مرّت ثلاثة أشهر منذ أن علمت منظمة الصحة العالمية للمرة الأولى في 31 ديسمبر (كانون الأول) عام 2019، بوجود فيروس غير معروف من قبل، يسبّب التهاباً رئوياً بين المرضى في مدينة ووهان، شرق الصين.
وبعد شهرٍ واحد فقط من هذه التقارير الأوّلية، تأكّد في 31 يناير (كانون الثاني) هذه السنة، وقوع أولى حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 في المملكة المتحدة، بعدما انتقلت العدوى من الصين إلى دول أخرى في جميع أنحاء الكوكب.
بعد شهرين من ذلك، أُدخلت المملكة المتحدة في حالة حظر وإغلاق، واستمر المرض بإصابة ما يُقدَّر بنحو مليون و700 ألف شخص، ووفاة أكثر من ألفين و300 فرد. والأرقام لا تزال تتصاعد. لكن على نقيض عددٍ من البلدان الأخرى التي تواجه الفيروس، لم تُجرِ بريطانيا اختباراتٍ واسعة النطاق. فهل تقوم السلطات هنا بما يكفي في هذا الإطار؟
1. كيف تعاملت دول أخرى مع تهديد فيروس كوفيد-19؟
انتشر المرض إلى أكثر من 200 دولة وإقليم، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، بحيث سجّلت الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا عدداً من حالات الإصابة والوفيات فاقت تلك التي وقعت في الصين. وفي إطار جهود وقف هذا الوباء القاتل، طلبت منظمة الصحة العالمية من البلدان "الاختبار والاختبار والاختبار".
في البداية، أُصيب العالم بذهول عندما أغلقت الصين أوّلاً مدينة ووهان إغلاقاً تامّاً، ثم في ما بعد أقفلت مقاطعة هوبي بكاملها، في إطار السعي إلى احتواء الفيروس. ولم تكن خطة الحجر الصحي الضخمة هذه قد تمّت تجربتها من قبل، في العالم الحديث. لكن بحلول منتصف مارس (آذار) الماضي، بدا أن قرار بكين كان في محله بحيث سُجّل تراجعٌ سريع في حالات الإصابة بالمرض، ما لبث أن توقّف.
أما كوريا الجنوبية التي تعرّضت في وقت مبكّر لمجموعةٍ من حالات الإصابة، فطبّقت برنامج اختبار للفيروس بين سكّانها كان الأكثر طموحاً على الإطلاق. فبحلول مطلع مارس، تمكّنت البلاد من إجراء اختباراتٍ لنحو 20 ألف شخص في اليوم، ونفّذت جهود تعقّبٍ صارمة لتقفّي الأشخاص الذين كانوا على اتصال مع أولئك المعروف بأنّهم مصابون بالعدوى.
وحتى الآن، كان لدى كوريا الجنوبية 9887 حالة إصابة مؤكّدة، و165 حالة وفاة، ما يجعل معدّل الوفيات واحداً في المئة، مقارنة بمعدل الوفيات العالمي البالغ الآن 3.4 في المئة.
في ألمانيا، يتمّ الآن اختبار نحو 70 ألف شخص يوميّاً بحثاً عن المصابين بالمرض. أما معدّل الوفيات، فهو أقلّ من واحد في المئة. وقد سُجّل معدّل مماثل في النمسا حيث تُجرى اختبارات مكثّفة هناك أيضاً.
حتى الولايات المتّحدة، التي كانت في ظلّ دونالد ترمب بطيئةً في قبول تأثير المرض، بدأت تجري الآن اختباراتٍ بمعدّل أكبر من المملكة المتحدة وفق معادلة الفرد في موازاة العدد الإجمالي للسكان. وقد وجّه ترمب انتقاداً شخصياً لبوريس جونسون في ما يتعلّق بطريقة ردّ إنجلترا على الأزمة خلال خطاب تلفزيوني هذا الأسبوع.
2. كم هو عدد الأشخاص الذين يخضعون للاختبار في المملكة المتحدة؟
اتُّهمت الحكومة البريطانية بالفشل في الاستعدادات التي اتّخذتها لمواجهة تحذيراتٍ متواصلة. وفي نهاية الأسبوع، أخفقت في تحقيق هدفها المعلن المتمثّل في اختبار نحو 10 آلاف شخصٍ في اليوم. فقد خضع للفحص أقلّ من 5 آلاف مُعتل يوم السبت.
أما مجموع الذين جرى فحصهم حتى الآن في سياق مقاومة الفيروس، فهم أقل من 153000 شخص، حسب الأرقام الصادرة يوم الأربعاء الفائت. والنتيجة هي أن الحكومة تتعرّض في الوقت الراهن لضغط أشدّ في ما يتعلّق بالمستويات الحالية للاختبار، بحيث شهدت المملكة المتحدة أكبر زيادةٍ يومية في الوفيات حتى الآن.
وأكد وزراء أنّ السلطات في البلاد تسعى الآن إلى اختبار 20 ألف شخص يومياً بحلول منتصف أبريل (نيسان) الحالي.
3. لماذا الأرقام هي أقل ممّا هو متوقع؟
في وقت سابق من شهر مارس، وفيما كانت حكومة المملكة المتحدة تواصل خططها المثيرة للجدل القائمة على اختبار الأشخاص الذين يتمّ إدخالهم إلى المستشفى فقط، جرى تأخير إغلاق المدارس وحظر التجمّعات الكبيرة خوفاً ممّا اعتبرته "إرهاقاً سلوكياً"، إذا فُرضت قيود كثيرة في وقت مبكّر جدّاً، الأمر الذي لم توافقه عليها دول أخرى وهيئاتٌ عالمية.
وعندما تغيّرت التكتيكات في وقتٍ لاحق من الشهر، وجدت المملكة المتحدة نفسها في صفّ انتظار طويل للمعدّات الأساسية.
ولدى السؤال عن سبب اختبار بريطانيا نحو 8 آلاف شخص فقط يومياً، بينما كانت ألمانيا تعمل على فحص قرابة 70 ألف شخص في اليوم، ردّ المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء بوريس جونسون يوم الاثنين أنّ هناك صعوبات في "الحصول على جميع المعدّات التي يحتاجون إليها لإجراء هذه الاختبارات، في وقتٍ كان الجميع في العالم يريدون تلك الوسائل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
4. ماذا يعني ذلك للعاملين في مجال الصحة؟
أسفر النقص في معدّات الاختبار في بريطانيا عن عدم تمكّن الموظفين الطبيين الأساسيين العاملين في الخطوط الأمامية من فحص أنفسهم، ما أدّى إلى إجبار أولئك الذين يعانون من أعراض تشبه كوفيد-19 على اعتماد العزلة الذاتية، في وقتٍ قد لا يكون عددٌ كبيرٌ منهم في الواقع مصاباً بعدوى كورونا، وهذا ما أدّى تالياً إلى تقليل العدد المنخفض جداً من الأطباء والممرّضات والعاملين في مجال الرعاية الصحية.
وقد حذّر المسؤولون عن الرعاية الصحية يوم الأربعاء الماضي من أنه لا يزال "الاحتمال الفوري لإجراء فحص شامل لموظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية غير موجود". وكانت المستشفيات التابعة للهيئة قد أُبلغت في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، بأنه يمكنها استخدام ما يصل إلى 15 في المئة فقط من أي قدرة اختبار احتياطية لفحص موظفيها.
لكن وزير الصحة مات هانكوك رفع الآن هذا الغطاء، طالباً من مختبرات هيئة الخدمات الصحية الوطنية، استخدام القدرة الفائضة كلّها لفحص عامليها في الخطوط الأمامية.
5. ما هي الإجراءات المتّخذة لزيادة الاختبارات في المملكة المتحدة؟
تعمل السلطات المعنية الآن على زيادة الفحوص لتشمل 25 ألف شخصٍ يومياً في الأسابيع الثلاثة المقبلة. ويأتي الرقم 25 ألفاً على الرغم من الوعود التي كان قد قطعها في الأسبوع الماضي المدير الطبي في هيئة الخدمات الصحية الوطنية البروفيسور ستيفين باويس، الذي قال إنه ستكون هناك "مئات الآلاف من الفحوص" في اليوم، خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وكشف كريس هوبسون، الرئيس التنفيذي لمزوّدي هيئة الخدمات الصحية الوطنية، الذين يمثلون مرافق الهيئة، لوكالة "برس آسوسييشن" هذا الأسبوع، عن أنّ أقصى طاقة اختبار في المملكة المتحدة "مقيّدة بشدة" ويمكنها إجراء 13 ألف فحص يوميّاً.
يبقى التركيز على اختبار المرضى داخل المستشفيات لمعرفة ما إذا كان لديهم مرض كوفيد-19، بدلاً من توسيع الإطار نحو الجمهور الأوسع. وقد تعرّضت هيئة "الصحّة العامّة في إنجلترا" PHE للّوم بسبب موقفها من إجراء اختباراتٍ أوسع للأفراد من أجل الكشف عن الفيروس.
المنظمة كرّرت مراراً القول إنّ معظم البالغين الذين يتمتّعون بصحة جيّدة والذين تظهر عليهم أعراض يتعافون تماماً ولا يحتاجون إلى فحص. مع ذلك، يختلف كثيرون من العلماء مع هذا المنحى، ويؤكدون أنه فقط من خلال إجراء اختبارات واسعة النطاق، ستتمكّن المملكة المتحدة من الخروج من الإغلاق.
المدير السابق لمنظمة الصحة العالمية البروفيسور أنطوني كوستيلو انتقد الثلاثاء الماضي الطريقة التي تعاطت بها المملكة المتحدة مع الأزمة، قائلاً إنّ البلاد لديها القدرة على اختبار مئات الآلاف من الأشخاص. وأضاف: "من خلال اختبار شامل للسكان، يمكننا الكشف عن حالات تفشٍّ جديدة للوباء وسيكون هناك مقدار أقلّ من الاضطراب، بدلاً من عزل الاقتصاد بأكمله".
وأردف: "لدينا 44 مختبراً للفيروسات الجزيئية في المملكة المتحدة. وإذا أجرى كلٌّ منها 400 اختبار يومياً، فسنصل إلى مستويات الاختبار الراهنة في ألمانيا (نحو 70.000 اختبار يوميّاً) وهذا أمر ممكن تماماً".
ولفت إلى أن الإسراع هو السبيل الوحيد أمام المملكة المتحدة لتجنّب فترةٍ مؤلمة تصل إلى ستة أشهر قبل "عودة المجتمع إلى طبيعته"، كما حذّر يوم الأحد الماضي. وقال أخيراً لبرنامج "توداي" الذي تبثّه محطة "بي بي سي "4 إنه "يجب أن نذهب إلى الاختبار الشامل، وعندما نزيل الإغلاق، لا أعتقد أن الأمر سيستغرق ستة أشهر. الدول الآسيوية كان معدّلها ما بين ستة أسابيع وثمانية، حتى تمكّنت من رفع الإغلاق".
© The Independent