خلُص تقرير جديد إلى أن الآلاف من مواطني دول الاتحاد الأوروبي يُحرمون سلفاً من العمل، والمسكن علاوة على حقوق أولية أخرى إذا لم يستطيعوا إثبات شرعية إقامتهم بموجب "مشروع تسوية أوضاع الأوروبيين" الذي وضعته الحكومة. وأثار التقرير مخاوف من أن يُعرّض بريكست ملايين الأشخاص الآخرين للمعاملة على أساس سياسة "البيئة المعادية" التي تُطبقها الحكومة البريطانية بغرض جعل الإقامة بشكل غير شرعي في المملكة المتحدة صعبة قدر الإمكان.
ويكشف هذا التقرير البحثي الذي أجرته منظمة " 3 ملايين" أن واحدا، أو أكثر، من كل عشرة مواطنين من دول الاتحاد الأوروبي وأقاربهم أُبلغ خطأً أن عليه تقديم دليل على إقامته بطريقة شرعية وفق مشروع التسوية، على الرغم من أن ذلك غير ضروري قبل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ولدى الأفراد الحق بتقديم طلب لتسوية أوضاعهم على أساس "المشروع" المذكور حتى نهاية يونيو(حزيران) 2021.
وتكشف النتائج التي أوردها التقرير، وتوصّل إليها من خلال استطلاع شارك فيه 3171 مواطنا من دول الاتحاد الأوروبي وأفراد عائلاتهم، أنه قد طُلب من كثير من هؤلاء تقديم إثبات على شرعية إقامتهم كمهاجرين في فترة ما بعد بريكست، علماً أن ذلك جاء من وكلاء توظيف وأصحاب مساكن وبنوك وعيادات طبية ومستشفيات وبلديات محلية وغيرها من الوكالات والأجهزة الحكومية الأخرى.
ويسلط التقرير الجديد الضوء على حالات أبلغ فيها بعض أرباب العمل البريطانيين أشخاصاً أوروبيين، تقدموا بطلبات لشغل وظائف لديهم، بأنهم لن ينظروا فيها قبل ظهور نتائج طلباتهم للإقامة بموجب "مشروع تسوية أوضاع الأوروبيين". كما يُبرز حالات أخرى لأشخاص حُرموا من العناية الصحية ومُنعوا من فتح حسابات مصرفية.
وقال أحد المشاركين في الاستطلاع "أنا أعمل في القطاع العام، أخبرني موظف من قسم الموارد البشرية في المؤسسة أنه لا يستطيع إعطائي عقدا دائما لأن مستقبلي غير مضمون في المملكة المتحدة. وطلب مني أن أثبت أنني قدمت طلبا للحصول على إقامة شرعية وفق مشروع تسوية أوضاع المواطنين الأوروبيين".
وأفاد آخر بأنهم حاولوا تسجيل أسمائهم على القائمة الخاصة بطالبي السكن في منازل تابعة للمجلس البلدي، لكن تلقوا نصائح أصرّ أصحابها عليهم بتسوية أوضاعهم من خلال "المشروع" الحكومي أولاً على إقامة وفق مخطط التسوية السالف الذكر، بينما ذكر شخص ثالث شارع في الاستطلاع ثالث أنه لم يكن قادرا على تجديد شهادة قيادة السيارة من دون إثبات تسوية وضعه على أساس المشروع نفسه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق قالت مايكه بوهن ، وهي من المؤسسين المشاركين لمنظمة "ثلاثة ملايين"، إن هذه النتائج هي عبارة عن "مؤشرات لأمور مقبلة.. صار ملايين آخرون من الناس يخضعون لسياسة البيئة المعادية وقد بدأنا سلفاً نرى التأثير، على الرغم من أن قواعد الهجرة الجديدة لم تدخل بعد حيز التنفيذ".
وأضافت بوهن أن "من المرجح أن تسوء الأمور أكثر حين تبدأ المرحلة الانتقالية يوم31 يناير(كانون الثاني) ، لأن الخطاب المتشدد جدا حول ‘تنفيذ بريكست بالكامل، يعني أن كثيرين سيفترضون أن الحصول على شهادة الإقامة أمر مطلوب. يجب توقع شيوع التشوش والفوضى".
من جهته، قال النائب العمالي ديفيد لامي إن الطريقة التي عومل بها مواطنو الاتحاد الأوروبي منذ استفتاء عام 2016 كانت "مخزية".
وأضاف لامي، وهو وزير دولة سابق، أنه "بدلا من تطمين أصدقائنا وجيراننا وأقاربنا الأوربيين الذي قدموا الكثير لمجتمعنا، أظهرت تيريزا ماي وبوريس جونسون احتقارا لهم من خلال إهانتهم واستخدامهم كأوراق للمساومة".
وجاءت النتائج هذه بعد رفض وزارة الداخلية إعطاء مواطني الاتحاد الأوروبي إثباتاً ماديا على حقهم بالبقاء في المملكة المتحدة بعد بريكست، والتي يقول ناشطون إنها ضرورية لمنع وقوع فضيحة "ويندراش أخرى"، التي تتصل بطرد مواطنين بريطانيين من أصول كاريبية عام 2018.
واتهمت بوهن بوريس جونسون "بالتوجه إلى مواطني الاتحاد الأوروبي بخطاب متقلب، تارة دافئ وتارة بارد". وحثته على "إعادة بناء الثقة من خلال الإجراءات" التي تتضمن إتاحة فرص أفضل.
كذلك يشير التقرير إلى أن طلبات تسوية الوضع الخاصة بمواطني الاتحاد الأوروبي تستغرق فترة أطول من تلك التي حددتها وزارة الداخلية بثلاث مرات، إذ صرّح بعض المشاركين في الاستطلاع أنهم انتظروا حوالي 15 يوما بشكل وسطي، للحصول على نتيجة، في حين تقول الحكومة إن البتّ بالطلب يحتاج إلى خمسة أيام عمل فقط. وما زال 9 % ممن شاركوا بالاستطلاع ينتظرون ردود وزارة الداخلية على طلباتهم لتسوية الوضع.
وأوضح أيضاً أن الكثير من المشاركين في الاستطلاع مقتنعون بأنهم ليسوا بحاجة إلى تقديم طلب لتسوية أوضاعهم، إذ أن هناك 29 % منهم لم يقدموا طلباتهم بعد و7% يظنون أنهم لا ضرورة للتقديم.
في المقابل، طلب تشاي باتيل، مدير السياسات القانونية في "الرابطة الدولية للغرف التجارية الصغيرة" من الوزراء أن يلغوا سياسة "البيئة العدوانية" محذرا من أنه طالما بقيت هذه السياسة سارية فإن "هذا النوع من التمييز سيتزايد".
وأضاف باتيل "مع غياب زعامة أخلاقية إلى هذا الحد المذهل في ظل حكومة تستمر في دعم ‘البيئة العدوانية‘ للمهاجرين، ليس غريبا أن يواجه مواطنو الاتحاد الأوروبي الآن حواجز إضافية كي يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي في المملكة المتحدة".
من ناحيته، قال متحدث باسم وزارة الداخلية "نحن نثّمن الإسهام الذي يقدمه مواطنو الاتحاد الأوروبي لبلدنا ونحن نريدهم أن يبقوا. مشروع تسوية الأوضاع الخاص بمواطني الاتحاد الأوروبي يعمل بنجاح، وحصل أكثر من مليونين ونصف مليون شخص على وثيقة تسوية وضع آمنة عبر الأنترنت حتى الآن، تضمن لهم حقوقهم وفق قوانين المملكة المتحدة".
وأضاف أن "هذه الوثيقة الرقمية للوضع القانوني مستقبلا تثبت حقوقهم وهي مرتبطة بجواز سفرهم أو بطاقة الهوية، وبذلك فهي تعوض عن الوثائق الورقية التي يمكن أن تتعرض للضياع أو السرقة أو الضرر أو التلاعب أو النفاد".
© The Independent