شهدت ليبيا تطوراً ميدانياً خطيراً في غرب البلاد، حذر منه مراقبون منذ أشهر، على وقع تدفق مسلحين أجانب بإشراف تركي لدعم قوات حكومة الوفاق في طرابلس، تمثل في استخدام أسلوب التفجيرات والتفخيخ والعمليات الانتحارية التي تشتهر بها الجماعات المتطرفة التي ينتمي بعض هؤلاء المسلحين الأجانب إليها.
وتحقق هذا التطور بتفجير استهدف مدرسة "الجيل الصاعد" في منطقة "أبو عيسى" الواقعة غرب العاصمة، أدى وفق مصادر إعلامية ومحلية متطابقة إلى إصابات مختلفة في صفوف الطلاب.
وأكد المركز الإعلامي لـ"غرفة عمليات الكرامة" التابعة لـ"الجيش الوطني" الذي يقوده المشير خليفة حفتر، أن التفجير وقع يوم الاثنين 10 فبراير (شباط) الحالي عند الساعة التاسعة صباحاً بالتوقيت المحلي، بواسطة حقيبة متفجرة تُركت في المكان وتسببت بإصابات في صفوف الطلاب.
وذكر المركز في بيان أن "هذا الأسلوب من الأعمال الإرهابية معروف لدى تنظيمات داعش وأنصار الشريعة ومجلس شورى بنغازي وجبهة النصرة ومَن على شاكلتها، التي تقاتل جميعها تحت راية حكومة الوفاق" .
وأكد عميد بلدية الزاوية عبدالكريم الأبح أن "التفجير الذي وقع قرب مدرسة الجيل الصاعد في منطقة أبي عيسى، أدى إلى إصابة ثلاثة تلاميذ في المدرسة المذكورة إصابات طفيفة".
سبق التحذير
وكان الجيش الوطني الليبي أعلن في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قتل انتحاريَين سوريَين كانا في طريقهما لتفجير نفسيهما في تجمع لجنوده جنوب طرابلس.
وحذر الناطق باسم "الجيش الوطني" أحمد المسماري في حينه من تنامي العمليات الإرهابية بعد جلب تركيا مسلحين متطرفين للقتال في صفوف حكومة الوفاق، مشيراً إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "نقل من سوريا إلى ليبيا آلاف الإرهابيين من جنسيات عدة، بينهم انتحاريون ومتخصصون في التفجيرات، ولاؤهم لتنظيمي داعش والقاعدة".
واعتبر أن أنقرة "تخترق كل المواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن وتهدد الأمن والسلم الدوليين، بما تفعله في ليبيا من دعم علني للتنظيمات الإرهابية في ليبيا".
خطر الذئاب المنفردة
من جهته، اعتبر الصحافي الليبي مراد جمعة أن "هذا التطور قد يحيل المشهد إلى صورة أكثر قتامة ودموية"، قائلاً إن "عمليات مثل هذه تحمل بالتأكيد بصمات واضحة لتنظيمي داعش والقاعدة وتشي بأن عناصرهما باتا جزءاً من معركة طرابلس". وأضاف "ما أتخوف منه أكثر هو أن تغري مثل هذه العمليات مجموعات جديدة منهم ممَن باتوا يعرفون بالقطعان المنفردة، من العناصر الإرهابية في كل أنحاء العالم، حتى من غير الذين تستجلبهم تركيا، بالقدوم إلى ليبيا لأن بيئة التفجيرات والأعمال ذات الطابع المتشدد جاذبة لهم كما عهدنا في تجارب سابقة كثيرة".
استدراج وقصف جوي
في سياق آخر، ذكرت مصادر في "الجيش الوطني" أن قواته "نجحت في استدراج عناصر من مصراتة إلى منطقة بوقرين المفتوحة الواقعة جنوب شرقي مدينتهم، قبل قصفها بأربع غارات جوية مساء الأحد استهدفت نقاط تجمع هؤلاء في المنطقة".
وأكدت المصادر أن "سلسلة ضربات نفذتها مقاتلات سلاح الجو الليبي ليلة أمس (الأحد)، مستهدفةً نقاط تجمع لعناصر ميليشيات مصراتة شملت تجمعاً لآلياتها العسكرية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هدوء حذر
على الجهة المقابلة، قال آمر محور القويعة التابع لقوات حكومة الوفاق محمد العائب، إن "الوضع على المحور يشهد هدوءاً حذراً بعد اشتباكات عنيفة مع قوات الجيش ليل السبت". وأضاف العائب في تصريح تلفزيوني أن قوات الجيش "مستمرة في خرق الهدنة بعدما حاولت التقدم عبر المحور، قبل أن يتم صدها وتكبيدها خسائر في الأرواح والعتاد"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن قواته "في أتم الجاهزية لصد أي هجوم".
انعكاسات تعثر المسار الأمني
واعتبر مراقبون للمشهد الليبي أن هذه التطورات العسكرية الجديدة التي تخرق الهدنة المتفق عليها بين الجانبين، تُعد انعكاساً متوقعاً وطبيعياً لتعثر مفاوضات المسار الأمني الذي رعته بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا في جنيف والتي اختُتِمت جولتها الأولى، من دون التوصل إلى تفاهمات حول استدامة وقف النار في غرب البلاد.
وذهب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى التحذير مما هو أكثر من خرق للهدنة العسكرية، متخوفاً من "انحدار ليبيا نحو صراع أعمق وأكثر تدميراً تغذيه مشاركة القوى الخارجية" .
وشدد غوتيريش خلال قمة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، على ضرورة أن "تعمل الأطراف الليبية على إيجاد وإدارة حلول وطنية لمواجهة التحديات الداخلية". وأضاف أنه "على الرغم من بصيص الأمل الذي أتاحه مؤتمر برلين، إلا أن تعهد المجتمع الدولي بإنهاء التدخل الأجنبي لم يتحقق على الأرض"، مشيراً إلى أن "استمرار تدفق الأسلحة وعودة العمليات العسكرية زاد من تعقيد الوضع الإنساني في البلاد".