Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كورونا يدفع الحلول الرقمية إلى داخل الإدارة الجزائرية

مهندس يعرض "منصة رقمية جديدة لوزارة الصحة" أمام رئيس الجمهورية

المهندس الجزائري محمد لطفي مخناش (الملتحي) مطوّر المنصة الرقمية الجديدة لوزارة الصحة (وسائل التواصل)

تابع الجزائريون باهتمام كبير صور العرض الذي قدمه المهندس الجزائري محمد لطفي مخناش أمام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون حول "المنصة الرقمية الجديدة لوزارة الصحة"، فقد اهتم الجزائريون بطبيعة هذا الإنجاز وكذلك بمخناش نفسه الذي يطلق لحية طويلة ويرتدي قميصاً أبيض حينما كان يشرح إنجازه لرئيس الدولة، في مشاهد غير معهودة ضمن خطوات باتت تتكرر بعدما مكّنت كورونا مبتكرين من إثبات أنفسهم في ظرف وجيز جداً بعيداً عن أية حسابات إيديولوجية.

وقد بدا الرئيس الجزائري سعيداً بذلك العرض الذي استمع إليه من مهندس جزائري تمكّن من وضع "منصة رقمية" لوزارة الصحة في ظرف بضعة أسابيع، فقد اكتشفت الحكومة أن هذه الوزارة التي تتابع ملف كورونا لم تكن تملك أدنى تجربة رقمية ولا أية منصة لتمكين الرأي العام من أرقام انتشار الفيروس ككثير من الوزارات الجزائرية الموروثة عن النظام السابق.

وتعهد تبون بتعميم التجربة على جميع القطاعات بعد الانتهاء من جهود الوقاية من الوباء، واعداً المبتكرين الجزائريين بـ "مستقبل واعد وجزائر جديدة" ليس فيها مكان "للوثائق الورقية كما هي الحال مع وزارة سيادية" لم يذكرها لكنه تحدث عنها بتهكم وسخرية.

المستقبل للمبتكرين

وبقدر ما شكل كورونا عنصر مفاجأة للحكومة الجزائرية، بقدر ما فتح الباب أمام ترتيب موازين اجتماعية ومهنية، فقد حصل أطباء الجزائر وعمال السلك شبه الطبي على اعتراف رسمي ومكاسب محدودة في الأجور ونظام التقاعد، قبل أن يأتي الدور على عدد كبير من المبتكرين في "الذكاء الاصطناعي".

يشير خبير تكنولوجيات الاتصال ومدير الديوان السابق في وزارة البريد وتكنولوجيات الاتصال يونس قرار إلى أن "الوباء مكّن جميع الكفاءات والمؤسسات لكي تتعاون وتنسق جهودها لإنجاح التحول الرقمي، فمشاريع كثيرة تنتظرنا وورشات عديدة ستفتح وتحديات كبيرة في الأفق ومجالات وتخصصات لا بد من ولوجها، إنترنت الأشياء، الذكاء الاصطناعي، المدن الذكية وغيرها، بالعلم وبالمهنية والاحترافية وبالثقة في كفاءاتنا الشابة والاعتماد عليها يمكن أن نرفع هذه التحديات ونبني الجزائر الجديدة".

وبالفعل تبدّلت السياسة التحريرية في كثير من وسائل الإعلام الجزائرية في الفترة الأخيرة، فقد احتل "المبتكرون" الصفحات الأولى للصحف و"بلاتوهات" القنوات التلفزيونية على حساب وجوه "الدروشة" في المجال السياسي كما يصفهم الجزائريون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويذكر قرار في هذا السياق أن "المترددين سابقاً على المستوى الرسمي من دخول مرحلة الذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية، اكتشفوا أن التكنولوجيا يمكنها أن تخفف العبء على البلد، هناك بلدان واصلت التعليم عن بعد في فترة كورونا بواسطة التكنولوجيا وغيرها من التجارب الرائعة لا سيما مع إلغاء تداول النقود، في الجزائر تعطلنا كثيراً إلى أن وصلنا إلى مرحلة الصدمة، يبقى علينا اليوم قول ربّ ضارة نافعة ونحن أمام فرصة تاريخية".

"الحكومة الذكية"

قبل بضع سنوات، كان وزير سابق للداخلية يروّج لمشروع "الحكومة الذكية" الذي ظل حبراً على ورق إلى اليوم، فلما سئل الوزير عن تفاصيل المشروع أجاب "شخصياً لا أجيد استعمال الحاسوب لذلك لا يمكنني تقديم شروحات وافية"، لاحقاً لم تحقق الجزائر أي تقدم في هذا المجال وظل المشروع حبراً على ورق ليضاف إلى قوانين أخرى لم تر النور إلى اليوم أخرها قانون التجارة الإلكترونية الصادر قبل سنتين.

