هجمات إلكترونية بالجملة ضد مواقع حكومية عراقية. وزارات الصحة والتربية والنفط والداخلية والاتصالات والتجارة والدفاع، ورئاسة الوزراء، وتيار الحكمة وعصائب أهل الحق وميليشيا كتائب حزب الله، وغيرها من المواقع تعرضت للاختراق في ظاهرة تُعدُّ الأوسع من نوعها.
الموقع الفاعل الذي يدعى "ماكس برو"، أشار عبر تغريدات في تويتر إلى أنه حصل على وثائق وملفات مهمة بحجم يعادل 180 جيغابايت، خصوصاً من موقعي وزارتي الداخلية والدفاع، وتتضمن عقوداً ومراسلات، فضلاً عن ملفات فساد كبيرة تدين الحكومة العراقية.
لم تكن عملية الاختراق هذه الأولى من نوعها، إذ كان قراصنة قد اخترقوا في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الصفحة الرسمية على فيسبوك لجهاز مكافحة الإرهاب، ونشروا عليها بياناً منسوباً إلى قائد الجهاز الفريق الركن طالب شغاتي الكناني، يعلن فيه بدء انقلاب عسكري. وبعدها، نفى الجهاز على لسان الكناني هذا الخبر، وأعلن أن الصفحة الرسمية للجهاز اختُرقت.
مساندة المظاهرات جاءت بطريقة مختلفة هذه المرة، إذ لم تقتصر عملية الاختراق على نشر ما يؤيدها. فغالباً ما يترك القراصنة صورة للناشط العراقي صفاء السراي الذي قُتل نهاية أكتوبر 2019، خلال التظاهرات وأصبح أيقونة الاحتجاجات، وتحتها رسالة إلى الحكومة العراقية تتضمن الآتي: "الحكومة العراقية تقتل الشعب العراقي... أوقفوا القتل، أوقفوا السرقة".
وتختلف الهجمات الإلكترونية هذه المرة بتهديد القراصنة لنشر آلاف الوثائق التي تدين الحكومة العراقية والتي قالوا إنهم استحوذوا عليها بعد اختراق عدد من المواقع الحكومية.
وتفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي مع عملية الاختراق وانتشر هاشتاغ #الحكومة_العراقية_تسقط_الكترونيا. وتحت هذا الوسم، سخرت حسابات عدّة على تويتر من الأمن الرقمي الهش للمواقع الحكومية العراقية، مشيرةً إلى أن كلمة السر أصبحت بيد الشعب، وهو القادر على فضح فساد الحكومة.
احتجاج بطريقة أخرى
يوضح مؤسس مركز أكد للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية، حسين علاوي، لـ"اندبندنت عربية"، أن الاحتجاجات الشعبية جعلت عدداً كبيراً من المغامرين يعبّرون عن تضامنهم مع هذا الحراك بطرق مختلفة، متجسداً عبر اختراق البوابة الإلكترونية للمواقع الرسمية الحكومية.
ويعتبر أنه كان لا بد للمؤسسات الحكومية العراقية من أن تشكّل منظومة وطنية اتحادية متكاملة لإدارة الأمن السيبراني من حيث الاستراتيجية والسياسة والممارسات المثلى والبنى التحتية والسياسة العامة للتشغيل من أجل إدارة ميدان الأمن الرقمي الذي من المفروض أنه لا يتحمل الهجمات السيبرانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير علاوي إلى أنه مع توالي الهجمات السيبرانية، في ظل التنافس السياسي ومشكلة الجيوش الإلكترونية وقدرتها على النفاذ إلى منصات التواصل الاجتماعي، يحتاج العراق إلى كفاءات وطنية شابة من أجل بناء فريق الرد السريع لإيقاف الهجمات. ولا بد من توفير الدعم في القطاع الخاص لتأسيس شركات رقمية شابة سيكون لها دور في تصميم البنى التحتية في مجال الأمن الرقمي.
الخرق قد يطيح بالأمن
وعلى الرغم من المحاولات التي بذلها المجتمع الدولي لتعزيز القدرات الأمنية السيبرانية للعراق، تبقى المشكلة، وفق علاوي، متمثلة في ضعف البنى التحتية للعراق، في هذا المجال إضافةً إلى عقدة الرخص المشغلة لقطاع الاتصالات والأمن السيبراني التي لم تؤسس "سُوَراً رقمياً" يجمع القطاع الحكومي مع القطاع الخاص، لتكوين بيئة رقمية ناجحة.
يضيف أن ما حصل من هجمات يدل على هشاشة الأمن الرقمي الذي يحتاج إلى مزيد من التنسيق والعمل. فعدم القدرة على الحماية الأمنية الإلكترونية للجهاز الحكومي والبيانات للوزارات، جعل المواقع الحكومية فريسة سهلة للهجمات السيبرانية مجهولة المصدر.
مخاطر
يلفت الباحث في أمن المعلومات أحمد الغالب لـ"اندبندنت عربية" أنه "على الرغم من كون الحكومة العراقية غير إلكترونية، لكن الاختراق الإلكتروني يشكل تهديداً لأمن البلد". وتبرز مخاطر الاختراق الأمني، وفقه، بأن "المخترق يستطيع من خلاله معرفة القيادات الفاعلة للتنظيم وبنيته وآلية عمله ومصادر تمويله وقدراته وخططه الحالية والمستقبلية، وكذلك نقاط ضعفه.
ويعدد الغالب أسباب الخروقات في العراق، ومنها أنه "غالباً ما يُعيّن أشخاص غير مناسبين للعمل في مواقع إلكترونية مهمة".
أسرار الدولة
يلاحظ المحلل السياسي جاسم الموسوي في حديث لـ "اندبندنت عربية" أن "الاختراق جهد مخابراتي وفعل سياسي في الوقت ذاته، وهو رسالة يقول فيها المخترقون إننا قادرون على الوصول إلى أسرار الدولة".
ويؤكد أن الخروقات الرقمية وعلى الرغم من أنها قد تكشف ملفات مهمة للرأي العام العراقي، إلاّ أنه لا يمكن تجاهل مخاوفها، إذ قد تؤدي هذه الهجمات الإلكترونية إلى سرقة معلومات عسكرية مهمة تطيح بالأمن العراقي بالكامل.
لم يصدر عن الجهات الحكومية في العراق أي تصريح بشأن هذه الهجمات، فالبعض قلّل من أهمية الخروقات، وذلك لعدم اعتماد المؤسسات الحكومية العراقية على نظام يخزّن ملفاتها عبر شبكة الإنترنت. وهذا ما قد يقلّل من أهمية الوثائق التي وقعت بيد القراصنة ويهدّدون بنشرها. لكن، تبقى هذه الهجمات جرس أنذار لخروقات أمنية أوسع، تفقد ثقة المواطن بالحكومة.