Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التنوع القبلي في السودان... نعمة أم نقمة؟

صراعات بين قبائل تهدد بالقضاء على إمكانية التوصل إلى سلام شامل في البلاد

نازحون سودانيون جراء الاقتتال في غرب دارفور (مواقع التواصل)

بدأ الصراع القبلي في السودان يأخذ منحى سلبياً في المشهد الاجتماعي والسياسي، بانتقاله من نزاع محدود حول المرعى والمأكل ليصبح حروباً أهلية وصراعات متتالية سقط ضحيتها آلاف القتلى، ما عمّق روح العداء بين القبائل بخاصة التي تتجاور في منطقة واحدة وتتشابك المصالح في ما بينها. وما يحدث الآن من اشتباكات في منطقة الجنينة في دارفور بين قبيلة المساليت وبعض القبائل العربية، وكذلك الحال في شرق السودان بين قبيلتَي بني عامر والنوبة، يثير تساؤلات عدة حول أثر تلك الصراعات التي تنفجر من حين إلى آخر على إمكانية التوصل إلى سلام شامل في البلاد، وذلك في ضوء محادثات السلام التي تستضيفها حالياً عاصمة جنوب السودان جوبا، بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة منذ العاشر من ديسمبر (كانون الأول) 2019.
 

نظرة قومية
 

وعلى الرغم من أن تداعيات الأحداث المتمثلة في تفجر الصراعات والاشتباكات القبلية سواء في دارفور أو شرق السودان تؤكد أن القبيلة أصبحت العدو الأول لتقدم الوطن ونماء شعبه طالما كانت نظرة المجتمع لها ضيقة ولا تتسع الآخر، لكن مراقبين يؤكدون أهمية النظر إلى النزاعات القبلية بنظرة قومية من قبل الحكومة الانتقالية التي ربما تجد نفسها أمام المزيد من النزاعات القبلية في الفترة المقبلة، داعين المجتمع السوداني للتعاطي مع مقتل العشرات في دارفور وشرق السودان بمثل تعاطيه مع أحداث أقل أهمية تحصل في مركز البلاد.
فضلاً عن أهمية الالتزام بتطبيق سيادة حكم القانون وتقديم كل المتورطين في الأحداث الأخيرة للعدالة، وفقاً لما تسفر عنه نتائج التحقيقات، وذلك منعاً لتجدد المواجهات القبلية في مناطق أخرى، وهو ما يجعل من موضوع النزاعات القبلية تحدياً حقيقياً أمام حكومة الفترة الانتقالية، وهو تحدٍ عجزت الحكومة السابقة عن التعاطي معه.


تغذية الصراعات
 

لكن في ظل تطورات الأحداث المحلية والإقليمية برزت عوامل أخرى وفقاً للمراقبين أسهمت في تغذية الصراعات القبلية في السودان من أهمها:

- محاولة جهات مرتبطة بالنظام السابق لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وهزّ الثقة في التغيير الذي حدث في البلاد أو تلك التي لا تريد نجاحاً للمفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة التي بدأت قبل فترة في مدينة جوبا بجنوب السودان.

- اتساع حالة الغبن الاجتماعي والتقسيم القبلي لجهة القرب والبعد عن الحكومة، وانتشار المخدرات والبطالة وسط الشباب.

- تأثير الحدود المفتوحة للسودان مع كل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.

- ضعف سيطرة الدولة وعدم قدرتها على بسط سيادتها على كامل ترابها الوطني، إذ توجد بعض المناطق في أطراف البلاد ينعدم فيها أي وجود للدولة لا سيما الأجهزة الأمنية.

- الآثار بعيدة المدى للنزاع والحروب التي ظلت ملازمة لتاريخ البلاد المعاصر، حيث (تعسكرت) مجتمعات بالكامل، بخاصة تلك التي تقع على تخوم مناطق النزاع.

- أثر الميليشيات والمجموعات المسلحة التي أنشأها نظام البشير لمواجهة تمدد التمرد وعدم قدرته أو تراخيه في ضبط هذه الميليشيات، فضلاً عن ترك كميات كبيرة من الأسلحة بما في ذلك الأسلحة الثقيلة في أيدي عناصر تلك الميليشيات من دون رقابة أو سيطرة فعلية من الجهات الحكومية.

- تدفق الأسلحة بكثافة إلى أيدي المواطنين، فضلاً عن شيوع تجارة الأسلحة وتحولها إلى نمط اقتصادي معيشي للكثيرين في تلك المجتمعات.

- عدم توفير الأمن وبسط حكم القانون في بعض مناطق البلاد، وهو ما يدفع المواطنين إلى توفير الأمن والحماية لأنفسهم وممتلكاتهم من دون الاعتماد على أجهزة الدولة، وربما لعدم الثقة في قدرة الدولة على توفير الحماية لهم.

- التآكل التدريجي في السلطة الأخلاقية للإدارات الأهلية، في ظل النظام السابق، وكذلك الزعامات التقليدية، التي كانت تتوافر على آليات كانت تحقق الردع المطلوب، يجري الخضوع لها واحترامها، وهو ما أدى لانهيار هذه المنظومة التقليدية جنباً إلى جنب مع انهيار سلطة الدولة.

- تسيس النظام السابق للقبيلة وربط الحقوق والمطالب الاقتصادية والسياسية المشروعة بالانتماءات الأوليّة للنظام، وتحويل الانتماءات التقليدية لرأسمال والاستقواء به في المجال السياسي.

- عجز الدولة عن ضمان تطبيق الاتفاقيات وحماية المصالحات القبلية التي تتم في فترات سابقة، حيث يتم الاتفاق بين أطراف النزاع على تدابير معينة، غالباً ما تشمل دفع ديات القتلى وإرجاع المنهوبات، ولكن لا يتم الالتزام حرفياً بتلك التدابير من قِبل أجهزة الدولة، مما يتسبب في تجدد النزاعات القبلية.

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اختلال التوازن
 

يعتقد كثيرون أن الصراع القبليّ في السودان وليد تفجّر الحرب الأهلية أو الحركات المسلحة التي بدأت القتال في فترة الرئيس السابق عمر البشير، لكن مؤرخي الصراع القبليّ يشيرون إلى أنه بدأ للمرة الأولى عام 1932 بين قبيلتي الزيادية والميدوب ضد قبيلتَي الكبابيش والكواهلة في منطقة شمال عاصمة دارفور (الفاشر)، وتكرر في أعوام 1957 و1982 و1997. ويعزى سبب جميع هذه النزاعات إلى مصادر المياه والرعي. بيد أنّ الصراع الحقيقي بدأ عام 1983 بين قبائل الرعاة والمزارعين، بسبب التنافس على الموارد الشحيحة والأرض الصالحة للزراعة ونتيجة لموجات الجفاف والتصحّر التي ضربت منطقة الساحل الأفريقي منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي والتحوّلات البيئية التي نجم عنها انحسار نطاق المراعي والموارد المائية والتربة الخصبة.
وفي الوقت نفسه يتّفق الباحثون على أن القبلية، بإيجابياتها وسلبياتها، تمثل مفهوماً متجذراً في المجتمع السوداني ويمثّل دائرة مهمة من دوائر انتماء الفرد، إن لم تكن اليوم في مقدمها، إذ شهد السودان الذي قام بعد استقلاله عن بريطانيا عام 1956 على المفهوم المعاصر للدولة الوطنية، كما شهد العديد من المتغيّرات في نظم الحكم والسياسات، ألقت بظلالها على شرعية وجودها لا بل أثّرت سلباً في فاعليتها، فتراجع دور الدولة وتوقّف تطوّرها نحو المفهوم الحقيقي للدولة الوطنية، واختلّ التوازن ليتقدّم الولاء للقبيلة على الولاء للوطن.


أهم القبائل
 

يشير المؤرخون إلى أنه عندما تم الاتصال للمرة الأولى بين المسلمين والعرب في السودان خلال النصف الأول من القرن السابع الميلادي كانت هنالك ثلاث مجموعات عرقية كبيرة تقطن البلاد وهي:

- النوبيون على النيل ولهم مملكتان مسيحيتان هما المقرة وعلوة تمتدان من جنوب مصر إلى أواسط السودان.

-  قبائل البجة وتحتل المنطقة الفاصلة بين النيل والبحر الأحمر.

- القبائل الزنجية وتقيم في غرب السودان الحالي، وكذلك جنوبه ومع ازدياد هجرات القبائل العربية إلى كل أنحاء شمال السودان في القرنين الرابع عشر والخامس عشر فقد ظهرت في ما بعد قبائل عربية مستقرة في السودان قسمها علماء الاجتماع إلى قسمين رئيسين:

قبائل الجعليين وتضم الشايقية والرباطاب والجعليين، فضلاً عن بعض قبائل الجعليين التي ابتعدت عن النيل لسبب أو آخر واختارت حياة البداوة وهما قبائل البطاحين البدوية والجوامعة. وقبائل جهينة وتضم الشكرية والكبابيش والرزيقات والبقارة والجوامعة وبنوحسين والتعايشة والترجم والسلامات والحوطية وبنو هلبا والمسيرية وبنوعجلان، وفى غرب السودان توجد قبائل ذات أصول زنجية أهمها الفور والزغاوة والبرتى والمراريت والميما والفلاتة، وقبائل النوبة في مناطق جنوب كردفان، وكذلك قبائل الانقسنا بمنطقة النيل الأزرق.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي