Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السيطرة على سرت... هل تسرع عملية تحرير العاصمة الليبية؟

شهدت كواليس اجتماعات قادة الميليشيات حوارات ساخنة وصلت لحد الصدام وانزعاج من التراخي التركي

مقاتلون موالون للمشير خليفة حفتر خلال تجمع في مدينة بنغازي شرق ليبيا يوم 18 ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)

على طول الطريق الرابط بين مصراتة وأبو قرين (130 كلم غرب سرت) تسير عشرات الآليات والسيارات المسلحة من دون توقف، منطلقةً من مقار الميليشيات داخل مصراتة، في محاولة لحشد أكبر قدر من القوات قبل إطلاق عملية وشيكة لاسترداد موقعها داخل مدينة سرت، التي فقدتها بالأمس بعد سيطرة قوات الجيش الوطني عليها، مع انتشار معلومات تفيد بسيطرة قوات الجيش على منطقة الهيشة شرق مصراتة، في وقت يؤكد مراقبون استحالة استعادتها وأن تلك المحاولة هي للتخلص من خطر تحييد قوة مصراتة التي تشكل العمود الفقري للميليشيات في طرابلس.

انسحاب تكتيكي

ويبرّر طه حديد، المتحدث باسم قوة تأمين سرت، إحدى فصائل قوات الحكومة المسيطرة على المدينة والتي طردتها قوات الجيش أمس، سقوط المدينة في يد قوات "الجيش الوطني"، بأنه كان "انسحاباً تكتيكياً وفق قواعد الحرب"، لافتاً إلى أن القوة المهاجمة التي تقدمت صوب أطراف المدينة، تزامناً مع انتفاضة أهلية داخلية، كانت أكبر من قدرتهم على المحافظة على مواقعهم.

ويؤكد حديد في حديث لـ "اندبندنت عربية" أن قوات الحكومة تستعد حالياً لـ "خوض معركة البنيان المرصوص الثانية" في محاولة لإعادة الأذهان إلى حرب مصراتة عام 2016، على تنظيم داعش في سرت".

كذلك، تقول قوات متحالفة مع حكومة "الوفاق" إنها انسحبت من مدينة سرت الاستراتيجية الساحلية "لتجنب إراقة الدماء، بعد سيطرة الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر عليها في هجوم خاطف".

حوارات ساخنة

وشهدت كواليس اجتماعات قادة الميليشيات على مدى ساعات ليل الاثنين 6 يناير (كانون الثاني)، حوارات ساخنة وصلت إلى حد الصدام والمناوشات بين قادة تيار مدني رافض للمشاركة في الحرب خارج مصراتة ضد الجيش، سانده بعض قادة الميليشيات، وبين قادة آخرين أكثر تطرفاً يرون الحرب الخيار الوحيد للمحافظة على تنفذ المدينة وقوتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما جرى الاتفاق خلال لقاء موسع في معسكر الحامية في منطقة طمينه شرق مصراتة، على استرجاع سرت عسكرياً لإبعاد خطر تقدم الجيش باتجاه مصراتة التي لا تبعد عن سرت سوى 240 كلم ومحاصرتها، خصوصاً مع وجود وحدات من الجيش في مواقع في بني وليد الأقرب إلى مصراتة بحوالى 120 كلم فقط، ويساندها مقاتلو قبيلة بني وليد، فيما أُرجئت مناقشة سيناريوهات انسحاب قوى المدينة العسكرية من طرابلس لتبقى خياراً مطروحاً.

الموقف التركي المتراخي

وبحسب تسريبات بعض المصادر المطلعة على ما جرى في كواليس تلك الاجتماعات، فإن الانزعاج واضح لدى قادة الميليشيات من الموقف التركي المتراخي في إرسال قواته، بحسب الاتفاق الموقع مع حكومة "الوفاق". فالخبراء العسكريون الأتراك الذين غادروا أنقرة إلى طرابلس محمّلين بتقارير تقييم المواقع العسكرية المستعدة لاستقبال القوات التركية، لم يصلوا حتى الساعة.

وبعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السبت الماضي بدء إرسال قوات إلى ليبيا بشكل تدريجي، عاد الناطق باسم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا عمر جليك، ليقول إن مهمة قوات بلاده في ليبيا "ستكون تدريب العناصر المحلية"، في وقت تؤكد أوساط دولية أن "تركيا رضخت لضغوط دولية في الفترة الأخيرة، أجبرتها على عدم إرسال قواتها حتى انعقاد مؤتمر برلين الهادف إلى التوصل لحل سياسي للأزمة الليبية".

ويرجح الباحث السياسي سالم عرفه أن "تكتفي أنقرة تحت هذه الضغوط بالتدريب والتسليح، وقد نلحظ زيادة في إرسال مقاتلين مرتزقة سوريين"، وهو الأمر الذي تؤكده تصريحات أردوغان بقوله "ستكون لدينا فرق أخرى مختلفة كقوة قتالية، أفرادها ليسوا من جنودنا".

