Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تسييس كورونا... ماذا لو كانت سيناريوهات التشاؤم خاطئة؟

علماء يضيئون شُعلة أمل ويتوقعون وفيات أقل خلال الأسابيع المقبلة

نقل أحد المصابين بفيروس كورونا من فرنسا إلى ألمانيا يوم 29 مارس 2020 (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تصاعدت فيه تحذيرات أعلى المستويات في الإدارة الأميركية من سيناريوهات كارثية، بالحديث عن توقع وفاة 100 إلى 200 ألف مريض بفيروس كورونا، عَبرّ محللون سياسيون عن خشيتهم من أن كل شيء أصبح مسيساً في الولايات المتحدة بما في ذلك الطب والعلوم، في حين أطلق عدد من العلماء توقعات مغايرة، تؤكد أن الحسابات المتشائمة التي تحددها نماذج الكومبيوتر وتتحدث عن وفاة مئات الآلاف، واستمرار حظر التجمعات أشهراً عدة وربما سنة، قد تكون خاطئة، لأنها تفترض عدم وجود الجهود الحكومية والمحلية وعدم فعاليتها في تحييد الفيروس. ويستند المتفائلون من العلماء بدلاً من ذلك، إلى نماذج أخرى عملية وعقلانية، تضع أرقاماً أقل بكثير من تلك الصورة التشاؤمية السائدة، فما هي هذه النماذج؟ وهل من ضوء في نهاية النفق؟

أسباب التصورات الكارثية

تصريحات أنتوني فوتشي مدير المعهد الوطني الأميركي لمكافحة الأمراض المعدية، والتي حذر فيها من أن الولايات المتحدة قد تشهد مليون إصابة بالفيروس ووفاة ما يتراوح بين 100 إلى 200 ألف، لم تكن فقط صادمة للمجتمع الأميركي، بل أيضاً مقلقة لمستقبلهم، ومع ذلك فهي من وجهة نظر المتشائمين تستند إلى نماذج علمية بعد أن تجاوزت الحالات المصابة 140 ألفاً بعد فحص حوالى 900 ألف شخص. وتتوقع هذه النماذج العلمية أن يكون أبريل (نيسان) كارثياً في ذاكرة التاريخ الأميركي الحديث، بوفاة عشرات الآلاف من المواطنين نتيجة انفجار عدد الإصابات في مدن مثل شيكاغو وديترويت ونيوأورلينز، فضلاً عن نيويورك ولوس أنجيلس.

ومن هذه التوقعات العلمية، ما كشف عنه تحليل أجراه معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن، بأن عدد المتوفين جراء الوباء سيتراوح بين 38 ألفاً و162 ألف شخص خلال الأشهر الأربعة المقبلة وحدها.

ويقول جيريمي كونينديك كبير الباحثين في مركز التنمية العالمية، الذي أشرف على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في مكافحة فيروس أيبولا في غرب أفريقيا بين عامي 2014 و2016، إنه "لا يمكن إنكار أننا رأينا هذا النوع من الأحداث يقترب، أو القول إن الفيروس لن يفعل في الولايات المتحدة ما فعله في الصين".

خشية تسييس كورونا

لكن عدداً من المراقبين في واشنطن مثل كارل كانون مسؤول التحرير التنفيذي في "رييل كلير بوليتيكس"، وهو موقع إخباري محافظ، عبروا عن خشيتهم من أن التحيز السياسي والوهم الاجتماعي أصاب كل شيء في الولايات المتحدة، من الأخبار إلى الرياضة، ومن الطقس والترفيه إلى الطعام الذي نأكله، حتى بات كل شيء مسيساً. لكن المفزع في الأمر أن تصيب العدوى العلم والطب، فيصبح فيروس كورونا سبباً أو وسيلة للطعن في الخصوم السياسيين مثلما حدث من تراشق بين أعضاء الكونغرس حول شروط حزمة الإغاثة، أو ما يجري الآن من تبادل للاتهامات بين نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب والبيت الأبيض حول التأخر في مواجهة الفيروس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أن تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن وفاة 100 ألف أميركي سيُعدُ نجاحاً عظيماً لإدارته، اعتبره خصومه محاولة منه للتملص من الكوارث المقبلة إن حلت، وللمباهاة بنجاح ساحق إن لم تحدث، وهو ما يعني من وجهة نظرهم تسييساً خطيراً لأزمة ساحقة، بينما يعاني الشعب الأميركي من الإغلاق وتوقف شرايين الحياة.

ذعر غير مبرر

ويشير موقع "ذي هيل" الأميركي إلى أن الأشياء الوحيدة التي يمكن أن تساعد في مواجهة الفيروس، هي الحقائق والأدلة التي أصبحت تعاني من نقص كبير، مثلما تعاني المستشفيات من نقص في أجهزة التنفس الصناعي وأقنعة الوجه ومواد الطوارئ الأخرى. ولهذا سيكون من المنطقي أن تحتفل الولايات المتحدة، إذا ثبُت بعد أيام أو أسابيع أن النماذج المتشائمة خاطئة بشكل كبير.

ويعزز هذا الشعور مقال نشرته صحيفة "لوس أنجيلس تايمز"، قال فيه مايكل ليفيت أستاذ الفيزياء الحيوية في جامعة ستانفورد المرموقة والحائز على جائزة نوبل، حين بث الأمل في النفوس وصب دلواً من الماء البارد على القلق المتولد عن تصريحات المسؤولين الذي تضخمه وسائل الإعلام وتكرره كل يوم، حين أكد أن الذعر المنتشر في المجتمع نشأ من التركيز على الزيادة المستمرة في عدد المصابين المتراكم، وتسليط الضوء على المشاهير والأمراء والسياسيين الذين أصيبوا بالفيروس، بينما ما يحتاجه الناس في هذه الظروف هو السيطرة على الذعر.

"نبوءة" مطمئنة

ومثلما درس ليفيت حالات تفشي فيروس كورونا، وتوقع بحساباته الخاصة قبل أي من خبراء الصحة العامة أن تتجاوز الصين الأسوأ، فإنه الآن يتوقع النتيجة نفسها في الولايات المتحدة، أي أن تتجاوز أميركا والعالم كله الوضع الأسوأ.

وعلى العكس مما تردده بعض وسائل الإعلام وتوقعات عدد من خبراء الصحة، بأن الوباء سيقتل الملايين وأن حظر التجمعات سيستمر عاماً، يرى ليفيت أن البيانات لا تدعم هذه المحصلة الكارثية ولكن تقول العكس تماماً.

ولمح في مقاله إلى السيناريوهات الكارثية التي أثبتت فشلها، مثل سيناريو نهاية العالم الذي بشر به البروفيسور نيل فيرغسون وفريقه في "إمبريال كوليدج" في لندن، الذي توقع سقوط نصف مليون شخص في بريطانيا، ووفاة ما يصل إلى 2.2 مليون شخص في الولايات المتحدة، وهو ما أطلق حالة من الذعر عبر وسائل الإعلام.

نماذج خاطئة

ومع ذلك أغفلت وسائل الإعلام خلال تعاطيها المفرط لتداعيات فيروس كورونا، أن ما قاله فيرغسون ليس إلا السيناريو الأسوأ  غير المحتمل، لأنه استند إلى حسابات تقوم على عدم فعل أي جهد لوقف انتشار الفيروس، كما أن فيرغسون الذي أصيب نفسه بالفيروس لاحقاً، خَفَض العدد المتوقع للوفيات في بريطانيا إلى النصف بعدما شرعت الحكومة في تكثيف استجابتها، كما قلّص مرة أخرى تقديراته بشكل كبير إلى أقل من 20 ألف حالة وفاة فقط.

وكما تقول مجلة "ناشيونال ريفيو" المحافظة، فإن نماذج من هذا النوع يتبيّن بطريقة أو أخرى أنها خاطئة، لأنها تعتمد على افتراضات قوية جداً حول جوانب المرض ومراحله التي لم ندرسها بعد بشكل شامل وكاف، وحتى إذا لم يحدث شيء آخر عن الذي توقعته، فإنها تصبح متقادمة بشكل سريع.

ولهذا يرى كثير من العلماء أن النماذج التنبؤية التي تعتمد على الكومبيوتر لها قيمتها ومكانتها، ولكن عند التعامل مع وباء خطير يغلق العالم، ليس هناك من بديل عن التحليل المباشر للمرضى في المناطق المنكوبة.

ويستغرب جون إيوانديس وهو أستاذ آخر من جامعة "ستانفورد" في الطب وعلم الأوبئة، في مقال له بمجلة "ستّات" الطبية الأميركية، سبب اتخاذ الحكومات الأميركية قراراتها من دون بيانات موثوقة أو استناداً إلى نماذج معينة.

مئات الوفيات

ويقرع ريتشارد إبشتاين الأستاذ في معهد "هوفر"، جرس إنذار بشأن شاشات القنوات الإخبارية والمواقع المختلفة التي تظهر أولاً بأول تطورات عدد المصابين والضحايا من المرض في الولايات المتحدة والعالم، ما يساهم في بث الرعب والفزع.

 ويظهر التحليل العلمي لإبشتاين أن الوفيات الناتجة من فيروس كوفيد -19 في الولايات المتحدة والعالم، ستكون أقل بكثير مما يتوقعه كثيرون، إذ سيكون عدد الضحايا أقل ممن توفوا جراء إنفلونزا هونغ كونغ عام 1968، ومن إنفلونزا الخنازير عامي 2009 و2010 أو من الإنفلونزا الموسمية التي يمكن أن تتسبب في مقتل المئات كل يوم، وهو ما يشابه ذلك السيناريو الحاصل الآن في كل من إيطاليا وإسبانيا.

أسئلة في الانتظار

وإذا كان هؤلاء العلماء ليفيت ويوانيديس وإبشتاين على حق، فإن العالم سيحتفل قريباً وبسرعة أكبر مما كان متوقعاً، عندما تنتهي جائحة كورونا بعدد أقل مما رجحته السيناريوهات المتشائمة.

ولكن، أياً كانت التوقعات الصحيحة، فالمؤكد أن عشرات الآلاف سوف يسقطون ضحية الفيروس، ويدفع ملايين غيرهم ثمناً باهظاً لا يمكن تصوره، غير أن الأهم هو ألا يكون للسياسة دور أو مكان وسط جثث الضحايا، بينما ينتظر الناس معرفة الحقيقة والأدلة الواقعية التي لا تحتمل الشك.

المزيد من تحلیل