من المتوقع أن يدعو تحقيق مستقلّ في قضيّة طبيّة بارزة، إلى إجراء تغييرات مهمّة في طريقة إشراف المستشفيات الخاصة في المملكة المتحدة على عمل الأطباء الذين يزاولون مهنتهم بين أجنحتها، ذلك بعدما خضعت مئات من النساء في البلاد لعمليات جراحيّة لا لزوم لها على يد جرّاح ثديّ وُصف بالمحتال.
حُكم في عام 2017، على طبيب بريطانيّ يُدعى إيان باترسون بالسجن لمدة 20 سنة، بعدما وجدته المحكمة مذنباً في 13 تهمة تدينه بالتسبّب بإصابات جسديّة عن عمد، وثلاث تهم بإحداث جروح لمرضاه من دون وجه حق.
لكن في الحقيقة، ليس مستبعداً أن تكون مزاولته الجراحة الطبيّة بطريقة سيئة قد ألحقت الأذى بما يزيد على 750 امرأة، على مدى أكثر من عقد من الزمن.
أجرى الطبيب المُدان جراحات سرطان ثدي غير ضرورية لنساء لم يصبن بهذا الداء، فيما عرّض أخريات للخطر عبر استخدام تقنية غير مرخّصة خاصّة به، ما أدى إلى تشوّه جزئيّ في أنسجة الثدي لديهنّ.
وكان من المقرر نشر تحقيق برئاسة أسقف نورويتش، غراهام جيمس، الثلاثاء الماضي يشتمل على توصيات حول كيفيّة السماح للأطباء بمزاولة مهنتهم في المؤسسات التابعة لـ" خدمة الصحية الوطنيّة" ومستشفيات القطاع الخاص على حدّ سواء، في ظلّ حدّ أدنى من الإشراف والرقابة على أعمالهم.
من المتوقع أن يكون الإجراء المعروف باسم "امتيازات الممارسة"، أحد المحاور التي يركز عليها التحقيق، إذ تسمح المستشفيات الخاصة بموجبه للأطباء بمزاولة أعمالهم الطبيّة الخاصة داخل أروقتها، بطريقة مشابهة للمتعاقدين. ويستأجر هؤلاء على نحو فاعل مساحة واسعة من المستشفيات لإنجاز أعمالهم.
والحال أنّ باترسون عمل بموجب "امتيازات الممارسة" لدى "سباير هيلث كير"، وهي مجموعة تقدّم خدمات الرعاية الصحيّة وتملك مستشفيات في بريطانيا. ومن جانبها أنكرت الجهة التي توفِّر له التأمين الصحيّ مسؤوليتها عن أفعاله. هكذا في النهاية، مُنح 750 من مرضاه 37 مليون جنيه إسترلينيّ على سبيل التعويض في إطار تسوية خارج المحكمة، أحد أطرافها " خدمة الصحية الوطنيّة".
ديبورا دوغلاس، 61 عاماً، وهي من منطقة هال غرين في برمنغهام، واحدة من المريضات اللواتي خضعن لعمليّة جراحيّة لا لزوم لها، وقد تركت لديها شعوراً بـ "التشوّه"، حسب وصفها. قالت الأم لثلاثة أولاد التي كانت تبلغ 45 عاماً عندما شُخِّصت حالتها بالإصابة بسرطان الثدي، إنّها تأمل في أن يفضي التحقيق إلى إجراءات تعزِّز سلامة المرضى أكثر.
وأخبرت "اندبندنت"، إنّ "التحقيق يجب أن يخرج بتوصيات قادرة على منع أي كان من تكرار ما ارتكبه باترسون من جرائم، وحماية المرضى الآخرين من شخص مثله... لم يكن باترسون جراحاً لدى سباير، بل استأجر غرفة لديه فقط؛ لذا تخلّت عنه هذه المؤسسة وتركتنا نحن نتحمّل العواقب، علماً أنّها لم تراقبه وتجاهلت علامات التحذير المسبقة. جلّ ما أخشاه هو أنّ يكون المال أكثر أهمية من سلامة المرضى في القطاع الطبيّ البريطانيّ الخاص، لذا من الضروريّ أن يتغيّر هذا الوضع".
كان باترسون استشاري جراحة الثدي في مستشفى "هارت أوف إنغلاند" التابع لـ " خدمة الصحية الوطنيّة"، وفي المستشفيين الخاصين "سباير باركواي" و"سباير ليتل أوستن" في بلدة سوليهال، في مقاطعة ويست ميدلاندز. على الرغم من وجود مخاوف بشأن مزاولته الجراحة، لم تتخذ الخدمة ولا "سباير" أيّ إجراء لمنعه. حتى أنّه لم يُمنع من العمل إلا في عام 2011.
في سياق متصل، ذكرت "شبكة مقدِّمي الرعاية الصحيّة المستقلّة"، التي تمثل القطاع الصحيّ الخاص في بريطانيا، إنّه لا بدّ من بذل مزيد من الجهود في سبيل التأكد من تشارك المعلومات بين " خدمة الصحية الوطنيّة" والشركات الخاصة بشأن الأطباء الذين يعملون في المؤسسات التابعة لهما.
وقالت دوغلاس، التي تدير مجموعة دعم تُدعى "بريست فرندز"، إنّ باترسون استغلّ حقيقة أن والديها توفيا بأثر من السرطان كي يقنعها بالخضوع لجراحة في الثديّ، على حساب شركة التأمين الصحيّ الخاصة التي تتعامل معها
وذكرت "كان يعلم أنّي كنت ضعيفة آنذاك ومن السهل إقناعي بالجراحة. كيف أفلت من العقاب فترة طويلة؟ السبب، أنّ أحداً لم يردعه، وهذا ما يجب أن يعمل التحقيق على تغييره".
وأضافت الضحيّة "أريد أن يُوظَّف الجراحون ويعملون في المستشفيات التي ستكون مسؤولة عن مراقبة أعمالهم. يجب أن يكون القطاع الصحيّ الخاص مسؤولاً عمّا يحدث في مستشفياته.. يتلقّى الآلاف من مرضى خدمة الصحية الوطنيّة العلاج في المستشفيات الخاصة، ولا أعتقد أنّ معظم الناس يدركون الوجه الحقيقيّ للرعاية الصحيّة التي يقدّمها القطاع الطبيّ الخاص في هذا البلد."
من جانبه، دعا "مركز الصحّة والمصلحة العامة" إلى اعتبار دخل باترسون ومكاسبه الماليّة بالإضافة إلى الأرباح التي حققتها "سباير هيلث كير" من خلاله، إيرادات متأتيّة من أفعال إجراميّة، ما يعني أنّ استعادتها ممكنة. وقال مدير المركز ديفيد رولاند إنّه يأمل في أن يوصي التحقيق المشار إليه سابقاً المستشفيات بضرورة توظيف الأطباء عن طريقها مباشرة، وأن تكون مسؤولة عن أفعالهم.
أضاف، "أحد الأمور الذي يدعو إلى الاستغراب حول النموذج الحاليّ لعمل المستشفى الخاص، أنّه أعدّ خصيصاً من أجل إعفاء شركات المستشفيات الخاصة من المسؤوليّة ومن تكاليف التعويض للمرضى المتضرِّرين أو الذين تعرّضوا لإصابات جسديّة تسبّب بها العاملون الطبيّون".
جدير بالذكر في هذا المجال أنّه في وقت سابق من الشهر الحالي، استدعت "سباير هيلث كير" مئات المرضى، بسبب مخاوف بشأن جراحات أجراها جرّاح يُدعى حبيب الرحمن. وأُفيد أن الجراح أجرى عمليات جراحيّة في الكتف من دون داعٍ أو بطريقة خاطئة، في "سباير باركواي"، المستشفى نفسه الذي اشتغل فيه إيان باترسون.
بناء عليه، طلبت "سباير هيلث كير" من 217 مريضاً عاينهم رحمن، الذي مُنع من مزاولة الطب في يناير (كانون الثاني) 2019، العودة إلى المستشفى لإجراء مراجعة طبيّة لحالتهم الصحيّة.
© The Independent