Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تنحي الصادق المهدي واعتزاله السياسة... حقيقة أم مناورة؟

الزعيم السوداني يقسم المشهد في بلاده بين مؤيد ومعارض

الصادق المهدي يلقي خطاباً أمام حشود من أنصاره في أم درمان (رويترز)

وضع الزعيم السوداني المعروف الصادق المهدي، حزب الأمة القومي الذي يترأسه قرابة الـ 50 عاماً، فضلاً عن إمامة طائفة الأنصار، أمام اختبار صعب للغاية بإعلانه التنحي عن رئاسة الحزب واعتزال العمل السياسي، ومنح حزبه مهلة حتى انعقاد المؤتمر العام الرابع المقرر خلال الفترة المقبلة لاختيار رئيس جديد، وهي خطوة يعارضها العديد من مؤيديه من منطلق أنه لا توجد شخصية تتمتع بالمواصفات القيادية والفكرية التي يمتلكها المهدي لتكون خليفة له، فيما يعتقد الكثيرون بضرورة تغيير الزعامات السياسية من وقت لآخر من أجل تجديد الدماء والرؤى.

ويرى محللون سياسيون أنه إذا صدق المهدي في قراره بالتنحي واعتزال العمل السياسي، مع احتفاظه بمشاركاته ومساهماته الفكرية، وتمكن حزب الأمة من اجتياز هذه التجربة بنجاح تام سيكون أسس لسابقة حميدة في تاريخ السياسة السودانية، لكنها في الوقت نفسه ستمثل تحدياً حقيقياً للقوى السياسية.

مناورة سياسية

واجه إعلان المهدي الذي جاء في خطاب جماهيري حاشد لأنصاره في أم درمان يوم السبت 25 يناير (كانون الثاني)، حملة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها قراراً مماثلاً بالإضافة إلى مواقفه السلبية من الثورة السودانية.

وفيما يرى البعض أن حزب الأمة سيقع في ورطة تجعل استمرار المهدي أفضل من تنحيه لأنه في النهاية سيأتي أحد أبنائه خلفاً له، الأمر الذي يرفضه الكثيرون خاصة بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي جاءت لمحاربة التوريث السياسي، يعتقد أخرون أن المسألة لا تعدو من كونها مسرحية أو جس نبض ومناورة سياسية ليطالب أنصاره بعدم تنحيه كي يظهر أنه مرغم على الترشح للانتخابات البرلمانية بعد انتهاء الفترة الانتقالية الحالية المحددة بـ 39 شهراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير أطراف ثالثة بأن من يطوف على قواعده في أقاليم السودان المختلفة وهو في عمر 85 عاماً في حملة يطالب فيها بإجراء انتخابات مبكرة لن يتنحى عن رئاسة حزب بل سيكون هدفه رئاسة الحكومة، خاصة وأنه سبق أن أعلن هذا القرار في نفس المكان (حوش الخليفة في أم درمان) في عهد نظام البشير، وبالتالي فالموضوع نفسي بالنسبة للمهدي الذي ظل ينادي بشعارات الحداثة والديمقراطية ويطبق في نفس الوقت تقاليد التنظيم التقليدي في معقله الجزيرة أبا.

رفض التنحي

ولم تجد رغبة رئيس حزب الأمة في اعتزال العمل الحزبي والتنفيذي، والتي ظل يكررها من وقت لآخر خلال السنوات الأخيرة، قبولاً لدى عدد من جماهير الحزب، في حين أن حزبه نفسه لم يعد قادراً على تحديد موعد قاطع لمؤتمره العام الذي سيم خلاله اختيار الرئيس الجديد حسب ما ورد في خطاب المهدي الذي حدد نهاية رئاسته للحزب بموعد انعقاد هذا المؤتمر.

وكان المهدي قال في خطابه "نعم سوف اتخلى ان شاء الله عن العمل الحزبي والتنفيذي، ولكن سوف أواصل العمل العام الوطني والإسلامي والعربي والأفريقي والدولي الفكري والعملي من الركاب إلى التراب". فضلاً عن تناوله عدد من القضايا المطروحة على الساحة من أبرزها ملف السلام والوضع الاقتصادي، مطالباً المجتمع الدولي دعم السلام والتحول الديمقراطي لتحقيق الاستقرار في السودان.
 
الدهاء والتناقض

ويعتبر مراقبون أن الصادق المهدي يخوض معاركه السياسية بدهاء، متخذاً وسائل شتى خلال فترة معارضته حكم البشير الذي أطاحت به ثورة شعبية في أبريل (نيسان) 2019، من بينها خطبة الجمعة بمسجد "ودنوباوي"، واستخدام الأمثال السودانية العامية في توضيح وجهات نظره والتي تساعده في إيصال أفكاره، وهي ميزة نادرة بين السياسيين في السودان. وظل المهدي محل فخر واعتزاز لمناصريه الذين يعتبرونه المنقذ للسودان لما يمتلكه من علاقات دولية واسعة، بالإضافة إلى حنكته وتجربته الرائدة في العمل السياسي والتنفيذي. وفي المقابل يصفه المعارضون بالمتردد في اتخاذ القرارات الحاسمة والمستعجل للوصول إلى الهدف.

سيرة زاخرة

ويمتلك الصادق المهدي الذي دخل معترك السياسة في نهاية العشرينيات من عمره، سيرة سياسية زاخرة بالعطاء والنضال، حيث تقلد رئاسة مجلس الوزراء مرتين الأولى (1967-1969) خلفاً للسياسي المخضرم محمد أحمد المحجوب، والثانية (1986-1989)، كما يعد الزعيم الوحيد في أسرة المهدي الذي جمع بين السلطتين الزمنية والروحية، وهو نهج خالف فيه سلفه من لدن المهدية، فالأمام المهدي اكتفى بالسلطة الروحية وترك إدارة السلطة الزمنية لساعده الأيمن وخليفته عبدالله ود تورشين. في حين احتفظ من بعده الامام عبدالرحمن المهدي بالسلطة الروحية وترك تدبير شؤون السلطة الزمنية والإدارية لمساعديه مثل البك عبدالله خليل ومحمد أحمد المحجوب وابنه الصديق عبدالرحمن المهدي.

وإلى جانب أنه سياسي مخضرم فهو مفكر له مؤلفات عديدة من أبرزها مستقبل الإسلام في السودان، والإسلام والنظام العالمي الجديد، والسودان إلى أين.

تاريخ الحزب

تعود جذور حزب الأمة السوداني إلى الثورة المهدية التي قادها الإمام محمد أحمد المهدي في القرن التاسع عشر، والتي تعتبر أهم ثورة وطنية في تاريخ السودان الحديث.

وتم تأسيس حزب الأمة القومي في عهد الإمام عبد الرحمن المهدي الابن الوحيد للمهدي الأب، وذلك في فبراير (شباط) 1945، شاملاً مزيجاً من كيان الأنصار الذي يؤيد الفكرة المهدية ومن بعض المثقفين القوميين الذين يطالبون باستقلال السودان الذي تم في 1956، وقد بدأ نشاطه اقتصادياً واجتماعياً ثم ارتقى إلى العمل السياسي.

وعُرف حزب الأمة في فترة النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني باسم "الاستقلاليين"، بينما تستند قوة الحزب إلى جماعة " الأنصار" وهم مؤيدو الإمام محمد أحمد المهدي، والذين ينتشرون في كل مناطق السودان، وتعتبر أقاليم النيل الأبيض ودارفور وكردفان وبعض ولايات شرق السودان مناطق نفوذ للحزب.

ويعد مؤيدو الحزب من جماعة كيان الأنصار القوة الضاربة له، من ناحية عقدية واجتماعية وسياسية، ويعتبر الأنصار محاربين بالفطرة وذوي ولاء مطلق لرئيس الحزب الصادق المهدي.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي