ليس سهلاً أن يتأقلم الطلاب والأساتذة والقيّمون على المجال التربوي مع نظام التعليم من بعد، الذي تفرضه هذه المرحلة الوبائية. إلا أن إنقاذ العام الدراسي يحتم خوض هذه التجربة. ثمة مدارس في لبنان استبقت الأزمة وبدأت استعداداتها الاحترازية، ومنها من باشر الآن بذلك.
ووفق حياة الأحمدية، وهي مديرة سابقة لإحدى المدارس في لبنان، فإنه عندما كانت تقفل المدرسة سابقاً لأسباب مختلفة، كتراكم الثلوج في الجبل أو بسبب الإضرابات، لم يكن أمامها وسيلة للتعويض سوى إعطاء دروس إضافية للطلاب، تحسباً للأيام التي تقفل فيها. لكن، وفقها، "يمكن أن تقفل المدارس لأسباب غير متوقعة، وما من حلول متاحة عندها وكان لا بد من تقبّل الواقع كما هو".
أما اليوم، وفي الظروف المرافقة لانتشار فيروس كورونا عالمياً، برزت الحاجة إلى وضع خطة طوارئ، خصوصاً أن الجهود العالمية لمواجهة الفيروس ومنع انتشاره باءت بالفشل حتى اليوم، ولا يمكن التكهن بما إذا كانت هذه المرحلة ستستمر طويلاً.
كيف تنقذ المدارس العام الدراسي؟
تعتمد معظم المدارس اليوم على التكنولوجيا في تطبيق مبدأ التعليم من بعد، وإن اختلفت التقنيات المعتمدة. توضح سمر معلوف بدر، وهي مدرّسة اللغة العربية، أن التحضير للتعليم من بعد من خلال التطبيقات بدأ منذ أولى مراحل الانتفاضة الشعبية في لبنان، لكن لم تكن هناك حاجة لاعتماده، لأن المدرسة لم تقفل أبوابها لفترة طويلة. "لكن لدى إعلان وزير التربية والتعليم العالي إقفال المدارس، تبدّلت الظروف وأصبحنا أمام واقع لا بد من التعامل معه بالشكل المناسب. كنا قد خضعنا لورش عمل وبدأنا حالياً بالتطبيق. على صعيد شخصي، أحضّر الدروس للطلاب على تطبيق Google Classroom، كما تتاح لهم فرصة إرسال أسئلتهم الاستيضاحية حولها. ليس ذلك سهلاً لأننا لم نعتد عليه بعد. كما أننا نجهل مدى التزام الطلاب بهذه التقنية. فحتى اليوم، لا ألاحظ تفاعلاً من قبلهم. يضاف إلى ذلك أننا نرسل التصحيح في الأسبوع التالي بعد الفروض، ولسنا متأكدين ما إذا كان الطالب يعتمد على التصحيح في تنفيذه الفروض".
تشدد بدر على أهمية إشراف الأهل على الدروس للتأكد من التزام الطلاب، فيما تشير إلى أنه بدءاً من الأسبوع المقبل ستبدأ بإرسال الدروس الجديدة عبر فيديوهات لتسهيل عملية استيعابها من قبل الطلاب. لكنها لا تنكر أن هذه المرحلة الانتقالية لا تعتبر سهلة على أحد، ولا بد للمدرسين والأهل والطلاب التأقلم معها تدريجاً قدر المستطاع. "قد ننتقل في مرحلة مقبلة قريبة إلى الصفوف التفاعلية أونلاين. لكن حالياً لا أنكر شعوري بالقلق حيال ما إذا كان الطلاب سيتمكنون من استيعاب التفاصيل كافة، خصوصاً أنه في اللغة العربية يصعب إيجاد فيديوهات على يوتيوب كمراجع توضيحية. ولا يخفى على أحد أننا بشكل عام في لبنان غير مجهزين لإقفال المدارس لفترة طويلة. لكنها مشكلة عالمية ولا بد من التركيز على التعليم من بعد لنعوّض على الطلاب قدر الإمكان".
مايا نصار مدرّسة أيضاً وترسل الدروس إلى الطلاب عبر Google Classroom بعد تدريب خضع له المعلّمون كافة. وتعتبر أن الطريقة التقليدية في التعليم أكثر سهولة على الرغم من أهمية التكنولوجيا في تسهيل أمور كثيرة. "اعتدنا على الطريقة التقليدية وأصبحت أكثر سهولة لنا. أما اليوم فيطلب منا المزيد من التحضير ومتابعة الفيديوهات عبر يوتيوب لإرسالها إلى الطلاب لتسهيل الدروس عليهم. تعتبر هذه التجربة أكثر صعوبة علينا وعلى الأهل وربما الطلاب. لكن فيها تفاعل مع الطلاب ويمكن أن يطرحوا الأسئلة الاستيضاحية مباشرة. لا بد لنا من مواكبة التطور التكنولوجي".
وتؤكد نصار أن الأمور قد تصبح أكثر سهولة تدريجاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما إليسار خوري، وهي مدرّسة الرياضيات في صفوف المرحلة الثانوية، فتخوض تجربة مختلفة مع التعليم من بعد من خلال الصفوف الأونلاين، عبر برنامج Teams office 365. وتعتبر أن التجربة تتخطى في صعوبتها أي وسيلة أخرى في التعليم من حيث التحضير، الذي لا يعتبر سهلاً. "إضافةً إلى عدم توفر الإنترنت دائماً لدى الطلاب في وقت الصف، بحيث لا يكون ممكناً حضور الكل. كما أنني لا ألمس تفاعلاً من قبل الطلاب، وهذه مسألة أساسية".