ثقل المدينة العسكري

عرفه وفي الوقت ذاته، يتحدث لـ "اندبندنت عربية"، عن "قدرات المدينة وثقلها العسكري الممثل بعشرات الميليشيات، ما أتاح لها مشاركة سياسية واسعة وتولي حقائب حكومية ومناصب سيادية في الدولة، ما يعني قدرتها على المقاومة سياسياً وعسكرياً".

وتضم مصراتة عشرات الميليشيات، أبرزها لواءَيْ "الحلبوص" و"المحجوب"، إضافةً إلى كتائب "حطين" و"المرسى" و"الفاروق" ومجموعات أخرى التأمت تحت قوة مسمى "قوة مكافحة الإرهاب"، تكوّنت إثر انتهاء عملية "البنيان المرصوص" التي مكّنت ميليشيات مصراتة من السيطرة على سرت نهاية عام 2016، ويُعتبر التيار السياسي الأقرب على مزاج قادة المدينة هو تيار "الإخوان المسلمين"، إضافةً إلى بعض الشخصيات التي تعتنق عقائد إسلامية متطرفة على صلة بمفتي البلاد المعزول الصادق الغرياني ومجموعات مجالس شورى بنغازي ودرنة الإرهابية.

ويعني خيار استرداد سرت بالنسبة إلى مصراتة، سحب المزيد من قواتها من جبهات القتال في محيط طرابلس، ما سيضعف من موقف قوات الحكومة العسكري في العاصمة، ويعني بشكل مؤكد سهولة تقدم وحدات الجيش الوطني باتجاه قلب العاصمة بعد إفراغ محاور القتال من أعتى ميليشيات الحكومة، وهو ما يراه عرفه هدف الجيش من السيطرة على سرت.

وكثيرة هي النتائج التي ستترتب على فقدان حكومة "الوفاق" مدينة سرت، فلو لم يكن خيار انسحاب ميليشيات مصراتة من طرابلس اختياراً، فبأي تقدم من سرت باتجاه مصراتة، سيكون عندها الخيار إجبارياً.

اكتمال الطوق

وعن تلك الأهمية، يؤكد الصحافي الليبي عيسى عبد القيوم، أن سقوط سرت في يد قوات الجيش سيكون له تأثير كبير في مسار الأحداث في ليبيا، موضحاً أن سقوطها يعني سقوط ميناء سرت البحري العام وسقوط قاعدة القرضابية، أكبر القواعد العسكرية الليبية التي كانت ستخدم التدخل التركي لصالح الميليشيات.

ويشّدد في حديث لـ "اندبندنت عربية"، على أن "هذين الموقعين مهمان كونهما يطلان مباشرة على الهلال النفطي ولا يفصلهما عنه سوى بضعة كيلومترات".

وبقراءة أوسع، يؤكد عبد القيوم أن "الناظر للخريطة العسكرية سيرى بوضوح اكتمال الطوق البعيد حول مصراتة، ما يعني أنها أصبحت محاصرة براً من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن تأثير النصر الجديد للجيش سيكون مباشراً في معركة طرابلس.

ويوضح الصحافي الليبي رأيه بالقول، إن "السيطرة على سرت حصلت في غضون أربع ساعات بمشاركة الضفادع البشرية للمرة الأولى عبر إنزال، مكّن الجيش من السيطرة على الميناء ووسط المدينة، وهذا السيناريو قد يتكرر في طرابلس أيضاً وسيجعل الميليشيات في حال ارتباك، وسيُرتب عليها حماية ساحل طرابلس الطويل وهو أمر سيرهقها لقلة العدد".

استيعاب الصدمة

وبينما كانت أوساط في الحكومة تشير إلى استدعاء مصراتة لبعض ميليشياتها من طرابلس استعداداً لهجوم عسكري وشيك لاسترداد سرت، يؤكد شهود عيان أن فصائل منها كانت في حال فرار أثناء عودتها إلى مصراتة بعد انتشار أنباء عن سقوط سرت، وبدء انتشار وحدات الجيش في مناطق السدرة وأبوسليم في طرابلس. ويؤكد عبد القيوم أن هذا الفرار يعكس اعتماد الميليشيات على التعبئة الإعلامية والمعنوية، ما أثّر في قدرة مسلحي الميليشيات غير المدربين على استيعاب الصدمة .

ويرى أن معركة السيطرة على سرت التي استغرقت أربع ساعات مقابل أن استعادتها من تنظيم "داعش" استمرت ثمانية أشهر وبمساندة دولية، يعني أن ذلك سيضيف إلى الجيش رصيداً لا يمكن تجاهله، يعزّز من قدرته على السيطرة على البلاد لحمايتها ومقدراتها. كما سيكون لمعركة سرت قيمة كبيرة على أي طاولة مفاوضات لاحقة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي