Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران... التمهيد لبرلمان أكثر تشددا في ظل تحديات حقيقية

"مقصلة النظام" تحرم نواباً محافظين وغالبية الإصلاحيين من الترشح مجدداً

موقع خاص في فانكوفر الكندية لإضاءة الشموع والتذكارات على نية ضحايا الطائرة التي أُسقطت بصاروخين إيرانيين (أ. ب.)

قد تكون المرحلة التي تمر بها إيران من أكثر المراحل تعقيداً وتشعباً، لجهة الأزمات التي تواجهها، إن كان على الصعيد الدولي في ظل مؤشرات التخلي الأوروبي عن الحلقة الأخيرة من وقوفها إلى جانب طهران – شكلياً- في موضوع الاتفاق النووي والتوجه إلى تطبيق مبدأ حل النزاعات المتعلقة بالاتفاق وما تعنيه من امكانية نقل الملف مرة أخرى إلى مجلس الأمن الدولي، في ظل إصرار دول الترويكا الأوروبية على موقفها الذي يتهم إيران بتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها الاتفاق، وعدم امكانية استخدام الفيتو من قبل روسيا والصين بوجه إعادة تفعيل العقوبات الدولية ضد طهران.
أو على الصعيد الاقليمي، في اطار الصراع المفتوح مع الولايات المتحدة حول دور طهران ونفوذها الاقليمي، في ظل تداعيات التصعيد العسكري الأخير بين الطرفين والذي أخذ شكل المواجهة المباشرة باغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني قرب مطار بغداد، وما تلاه من رد ايراني صاروخي استهدف قاعدتَي عين الأسد في الأنبار و"الحرير" في أربيل اللتان تستخدمهما القوات الأميركية.
كما تعيش إيران تداعيات أزمة اسقاط الطائرة الأوكرانية وأسلوب تعامل السلطات الايرانية مع تلك النتائج، خصوصاً على المستوى الداخل، الذي كشف عن وجود هوة عميقة بين الدولة والمؤسسات الموازية، وخصوصاً في التعامل بين الحكومة والمؤسسة العسكرية والأمنية، فضلاً عن مماطلة الأخيرة في الاعتراف بمسؤوليتها عن اسقاط الطائرة وما تسبب به ذلك الأمر من انتفاضة شعبية تأخذ على النظام وأجهزته الإمعان في ممارسة الكذب على الايرانيين، وتؤكد من جهة أخرى عدم كفاءة الأجهزة الايرانية في التعامل مع التحديات والتهديدات وبالتالي فإن المرحلة تتطلب رحيل النظام ورموزه.
ووجد ذلك الأمر تعبيره في التظاهرات التي تشهدها المدن الايرانية ويغلب عليها الطابع الطلابي الجامعي، والتي كسرت وتجاوزت كل المحرمات في الشعارات التي رفعتها، بما يفرغ الحشود الجماهرية التي خرجت في تشييع سليماني من الهدف الذي أراده النظام بمثابة استفتاء على شعبيته وشرعيته.
 

النظام يواجه
 

قد يعتقد أي مراقب من خارج النظام أن كل هذه التحديات والمخاطر التي تطرحها هذه الأزمات على قيادة النظام، يُفترض أن تدفعها إلى اعادة النظر في مواقفها، والبحث عن مخارج وتسويات داخلية وخارجية، حقيقية وجدية تساعدها أو تسمح لها بالخروج من دائرة التهديد. الا أن الاجراءات التي يقوم بها النظام وأجهزته الرقابية تكشف أنه ليس في وارد القيام بأي من تلك الخطوات أو الاجراءات التي تساعد على تخفيف الاحتقان وتمهد الأرضية للتفاهم مع المجتمع الدولي وتسمح بتهدئة الساحة الداخلية التي بدأت بالانفلات من قبضته وتنذر بانفجار قد يسبب له حرجاً كبيراً ويهدد استقراره على خلفية التظاهرات الطلابية التي تشهدها الجامعات في مدن إيرانية عدة.
ويبدو أن النظام بأجهزته ومراكز القرار التي يتحكم بها التيار المحافظ المتشدد، تعتقد أن أي تراجع بمواجهة الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرض لها ستؤسس لمسار من التنازلات، وأن هذه التنازلات في حال حدثت ستضع النظام والتيار المحافظ في مواجهة معركة وجود واستمرار السلطة، ولعل المؤسسة العسكرية وتحديداً الحرس الثوري هي الجهة الأكثر ادراكاً لتحدي الاستجابة لمثل هذه المطالب والضغوط. ويبدو أن الخيار لدى هذه القوى يذهب باتجاه مزيد من التشدد والسيطرة واستبعاد القوى والتيارات الأخرى حتى تلك التي تصف نفسها بالمعتدلة في منظومة النظام، فضلاً عن الموقف الحازم والأكثر تشدداً من موقف التيار الاصلاحي والقوى الدائرة في فلكه. ويمكن قراءة المسار الذي بدأت معالمه تتضح والذي سيحكم المرحلة المقبلة، من خلال ما يتسرب من اجراءات "لجنة دراسة أهلية المرشحين للانتخابات البرلمانية" التابعة لمجلس صيانة الدستور، التي شهدت "مجزرة" بحق ثلث اعضاء البرلمان الحالي عبر اسقاط حقهم في الترشح للانتخابات المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم تفرّق مقصلة هذه اللجنة بين نائب اصلاحي وآخر معتدل ولم يسلم من شفرتها حتى بعض النواب المحافظين، وكان المعيار في استبعادهم وحرمانهم من حقهم الديمقراطي، مواقفهم المنتقدة لبعض السياسات والاجراءات التي اتخذها النظام خصوصاً في السنوات الثلاثة الماضية التي شهدت ارتفاعاً في حدة ومنسوب الانتقادات للكثير من سياسات النظام وانكشاف الصراع بين أجنحته حول الموقف من السلطة التشريعية والعلاقات مع المجتمع الدولي والسياسات الاقتصادية المتبعة لمواجهة الانعكاسات السلبية للعقوبات الاقتصادية على الداخل الايراني.
استبعاد شخصيات مثل علي مطهري، نجل مرتضى مطهري، الشخصية الفكرية والدينية الاكثر حضوراً في ادبيات التيار المحافظ، سبقه إخراج زوج شقيقة علي مطهري، رئيس البرلمان الحالي علي لاريجاني (هناك ترجيحات ضعيفة تقول بامكانية ترشحه لرئاسة الجمهورية عام 2021 الا أنها مستبعدة في ظل الهجوم الذي تتعرض له عائلة لاريجاني من التيار المحافظ) من لوائح مرشحي التيار المحافظ، إضافة الى نواب محافظين كثر يمثلون المحافظات الأخرى. وطاولت المقصلة غالبية النواب الإصلاحيين بمَن فيهم محمد رضا تابش ابن شقيقة الرئيس السابق محمد خاتمي والياس نادران مساعد الأمين العام لحزب "اعتماد ملي" (الثقة الوطنية) وكثيرين غيرهما، بحيث وصل عدد النواب الحاليين الذين يحق لهم الترشح عن العاصمة طهران إلى 12 نائباً من أصل 30 وفق المعلومات الأولية التي يتم تداولها وتشمل 120 نائباً حالياً من مختلف الاتجاهات السياسية.

تشدد وعدم اكتراث

هذه الاجراءات التي يُتوقع أن تكون أكثر تشدداً مما سبقها في الدورات الماضية، تكشف أن النظام وأجهزته تتعامل مع التحديات التي تحيط بإيران داخلياً وخارجياً بكثير من عدم الاكتراث وبفوقية واعتداد بقدرته على تجاوزها، لذلك يعمل على تمتين سيطرته وقبضته على النظام واستبعاد كل الأصوات التي قد تشكل مصدر قلق له في الداخل وتعرقل مسار سيطرته على مراكز القرار، على اعتبار أن الإتيان ببرلمان على القياس الذي يرغب فيه، يكفيه عناء الدخول في سجالات لا طائل منها، مثلما حدث مع المجلس الحالي. ويحمل ذلك على الاعتقاد بأن النظام يسعى خلال الاسابيع المقبلة التي تسبق موعد الانتخابات، ترتيب الجبهة الداخلية للتفرغ للجبهة الخارجية وما فيها من إمكانية تقديم تنازلات للخروج من المأزق الذي يمر فيه، وبالتالي فهو بحاجة إلى برلمان على المقاسات التي يحتاجها من أجل تمرير سياساته من دون أي أصوات معترضة حتى وإن كان البرلمان أُفرغ خلال السنوات الماضية من دوره الرقابي.

المزيد من آراء