تضيف "ثمة طلاب لديهم الرغبة في التعلم في أي وقت كان، فتكون قدرتهم على الاستيعاب جيدة، لكن هناك من يحتاجون إلى الدعم والمتابعة باستمرار ولا تبدو هذه التجربة ناجحة معهم".
تتواصل خوري مع الطلاب باستمرار من خلال الواتس آب أو الرسائل الإلكترونية. كما ترسل إليهم الدروس أونلاين، علماً أنهم كانوا قد بدأوا سابقاً بتجربة التواصل عبر الإيميلات، لكنها المرة الأولى التي تخوض فيها المدرسة تجربة الصفوف الأونلاين. "صحيح أنها تجربة جذابة وجديدة، لكني لا أشعر بفاعليتها مع جميع الطلاب بالمستوى نفسه، بل ثمة تفاوت بين من هم أكثر اندفاعاً ومن ليس لديهم الإمكانات ذاتها. وبالتالي هي لا تحل محل التعليم المباشر".
الأهل والطلاب
تماماً كما أن التعليم من بعد تجربة جديدة للأساتذة هي كذلك للأهل والطلاب. وتقول كريستيان بو سابا "على الرغم من أهمية التعليم من بعد في مثل هذه الظروف القاهرة، إلا أنني لا أجد أنه يحل محل التعليم في الصف، فشرح المعلمة عندها يكون مفصلاً وأكثر وضوحاً للطلاب. يضاف إلى ذلك أن التعليم من بعد لا يلزم الطلاب بالانضباط ولا يتقيدون بساعات درس معينة ولا يتفاعلون مع المعلمة عندما تشرح الدروس". لكن في كل الحالات لا تنكر بو سابا أنه ما من حل بديل في الفترة الحالية.
وتؤكد ابنتها سارة (12 سنة) أنها لا تجد مشكلة في هذه الطريقة في التعليم. "لكن مهما كان التطور الحاصل ثمة فارق لا يمكن أن يلغى بين أستاذ يشرح في الصف وشاشة نتلقى المعلومات من خلالها. فلا يجيب التطبيق أو الشاشة بعامة على أسئلتنا ولا تعطينا أمثلة تساعدنا على استيعاب الدرس بشكل أفضل. لذلك، أفضل لو كنت حالياً أستمع إلى شرح المعلّمة في الصف بدلاً من أن أجلس أمام الشاشة لأتلقى المعلومات من خلالها".
كذلك، يعتبر ماريو معربس أن الأمور ليست سهلة، خصوصاً أن يتحضر للامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة في العام المقبل، ما يجعل دروسه أكثر صعوبة. "نجد أصلاً صعوبة في تلقي الدروس الجديدة، وتبدو الأمور أكثر تعقيداً من خلال التعليم من بعد. لذلك، أشعر بالقلق حيال العام المقبل، الذي أتوقع أن يكون أكثر صعوبة، لأننا لم نتحضر له بالشكل المناسب".
ويشير شقيقه أندرو إلى أن الصعوبة التي يواجهونها في أنه لا يسهل على الكل استيعاب الدروس كما في الصف. يضاف إلى ذلك أنه لا التزام في الدراسة من المنزل كما في المدرسة. "قبل أشهر خصصت المدرسة لكل منا بريداً إلكترونياً، ترسل إليه الدروس عبر تطبيق Google Classroom، كما نتواصل مع المعلمات من خلاله، فيما يخصصون أوقاتاً محددة لطرح الأسئلة عليهم".
دور وزارة التربية
على الرغم من محاولات عدد كبير من المدارس التعامل مع هذه المرحلة بأفضل طريقة ممكنة، تشير مديرة مديرية الإرشاد والتوجيه هيلدا خوري إلى عدم وجود خطة شاملة على الصعيد الوطني في هذا المجال. فتبقى هذه التجارب محدودة مع بعض قصص النجاح والمبادرات الفردية.
وإذ تشير إلى تعميم حمل الرقم 25 كانت أصدرته وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان لتنظيم عملية التعليم من بعد، تتحدث إلى "اندبندنت عربية" عن إطلاق بروتوكول خاص في الأيام القليلة المقبلة، سيكون مجانياً لضمان فرص تعليم متساوية للطلاب كافة. "تواصلنا مع دول عدة خاضت هذه التجربة قبلنا، واستندنا إلى خبراتها في هذا المجال. كما نعقد اجتماعات مكثفة، وقد شاركنا في اجتماع اليونسكو الأخير الذي جمع وزراء تربية من مختلف الدول حول هذا الموضوع. ومع هذا البروتوكول سنقدم فيديوهات تدريبية للأساتذة. مع ضرورة التوضيح أن هذا البروتوكول يعني المدارس الرسمية كما الخاصة، وقد تم العمل عليه بمهنية عالية".
ولا تنكر خوري أنه ثمة مشاكل عديدة يمكن مواجهتها، ولا تنكر وجود مشكلة بطء الإنترنت التي يتم العمل على معالجتها. لكنها تؤكد أنه كان لا بد من التعامل مع هذه الأزمة بأفضل ما يكون، وإن كان صعباً بلوغ درجة مثلى في التعليم من بعد بين ليلة وضحاها. وتقول "نحاول التعاطي مع هذه المرحلة بالطريقة الأنسب من خلال التكاتف بين القطاعين الرسمي والخاص. وضعنا مختلف السيناريوهات وسنختار الأنسب بحسب ما تدعو إليه الظروف".
فهل سيأتي هذا البروتوكول على قدر التوقعات ويقدم العلم إلى طلاب لبنان بطريقة متساوية؟