Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قوات تركية إلى ليبيا... القاهرة تتحسس خطواتها لحماية أمنها القومي

مصادر رسمية: الخيارات مفتوحة... وتباين بشأن العمل العسكري المباشر

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل المشير خليفة حفتر  في حضور رئيس جهاز المخابرات عباس كامل (الرئاسة المصرية)

بعد إعلانه رسمياً بدء نشر جنود بلاده "تدريجياً" في ليبيا، استناداً إلى ضوء أخضر أطلقه البرلمان التركي، الخميس الماضي، تتحسس القاهرة خطواتها المقبلة، تجاه جارتها الغربية، وسط تباين في الرؤى بشأن جدية إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان على الأرض، وإن كان هناك اتفاق على جاهزية مصر لكافة السيناريوهات والعسكري منها، وفقما  تحتّمه تطورات المرحلة ومقتضيات الأمن القومي للبلاد"، بحسب مصادر رسمية.

ومساء أمس الأحد، وخلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن ترك"، قال أردوغان إن "مهمة جنودنا هناك (في ليبيا) هي التنسيق. جنودنا ينتشرون تدريجياً". مشيراً إلى "أن هدف أنقرة ليس القتال بل دعم الحكومة الشرعية وتجنّب مأساة إنسانية"، على حد وصفه، في إشارة إلى دعم حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج بالعاصمة طرابلس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب أردوغان فإن "تركيا لن تُشرِك جنودها في المعارك، وأن مجموعة من كبار الضبَّاط الأتراك سيُكلّفون بالتنسيق في إطار (القوة القتاليّة) وسيزوّدونها بتجاربهم ومعلوماتهم، دعماً لحكومة الوفاق". وتابع "أن القوة القتاليّة ستتألّف من وحدات مختلفة"، من دون أن يُحدد من سيكون المقاتلون أو من أين سيأتون؟".

وجاء إعلان أنقرة بعدما أجاز البرلمان التركي للرئيس، الخميس الماضي، إرسال جنود إلى ليبيا دعماً لحكومة السراج، في مواجهة قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر المدعوم من عواصم إقليمية منها القاهرة وأبو ظبي. وأثار قرار مجلس الأمة التركي قلق الاتحاد الأوروبي ودفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى التحذير من أيّ "تدخل أجنبي" في ليبيا.

 

 

كيف تتعاطى القاهرة مع التصعيد التركي؟

وبحسب مصدر مصري رفيع المستوى، تحدث لـ"اندبندنت عربية"، فإن "الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا ترتبط ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بالأمن القومي المصري، حيث تتماس حدود البلدين بطول نحو 1115 كيلومتراً".

المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أوضح "أن رفض القاهرة التصعيد التركي يكمن بالأساس في التخوف من خلق وتكوين قواعد ارتكاز لعناصر متطرفة قُرب الحدود الغربية لمصر، فضلاً عن تعميق حدة عدم الاستقرار واستنزاف الموارد الليبية". مشيراً إلى "أن موقف تركيا في الملف الليبي وما يتعلق بسياستها في ملف غاز المتوسط يمثل تهديداً للمصالح المصرية والأمن القومي للبلاد".

ومن دون تحديد خطط التحرك المصري لمجابهة التصعيد التركي، أوضح أن "الخيارات السياسية والأمنية مفتوحة، وستتبلور تباعاً مع تطور الأوضاع ومقتضيات حماية الأمن القومي المصري".

وكرَّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة أخيراً، أن "القاهرة لن تسمح لأحد أن يعتقد أنه يستطيع السيطرة على ليبيا والسودان، ولن نسمح لأحد بالسيطرة عليهما"، وأضاف "لن نتخلى عن الجيش الوطني الليبي"، معتبراً أنه "أمر في صميم الأمن القومي".

وعقد السيسي اجتماعاً لمجلس الأمن القومي، الخميس الماضي، جرى خلاله استعراض التطورات المتصلة بالأزمة في الجارة الغربية، والتهديدات الناشئة عن التدخل العسكري الخارجي في ليبيا، ووفق بيان للرئاسة المصرية، حُدِدت مجموعة من الإجراءات على مختلف الأصعدة للتصدي لأي تهديد للأمن القومي للبلاد.

واتخذت الأزمة الليبية، منحى جديداً منذ أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد أن وقّعت تركيا وحكومة الوفاق (مقرها طرابلس وتعترف بها الأمم المتحدة) اتفاقين، يتعلق الأول بترسيم الحدود البحرية بين الطرفين، فيما يتناول الثاني التعاون العسكري والأمني. وتلا ذلك إعلان جديد من خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي في الشرق، "ساعة الصفر" للسيطرة على العاصمة طرابلس. والاتفاق الموقع مع أنقرة، الذي قللت من شرعيته وآثاره القانونية أغلب الدول المشاطئة للمتوسط، يتيح لتركيا توسيع حدودها البحرية في شرق البحر الأبيض، حيث اكتشفت حقولاً تحوي كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في الأعوام الأخيرة.

 

 

نقل معدات وجنود من تركيا يحتاج مزيداً من الوقت

وفيما تتحرك القاهرة باتجاهات عدة سياسية وأمنية لإجهاض التصعيد التركي، خلال الأيام الأخيرة، إلا أن ثمة آراء رسمية تشكك بجدية أردوغان في إرسال قوات إلى طرابلس، معتبرين "أن من الناحية العسكرية، فإن عملية نقل معدات وجنود من تركيا يحتاج مزيداً من الوقت"، لا سيما في ظل غياب أي معلومة من الأراضي الليبية حتى الآن بشأن وصول أي قوات تركية إلى طرابلس.

وبحسب طارق رضوان، رئيس لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب المصري، فإن "الإعلان التركي عن بدء إرسال قوات عسكرية لدعم حكومة الوفاق استهلاك إعلامي ورسائل إلى الداخل التركي".

وقال النائب البرلماني، إنه "بإمعان النظر في الأمور اللوجستية والجيوسياسية، لا يمكن أن ترسل أنقرة أي قوات، لأنه ببساطة ليس لديها غطاء جوي أو بحري كافٍ لتوفير التأمين اللازم لمثل هذا التحرك على مسافة 1300 كيلو متر بحري"، مشيراً إلى "جاهزية مصرية ليبية يونانية قبرصية، لإجهاض مثل هكذا تحرك قبل وصوله إلى شواطئ الجارة الغربية".

وذكر أن "الطريق الوحيدة لاحتماليات حدوث ذلك سريعاً هو عبر إنزال جوي للقوات في دول الجوار، وهو ما لم يتمكن أردوغان من إتمامه، بعدما قوبل مسعاه بالرفض في تونس والجزائر، اللتين رفضتا التدخل الأجنبي في ليبيا".

وأياً كانت جدية الإعلان التركي على الأرض، تترقب الأوساط المصرية التطورات في الساحة الليبية عن كثب، وسط تباين آراءٍ بشأن جدوى الدخول في عمل عسكري مباشر أو مزيد من الدعم لقوات المشير حفتر بالتوازي مع تكثيف القاهرة دبلوماسياً ضد التحرك التركي.

سيناريوهات التحرك المصري؟

ووفق مراقبين ومحللين مصريين، فإن مسار القاهرة لمواجهة التصعيد التركي في ليبيا، يتضمن عدة محاور تشمل ما هو سياسي وأمني وعسكري يرتبط بتطورات الأوضاع.

وبحسب بيانات متتالية لوزارة الخارجية المصرية خلال الساعات الأخيرة، كثف الوزير سامح شكري اتصالاته السياسية بالعواصم الإقليمية والدولية لإدانة التحرك التركي في ليبيا. ومساء أمس، هاتف شكري نظيريه الفرنسي والإيطالي، جان إيف لودريان، ولويغي دي مايو، على التوالي، وقالت الخارجية المصرية إنه جرى التوافق والتأكيد بين الوزراء الثلاثة على رفض أي تدخل عسكري في ليبيا، وما يمثله التصعيد التركي الأخير من خطورة على أمن وسلم المنطقة بأسرها، وفقما ذكر المتحدث باسم الوزارة أحمد حافظ.

وصباح الاثنين، أعلنت الخارجية كذلك، "أن القاهرة ستستضيف بعد غد الأربعاء، اجتماعاً تنسيقياً وزارياً يضم وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، لبحث مُجمل التطورات المُتسارعة على المشهد الليبي أخيراً، وسُبل دفع جهود التوصل إلى تسوية شاملة تتناول كافة أوجه الأزمة الليبية، بالإضافة إلى التباحث حول مُجمل الأوضاع في منطقة شرق المتوسط".

وبالتزامن مع التحرك السياسي المصري، من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي، اليوم الإثنين، بطلب من موسكو، اجتماعاً مغلقاً حول ليبيا، في أول مناسبة ستتاح لأعضائه الخمسة عشر للبحث في الاتفاق المثير للجدل الذي أبرمته تركيا مع حكومة الوفاق، حسبما أفادت مصادر دبلوماسية.

ووفقما ذكره دبلوماسيون غربيون، فإن الاجتماع سيتطرّق كذلك إلى الاتفاق العسكري الذي أبرمته أنقرة مع حكومة الوفاق في طرابلس، ويجيز لتركيا إرسال جنود وعتاد لدعم القوات الموالية لهذه الحكومة في وجه هجوم يشنّه ضدّها منذ أشهر المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق البلاد.

وبحسب المصادر نفسها فإنّه من غير المستبعد كذلك أن يطرح أحد أعضاء المجلس على طاولة المناقشات وجود مرتزقة روس منذ بضعة أشهر في ليبيا لدعم قوات حفتر، علماً بأنّ موسكو تنفي أيّ مسؤولية لها عن هؤلاء.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خرج، الجمعة، عن صمته حيال هذه المسألة بتحذيره تركيا، من دون أن يسميها، من إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، معتبراً "أن أي دعم أجنبي للأطراف المتحاربة في ليبيا لن يؤدي إلا إلى تعميق الصراع في هذا البلد".

ويعتبر مراقبون، أن من شأن إرسال قوات تركية إلى ليبيا تصعيد النزاعات التي تعانيها هذه الدولة منذ سقوط نظام معمّر القذافي في 2011، وهي نزاعات تُحدِث أصداءً إقليمية.

وفيما يتواصل التصعيد التركي، تتباين آراء المراقبين المصريين حول السبل الأنجع لدى القاهرة للتصدي إلى التدخل التركي.

ويقول اللواء جمال مظلوم، المحلل السياسي والاستراتيجي، إن "تدخل مصر عسكريا في ليبيا لحماية مصالحها وارد، ومرتبط باحتماليات أي تهديد مباشر على حدودنا الغربية". موضحاً أن "القاهرة لديها إجراءات محسوبة وواضحة ضد كل ما يشكل تهديداً لأمنها القومي".

وأكد "زيادة الدعم العسكري واللوجيستي لقوات الجيش الليبي في معاركها على مشارف طرابلس"، موضحاً "أن هذا الدعم سيزيد خلال الفترات المقبلة في ضوء ما تستطيع القاهرة تقديمه لقوات حفتر".

مصر ستتجنب توريطها في فخ تركي

في المقابل، ورغم خطورة التدخل الأجنبي بشكله العام في الشؤون العربية، وتداعياته على زيادة عدم الاستقرار والفوضى، يرى هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، أن "مصر ستتجنب أي محاولة لتوريطها في فخ من الجانب التركي، وستعمل على تأمين حدودها، وستترك مهمة مواجهة التدخل التركي للقبائل الليبية والجيش الوطني هناك، الذين سيتكفلون بالأمر".

واستند سليمان في رؤيته إلى أن "القاهرة تعي جيداً تكلفة الحرب الثقيلة، وهذا ما يفسر تكثيف جهودها السياسية الرافضة للتدخلات الخارجية في القضايا العربية"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن "قوة الردع والدفاع لدى مصر تبقى حاضرة لحماية المصالح والأمن القومي المصري من أي تهديد".

وسبق أن تدخلت مصر عسكرياً في ليبيا بعدما أقدمت مجموعات إرهابية على إعدام مصريين على أراضي الدولة الجارة.

وتشهد ليبيا، الغارقة في الفوضى منذ إطاحة نظام معمر القذافي عام 2011، مواجهات عنيفة زادت من حدة الصراع، خصوصا منذ أبريل (نيسان) الماضي، حين بدأ المشير حفتر، الخصم الرئيس لحكومة الوفاق، شن هجمات على طرابلس، فيما بدا أنه حرب بالوكالة وسط وجود عدد من الأطراف الخارجية التي تنتقي من بين أطراف الصراع في ليبيا من تدعمه لتحقيق طموحاتها الإقليمية.

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط