أحدث رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك اختراقاً في مسيرة عملية السلام بين حكومته وحاملي السلاح. وذلك خلال زيارته، الخميس 9 يناير (كانون الثاني)، منطقة كاودا التي تمثل معقل الحركة الشعبية- قطاع الشمال بقيادة الجنرال عبد العزيز الحلو. وهي الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول سوداني رفيع منذ اندلاع القتال في منطقة جنوب كردفان عام 2011. في الوقت الذي فشلت محاولات نظام الرئيس السابق عمر البشير في تحريرها مرات عديدة حتى أطاحت به الثورة الشعبية في أبريل (نيسان) 2019.
وتوقف سياسيون سودانيون، في لقاءات مع "اندبندنت عربية"، عند التوقيت الدقيق للغاية للزيارة "التاريخية المهمة" وفق تعبير حمدوك، واصفين الخطوة بـ"الجريئة" و"تعزز السلام ومسار المفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة التي تستضيفها عاصمة جنوب السودان جوبا منذ 10 ديسمبر (كانون الأول) 2019، فضلاً عن كونها ستسهم في كسر الحاجز النفسي والسياسي والأمني".
المعاناة والظلم
وتأتي هذه الزيارة تلبية لدعوة تلقاها رئيس وزراء السودان من قائد الحركة الشعبية- قطاع الشمال عبد العزيز الحلو.
وكتب حمدوك على تويتر "هذه فرصة عظيمة لأؤكد لأهلنا في كاودا ولجميع السودانيين أن حكومتكم الانتقالية تسعى جاهدة لتحقيق السلام الشامل والعادل، وأنها تُولي اهتماماً متعاظماً بجميع مناطق السودان، خصوصاً المناطق المتأثرة بالحرب والتي ظلّت مهمشة لعقود طويلة". وأكد أن الحكومة تدرك حجم المعاناة والظلم الذي تعرض له السكان في كاودا، وتقدر كفاحهم ونضالهم من أجل بناء سودان يسع جميع السودانيين بتنوعاتهم واختلافاتهم.
وفيما اعتبر أن السلام واجب وأولوية ولن يتم تجاهله، قال إن السلام لن يتحقق ما لم تلتزم الحكومة والشعب إيجاد حلول هادفة وعادلة للصراع، مضيفاً أن الثورة لن تكتمل ما لم تؤخذ مظالم الذين استهدفهم النظام السابق بصورة ممنهجة.
خطوة جبارة
ورأت قوى إعلان الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة السودانية الانتقالية، أن الزيارة تاريخية وتمثل خطوة جبارة في طريق بناء السلام العادل الشامل، معربة عن أملها في أن تسهم الزيارة في التأسيس لسلام عادل وشامل يستجيب لآمال اللاجئين والنازحين، ومن طالتهم آلة بطش نظام الإنقاذ.
وأضاف بيانها "تأتي الزيارة في خضم مخاض تاريخي لولادة وطن جديد تنتهي فيه كل المظالم، ويتساوى الناس على أساس المواطنة دون تمييز أو إقصاء"، مؤكدة أن الزيارة التاريخية هي بداية عهد جديد يعمل فيه السودانيون معاً لاستكمال مهمات ثورتهم.
حلفاء لا أعداء
تهدف زيارة حمدوك، وفقاً للسكرتير الصحافي لرئيس الوزراء البراق النذير الوراق، إلى التأكيد على أن الحكومة الانتقالية جادة في الوصول إلى سلام، وأنها ستسلك السبل كلها للوصول إلى هذه الغاية، مشدداً على أن الزيارة جاءت بدعوة من زعيم الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو، الذي تسيطر قواته على المدينة منذ نحو عشر سنوات واستعصى على قوات النظام السابق دخولها على الرغم من الحملات العسكرية المتواصلة.
ونفى أن تكون الزيارة تكريساً لخروج مدينة كاودا عن سيطرة الدولة السودانية، لافتاً إلى أن الدعوة تفهم في إطار التفاهم الكبير الذي يظلل العلاقة بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح، وأن المفاوضات الجارية حالياً هي مفاوضات تتم بين حلفاء لا أعداء، وأن الكل من خلالها يسعى إلى حلحلة مشاكل السودان المزمنة والتي انتفض الجميع ضدها وعمل الكل لإنهائها، كل حسب الوسيلة التي اختارها.
وأشار إلى رمزية مدينة كاودا في الذهنية السودانية من خلال تصريحات الرئيس المعزول عنها وإعلانه أكثر من مرة أنه سيدخلها بقوة السلاح، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء حالياً سيدخلها دونما سلاح، وإنما يحمل غصن زيتون.
تقرير المصير
وكانت الحركة الشعبية- شمال قررت في وقت سابق تمديد وقف الأعمال العدائية 3 أشهر، واعتبرها كثيرون خطوة مهمة تظهر إرادة سياسية ورغبة قوية غير مسبوقة، لتحقيق سلام شامل ومستدام يستحقه الشعب. ويجيء تمديد وقف الأعمال العدائية من جانب واحد حتى 31 مارس (آذار) 2020، كبادرة حسن نية تجاه الحل السلمي للنزاع في السودان، ومنح محادثات السلام الحالية فرصة للنجاح.
وكان الحلو أكد في تصريحات سابقة أن الحركة الشعبية والحكومة الانتقالية في الجولتين الثانية والثالثة، اللتين تم تعليقهما، ناقشا إعلان المبادئ، وأن "الطرفين يملكان إرادة قوية لتحقيق السلام، مشدداً على أن أهم القضايا الخلافية هي حق تقرير المصير والعلمانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد على وحدة السودان وحدة عادلة، تُحقق الاستقرار والتنمية، والانتقال من دولة الفقر إلى دولة الكفاية إلى دولة الرفاهية، مطالباً فصل الدين عن الدولة أو العلمانية، باعتباره موقفاً مبدئياً للحركة. وأشار إلى أنه في حال رفضت الحكومة الانتقالية والمركز قبول مبدأ العلمانية، فإن حركته تُفضّل اللجوء إلى "حق تقرير المصير". ورأى أنه في ظل الوضع الحالي لن تكون هناك عدالة أو وحدة حقيقية.
انقسام حاد
ومنذ يونيو (حزيران) 2011، تقاتل الحركة الشعبية- قطاع الشمال، الحكومة السودانية في ولايتي جنوب كردفان، والنيل الأزرق. في الوقت الذي تعاني الحركة الشعبية انقسامات حادة، بعد أن أصدر مجلس التحرير الثوري فيها، في يونيو 2017، قرار عزل رئيسها مالك عقار، لتنقسم إلى جناحين، الأول بقيادة الحلو، والثاني بقيادة عقار.
وتركز مفاوضات جوبا الآن على 5 مسارات، هي مسار إقليم دارفور (غرب)، ومسار ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومسار شرقي السودان، ومسار شمالي السودان، ومسار وسط السودان.
ويشكل إحلال السلام في السودان أحد أبرز الملفات على طاولة حكومة حمدوك، خلال مرحلة انتقالية بدأت في 21 أغسطس (آب) 2019، وتستمر 39 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتحالف "إعلان الحرية والتغيير".