وتنعدم التجارة الإلكترونية في الجزائر بشكل كامل، كما تنعدم الرقمنة في القطاع البنكي وفي قطاعات الخدمات والسياحة والتجارة الدولية، لذلك يبدو أن مشروعاً كبيراً ينتظر حكومة عبد العزيز جراد نحو المستقبل بناء على توجيهات تبون الذي يعلن في كل محطة إيلاء الدولة الأهمية القصوى لـ "جزائر جديدة".

كورونا يعطل مجلس الوزراء

 مشروع "الحكومة الذكية" الذي ظل حبراً على ورق ومجرد شعار سياسي في فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة، تسبب في تعثر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في عقد أول مجلس وزراء مع الطاقم الحكومي عن بعد، فتبون نفسه من أعلن "غياب أية منصة تكنولوجية على مستوى رئاسة الجمهورية لعقد اجتماعات عن بعد بواسطة الفيديو"، مضيفاً في هذا السياق "إنه لأمر معيب، لقد أمرت بتجهيز مقر الرئاسة والوزارات المعنية بما يمكننا من عقد مجلس الوزراء في أقرب وقت".

واستباقاً لهذا الحدث، أعلنت الوزارة الأولى "نجاح" أول اجتماع مصغر ومشترك للحكومة الخميس الماضي "عبر تقنية الفيديو" ضم عدداً محدوداً من الوزراء تمهيداً لاجتماع موسع بقيادة رئيس الجمهورية الأسبوع المقبل على الأرجح.

الاستثمار في كورونا

يعتبر أستاذ علم الاجتماع نور الدين بكيس أن 10 قيّم جديدة يجب إعادة النظر فيها استغلالاً للوباء، فيذكر ضمن الرقم تسعة و10 على التوالي، "بداية العودة للشعور بالثقة في قدراتنا بعد المبادرات المتميزة التي ظهرت أثناء الأزمة بفعل رفع التعطيل الذي كان يحاصر الكفاءات الحقيقية في المجتمع ليسمح بهيمنة الكفاءات الزائفة والنجاحات المغشوشة"، ويضيف "هناك حالة انتباه من الأفراد للنجومية الزائفة في المجتمع للفنانين والرياضيين مقابل اللامبالاة بالعلماء والخبراء الذين يجتهدون لخدمة الناس وتحسين ظروف حياتهم".

من هذا الباب كان ملاحظاً إيلاء السلطات المركزية والمحلية بما فيها الأمنية وما تمتلكه من "سلطة رمزية" اهتماماً غير معهود بمبادرات أطباء أو مبتكرين، فتنوعت الصورة بين مراسم لتحية الأطقم الطبية أمام بوابات المستشفيات بمشاركة شرطيين ورجال درك أو بين فتح الباب من دون أية تعقيدات قانونية لمبتكرين طوروا ممرات معقمة أو قدموا نماذج لأجهزة تنفس صناعي أو وسائل تحليل وكشف عن كورونا مصنعة محلياً. وأدت أزمة كورونا إلى انحسار ظهور سياسيين كثر وأحزاب وجمعيات اعتادت "الولاء" من دون أية منفعة عمومية، كما انحسر ظهور فنانين مزيفين، وتتوسع القائمة لـ "تجار دين" و"مفسري أحلام" ومئات الوجوه التي تقدمها وسائل الإعلام كـ "محللين وخبراء استراتيجيين".

أزال أكبر وباء

ويذكر أستاذ علم الاجتماعي السياسي باقي بودالية لـ "اندبندنت عربية" أن "كورونا أزال أكبر وباء عن الجزائر وأزاحه عن صدور الجزائريين، فقد انسحب ذلك الكم الكبير من المهرجين الذين استفادوا من ريع سياسة بوتفليقة ومن تواطؤ وسائل الإعلام التي صنعت منهم نجوماً مزيفين ما زيّف قيماً مجتمعية على حساب أهل العلم"، وأضاف "لقد شهدت الجزائر غربلة تلقائية غذّاها شعور الجزائريين بالرغبة في رؤية علمائهم، أطبائهم ومبتكريهم في الصفوف الأولى لمواجهة الوباء، إنها مرحلة تاريخية ومفصلية ستعيد تصحيح أخطاء مارستها الجزائر الرسمية طيلة ثلاثة عقود على الأقل".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات