينا مشروعاتنا وسنتخذ قراراتنا، وهذا الصراع سيستمر طالما يوجد في العالم نظامان سياسيان، وطالما أن واحدا منهما نعرف أنه النظام الشيوعي، نظامنا، سينتصر في العالم كله. أيها الرفيق فيديل كاسترو".

من الذي تراجع حقاً؟

اللافت أن هذا الجانب من الحدث لا نراه في الفيلم، بل نعلم فقط أن خروتشيف قد عرف كيف يبرر تراجعه، بالتالي يوقف سيرورة كانت ستوصل الكون إلى صراع نووي على الأرجح، غير أن المهم في الفيلم في حقيقة الأمر، ليس هذا الجانب من الموضوع، بل الجانب الآخر وهو الصراع بين الحمائم والصقود داخل البيت الأبيض، بين الذين كانوا يحاولون جرّ خروتشيف إلى الموقف الذي اتخذه والآخرين الذين كانوا يريدون للحرب أن تقع بشكل أو بآخر. والحقيقة أن هذا هو الجانب النزيه في الشريط الذي حققه رودجر دونالدسون عن كتاب للمؤرخين إرنست ماي وفيليب زيليكو.

صحيح أن الفيلم لا يذكر كيف استقبل الكوبيون هذا التراجع، فكيف استقبلوه؟ بكل بساطة، عبر تظاهرات صاخبة راحت تذرع الشوارع منددة بخروتشيف، كمثل تنديدها بـ"اليانكي" الأميركي. وراح الكوبيون خلال تلك التظاهرات يصرخون "نيكيتا نيكيتا، أن تعطي هو أن تعطي، أما أن تستعيد ما سبق أن أعطيته، فليس أكثر من سرقة".

والحقيقة أنه مهما كان من شأن الموقف الكوبي حينها، لا بد أن نذكر أن "نزاهة" الفيلم النسبية جعلت الممثل كيفين كوستنر يتوجه إلى كوبا أواسط عام 2001 ليعرض الفيلم أمام كاسترو. وتقول الحكاية إن الزعيم الكوبي قد طرب بالفيلم وصفق له طويلاً، مثنياً عليه وعلى الأخوين كينيدي اللذين "أنقذا سلام العالم" بـ"تراجهما" كما نقل عنه كوستنر!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة