Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثلاثة التزامات مطلوبة في بيان الحكومة اللبنانية

الاستحقاقات تدهم الطبقة السياسية فتخرق الدستور بالاجتهادات

بري مصافحاً النائب آلان عون قبيل انطلاق الجلسة البرلمانية في بيروت الإثنين 27 يناير (كانون الثاني) الحالي (رويترز)

باتت الاجتهادات القانونية التي تخرق النص الدستوري بحكم الضرورة في لبنان، عادةً لا تفارق الطبقة السياسية نتيجة حشرها لنفسها أمام الاستحقاقات الداهمة، مثلما هو حاصل في اجتماع البرلمان من أجل مناقشة وإقرار مشروع موازنة 2020 التي صاغتها حكومة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، التي استقالت في 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد أقل من 10 أيام على اعتمادها هذه الموازنة تحت ضغط الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في الـ17 من الشهر ذاته.
ولطالما كانت الحاجة إلى تلك الاجتهادات التي تنتج حالةً خلافية حول مدى دستوريتها، لأنها ناجمة عن ظروف الصراع السياسي الذي يضج به المسرح السياسي اللبناني منذ عقدين، بحيث يجري تطويع الدستور للظرف السياسي بدلاً من أن يتحكم الدستور بسير العملية السياسية.
لا يقف الأمر عند حدود اختراع مبدأ "الميثاقية" التي تحجج بها فرقاء سياسيون للحصول على مكاسبهم باسم التمثيل الطائفي، ولا باعتماد مبدأ الثلث المعطل من أجل افتعال الفراغ تارةً في الرئاسة الأولى لفرض مرشح معيّن مثلما حصل مع انتخاب الرئيس ميشال عون، وأخرى في تأليف الحكومات... وغيرها من الذرائع التي سوغت خرق الدستور في مراحل عدة.


"أرنب" جديد لبري 


آخر "الأرانب" التي أخرجها رئيس البرلمان نبيه بري يوم الاثنين من جيبه هو اعتبار حضور الحكومة المؤلَفة الأسبوع الماضي برئاسة الدكتور حسان دياب، جلسة مناقشة الموازنة، على الرغم من أن "لا ناقة لها ولا جمل" في وضع أرقامها التي تخطاها الزمن بفعل استفحال الأزمة المالية الاقتصادية مذ أقرتها حكومة الحريري قبل زهاء 3 أشهر. وبما أن حكومة دياب تألفت من دون أن تحصل على ثقة البرلمان، فإن تبنيها الموازنة ومناقشتها، أو سحبها لتعديلها غير دستوري. وأصحاب هذا الرأي من الكتل النيابية التي شككت بدستورية الجلسة النيابية، اعتبروا أنه وجب استباقها بجلسة للتصويت على الثقة بالحكومة ومن ثم درس الموازنة، لأن حضور رئيسها حسان دياب المناقشات قبل الثقة، لا مفعول قانونياً له. لكن بري أصر على أن يحضر دياب على الأقل فأعلن تبنيه مشروعها وقضى الإخراج ألا يحضر الوزراء معه.
وراء إصرار بري على الجلسة موجبات سياسية لتمرير الموازنة، منها على سبيل المثال لا الحصر تجنب الإنفاق على القاعدة الإثني عشرية، أي وفق أرقام موازنة 2019 التي تضخم العجز فيها، بينما تشترط الدول المانحة خفضاً كبيراً للعجز من ضمن شروط عدة لمساعدة لبنان. والموازنة الجديدة حققت ولو نظرياً ودفترياً، بعض الخفض. والسبب الثاني هو أن الدول المانحة تصر على إقرار الموازنة في موعدها قبل نهاية العقد الاستثنائي المخصص للبت بها آخر الشهر، كخطوة أولى، في كل بياناتها حول ضرورة التصحيح المالي والإصلاحات... كما أن انتهاء العقد الاستثنائي للبرلمان في آخر شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، من دون إقرار الموازنة يتيح اتهام البرلمان ذاته بعدم الاستجابة لطلب الحكومة السابقة البت بمشروعها.
 

الحريري وجنبلاط يستجيبان لبري... ويعارضان
 

أتاح الخلاف حول دستورية الجلسة كثيراً من السفسطة تحت قبة البرلمان، حيث أدلى بعض النواب بمواقف متناقضة. فبعض القوى التي صنع ممثلوها في الحكومة السابقة مشروع الموازنة صوتوا ضدها في المجلس النيابي مثل كتلة "المستقبل"، في وقت كان طبيعياً أن يقاطع الجلسة نواب حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب" اللذين عارضاها أصلاً.
نجح بري في تأمين انعقاد الجلسة نتيجة التدابير الأمنية التي اتخذها الجيش لمنع الحراك الشعبي الذي حاصر الطرقات المؤدية إلى البرلمان، من الحؤول دون وصول النواب، بعد إصراره على قائد الجيش العماد جوزيف عون أن يؤمن وصولهم. وألحّ بري على الحريري قبل مغادرته لبنان نهاية الأسبوع الماضي، وعلى حليفه رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط أن يحضر نواب كتلتيهما لتأمين نصاب الجلسة، فتجاوبا لتسليفه موقفاً إيجابياً، على الرغم من اعتراضهما لعدم دستوريتها. وعبّر مصدر في كتلة "المستقبل" عن موقف الحريري بالقول إن "الكتلة تلتزم تجنّب سياسة المقاطعة وتعطيل المؤسسات الدستورية". وغرّد جنبلاط على "تويتر" مؤكداً أن "التصديق على الموازنة أفضل من الفراغ واعتماد القاعدة الاثني عشرية". وامتنع نوابه عن التصويت ضد الموازنة، لتأتي الأصوات التي أُقرت بواسطتها هزيلةً (49 صوتاً من أصل 128 نائباً حضر منهم 66).


هشاشة التصويت... ووزارتَي المال والطاقة
 

تعكس هشاشة التصويت النيابي لمشروع الموازنة عمق الأزمة السياسية الاقتصادية التي تبدو أدوات معالجتها ضعيفة وركيكة، على الرغم من الآمال التي يعلقها عرابو الحكومة الجديدة على إمكان حصولها على الدعم الخارجي الذي من دونه يستحيل انتشال لبنان من احتمال الانهيار الكامل.
ويترقب الوسط السياسي بيان الحكومة الذي واصلت دراسته ليتم على أساسه الحكم على مدى استعداد الدول لتقديم العون لها. ويقول مصدر نيابي شارك في خفض إنفاق الموازنة من أجل خفض أرقام العجز فيها لـ "اندبندنت عربية"، إنه "إذا كان إقرار الموازنة البداية في الإجراءات المطلوبة من أجل إقناع الدول المعنية الغربية والعربية بمساعدة لبنان على تخطي نقص السيولة الحالية كخطوة في المدى القصير، تمهيداً لتنفيذ إصلاحات تسمح بمساعدات إضافية على المدى المتوسط، فإن الإجراءات السريعة الأخرى من أجل تشجيع الدول المانحة على مناقشة أرقام المساعدات يجب استكمالها من قبل وزارتين رئيسيتين هما المال والطاقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤيد أحد الاقتصاديين الذين ساهموا في كل الخطط التي وضِعت في عهد الحكومة السابقة ما ذهب إليه وزير المال الجديد غازي وزني بأن لبنان يحتاج بشكل عاجل من الدول والمؤسسات المالية 4 إلى 5 مليارات دولار أميركي من أجل تعويض نقص السيولة لتأمين تمويل استيراد المواد الغذائية والمحروقات والأدوية والمواد الطبية لهذا العام. ويضيف الاقتصادي نفسه أن لبنان يحتاج على مدى السنوات الخمس المقبلة إلى ضخّ أكثر من 25 مليار دولار أميركي من أجل تصحيح وضعه الاقتصادي.
ويضيف نائبٌ عضوٌ في لجنة الموازنة النيابية أن "إجراءات وزارة المال على طريق تشجيع الدول المانحة كي تقبل ببرنامج من هذا النوع، تشكل عنصراً أساسياً يقضي بخفض إنفاق القطاع العام"، الذي يرى الاقتصادي المشارك في وضع برامج الإصلاح السابقة أنها "تشمل إضافةً إلى ضبط الجمارك ووقف التهريب والتلاعب بالبيانات الجمركية من محميات سياسية وغيرها... التجرؤ على طرح فكرة تجميد الإضافات التي تحققت في تعويضات وتقديمات موظفي الدولة نتيجة سلسلة الرتب والرواتب التي أُقرت عام 2017، بنسبة 15 في المئة لمدة 3 سنوات على أن تُسدَد لاحقاً بعد تحسن مالية الدولة. فهذا النوع من الإجراءات يشجع المانحين على البحث بتقديم الدعم إلى لبنان".

أما من جهة وزارة الطاقة فإن النائب ذاته، وكذلك الاقتصادي المعني ببرامج الإصلاحات المطلوبة، يعتبران أن من الأولويات التي يشترط المجتمع الدولي تنفيذها هي تعيين مجلس إدارة لشركة كهرباء لبنان بسرعة، وأعضاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء التي لم يكلّ موفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ودول مجموعة الدعم الدولية للبنان، عن تكرار المطالبة بتفعيلها كأداة تحقق الشفافية في هذا القطاع الذي يشكل الهدر فيه 40 في المئة من الدين العام الذي فاق الـ 86 مليار دولار.


البيان الوزاري وترسيم الحدود
 

ويقول النائب العضو في لجنة المال والموازنة، إن الإجراءات المذكورة، المطلوبة من وزيرَي المال والطاقة هي إشارات إلى المجتمع الدولي، لم تتضمنها موازنة 2020، على الرغم من أنها لامست بعض التخفيضات غير الكافية في إنفاق القطاع العام. ويرى النائب ذاته أن البيان الوزاري يجب أن يتضمن التزاماً بإجراءات من هذا النوع، خلافاً لإيحاء وزير الطاقة الجديد ريمون غجر بأن ما أعاق تعيين مجلس إدارة كهرباء لبنان هو خلافات بين وزراء الحكومة السابقة على الأسماء، وخلافاً لتذرعه بالحاجة إلى تعديل قانون الكهرباء من أجل تعيين الهيئة الناظمة للقطاع، المطلوبة بإلحاح من قبل الدول المانحة التي تعرف الكثير عن الصفقات والهدر فيه. فهذه الذريعة استخدمها وزراء "التيار الوطني الحر" الذين تعاقبوا على حقيبة الطاقة في السنوات الماضية. كما أن الهيئة الناظمة مطلوبة في قطاع الاتصالات بإلحاح.

ويعتقد الاقتصادي المتابع لشروط المجتمع الدولي أن تضمين البيان الوزاري استعداد لبنان من أجل تفعيل المفاوضات الجدية على ترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل وسوريا، يمكن أن يشكل الإشارة الثالثة التي تقنع الدول الكبرى بالبحث في سبل دعمه مالياً، لأن هذا الاستعداد الجدي يعطي إشارة سياسية إلى نية "حزب الله" وقف حركته عبر الحدود الجنوبية والشرقية ويرفع الآمال بأن يتمكن لبنان من استغلال ثروته من الغاز والنفط في البحر، بشكل يعيد التوازن إلى ماليته العامة وقاعدة اقتصاده.
يُذكر أن الترسيم ليس مطلباً أميركياً فحسب، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين سبق أن طرحه على الحريري في إحدى زياراته إلى موسكو، مبدياً استعداده للمساعدة في هذا المجال مع الجانب السوري.

المزيد من العالم العربي