Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أعمال فنية ونصوص تحتفل بثقافة الطعام

"بطون" معرض في القاهرة ترافقه موائد وندوات

جمهور في معرض "بطون" في القاهرة (اندبندنت عربية)

كيف يمكن للطعام أن يكون منطلقاً للنقاش والكتابة والممارسة الفنية؟ كيف له أن يثير فينا تساؤلات حول معتقداتنا وسلوكنا، بل وحتى تاريخنا؟ الطعام يمثل بلا شك جانباً من الثقافة البشرية، وهو يحمل تراكمات الماضي، ويقبع بين طبقاته كدافع ومحرك لوقائعه وأحداثه. الطعام هو أحد العوامل التي ساهمت في دفع البشر مثلاً إلى الاستقرار وتنظيم أنفسهم في جماعات، ومن ثم ظهرت الحضارات وأُسست الممالك واشتعلت الحروب. هل ندرك تلك الأهمية الكبيرة للطعام؟ الطعام يسري في أنسجتنا، هو جزء من مكوننا الفسيولوجي وأحد أهم جوانب نشاطنا وسعينا اليومي، فهل نستطيع الحياة من دونه؟

مركز الصورة المعاصرة في القاهرة يسلط الضوء على كل هذه التفاصيل المتشابكة والمرتبطة بالطعام. يلفت أنظارنا إلى أسرار الطعام الخافية والمُعلنة عبر مجموعة من الفعاليات المختلفة التي نُظمت في مقره تحت عنوان "بطون" تربط هذه الفعاليات بين الطعام والفن وتبحث عن أثره وتأثيره في حياتنا ومنتجنا الثقافي، من أفلام ونصوص ومرئيات. عقدت في مقر المركز خلال الأسابيع الماضية حلقات نقاش وورشات عمل وقراءات حول الطعام كمنتج وثقافة. عُرضت نتاجات هذه الورش واللقاءات أخيراً في مقر المركز في القاهرة، وضمت أعمالاً فنية لكل من مروة أرسانيوس وشريف زهيري وعمر كساب ومصطفى يوسف ولوحات لمريم أحمد خليل وهند سمير، بالإضافة إلى عروض الأفلام والنصوص السردية التي أنجزت خلال ورشة عمل تحت عنوان "طعم الحروف" نوقش خلالها العديد من التفاصيل المرتبطة بالطعام وأنتجت في النهاية نصوصاً سردية مغرقة في الذاتية والتأمل حول علاقتنا الشخصية بالطعام والأكل كمثير ثقافي ومحفز للذاكرة، وكمنتج إبداعي وباعث للحنين والبهجة والأسى أحياناً.

غذاء وثقافة

يوم الافتتاح شارك المدعوون والمشاركون في هذه الورش والفعاليات الجلوس معاً إلى مائدة طعام واحدة كبيرة. كان الطعام حاضراً في الأحاديث والمشاركات، وخيمت ظلاله حتى على الكتب والإصدارات المختارة التي تم انتقاؤها وترشيحها للقراءة في مكتبة المركز، مثل "تاريخ المطبخ المصري" و"في صحبة الطعام" وكتاب "غذاء القبطي" للكاتب المصري شارل عقل، والذي يستعرض فيه ثقافة الطهو وتذوقه عند الأقباط في مصر. يحمل الكتاب كما جاء في مقدمته "تساؤلات حول ما يميز وصفات الطعام القبطية المحفوفة بالأسرار، وقيم مجتمع أقلية دأبت على الإنغلاق على نفسها، حماية لخصوصيتها الثقافية وسط مجتمع أكبر غير صديق طوال الوقت" هذا خلافاً للكتب الأخرى التي تضمها مكتبة المركز والمتعلقة بإنتاج واقتصاديات الطعام في مصر والعالم.  

خلال الافتتاح عرض المشاركون رؤيتهم لتلك الورش وما دار  فيها، والتساؤلات المُلحة التي طُرحت، وكان لها دور في تغيير نظرة البعض منهم إلى الطعام كوسيلة للإشباع، وتجاوز هذه النظرة إلى تحليل ثقافة الأكل والطعام من جوانبها الثقافية، كفعل ترتبط صناعته المنزلية بالنساء في أغلب الأحوال. دار حوار حول فكرة الشغف أو المعاناة في صناعته مثلًا، وكحامل لطبقات من التأثيرات التاريخية في أسماء الأطعمة وعلاقتها بذاكرة الشعوب والصراعات والهجرات والتأثيرات الثقافية بين الشرق والغرب. أو علاقة الأكل بالهوية الجنسية والطقوس الدينية، وكذلك الطعام أو الإطعام كسُلطة، وكمدخل لقراءة إثنوغرافية لما يدور حولنا.

بين الأعمال عرضت نماذج مختلفة لعرائس "حلوى المولد" وهي نموذج كلاسيكي لصناعة "العروس" المصنوعة من الحلوى في مصر. قام المشاركون في ورشة "إثنوغرافيا الأكل" بزيارة إلى شارع باب البحر وهو أحد المناطق الشهيرة بصناعة حلوى المولد وملحقاتها في القاهرة، بما فيها صناعة عرائس المولد. بالإضافة إلى المجسمات المصنوعة من الحلوى التي حصلوا عليها هناك لعرائس وأحصنة، وضع المشاركون أربعة نصوص مكتوبة مصاحبة للتجهيزات لكل من محمد بشير وشيماء طُلبة ومعتز الصاوي وأحمد الرومي. تضمنت النصوص السردية المصاحبة انطباعات المشاركين عن هذه الزيارة وعلاقاتهم الشخصية بهذه المجسمات المصنوعة من الحلوى، وتأملاتهم حول التطورات التي طرأت على تلك الصناعة الشعبية الطابع، وتحول صناعة العروس من الحلوى إلى البلاستيك. ما هي دلالات ذلك، وعلاقته بالعولمة والتأثير الثقافي؟ وكيف ننظر إلى هذا الموروث الشعبي اليوم كتراث بائد يدعو للحنين أو التأمل؟

يقول أحمد الرومي في نصه المصاحب تحت عنوان "البلاستيك يأكل حلاوة المولد": "تناولت كسرة الحلوى من البائع، ومررتها تحت أنفي لأستطلع رائحتها، فكانت الرائحة "مسكّرة"، يزاحم عَبق السكر في أنفي مكوّن أخر، لم أستطع تمييز رائحته بدقة، لكنه يتمايز بين "النشا" و"الدقيق".. وضعت قطعة الحلوى في فمي، فوجدت صلابتها طيّعة، إذ استطعت جرشها بأسناني الأمامية بسهولة، لتذوب بعدها علي مقدمة لساني، ومن ثم تسرب طعمها السكري الحلو في تجويف فمي، قبل أن يحمل ريقي المحتوى ويهبط به إلي مجرى البلعوم هبطةً واحدة.... وسط كل هذا الصخب البصري، الناجم عن استعراض باعة مجسمات "حلوى مولد النبي" لم أستطع مقاومة حنيني الشخصى لمجسمات العرائس المصنوعة من السكر، كونها تحمل في ثقافتي روح ومعني وهوية أراها تنحصر بفعل تسرب ثقافات أخري إليها" يستمر معرض بطون حتى الثالث والعشرين من يناير، كما تتواصل فعاليات ورشة "إثنوغرافيا الأكل" في مقر مركز الصورة المعاصرة مسلطة الضوء على عادات الطعام في المناسبات الدينية.

المزيد من ثقافة