Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صفقة أردوغان عنوانها الغاز ووسيلتها "حكومة السراج"

يرى مراقبون أن أنقرة لم تكن أبداً جادة في إرسال دعم عسكري إلى طرابلس

أردوغان متحدثاً إلى بوتين خلال افتتاح خط الغاز "تورك ستريم" في 8 يناير (كانون الثاني) الحالي (أ. ف. ب.)

"بدا واضحاً بمكان أن تركيا لا ترغب حقيقةً بدعم حكومة الوفاق الليبية في طرابلس، بل تستخدمها لتحقيق أهداف لها، أبعد من التورط في مستنقع الحرب الليبية التي لا تملك فيها تلك الحكومة مقدرات البقاء"، هكذا يصف مراقبون الوضع في ليبيا، بخاصة بعد اتجاه الجيش إلى محاصرة مدينة مصراتة.
وعلى الرغم من تسريبات صحيفة "حرييت" التركية بشأن وصول 35 عسكرياً تركياً إلى ليبيا، إلاّ أنّها عادت وقالت إنهم لن يشاركوا في الحرب وتقتصر مهمتهم على عمليات التدريب وتقديم المشورة العسكرية، وهذه "مماطلة" وفق الباحث في الشؤون الاستراتيجية منير حريب، الذي رأى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "كان طيلة المدة الماضية يستخدم ورقة دعم حكومة الوفاق عسكرياً لتحقيق أهداف أخرى في سوريا والبحر المتوسط ولم تكن رغبته في التدخل عسكرياً بليبيا حقيقية".

قمة بوتين - أردوغان
وسبقت قمة جمعت أخيراً الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي أردوغان، تحضيرات مكثّفة بدأت بسلسلة اجتماعات بين وفدين من البلدين عُقدت في موسكو نهاية الشهر الماضي، الوفد الأول برئاسة نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، أما الثاني، فبقيادة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، فنوقشت المستجدات في ليبيا وسوريا. ولفت حريب الى "أهمية مقاربة تركيا الملفين الليبي والسوري التي تظهر في غالبية تصريحات أردوغان ومعاونيه، ما يشير إلى أهداف تركية أبعد من تدخلها في ليبيا تتعلق بمكاسبها على الساحة السورية المرتبطة بفضاء موارد الغاز في المتوسط".
وأعرب عن اعتقاده أن الرئيسين دخلا اجتماع القمة الأربعاء، بعدما شارك بوتين في افتتاح خط غاز تركي جديد، وفي حقيبة كل منهما أوراق ضغط على الآخر، "وعلى الرغم من أن الأمر يتعلق بمنابع الغاز في المتوسط، إلاً أن كليهما كان يهدّد الآخر بالورقة الليبية، فتركيا تلوّح بإمكانية وجودها المعلن إلى جانب حكومة الوفاق، بينما موسكو متهمة بإرسال مسلحين من شركة فاغنر الروسية، التي يُعرف رئيسها بأنه أحد المقربين من بوتين". وأضاف حريب أن "السراج كان رسولاً للأوروبيين في اللحظة ذاتها التي كانت تجري فيها مقاربة تركيا لمصالحها مع روسيا، فأكد في بروكسل لمسؤولي الاتحاد الأوروبي أن اتفاقه مع أنقرة علني"، معتبراً تصريحات رئيس حكومة الوفاق بمثابة "رسالة وإن كانت في الظاهر تدافع عن حقوق حكومة في التعاقد مع مَن تشاء لحماية ذاتها كما قال السراج، إلاّ أنّها تحمل رسائل أخرى تتعلّق بالإشارة إلى اتفاق تركيا البحري مع حكومة الوفاق وتحديداً مواقع الغاز الجديدة في المتوسط".
وأكد حريب صحة تحليله لما حدث خلال قمة بوتين - أردوغان بتصدر إيطاليا للجهود الأوروبية التي تحاول اختراق التقارب التركي – الليبي، قائلاً "لا ننسى أن إيطاليا هي الدولة الأوروبية الأولى التي تحاول إيجاد مصدر آخر للغاز غير الغاز الروسي عبر أنبوب غرين ستريم الممتد في البحر المتوسط من حقول مليتة الواقعة تحت سيطرة حكومة الوفاق إلى موانئ جنوب إيطاليا".
وحول تلك الصفقة التي قد تسعى تركيا إلى تحصيلها من خلال تحالفها مع حكومة السراج، استبعد رئيس "الجمعية الليبية لدراسة السياسات" منصور سلامة أن تكون وصلت إلى خواتيمها، "لكن دعوة بوتين وأردوغان إلى وقف النار، تعني التهدئة ومزيد من التشاور والحصول على ضمانات".
ومع وضوح الجهدَيْن الأميركي والأوروبي لإحباط بناء تحالف تركي - روسي مع دول غنية بالغاز كالجزائر مثلاً، وهي الدولة التي يمكن أن تؤثر مباشرةً في الأوضاع في ليبيا، اعتبر سلامة أن "إفشال كل هذا السعي بيد قوات الجيش الوطني، فـالظروف مناسبة جداً لاقتحام مزيد من المدن المهمة وتضييق الخناق على حكومة الوفاق وتحديداً محاصرة مدينة مصراتة". وتابع "الحكومة اليوم لم تعد تملك قوة سياسية وعسكرية باستثناء مصراتة التي هدّدت السراج بألاّ مكان له في طرابلس، إذا استجاب إلى ضغوط بروكسل لبدء مفاوضات غير مباشرة مع (المشير خليفة) حفتر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ضغوط على السراج
وتعرّض السراج الأربعاء لضغوط شديدة توزعت بين ضغط في بروكسل من قبل مسؤولين أوروبيين وأميركيين كان بعضهم سيشارك في روما برفقة مسؤولين إيطاليين في مباحثات غير مباشرة بينه وبين حفتر، وضغوط أخرى من طرابلس حيث هدّدت ميليشيات بمنعه من دخول العاصمة إذا وافق على الذهاب إلى روما"، وفق مصادر في حكومة الوفاق.
وكشفت المصادر ذاتها لـ "اندبندنت عربية" عن أن "السراج الذي لا تزال أسرته تعيش شبه إقامة جبرية في إحدى الفيلات في منطقة جنزور بطرابلس تعرّض لتهديدات إذا رضخ للضغوط الأوروبية والأميركية المفاجِئة التي طلبت منه إثر وصوله لبروكسل التوجه إلى روما". وأضافت المصادر أن "رفض التوجه إلى روما بُرّر من جانب وزير الخارجية في حكومة الوفاق محمد سيالة بأخطاء إيطالية في بروتوكول الزيارة، إذ التقت الحكومة الإيطالية حفتر، قبل اجتماعها مع رئيس الحكومة المعترف بها دولياً".
وتعيش الحكومة وحلفاؤها من قادة الميليشيات أوضاعاً مختلة منذ أشهر، إذ هدّدت أوساط مسؤولة في طرابلس، من بينها المجلس الأعلى للدولة (غالبية أعضائه مقربون من تيار الإخوان المسلمين) بــ"تشكيل حكومة حرب". وتواصلت انتقادات قادة الميليشيات حتى ليل الأربعاء، حين اتهم المتحدث الرسمي باسم "قوات الوفاق" مصطفى المجعي، السراج وحكومته بــ"الضعف".

دعم إيراني!
وأبرزت أوساط أخرى مطلعة، تفاصيل تبرير تركيا عدم إرسال دعمها العسكري إلى قوات الوفاق حتى الآن، بالقول إن "مسؤولي حكومة طرابلس سُئلوا في أنقرة عن حقيقة وجود أسلحة إيرانية تستخدمها ميليشياتها، وطولبوا بتوضيح حقيقة الأمر".
وعلى الرغم من وجود صور تُثبت وصول دعم إيراني خلال الأشهر الماضية إلى "قوات الوفاق"، تضمّن صواريخ M302، التي ظهر بعضها محملاً على عربات في محور الزطارنة، جنوب شرقي طرابلس مطلع مايو (أيار) الماضي، بعد أيام من تصاعد جدل حول وصول سفينة إيرانية مشمولة بعقوبات أميركية إلى ميناء مصراتة محمّلة بالأسلحة.
إلاّ أنّ سلامة أكد أن تلك الأسئلة "تشكّل وسيلة تركية للمماطلة لحين وصولها إلى أهدافها الحقيقية من الاتفاقات التي وقعتها مع حكومة طرابلس"، لافتاً إلى أنّ "وزير خارجية حكومة الوفاق محمد سيالة التقى علناً نظيره الإيراني محمد جواد ظريف أغسطس (آب) الماضي، ما يعني أن تركيا على علمٍ بمحاولة الحكومة السعي إلى عقد تحالفات مع أي طرف وإيران من بينها".
وذهب سلامة بعيداً في القول إن "أردوغان بدأ بالتخلي عن السراج وميليشياته المنهارة بإعلانه عن دعوتها والجيش الوطني إلى وقف النار"، مضيفاً أن "خريطة توزيع مواقع الطاقة، خصوصاً الغاز في المتوسط، التي تملك مصر النصيب الأوفر منها، هي مَن حدت بروسيا وتركيا إلى التقارب لتحقيق التوازن في الخريطة". وشرح سلامة تلك الخريطة، قائلاً إنه "مقابل حقول الظهر والاسكندرية وآتول المصرية، وبعضها اكتشفته شركة إيني الإيطالية التي تملك أسهم الغاز في ليبيا وتحديداً في مليتة (غرب)، تسعى تركيا إلى عقد حلف مع روسيا والجزائر لموازنة هذا التوزيع". وأضاف أن "تلك الموازنة تستهدف حقل غدامس للغاز غرب ليبيا واحتياطه يقارب 0.83 في المئة من الاحتياط العالمي. ومعلوم أن امتدادات هذا الحقل أكثرها في الأراضي الجزائرية وحصلت موسكو عبر شركة تات الروسية منذ عام 2005 على حقوق التنقيب فيه".
ورأى سلامة أنّ "افتتاح أردوغان وبوتين خط تورك ستريم، تزامناً مع دعوتهما الأطراف الليبية إلى وقف النار، جاء بمثابة دليل واضح على صفقة أُبرمت في الخفاء تحت عنوان الغاز". وأضاف "لم يكن تحالف أردوغان الوهمي مع رئيس حكومة الوفاق إلا مجرد ورقة ضغط"، مرجحاً "قرب نفض أردوغان يده من السراج وميليشياته".

المزيد من الشرق الأوسط